يواجه صحفيو السودان صعوبات ومخاطر عديدة من طرفي النزاع الدائر بالبلاد منذ 15 ابريل الماضي، من اعتقال واخفاء وترهيب، وتصل أحياناً حد القتل.

كمبالا: التغيير

“الرصاص أمام القلم”، هكذا يبدو المشهد في السودان، بعد أن تفجرت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل الماضي، إذ لم يكن العاملون في بلاط صاحبة الجلالة مستثنون من القتل والاعتقال والتشريد ووتدمير سرقة حصاد أعمارهم.

وفي الآونة الأخيرة تزايد عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم أو تعرضوا لانتهاكات جراء الحرب، وبلغ عدد القتلى خمسة صحفيين، آخرهم الصحفي خالد بلل الذي قتل على يد قوة مسلحة أمس الأول في منزله بديم سلك في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور- بحسب بيان لرابطة إعلاميي وصحفيي دارفور.

انتهاكات ممنهجة

ويعاني الصحفيون السودانيون من استهداف ممنهج من قبل طرفي الحرب في البلاد اللذين ينظران إلى الصحفيين على أنهم أعداء.

ورصدت نقابة الصحفيين السودانيين الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون في التقرير السنوي الأول، حيث بلغت حالات الانتهاك 249 حالة، وذكرت التقرير أن عدد القتلى 4، ليرتفع العدد إلى 5 بعد مقتل الصحفي خالد بلل.

وارتفعت حالات التهديد إلى 23 حادثة، و17 حالة إطلاق نار، 93 اقتحاما ونهبا لبيوت الصحفيين.

وبلغ عدد حالات الاحتجاز 28 والاعتقال 18، إضافة إلى 25 حالة ضرب ونهب، بينما بلغت حالات الاعتداء على المؤسسات 22 حالة، وحالتي اختفاء قسري ومثلهما منع من السفر.

ويرى المراقبون أن ما يتم من طرفي النزاع المسلح تجاه الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي هو انتهاكات ممنهجة هدفها تكميم الأفواه ومنعهم من نقل الحقائق على الأرض.

ظروف صعبة

وأكد السكرتير العام لنقابة الصحفيين محمد عبد العزيز، أن عدد الصحفيين الذين قتلوا منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل بلغ خمسة صحفيين.

وأشار إلى أنه بعد نصف ساعة فقط من اندلاع الحرب تم رصد انتهاكات ضد الصحفيين باستهداف مؤسساتهم. وأوضح أن طرفي النزاع ينظران إلى الصحفيين على أنهم أعداء.

وقال عبد العزيز إن الصحفيين يواجهون ظروفا إنسانية واقتصادية صعبة بعد أن فقدوا وظائفهم عقب الاستهداف المباشر لأغلب المؤسسات التي تقع في وسط الخرطوم.

وطالب طرفي النزاع بضرورة عدم التعرض للصحفيين على أساس هويتهم.

ولا تزال الانتهاكات ضد الصحفيين مستمرة حيث أجبرت الكثيرين منهم على ترك الوطن والتحول إلى دول الجوار لممارسة المهنة بعد أن ضيق طرفا الصراع عليهم، ووصلت حد القتل والاعتقال والاختفاء القسري، على أساس الهوية الصحفية، كما حدث للصحفي بوكالة السودان للأنباء عبد الرحمن واراب المخفي في حالة احتجاز غير مشروع لأكثر من سبعة أشهر.

مطالبة بالتحقيق

وأدانت رابطة إعلاميي وصحفيي دارفور، اغتيال مدير الإعلام بإدارة الرعاة والرحل الصحافي خالد بلل بسبب الانتماء لمهنة الصحافة.

وقالت في بيان إن الحرب ساهمت في مقتل عدد كبير من المواطنين وتهجير الكثير منهم ولم يكن الصحفيون استثناء من كل هذه المآسي.

وأكدت الرابطة أن مقتل الزميل خالد بلل بهذه الطريقة هي رسالة واضحة لجميع الصحفيين والإعلاميين.

وطالبت الرابطة بلجان تحقيق مستقلة للتحقيق حول جرائم القتل وكل الانتهاكات التي ارتكبت بحق السودانيين من قتل وتهجير قسري.

كما ناشدت المنظمات المحلية والإقليمية والدولية بتقديم المساعدات الفنية والإنسانية للمتضررين من هذه الحرب.

وطالبت الرابطة طرفي الصراع بالعمل على حماية الطواقم الصحفية والإعلامية وفق القوانين الدولية التي تنظم شكل العلاقة بينها وبين الصحافة والإعلام والعمل على إيقاف الحرب.

مضايقات واسعة

وبدوره، كشف الصحفي مرتضى أحمد، أنه تعرض إلى مضايقات واسعة في السودان من قبل طرفي الحرب اللذين ظلا يمنعان أياً من أشكال التغطيات الصحفية، فالقيام بعمل صحفي ميداني يعتبر مهمة شبه مستحيلة وربما تعرض صاحبها للقتل أو الاحتجاز على أسوأ الفروض.

وأشار أحمد، إلى أن مهنة الصحافة أصبحت جريمة في السودان مما جعله يخفي هويته خلال تنقله بين مدن البلاد المختلفة، وكادت أن تكلفه ورقة توحي بأنه صحفي حياته عند عبوره بإحدى نقاط التفتيش لقوات الدعم السريع في إقليم كردفان، وأنقذته العناية الإلهية، بينما واجه تضييقا في بعض المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني.

وأضاف: “في كل يوم يزداد الوضع سوءا وتتضاعف المخاطر على الصحفيين السودانيين، وللأسف فقد العديد من الزملاء أرواحهم في رحلة بحثهم عن الحقيقة تحت نيران الحرب، وهم يحاولون نقل صوت المدنيين في مناطق الصراع المسلح”.

وتابع أحمد”: “مكثت 9 أشهر تحت الصراع المسلح في الخرطوم، والجزيرة وسنار، ومع تمدد الحرب اضطررت للنزوح إلى بورتسودان، ولكن ساءت الأوضاع الأمنية وارتفعت درجة الخطر على الصحفيين وتوقفت أعمالهم بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، مما دفعني نحو هجرة قسرية إلى خارج بلادي وأنا أشعر بأسف شديد كوني لن أتمكن من تلمس احتياجات المتأثرين بالحرب عن قرب ونقلها للعالم”.

الوسومالجيش الدعم السريع السودان الفاشر حرب 15 ابريل خالد بلل دارفور نقابة الصحفيين السودانيين

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان الفاشر حرب 15 ابريل دارفور نقابة الصحفيين السودانيين طرفی النزاع

إقرأ أيضاً:

الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي

بروفيسور حسن بشير محمد نور

نعم، أزمة التهجير القسري والنزوح التي يشهدها السودان هي الاسوأ في العالم، كما ان الانتهكات والجرائم المرتكبة هي الاشد قسوة وبشاعة من نوعها، خاصة في صراع بين أطراف تنتمي لنفس البلد، هذا بالطبع إذا استثنينا الأبادة الجماعية التي تقوم بها اس رائ يل ضد الشعب الف ل سطي ني في الاراضي المحتلة والدمار الممنهج في لبنان (وهذا بالطبع لا يحتاج لتأكيد وزير الخارجية البريطاني، لانه وحسب المثل السوداني "ما حك جلدك مثل ظفرك"). الصراع بين القوى الكبرى في العالم لا يعرف الرحمة ولا يعبأ بمصالح الشعوب، خاصة مثل الشعب السوداني المغلوب علي أمره المبتلى بحكام و(قادة) لا يتمتعون بأي درجة من الرشد وإلا لما تسببوا في أزمة توصف بأنها الاسوأ في العالم.
سبق ان نبهنا مع غيرنا بأن الانقسام بين الاقطاب الكبرى في العالم لا يسمح بتمرير قرارات عبر مجلس الامن، وان الدعوات للتدخل الاممي هي صرخات في (وادي عبقر), كما ان مثل هذا التدخل يجد معارضة لا بأس بها، ليس فقط من الأطراف المؤيدة للحرب في السودان، وانما من قوى سياسية واجتماعية مؤثرة. في هذا الاطار يأتي (الفيتو) الروسي ضد مشروع القرار البريطاني حول السودان في مجلس الامن يوم الاثنين 18 نوفمبر 2024. وهو موقف متوقع من روسيا بحكم العداء المستفحل والتاريخي بين روسيا وبريطانيا، الذي اشتد منذ ان اعلن ونستون تشرشل صيحته حول الجدار الحديدي (ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي) وتدشينه للحرب الباردة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. يظهر ذلك العداء بجلاء في اشعال الحرب في اوكرانيا وتأجيجها والدفع بها نحو منزلق خطير يبشر بيوم قيامة قريب ينهي العالم الذي نعيش فيه، ذلك لسبب بسيط هو ان هذه اللعبة الخطرة تتم ضد دولة تمتلك اكبر ترسانة نووية في العالم من حيث الكم والنوع، فاذا كنت تلعب بالنار بين براميل من البارود شديد الانفجار فإن (لفيتو) يعتبر نثارة ثانوية باردة.
يضاف لذلك ان روسيا لن تنسي خديعة القرار الاممي الذي وافقت عليه بشأن ليبيا، والذي كان في ظاهره يهدف لحماية المدنيين وقام حلف التاتو باستغلاله ثم (حدث ما حدث في ليبيا) ونتائجه ماثلة أمام العالم. يبقى إذن، اذا إراد (الغرب الاستعماري الجماعي حسب وصف الدبلوماسية الروسية)، فيما نرى أن يتدخل في الصراع السوداني فعليه اتباع نهح ما حدث في العراق وافغانستان (وهذا انتهي بالهروب الكبير لجيش بادن العظيم مسلما مفاتيح كابول لطالبان بعد عشرين عاما من التدخل العسكري المباشر) ويوغوسلافيا السابقة، ذلك النهج الذي تم خارج (الشرعية الدولية) وبالتالي علي من يفعل ذلك تحمل العواقب لوحده، دون الاستناد علي قرار اممي يظهر غير ما يبطن حسب فهم الكثيرين من غير المستندين لحلم ان (المجتمع الدولي) بالشعوب (رؤوف رحيم).
في ظل الصراع الوجودي بين روسيا و(الغرب الجماعي) لن يمر قرار عبر مجلس الامن بسهولة، خاصة اذا كان يحمل طابعا لتدخل خارجي قد يؤدي لفرض نظام معين. في هذا السياق من المفهوم ان أي تحول يؤدي الي وصول حكم (مدني ديمقراطي) بدعم غربي في السودان سيجعل من هذه البلاد في شراكة طويلة الامد مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بريطانيا والاتحاد الاوربي، وان أي نظام شمولي او انقلابي سيكون مقاطعا من (الغرب الجماعي) وسيتوجه لا مناص نحو روسيا والصين. هذه معادلة بسيطة ليس من الصعب فهمها ووضعها في الحسبان في التعامل مع (المجتمع الدولي).
أما فيما يتعلق بازمة التهجير والنزوح والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين فيمكن التذكيرببعض الاثار المترتبة عليها ومالاتها وما يمكن فعله مع فشل العالم بوضعه الراهن في معالجة مثل هذه الازمات الكبرى،علما باننا قد تطرقنا بشكل متواصل للتكاليف الاقتصادية والاجتماعية للحرب واثارها، في العديد من المقالات والمشاركات منذ اشتعال هذه الحرب الكارثية. وفي رأيي ان ما يجري في السودان رغم بشاعته يعتبر متواضعا قي المنظور العالمي مع خطر وقوف عالم اليوم علي حافة حرب عالمية نووية لم يشهد العالم لها مثيل، ولن يشهده مرة اخرى بالطبع في حالة اندلاعها.
ما يجري في السودان له اثار بالغة الخطورة اقتصاديا واجتماعيا وديمغرافيا، أهم مظاهر ذلك باختصار هي:
اقتصاديا: تدهور قطاعات الانتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة والخدمات المنتجة، تأثر البنية التحتية وتدمير معظمها وهي بنية متواضعة بدون حرب، فقدان مصادر الدخل وتفشي البطالة، التراجع الخطير للايرادات الحكومية، وقد فصلنا في تلك الموضوعات ووضحنا اثرها علي مجمل النشاط الاقتصادي وعلي المؤشرات الاقتصادية الكلية.
اجتماعيا: الاثار علي الخدمات العامة خاصة الصحة والتعليم ومن نتائجها توطين الاوبئة، الاصابات والاعاقات الجسدية والنفسية، أضافة لتعطل الدراسة لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وفقدان التمدرس لملاين الاطفال السودانيين وبطالة الخريجين ونزيف العقول.
ديمغرافيا يؤدي التهجير القسري والنزوح الجماعي الي تغيير التركيبة الديمغرافية للباد، خاصة وان التهجير لم يقتصر علي العاصمة والمدن فقط وانما شمل مناطق ريفية واسعة، كما جرى مؤخرا في ولاية الجزيرة. اتجه معظم النازحين الي مناطق حضرية مما ادي لاختلال كبير في التوزيع السكاني والضغط علي الموارد والخدمات اضافة لمشاكل الاكتظاظ السكاني.
سيؤدي كل ذلك لاثار خطيرة علي النشاط الاقتصادي بانهيار القطاعات الانتاجية الرئيسية وسيادة الريعية الاقتصادية والانتاج المعيشي والقطاع غير الرسمي. كما سيؤدي ذلك لتدهور الاستقرار النقدي وانهيار الثقة في النظام المصرفي وتراجع سعر الصرف والقوة الشرائية. كل ذلك سيفاقم معدلات الفقر والبطالة والاخلال الخطير بالامن الاجتماعي لامد طويل.
في ظروف الخلاف الحاد في المجتمع الدولي لابد من العمل في رأينا في عدة اتجاهات منها:
• علي القوى الوطنية العمل بشكل جماعي او حتي بمكونات منفردة علي تعزيز فرص الحل السياسي للازمة وتفعيل دور المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، بدلا عن الركض خلف سراب المجتمع الدولي او حتي الاقليمي وذلك يتضمن عدد من الخطط والبرامج الاجراءات الهادفة الي:
- التركيز علي بناء مشروع وطني جامع لدولة المواطنة السودانية القائمة علي الحرية والسلام والعدالة والتنمية المتوازنة ووضع تصور واضح للحل السياسي علي هذا الاساس. وبالتأكيد هذا المشروع يصطدم بالصراع علي السلطة وطموح الاطراف المتحاربة، اضافة لعقبة تحقيق المحاسبة وعدم الافلات من العقاب، وهنا تبدو قضية شائكة.
- وضع استراتيجيات تنموية لما بعد الحرب تشمل اعادة الاعمار، اعادة بناء البنية التحتية والانتاجية والتأسيس لنظام عادل لقسمة الموارد. هذا يمكن ان يكون مشجعا لدمج بعض الاطراف في جهود الحل خاصة حركات الكفاح المسلح غير المنخرطة في الحرب بين الجيش والدعم السريع.
- العمل علي تعبئة واستقطاب الموارد المحلية والخارجية لاعادة بناء المناطق المتضررة واعادة التوطين وتوجيه الموارد نحو المناطق الريفية والتنمية المحلية لتخفيف الضغط علي الحضر.
- تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في برامج اعادة الاعمار
- وضع برامج عملية للتعامل مع التحديات الصحية وايجاد برامج لرعاية المصابين جسديا ونفسيا واعادة تأهيلهم ورعايتهم
- العمل علي ايجاد بدائل للتعليم الرسمي خاصة في مناطق النزوح مع الغياب لدور الولة او الدعم الدولي الفعال.
بالتأكيد كل ذلك لا يعني اغفال الضغط علي المجتمع الدولي والاقليمي، في ايجاد حلول سلمية لهذا النزاع الذي يتسع نطاقه ليصبح تهديا علي المستوى الاقليمي والدولي. وبما ان هذه الحرب تمثل تحديا وجوديا يهدد وجود الدولة السودانية ومستقبل الاجيال المقبلة فان الوضع يتطلب طرق جميع السبل للضغط والتدخل، حتي اذا تم ذلك خارج الاطر التقليدية لعمل الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي. وقد يكون من المفيد تفعيل اليات مجلس السلم والامن الافريقي، بحكم انه يمكن ان يكون منظمة اقليمية تحظي بقبول واسع بما في ذلك الصين وروسيا، مما يمكن من ايجاد وسائل واليات عملية للدفع نحو الحل السياسي للنزاع.

mnhassanb8@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • ضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة النارية في المرج
  • خالد ثالث يعلن قرب اكتمال الترتيبات للدفع بقوات الحركة إلى الجبهات لقتال الدعم السريع
  • في شهرها العشرين وقف الحرب واستدامةالديمقراطية؟
  • حسن الجوار… مبدأ وسياسة
  • خالد سلك بستهبل وبتذاكى بطريقة قميئة
  • خالد عباس يلتقي وفدا من اتحاد الصحفيين العرب بالعاصمة الإدارية الجديدة
  • الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
  • المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
  • لحج.. إقرار لجنة لمعالجة الصعوبات التي تواجه المستثمرين
  • بن جامع: الإحتلال الصهيوني قتل الصحفيين أكثر من الحرب العالمية الثانية