لا يمكن إغفال قضية غزة التي يعيشها العالم حاليا في صراعها مع حرب الإبادة والتهجير المستمرة على مرأى ومسمع العالم، كما لا يمكن إنكار الإجماع الشعبي العالمي على استنكار ما يصدر عن الاحتلال الإسرائيلي من قول أو فعل متضمنا التأسيس غير العادل لدولة احتلال مصنوعة، والتعاملات اللاإنسانية والحروب القهرية الساعية للتهجير والإحلال بعيدا عن أي منطق إنساني أو سند قانوني، كما لا يمكن إنكار ما تحقق إعلاميا من توعية وتعليم ونجاح في إيصال رسالة عالمية مفادها أن القضايا الإنسانية واحدة، وأن الشعوب أوعى من أن تؤخذ بقبعات الساسة من تجار الحروب وصناع الدمار.
قبعة التاجر الجشع تتبدل بتبدل السياق وفقا للحاجة، فقد تتخذ من الأقليات قبعة لتبرير قوانين وأنظمة لا تتوافق مع المصلحة العامة لكنها تخدم أهدافا آنية لصناع القرار أو لمحركيهم عن بعد؛ فطالما سمعنا دعوات للانقسام والانفصال بدعوى حق تقرير المصير والسعي لمصلحة الأقلية أو المجموعة المنقسمة عن المركز، وحينها لن يعدم هؤلاء وسائل مختلفة تسوّق مبرراتهم ومنصات عديدة تلوّن قبعتهم النفعية بألوان العدالة والإنسانية وغيرها، ثم تتبدل المنافع فتتبدل ألوان القبعة حين يتخذ بعضهم من الأكثرية منطلقا لقرارات غير إنسانية كما فعل ترامب أثناء حملته الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان الوعد المميز لحملته حينها بناء جدار كبير على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وإجبار المكسيك على دفع تكلفة الجدار! كل هذا بحجة الحفاظ على الموارد الوطنية وعدم استنزافها من قبل غير الأمريكيين، ويبدو أن ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا الحالي أعجب حينها بهذه القبعة الوطنية ليرتديها مع الأزمة الاقتصادية في بريطانيا مهددا بترحيل المهاجرين إلى راوندا حتى بعد حكم المحكمة العليا الذي يقضي بضرورة التزام بريطانيا بمواثيقها وعهودها الدولية، ومن عجب أن سوناك تناسى أنه أحد المستفيدين من نظام الهجرة البريطاني وصولا لرئاسة الوزراء.
من أخطر القبعات التي يمكن أن يرتديها تجار المال والحروب قبعة الدين سواء تلونت هذه القبعة بالطائفية للتفريق بين الشعوب وفقا لطوائفهم الدينية المنتمية لذات الدين، أو التفريق بينهم تبعا لانتمائهم لأديان مختلفة، وقد عانت كثير من دول العالم من تأجيج هذه القبعة نار الفرقة الشعبية والحروب الساعية للتصفيات بعيدا عن التسامح والتعايش السلميين، ومع أزمة غزة الحالية لا يمكن ألا نلحظ تأجيج الإعلام الإسرائيلي وداعميه نار التأجيج بارتداء قبعة الدين خصوصا بعد سقوط أقنعة الإقناع إزاء قيام دولة إسرائيل في وطن محتل مهما كانت التعاقدات النفعية بينها وبين الدول الكبرى أو الحكومات المؤقتة ومهما بذلت من جهود لصنع سرديات تحاول تأكيد حضورها المباغت المحتل في وطن قائم.
ومع متابعة الوضع السياسي عالميا وتأثر الرأي العام في كل دول العالم لا يمكن إلا إدراك تناقص وانكماش رقعة الدعم الجماهيري لإسرائيل ليس من المسلمين والمسيحيين وغيرهم وحسب، بل حتى من اليهود أنفسهم حيث انبرت جمعيات ومنظمات وأصوات يهودية في دول مختلفة كبريطانيا وأمريكا وألمانيا لمناهضة العدوان الإسرائيلي ومحاولة توضيح أن إسرائيل تحاول استغلال الصوت اليهودي لتبرير أعمالها غير الإنسانية وهو ما ترفضه الجماعات اليهودية؛ فإيريس هيفيتس ممثلة جمعية "الصوت اليهودي من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط تقول: "العديد من الألمان غير اليهود، يريدون أن يعلموننا ما هي معاداة السامية، إنهم يستغلون اليهود لتحقيق مكاسبهم السياسية والشخصية".
منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام"، تنظم مظاهرات في نيويورك لإعلان موقفها الرافض للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة رافعين لافتات كتب عليها "اليهود يقولون أوقفوا الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين"، "الصهيونية إرهاب" و"أوقفوا الفصل العنصري الإسرائيلي". وقال أحد اليهود المتظاهرين: "2.2 مليون شخص في سجن مفتوح، معظمهم من الأطفال، إنهم الآن بلا طعام أو مياه أو كهرباء أو وقود، ومع هذا يقصفون بالفوسفور الأبيض"، وأضاف: "كيهود نحن هنا اليوم لنقول لا تفعلوا هذا باسمنا، ليس باسمنا، ليس باسمنا". الكثير من اليهود في بريطانيا كذلك خرجوا في مظاهرات منددين بالإجرام الإسرائيلي معلنين أن أفعال إسرائيل الإجرامية لا تمثلهم ولا تعبر عن معتقداتهم مهما ادعت قياداتها ذلك أو حاولت تبرير عدوانها بحماية اليهود والدفاع عنهم ضد أعداء السامية. ومن الجميل أن هذه القبعة التي ضللت الوعي الشعبي الغربي لعقود من الزمن بدأت تفقد قيمتها ليبهت بريقها مع البحث والتقصي والإغراق في القراءة التي تثبت وهم الأساطير.
أخيرا: يمكن للمصالح أن ترتدي قبعات كثيرة، منها ما هو أوضح من أن يخفى ومنها ما هو أصعب من أن ينكشف، لكن الرهان هنا سيكون على الوعي وحده، وخصوصا مع التكرار والممارسة والبحث والتقصي، ومع سهولة تبادل المعرفة والمعلومات بمصادرها ومرجعياتها الكثيرة في عالم التواصل الرقمي المفتوح فلا أسهل من كشف قبعات الجشع لتجار المال صناع الحروب سواء تلونت قبعاتهم بالوطنية أو المصلحة العامة أو حماية الدين، الدفاع عن الطوائف والأقليات أو أي ادعاءات أخرى، ولعلّ من حسنات هذه الأزمات التي نعيشها اليوم تعليم الشعوب هذا الدرس الصعب مع التوعية بضرورة توظيف كل ممكنات الوعي لمجابهة قبعات التضليل مهما تبدلت ألوانها وأشكالها حتى تلك التي يمكن أن تستغل الوحدة الوطنية لاحتكار الموارد واستغلال الشعوب واستلاب الفكر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه القبعة لا یمکن
إقرأ أيضاً:
تقرير يكشف واقع اليهود المتبقين في سوريا.. كم عددهم؟
تناول تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تصريحات رئيس "منظمة العدالة لليهود من الدول العربية"٬ الحاخام إيلي عبادي، لموقع "واي نت" حول أن عدد اليهود في سوريا كان 13 يهوديًا حتى قبل خمس سنوات، ولكن توفي بعضهم بينما غادر آخرون البلاد.
وفيما يخص اليهود الذين بقوا في دمشق، أضاف الحاخام: "لديهم بيوتهم وهم لا يريدون المغادرة. لقد اعتادوا على الحياة هناك". وقال عبادي إن الأربعة الباقين لا يخشون على حياتهم في ظل الوضع الجديد في البلاد.
وتابع الحاخام: "لم يخشوا من الثورة في سوريا أو من سقوط نظام الأسد. هم يعتقدون أنه لن يمسهم أحد". وأوضح أيضًا: "يمكنهم المغادرة، لكنهم معتادون على الحياة هنا. هم كبار في السن ولا يريدون الذهاب إلى بلد آخر. لديهم أقارب في إسرائيل وأقارب في نيويورك وفي أماكن أخرى في الولايات المتحدة".
وتابع الحاخام قائلًا إن هؤلاء اليهود يذهبون إلى الكنيس، لكنهم لا يستطيعون إقامة صلاة جماعية لأنه لا يوجد لديهم من يصلي معهم.
وأوضح: "نظام الأسد لم يمسهم، لكن المخابرات السورية كانت تراقبهم. لا أعرف إذا كان ذلك لأسباب أمنية أو لمتابعتهم".
مستقبل الأقليات الأخرى
وحذر الحاخام من أن الأقليات الأخرى في سوريا قد تواجه مصيرًا مشابهًا بعد سقوط نظام الأسد، قائلاً: "اليهود لم يعودوا موجودين في سوريا، لكنني أخشى على المسيحيين. ليس هناك وقت طويل. الأقليات لم تحظ بحماية تحت الأنظمة السابقة، وهناك خوف كبير من أنهم سيتعرضون للأذى مرة أخرى تحت النظام الجديد".
في الوقت نفسه، نشرت المنظمة تقريرًا جديدًا يصف سلسلة من الاضطهادات، ومصادرة الممتلكات، وطرد حوالي 30 ألف يهودي من سوريا خلال القرن الماضي.
ألف يهودي خلال القرن الماضي
كما قال الرئيس المشارك للمنظمة سيلفان أبيتبول، إن سوريا كانت منزلًا لجالية يهودية عريقة، مع أدلة أثرية على وجودهم المستمر في مدن مثل دمشق وحلب، حيث كانت أعداد اليهود أحيانًا تتجاوز أعدادهم في إسرائيل.
ومنذ 1943 إلى 1958، انخفض عدد اليهود في البلاد من حوالي 29 ألف و770 إلى أقل من 5 آلاف و400 شخص. وفي عام 1991، بقي أقل من 100 يهودي في سوريا. ووفقًا للتقرير، بقي أربعة يهود فقط في البلاد، جميعهم في دمشق.
وقال ستانلي أورمان، نائب رئيس منظمة العدالة لليهود من الدول العربية: "على مدار 75 عامًا، تجاهل العالم عمليات الطرد الجماعي لأكثر من 850 ألف يهودي من الدول العربية".
وأضاف أبيتبول: "بينما تركز المجتمع الدولي على لاجئي فلسطين، من المهم أن نتذكر أن لاجئي اليهود من المنطقة لا يقلون أهمية". وتابع: "نداء العدالة هذا ليس لتقليل من معاناة الفلسطينيين، بل للاعتراف بأن الصراع في الشرق الأوسط خلق فئتين من اللاجئين".