المجلس البلدي في صلالة والسوق المركزي
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
عمير العشيت **
alashity4849@gmail.com
يمثل المجلس البلدي أحد أهم المؤسسات المنتخبة في السلطنة المناط إليه مسؤوليات تتعلق بالتنمية في المحافظات، ويحتضن ممثلين من الجهات الرسمية والأعضاء المنتخبين من قبل المواطنين، ولديه صلاحيات موكلة إليه، لا سيما بعد صدور المرسوم السلطاني رقم 126/ 2020 الخاص بإصدار قانون المجالس البلدية.
وقد منحت المادة 21 من القانون العديد من الصلاحيات للمجلس البلدي في حدود السياسة العامة للدولة وخططها التنموية، تتضمن في بعض من بنودها، اقتراح وسائل استثمار موارد المحافظة من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل للمواطنين، إقرار اللوائح بإدارة وتنظيم الأسواق والمقابر والمسالخ ومرادم النفايات، متابعة تنفيذ المشاريع الخدمية والتنموية في المحافظة وإبداء الملاحظات بشأنها، التواصل مع المجتمع المحلي ومؤسسات القطاع الخاص للوقوف على ملاحظاتهم ومقترحاتهم بما يهدف لخدمة وتطوير المحافظة.
ورغم الصلاحيات الواردة في المرسوم السلطاني للمجالس البلدية، إلا أن طريقة أداء المجالس في تنفيذ البنود الواردة في المادة 21 يختلف نسبيًا من محافظة إلى أخرى؛ سواءً من ناحية تنفيذ المشاريع أم تعثرها. ومن الممكن لأي مواطن أن يُقيِّم أداء المجالس من خلال المشاريع والمخططات التنموية المرئية بالعين المجردة على أرض الواقع وليس تنظيريًا في المكاتب، فإذا تحدثنا عن محافظة ظفار وبالتحديد أعضاء المجلس البلدي في صلالة نلاحظ أن هناك العديد من المشاريع التنموية الهامة متعثرة لمدد طويلة والأخرى متوفقة، والعجيب أنه تم هدم بعضها وتُركت دون إيجاد البديل، مما تسبب في تعطيل مصالح المواطنين والمقيمين والسياح أيضًا، كشارع الكورنيش في منطقة الحصن- على سبيل المثال وليس الحصر- الذي انتزعت أرضيته المسفلتة وتحولت إلى رمال لا تستطيع المركبات الصغيرة المرور عليها بأريحية والبعض منها تعلق في الرمال، لا تتحرك إلا بمساعدة شاحنات سحب السيارات، والشارع على هذه الحالة لأكثر 12 سنة، مع أن منطقة الحصن التي تضم الشاطئ والمحلات التجارية وسوق الحصن التي تجذب الكثير من المواطنين والمقيمين وتكون مزدحمة أثناء العطلة الأسبوعية.
لم نلحظ حراكًا وتفاعلًا على أرض الواقع لهذه المشاريع المتعثرة والواقعة على الشوارع العامة بولاية صلالة، من قبل أعضاء المجلس البلدي منذ تأسيسه عام 2011 وحتى الآن، وهو في دورته الثالثة، وما زالت على حالها حتى اللحظة، مع أن متابعة هذه المشاريع من صميم مهامهم الموكلة إليهم. ويبدو أن الأعضاء اكتفوا بإبداء المقترحات والتوصيات والتعليقات في الاجتماعات الروتينية دون متابعة هذه المشاريع عمليًا. ولقد كتبتُ عن هذه المشاريع مراتٍ عدة في السنوات المنصرمة، وسأظل أكتب عنها وأعرضها على الجهات المسؤولة لإيجاد حلول لها، وذلك بما يهدف إلى خدمة تطوير الولاية، واستنادًا للمادة رقم 21 من المرسوم السلطاني للقانوني البلدي والتي نصت عليه في البند (ض) الذي ينص على أهمية "التواصل مع المجتمع المحلي ومؤسسات القطاع الخاص للوقوف على ملاحظاتهم ومقترحاتهم بما يهدف لخدمة وتطوير المحافظة".
ومن بين المشاريع المتوقفة، السوق المركزي في ولاية صلالة الذي يحتاج إلى إعادة هيكلة وتغيير موقعه وتطويره، حتى يتماشى مع المستحدثات العمرانية في ولاية صلالة، بعدما افتُتِحَ في 23 نوفمبر 1984، وهو من الأسواق العمانية القديمة؛ إذ يحتوي على الكثير من الأنشطة التجارية والتقليدية والحرفية، ومضى عليه أكثر من أربعة عقود ولم تتغير ملامحه العمرانية، خلاف الحي التجاري الذي أنشأ حديثا ويحيط به من كل الاتجاهات، حتى أصبح محاصرا بالمباني التجارية العالية، وكأنه محشور وسط غابات من سيقان أشجار الصنوبر، وبات موقعه لا يتلاءم مع التطوير العمراني الذي حدث مؤخرا للولاية، بسبب بعض الأنشطة التجارية كسوق السمك واللحوم وشوي الأسماك وأسواق الخضار والفواكه والمقاهي المفتوحة.. إلخ، التي تنبعث منها روائح كريهة غير مرغوبة، ناهيك عن الصخب والازدحام المروري الذي يخلفه هذا السوق في المنطقة أثناء شهر رمضان والأعياد، وبالتالي فإن نقل هذا السوق إلى موقع آخر أصبح حتميًا ويحبذ أن يكون في المساحة المفتوحة المطلة على شاطئ البحر بين منطقة عوقد وريسوت والكلية المهنية. ونقترح أن يكون البديل في هذا الموقع منتزه نظرا إلى أن منطقة وسط ولاية صلالة تفتقر إلى منتزهات عامة.
أما بقية الأنشطة فيحبذ نقلها إلى السوق الذي تم بناؤه لهذا الغرض منذ أكثر من عقدين في منطقة السعادة وظل معلقاً إلى يومنا هذا.. والمخططات الحديثة في أغلب مدن العالم تستبعد كل البعد مثل هذه الأسواق في الأحياء التجارية لما لها من آثار بيئية خطيرة على سكان هذه الأحياء والأنشطة التجارية، وأيضاً غير لائق للواجهة السياحية لمحافظة ظفار.
** كاتب وباحث
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استسلام «ميتا» والسوق الحر للأكاذيب
في الشهر الماضي، وتحديدا في اليوم السابع منه، استبقت شركة «ميتا» تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لولاية ثانية، وأعلنت إنهاء نظام التحقق من الأخبار والمعلومات الخاص بها الذي كانت تستخدمه على منصاتها الاجتماعية الثلاثة، «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريد»، وتبني سياسة جديدة في الولايات المتحدة تقوم على الاعتماد على ملاحظات المستخدمين أو ما أطلقت عليه «ملاحظات المجتمع» لتصحيح ما يعتقدون أنها معلومات كاذبة أو مضللة والإبلاغ عنها.
برر مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي للشركة، في الفيديو الذي نشره، التحول الجذري في سياسة التحقق من المعلومات بأنها «انتصار على الرقابة ذات الميول اليسارية» يضمن حسب وصفه «المزيد من الكلام والقليل من الأخطاء»، بعد أن أصبح مدققو الحقائق الذين يستعين بهم «متحيزين سياسيا للغاية»، واعترف «زوكربيرج» بأن السياسة السابقة للشركة كانت تفرض رقابة مفرطة على المحتوى»، ووعد بالعودة بالمنصات إلى سابق عهدها، واستعادة حرية التعبير عليها.
تمثل هذه الخطوة- من وجهة نظري- تحولا كبيرا، وتراجعا إلى الوراء، ليس بالنسبة لشركة «ميتا» ومنصاتها الاجتماعية فقط، ولكن أيضا لصناعة وسائل التواصل الاجتماعي بأكملها، والتوجه نحو انتهاج سياسات أكثر مرونة فيما يتعلق بما يمكن للمستخدمين نشره.
ورغم إشادة البعض بقرار زوكربيرج، باعتبار أنه يسمح بحرية أكبر في التعبير على منصات التواصل الاجتماعي، فإنني أعتقد أنه يمثل الخطوة الأولى في استسلام شركات التقنية العملاقة لرغبات وأحلام وربما كوابيس الرئيس ترامب الذي عاد شاهرا سيفه على الجميع في الداخل والخارج، والذي كان يهاجم التحقق من المعلومات على منصات الإعلام الاجتماعي باعتباره عائقًا لحرية التعبير، والرضوخ للتيارات المحافظة من حلفاء ترامب التي شنت حملة استمرت سنوات ضد التحقق من المعلومات وضمان اعتدال المحتوى على منصات النشر.
الواقع أن استسلام زوكربيرج لترامب بدأ قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة بشهور، فقد دفعه الخوف من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، واحتمالات انتقامه منه بعد أن تم حظره على المنصة في 2021 حتى عام 2023، وتحسبا لفوزه في الانتخابات تناول زوكربيرج العشاء مع ترامب، وفي الشهر الماضي، تبرعت شركة «ميتا» بمليون دولار للجنة تنصيب ترامب في إطار محاولاتها لإصلاح العلاقات معه، ومع عودته للرئاسة تتسابق شبكات التواصل الاجتماعي للتراجع عن بعض سياساتها التي سبق أن انتقدها ترامب وهو خارج السلطة، اتقاء لشره وإرضاء له وللإدارة والكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية. وفي الأسبوع الماضي، عينت الشركة جويل كابلان، وهو جمهوري يتمتع بخبرة كبيرة في واشنطن، رئيسا للشؤون العالمية، كما عينت دانا وايت، صديق ترامب المقرب منذ فترة طويلة في مجلس إدارتها.
إن تغيير سياسة التحقق من الأخبار والمعلومات المضللة تمثل تنازلا من المنصات الاجتماعية عن مسؤولياتها الأخلاقية عن المحتوى المضلل الكاذب. وتشمل السياسة الجديدة السماح للمستخدمين بتحدي المحتوى المنشور بإضافة سياق أو دحض ادعاءات في ملاحظات تظهر بجوار منشورات محددة، وهي سياسة مشابهة للسياسة التي اتبعها «ايلون ماسك» في منصة «اكس» في أكتوبر الماضي، وأضاف لها ميزة على التطبيق هي «اكس آي» تحت مسمي «ملاحظات المجتمع» أو «التعهد الجماعي» التي تسند إلى المستخدمين مهام التحقق من صحة ما ينشره بعضهم البعض. وتسمح هذه الميزة بإضافة التصحيحات بشكل تعاوني إلى المنشورات التي قد تكون مضللة أو مثيرة للجدل. وتهدف هذه الملاحظات إلى توفير معلومات إضافية ووجهات نظر مختلفة، قد تساعد المستخدمين الآخرين على فهم المحتوى وتقييم آثاره بشكل أفضل.
وقد كشفت دراسات علمية فشل هذه السياسة على منصة «اكس»، إذ تبين أن غالبية عمليات التحقق التي يقترحها المستخدمون على المنشورات السياسية لا يتم عرضها على الجمهور أبدًا. ووفقًا لبحث أجراه مركز مكافحة الكراهية الرقمية، وهو مركز غير ربحي، وتحليل بيانات منفصل أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، فإن سياسة «أكس» الجديدة، فشلت في توفير فحص ذي مغزى للمعلومات المضللة. ومؤخرا ألقى مسؤولون فيدراليون باللوم على المنشورات الكاذبة على المنصة، مؤكدين أنها كانت سببا مباشرا في عرقلة جهود الإغاثة أثناء إعصار هيلين الذي ضرب ولاية نورث كارولينا في أكتوبر الماضي.
الأكثر خطورة في سياسة منصات «ميتا» الجديدة لا تتمثل فقط في إيقاف برامج التحقق من المحتوى، ولكن لكونها تتضمن أيضا رفع القيود التي كانت مفروضة على مناقشة الموضوعات الساخنة والحساسة، مثل قضايا الهجرة والكراهية العرقية والدينية والمذهبية، والهوية الجنسية، وهو ما سوف يسمح بمزيد من الانتقادات للأشخاص والمجموعات المهمشة في المجتمع. وتسمح القواعد الجديدة بنشر ملصقات تدعو إلى فرض قيود على أساس الجنس والعرق.
إن التقييم الموضوعي لسياسة «اكس» و«ميتا» الجديدة في التحقق من المعلومات يؤكد إن المعلومات المضللة والكاذبة سوف تستعيد زخمها الكبير على المنصات وتحولها من منصات للحقائق إلى منصات للأكاذيب. قد يقول البعض أن السياسة الجديدة سوف تعيد الاعتبار لحرية التعبير وتعيد المنصات الاجتماعية إلى أصولها باعتبارها «سوق حر للأفكار»، وهو المبدأ الذي تستند إليه حرية الإعلام في الديمقراطيات الغربية، ويعني أنه عندما تتصارع أفكار الناس بحرية تظهر الحقيقة. هذا المبدأ كان صحيحا في عصور إعلامية سابقة كانت تقتصر فيها منافذ التعبير على الصحف والمجلات، أما في عصر الإعلام الاجتماعي الذي نعيشه واستطاعة كل شخص أن يشارك في الجدل حول الحقائق والمعلومات والأخبار فقد أصبحنا أمام «سوق حر للأكاذيب» وليس للأفكار.
من المؤكد أن تعبير «السوق الحر للأفكار» أصبح من قبيل الخيال، ولم يعد صالحا في هذا العصر لأنه ببساطة يفترض أن كل المشاركين في الحوار على المنصات الاجتماعية أشخاص جيدون لا يكذبون ولا يضللون وأن دوافعهم جميعا نقية وتستهدف الصالح العام، وهذا ليس صحيحا، لأنه سيكون لدينا باستمرار من يكذبون ليس فقط من الأشخاص، ولكن أيضا من الدول والمنظمات.
أيًا كانت السياسة الخاصة بالتحقق من المعلومات على المنصات الاجتماعية فإن أفضل طريقة لنا للتعامل معها هو أن نضع أنفسنا خاصة في الدول العربية على نظام غذائي إعلامي يعتمد على الذهاب مباشرة إلى مصادر الأخبار الموثوقة، وعدم إضاعة الوقت في اللهاث وراء الإثارة التي يقدمها أشخاص أو جماعات أو أنظمة لكسب المتابعين والتلاعب بالعقول وتحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية ضيقة.
يمكننا أيضا المقاومة من خلال المشاركة في ملاحظات المجتمع وتحدي المنشورات التي تعتقد أنها خاطئة، وكشف التضليل الذي يصبغ غالبية المعلومات المنشورة على المنصات العالمية، كما يمكننا المقاومة برفض المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي على الإطلاق، حتى نكفي أنفسنا ومجتمعاتنا وقيمنا وثقافتنا، القتال.