طهران – رغم العلاقات الكبيرة بين إيران وروسيا، والتعاون العسكري بين البلدين في سوريا الممتد لأكثر من عقد من الزمان، والزيارات المكوكية المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين، وعزمهما فتح صفحة جديدة للعلاقات الثنائية عبر التوقيع قريبا على معاهدة التعاون الإستراتيجي طويل الأمد؛ فإن "الخلاف" دب مؤخرا بين البلدين وبات العنوان الأبرز للمرحلة الحالية وسط تصعيد دبلوماسي إيراني تجاه موسكو.

وكانت شرارة الخلاف قد اندلعت عقب الاجتماع الوزاري السادس للحوار الإستراتيجي بين روسيا ودول الخليج الذي عقد بالعاصم الروسية موسكو في العاشر من يوليو/تموز الجاري، الذي شهد دعم روسيا للموقف الخليجي بشأن الجزر الثلاث المتنازع عليها بين طهران وأبو ظبي في مياه الخليج، وهي جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

وفضلا عن تنديد طهران بموقف روسيا واستدعاء السفير الروسي للاحتجاج و"مطالبة موسكو بتصحيح الخطأ"، فإن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اعتبر توضيحات موسكو "بشأن مواصلة دعمها لوحدة الأراضي الإيرانية" غير كافية.

 الدبلوماسي الإيراني كمال خرازي (يمين) يستقبل كازوتوشي أيكاوا السفیر الیاباني لدى طهران ويبحث معه ملف جزر الكوريل المتنازع عليها مع موسكو (وكالة الأنباء الإيرانية) الرد بالمثل

ولم تكتف طهران بالتصريحات، بل صعّدت من لهجتها بالضد من السياسة الروسية، حيث استقبل رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية كمال خرازي، السفیر الیاباني لدی طهران كازوتوشي أيكاوا، ودعا خرازي -المعروف بقربه من مكتب المرشد الإيراني- كلا من موسكو وطوكيو لحلّ خلافاتهما عبر الحوار بشأن "جزر الكوريل" المتنازع عليها بين البلدين، حيث يأتي ذلك تزامنا مع مطالبة الأوساط الإيرانية بلادهم بمعاقبة موسكو على تجاوزها ما وصف بـ"الخطوط الحمراء"، وذلك عبر تحدي احتلال روسيا لأراضي دول الجوار ومساعيها لتغيير الحدود الجغرافية.

في السياق، يذكّر الدبلوماسي الإيراني والسفير الأسبق في بريطانيا جلال ساداتیان موسكو باحتلالها شبه جزيرة القرم وضمها، فضلا عن دعم موسكو لانفصال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا، مطالبا الخارجية الإيرانية -في حديثه للجزيرة نت- باستغلال هذه الملفات كونها تمثل الخاصرة الرخوة للجانب الروسي، وإعادة النظر في علاقاتها مع روسيا، لا سيما ما يتعلق بالحرب الروسية على أوكرانيا وإدانة المحاولات الروسية ضم عدد من المقاطعات الأوكرانية إلى أراضيها.

وعن سبب رد طهران العنيف على موقف روسيا، يقول الدبلوماسي الإيراني السابق، إن الرأي العام الإيراني كان قد وجّه انتقادات لاذعة لخارجية بلاده لعدم اتخاذها موقفا صارما تجاه الموقف الصيني المماثل خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي، موضحا أن أي تساهل حيال قضية السيادة على الجزر الثلاث سيحوّل الدعم الخارجي للجانب الإماراتي إلى أمر عادي، وفق تعبيره.

وعلى غرار المغردين الإيرانيين الذين تفاعلوا بشكل كبير مع الموضوع، كتب حميد أبو طالبي -مستشار الرئيس السابق حسن روحاني- على تويتر أنه "بعد مكافئة الصين لانتهاكها العام الماضي السيادة الإيرانية ومنحها دور الوساطة بين طهران والرياض وضمان العلاقات بينهما، فإن روسيا -التي ارتكبت خيانات لن تغتفر بحق الشعب الإيراني طوال أكثر من 100 عام- لم يكن موقفها مستبعدا".

وتحت عنوان "الإفراط في التوجه شرقا والسيادة الوطنية" استغرب أبو طالبي سقوط بلاده في فخ الروس فيما يتعلق بالملف النووي والحرب على أوكرانيا، وذلك رغم عداء الروس المعهود بحق الإيرانيين، عازيا السبب إلى التذبذب في السياسة الخارجية طوال أكثر من عامين والإفراط في سياسة التوجه نحو الشرق.

خلافات تاريخية

وأثار التوتر بين طهران وموسكو الجدل الجديد القديم بين الأوساط الإيرانية بشأن جدوى "سياسة التوجه شرقا" لمواجهة الدول الغربية؛ حيث أصدر أكثر من 60 دبلوماسيا سابقا بيانا طالبوا فيه خارجية بلادهم باتخاذ سياسة متوازنة في تعاملها مع دول العالم وفق شعار الثورة الإيرانية "لا شرقية ولا غربية" وعدم التساهل بخصوص المصالح الوطنية، كما حذر من أن الإفراط في سياسة التوجه نحو القوى الشرقية ومعاداة الدول الغربية قد يحمّل المصالح الوطنية ثمنا غاليا.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية محسن جليلوند أن البيان الروسي الخليجي ليس سوى عامل للتذكير بالخلافات التاريخية بين إيران وروسيا، مؤكدا أن الرأي العام الإيراني لم ينسَ القضايا التاريخية بين البلدين واحتلال الجانب الروسي مناطق من شمال البلاد واقتطاعها من جغرافية إيران.

وفي حديثه للجزيرة نت، يستذكر جليلوند تصريحات وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف وسلفه علي أكبر صالحي حول وضع الجانب الروسي العصيّ في عجلة المفاوضات النووية، موضحا أن موسكو كانت ولا تزال تأخذ مصالحها فحسب في علاقاتها مع الجانب الإيراني، وأن المماطلة في إنشاء مفاعلات بوشهر النووية وتسليم رادارات "إس-300" خير دليل على ذلك، وفق تعبيره.

ولدى إشارته إلى صفقة مقاتلات "سوخوي-35" التي اشترتها طهران من موسكو، أوضح جليلوند أن تصريحات وزير الدفاع الإيراني الأخيرة توحي بتعطيل هذه الصفقة، ويبدو أن الجانب الروسي يمتنع عن تسليمها إلى طهران، وفق قوله.

مستقبل العلاقات

وكانت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، أعلنت في أبريل/نيسان الماضي، أن طهران انتهت بالفعل من إبرام عقد لشراء طائرات مقاتلة من طراز "سوخوي-35" الروسية، في حين كشف عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني شهريار حيدري، في فبراير/شباط الماضي، أن بلاده ستستلم المقاتلات الروسية مطلع العام الإيراني الجديد (بدأ في 21 مارس/آذار الجاري).

ورغم مضي 4 أشهر من العام الإيراني الجاري، فإن طهران لم تتسلم أيا من هذه المقاتلات، وقد قال وزير دفاعها محمد رضا آشتياني مؤخرا إن بلاده عقدت اتفاقا مع موسكو لشراء مقاتلات "سوخوي-35" لكنها استنتجت لاحقا أن لديها القدرة على إنتاج مقاتلات محلية الصنع.

وعن شهر العسل في العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو، واحتمالية تأثره بهذا التوتر، يشاطر أستاذ العلاقات الدولية محسن جليلوند رأي الدبلوماسي الإيراني الأسبق جلال ساداتيان بشأن قدرة الجانبين علی احتواء التوتر، إلا أن ساداتيان يرى أن المرحلة الراهنة مفصلية، وأن طهران ستتعلم منها ضرورة التوازن في سياستها الخارجية، لكي لا تظن روسيا والصين أن لا خيار آخر لدى إيران.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بین البلدین بین طهران

إقرأ أيضاً:

مسؤول إيراني: السوداني يحمل رسالة خاصة بزيارته المرتقبة الى طهران

3 يناير، 2025

بغداد/المسلة: رجح عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، أن يحمل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي يزور إيران يوم الأربعاء المقبل، رسالة خاصة إلى طهران.

وقال بروجردي في مقابلة صحفية، إنه “بالنظر إلى التطورات في سوريا، فإن لهذه الزيارة أهمية خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي، ربما طُلب من الأصدقاء العراقيين أن ينقلوا أشياء خاصة إلى إيران، لكنني لا أعتقد أن نقل هذه الرسالة له مكان مهم في هذه الزيارة”.

وأضاف “لقد أنشأنا أقوى أشكال العلاقات مع العراق خلال السنوات الماضية، وقد كانت هذه العلاقات في ازدياد، وبسبب العلاقات السياسية والدولية والاقتصادية والثقافية الواسعة بين البلدين، يزور ملايين المواطنين الإيرانيين العراق كل عام وبالعكس من العراق إلى إيران، ونأمل أن نتمكن من المساعدة في تحييد مؤامرات أعداء السلام والأمن في المنطقة”.

وتابع: ولهذا السبب، لدينا واحدة من أفضل العلاقات مع العراق في مجال السياسة الخارجية، وتتم زيارة مسؤولي البلدين عدة مرات في السنة، ونظرا لأهمية التطورات التي تشهدها المنطقة، وخاصة التطورات في سوريا والتهديدات الأمنية التي تواجهها بعض دول المنطقة بما فيها العراق، فإن هذه الرحلة له أهمية خاصة، ونأمل أن يساعد تبادل وجهات النظر هذا في تحييد مؤامرات الأعداء وإحلال السلام والأمن في المنطقة ولعب دور فعال في هذا المجال بالتعاون مع العراق جارنا المهم.

وأعرب بروجردي عن أمله في أن يكون هذا التعاون مفيدا للمصالح الوطنية والأمن القومي للبلدين، قائلا: “بالتأكيد ستكون زيارات وزير الخارجية الإيراني فعالة أيضا، وإن رحلته إلى الصين والمحادثات الطويلة التي أجراها مع وزير خارجية ذلك البلد هي أيضا مهمة جدا.

وكما أوضح بروجردي أنه “ينبغي علينا زيادة تبادل وجهات النظر مع دول المنطقة، وخاصة الأردن والإمارات العربية المتحدة، وإجراء تحليل مفصل للتطورات والقضايا وراء الكواليس، لمنع تكرارها، كما تعد الهجمات على أمن المنطقة التي حدثت في الماضي رقما قياسيا. ويجب ألا يتكرر ما قاموا به في سوريا مرة أخرى”.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • خبراء من طهران وبيروت يحللون حادثة تفتيش الطائرة الإيرانية بلبنان
  • مجلس الأمن الروسي: وقوع صراع مباشر بين موسكو وواشنطن سيتحول لحرب نووية عالمية
  • مجلس الأمن الروسي: حدوث صراع بين موسكو وواشنطن سيتحول لحرب نووية
  • موسكو ترد على وزيرة خارجية ألمانيا بشأن القواعد الروسية في سوريا
  • موسكو: سلطات سوريا الجديدة ترسل إشارات باهتمامها باستمرار الوجود الروسي
  • طهران تطالب بيروت بالانتباه لسلوكها بعد حادثة الطائرة الإيرانية
  • موسكو: الإدارة السورية الجديدة مهتمة بالوجود الروسي
  • مسؤول إيراني: السوداني يحمل رسالة خاصة بزيارته المرتقبة الى طهران
  • موسكو: السلطات السورية الجديدة مهتمة بالتواجد الروسي
  • العلاقات العراقية الإيرانية بعد زلزال سوريا