لجريدة عمان:
2025-04-07@07:32:40 GMT

قبعات المصالح الملوّنة

تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT

لا يمكن إغفال قضية غزة التي يعيشها العالم حاليا في صراعها مع حرب الإبادة والتهجير المستمرة على مرأى ومسمع العالم، كما لا يمكن إنكار الإجماع الشعبي العالمي على استنكار ما يصدر عن الاحتلال الإسرائيلي من قول أو فعل متضمنا التأسيس غير العادل لدولة احتلال مصنوعة، والتعاملات اللاإنسانية والحروب القهرية الساعية للتهجير والإحلال بعيدا عن أي منطق إنساني أو سند قانوني، كما لا يمكن إنكار ما تحقق إعلاميا من توعية وتعليم ونجاح في إيصال رسالة عالمية مفادها أن القضايا الإنسانية واحدة، وأن الشعوب أوعى من أن تؤخذ بقبعات الساسة من تجار الحروب وصناع الدمار.

قبعة التاجر الجشع تتبدل بتبدل السياق وفقا للحاجة، فقد تتخذ من الأقليات قبعة لتبرير قوانين وأنظمة لا تتوافق مع المصلحة العامة لكنها تخدم أهدافا آنية لصناع القرار أو لمحركيهم عن بعد؛ فطالما سمعنا دعوات للانقسام والانفصال بدعوى حق تقرير المصير والسعي لمصلحة الأقلية أو المجموعة المنقسمة عن المركز، وحينها لن يعدم هؤلاء وسائل مختلفة تسوّق مبرراتهم ومنصات عديدة تلوّن قبعتهم النفعية بألوان العدالة والإنسانية وغيرها، ثم تتبدل المنافع فتتبدل ألوان القبعة حين يتخذ بعضهم من الأكثرية منطلقا لقرارات غير إنسانية كما فعل ترامب أثناء حملته الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان الوعد المميز لحملته حينها بناء جدار كبير على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وإجبار المكسيك على دفع تكلفة الجدار! كل هذا بحجة الحفاظ على الموارد الوطنية وعدم استنزافها من قبل غير الأمريكيين، ويبدو أن ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا الحالي أعجب حينها بهذه القبعة الوطنية ليرتديها مع الأزمة الاقتصادية في بريطانيا مهددا بترحيل المهاجرين إلى راوندا حتى بعد حكم المحكمة العليا الذي يقضي بضرورة التزام بريطانيا بمواثيقها وعهودها الدولية، ومن عجب أن سوناك تناسى أنه أحد المستفيدين من نظام الهجرة البريطاني وصولا لرئاسة الوزراء.

من أخطر القبعات التي يمكن أن يرتديها تجار المال والحروب قبعة الدين سواء تلونت هذه القبعة بالطائفية للتفريق بين الشعوب وفقا لطوائفهم الدينية المنتمية لذات الدين، أو التفريق بينهم تبعا لانتمائهم لأديان مختلفة، وقد عانت كثير من دول العالم من تأجيج هذه القبعة نار الفرقة الشعبية والحروب الساعية للتصفيات بعيدا عن التسامح والتعايش السلميين، ومع أزمة غزة الحالية لا يمكن ألا نلحظ تأجيج الإعلام الإسرائيلي وداعميه نار التأجيج بارتداء قبعة الدين خصوصا بعد سقوط أقنعة الإقناع إزاء قيام دولة إسرائيل في وطن محتل مهما كانت التعاقدات النفعية بينها وبين الدول الكبرى أو الحكومات المؤقتة ومهما بذلت من جهود لصنع سرديات تحاول تأكيد حضورها المباغت المحتل في وطن قائم.

ومع متابعة الوضع السياسي عالميا وتأثر الرأي العام في كل دول العالم لا يمكن إلا إدراك تناقص وانكماش رقعة الدعم الجماهيري لإسرائيل ليس من المسلمين والمسيحيين وغيرهم وحسب، بل حتى من اليهود أنفسهم حيث انبرت جمعيات ومنظمات وأصوات يهودية في دول مختلفة كبريطانيا وأمريكا وألمانيا لمناهضة العدوان الإسرائيلي ومحاولة توضيح أن إسرائيل تحاول استغلال الصوت اليهودي لتبرير أعمالها غير الإنسانية وهو ما ترفضه الجماعات اليهودية؛ فإيريس هيفيتس ممثلة جمعية "الصوت اليهودي من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط تقول: "العديد من الألمان غير اليهود، يريدون أن يعلموننا ما هي معاداة السامية، إنهم يستغلون اليهود لتحقيق مكاسبهم السياسية والشخصية".

منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام"، تنظم مظاهرات في نيويورك لإعلان موقفها الرافض للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة رافعين لافتات كتب عليها "اليهود يقولون أوقفوا الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين"، "الصهيونية إرهاب" و"أوقفوا الفصل العنصري الإسرائيلي". وقال أحد اليهود المتظاهرين: "2.2 مليون شخص في سجن مفتوح، معظمهم من الأطفال، إنهم الآن بلا طعام أو مياه أو كهرباء أو وقود، ومع هذا يقصفون بالفوسفور الأبيض"، وأضاف: "كيهود نحن هنا اليوم لنقول لا تفعلوا هذا باسمنا، ليس باسمنا، ليس باسمنا". الكثير من اليهود في بريطانيا كذلك خرجوا في مظاهرات منددين بالإجرام الإسرائيلي معلنين أن أفعال إسرائيل الإجرامية لا تمثلهم ولا تعبر عن معتقداتهم مهما ادعت قياداتها ذلك أو حاولت تبرير عدوانها بحماية اليهود والدفاع عنهم ضد أعداء السامية. ومن الجميل أن هذه القبعة التي ضللت الوعي الشعبي الغربي لعقود من الزمن بدأت تفقد قيمتها ليبهت بريقها مع البحث والتقصي والإغراق في القراءة التي تثبت وهم الأساطير.

أخيرا: يمكن للمصالح أن ترتدي قبعات كثيرة، منها ما هو أوضح من أن يخفى ومنها ما هو أصعب من أن ينكشف، لكن الرهان هنا سيكون على الوعي وحده، وخصوصا مع التكرار والممارسة والبحث والتقصي، ومع سهولة تبادل المعرفة والمعلومات بمصادرها ومرجعياتها الكثيرة في عالم التواصل الرقمي المفتوح فلا أسهل من كشف قبعات الجشع لتجار المال صناع الحروب سواء تلونت قبعاتهم بالوطنية أو المصلحة العامة أو حماية الدين، الدفاع عن الطوائف والأقليات أو أي ادعاءات أخرى، ولعلّ من حسنات هذه الأزمات التي نعيشها اليوم تعليم الشعوب هذا الدرس الصعب مع التوعية بضرورة توظيف كل ممكنات الوعي لمجابهة قبعات التضليل مهما تبدلت ألوانها وأشكالها حتى تلك التي يمكن أن تستغل الوحدة الوطنية لاحتكار الموارد واستغلال الشعوب واستلاب الفكر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه القبعة لا یمکن

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الصهيوني.. إرهاب دولة برعاية الغرب ووصمة عار في جبين الإنسانية

منذ أكثر من خمسة أشهر، يشهد العالم واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث يواصل الاحتلال الصهيوني عدوانه الغاشم على قطاع غزة، متجاوزا كل القوانين والأعراف الدولية، وسط تواطؤ دولي وصمت مخزٍ من المؤسسات الأممية، بل ودعم غير مشروط من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.

جرائم حرب موثقة.. والمجازر مستمرة

ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد حرب، بل هو إبادة جماعية ممنهجة تهدف إلى تصفية الشعب الفلسطيني والقضاء على وجوده. لقد استخدم الاحتلال كل أنواع الأسلحة المحرمة، واستهدف بشكل مباشر النساء والأطفال، حيث سقط أكثر من 30 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلا عن عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين تحت الأنقاض.

لم تقتصر جرائم الاحتلال على القتل والتدمير، بل وصلت إلى منع دخول الغذاء والدواء، وتحويل غزة إلى سجن كبير يموت فيه الناس جوعا وعطشا، في مشهد يعيد إلى الأذهان حصارات العصور الوسطى، لكنه يحدث اليوم في القرن الحادي والعشرين، تحت سمع وبصر العالم المتحضر!

بينما تفشل الحكومات، تقع المسؤولية الآن على عاتق الشعوب الإسلامية وأحرار العالم. يجب أن تتجاوز الشعوب هذا التقاعس الرسمي، وتتحرك بكل الوسائل الممكنة -من خلال المظاهرات، والمقاطعة الاقتصادية، والدعم الشعبي والإعلامي المستمر، والضغط على الحكومات- لإجبارها على التحرك الفوري لإنهاء الحصار ودعم المقاومة ضد الاحتلال
عبادة جماعية للقتل والإجرام!

لقد تجاوز الاحتلال كل الحدود، حيث لم يعد يخفي طبيعته القائمة على العنف والإرهاب، بل أصبح قادته وجنوده يمارسون القتل كـ"عبادة جماعية"، مدعين أن المجازر التي يرتكبونها تقربهم إلى الله! هذا الفكر الإجرامي المتطرف يجعلهم يحتفلون بحرق البيوت على ساكنيها، ويهللون عند قتل الأطفال، بينما يتفاخرون بأنهم يحولون غزة إلى "محرقة"!

دعم أمريكي وغربي.. تواطؤ مكشوف

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يتشدقان بحقوق الإنسان والديمقراطية، أصبحا شريكين مباشرين في هذه الإبادة الجماعية. فواشنطن لم تكتفِ بتقديم الأسلحة والصواريخ، بل منعت أيضا أي قرار دولي يمكن أن يضع حدا لهذه الجرائم، وواصلت تقديم الدعم المالي والسياسي بلا توقف، في تأكيد جديد على ازدواجية المعايير والنفاق السياسي الغربي.

التخاذل العربي ودور الشعوب الإسلامية

إلى جانب التواطؤ الغربي، فإن دور العديد من الأنظمة العربية في هذه الأزمة كان مخزيا ويصل إلى حد الخيانة والتواطؤ. فبدلا من اتخاذ موقف حاسم لوقف المجازر، اختارت بعض الحكومات تطبيع العلاقات مع الاحتلال، أو التزام الصمت، أو حتى عرقلة الجهود الفاعلة لإيصال المساعدات إلى غزة. إن هذا التخاذل الرسمي شجّع المحتل على الاستمرار في عدوانه، وترك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره وحده.

لكن بينما تفشل الحكومات، تقع المسؤولية الآن على عاتق الشعوب الإسلامية وأحرار العالم. يجب أن تتجاوز الشعوب هذا التقاعس الرسمي، وتتحرك بكل الوسائل الممكنة -من خلال المظاهرات، والمقاطعة الاقتصادية، والدعم الشعبي والإعلامي المستمر، والضغط على الحكومات- لإجبارها على التحرك الفوري لإنهاء الحصار ودعم المقاومة ضد الاحتلال.

دعم بيان المنتدى الإسلامي للبرلمانيين الدوليين وخطته العملية

في هذا السياق، جاء البيان الصادر عن المنتدى الإسلامي للبرلمانيين الدوليين ليؤكد الموقف الواضح من هذه الجرائم، ويدعو إلى تحرك دولي عاجل لكسر الحصار ودعم الشعب الفلسطيني في غزة بكل الوسائل الممكنة. إننا نثمن هذا البيان ونؤكد على أهمية دعمه سياسيا وإعلاميا، كما ندعو جميع البرلمانيين الأحرار حول العالم إلى التفاعل مع الخطة العملية التي تضمنها، واتخاذ إجراءات ملموسة داخل برلماناتهم للضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية لوقف هذه المجازر وكسر الحصار فورا.

دعوة عاجلة للتحرك الفوري

إن ما يحدث في غزة اليوم ليس قضية فلسطينية فحسب، بل هو اختبار للضمير الإنساني، واختبار لقدرة الأمة الإسلامية وشعوب العالم الحر على رفض الظلم والانتصار للمظلومين. من هنا، فإننا في المنتدى المصري (برلمانيون لأجل الحرية) ندعو إلى:

1- تحرك فوري وقوي من جميع الحكومات الإسلامية والمؤسسات الدولية لكسر الحصار وإدخال المساعدات دون إذن الاحتلال.

2- تفعيل الضغوط السياسية والدبلوماسية عبر البرلمانات الدولية لفرض عقوبات على الكيان المحتل ووقف التعاون العسكري والاقتصادي معه.

3- تحريك الشارع العربي والإسلامي عبر مظاهرات مستمرة وحملات مقاطعة اقتصادية للكيان الصهيوني وحلفائه.

4- محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، وملاحقتهم قانونيا في كل الدول التي تعترف بالولاية القضائية الدولية.

5- تحريك منظمات المجتمع المدني لدعم أهل غزة ماديا وسياسيا، وتعزيز حملات التبرعات لإغاثة المتضررين.

الأمل بالنصر وانكشاف الغمة

رغم الألم والمعاناة، فإننا نؤمن بأن الاحتلال إلى زوال، وأن الشعب الفلسطيني الذي قدم كل هذه التضحيات سينتصر في النهاية. إن إرادة الشعوب لا تُقهر، وعجلة التاريخ تتحرك دائما نحو العدالة، وسيأتي اليوم الذي تتحقق فيه وعود الله بالنصر والتمكين، وينقشع ظلام الاحتلال، ويرتفع صوت الحق فوق كل المؤامرات.

* رئيس المنتدى المصري (برلمانيون لأجل الحرية)

مقالات مشابهة

  • بسبب عبارة أنا حضرت اليهود والأرمن هنا.. تفاعل على فيديو للسيسي وماكرون في مصر
  • بالفيديو.. الرئيس السيسي لـماكرون بخان الخليلي: أنا حضرت اليهود والإنجليز والأرمن
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: غزة وحقوق الإنسان
  • نجل حفتر في تركيا لتوقيع اتفاقات عسكرية.. ما المصالح التي تربط الطرفين؟
  • غزة تصرخ.. والأمة صامتة
  • نائب: إدخال قرابين اليهود للمسجد الأقصى يمثل تصعيدًا خطيرًا للحرب الدينية
  • مدير أوقاف أبين مهما تجبر اليهود فإن مصيرهم إلى زوال
  • ترامبو يتحدى الشعوب والأمم
  • الاحتلال الصهيوني.. إرهاب دولة برعاية الغرب ووصمة عار في جبين الإنسانية
  • عاجل | السيد القائد: العدو الإسرائيلي استأنف الإجرام منذ أكثر من نصف شهر بذات الوحشية والعدوانية التي كان عليها لمدة 15 شهرا