لجريدة عمان:
2024-09-30@18:39:55 GMT

إسرائيل وغزة والمعايير المزدوجة

تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

هل يتبنى الغرب معايير مزدوجة في ما يتعلق بإسرائيل، فينقضُّ على كل ما تفعله بقسوة لا داعي لها؟

عند مواجهته بسؤال عن الدماء المراقة في غزة خلال برنامج "واجه الأمة" في نهاية الأسبوع، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله "ما الذي كانت لتفعله أمريكا" بعد وقوع شيء مثل هجوم حماس في السابع من أكتوبر "أما كنتم لتفعلوا ما تفعله إسرائيل الآن؟ كنتم لتجعلوها جحيما تفوق ما نفعله نحن".

أدان الحاخام مارفن هير في صحيفة جيروزاليم بوست "الازدواج غير المسبوق في المعايير" بعدم التوقف عن انتقاد إسرائيل في قصفها لغزة مع عدم الانزعاج من قصف الحلفاء للمدنيين في ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. ويشير الكونجرس اليهودي العالمي إلى "انتقاد العمليات الدفاعية الإسرائيلية، مع عدم انتقاد مثيلاتها من الدول الديمقراطية الغربية" باعتبار أن هذا مثال على معاداة السامية.

يبدو لي هذا كله صحيحا وخاطئا، منصفا وزائفا. وسوف أعرض لسبب خطئه وزيفه بعد قليل، لكن الآن لا يمكن إنكار صحة أن العالم يدقق في أفعال إسرائيل القمعية للفلسطينيين أكثر مما يدقق في أهوال كثيرة أخرى.

ففي عام 2023 على سبيل المثال، تبنت الجمعية العامة في الأمم المتحدة خمسة عشر قرارا ينتقد إسرائيل، وسبعة قرارات فقط تنتقد كل بلاد العالم الأخرى، وفقا لإحصاء إحدى الجماعات الموالية لإسرائيل. فهل يوجد من يعتقد أن في هذا إنصافا؟

إن الناس أكثر تركيزا على إسرائيل مما هم على ما تصفه منظمة يونيسيف بـ"موجة الأعمال الوحشية" الجارية الآن ضد الأطفال في السودان، حيث أن عدد الأطفال النازحين بسبب القتال الأخير في السودان (ويبلغ ثلاثة ملايين طفل) أكبر من كامل عدد سكان غزة. وطلبة الجامعة في أمريكا وأوروبا يتظاهرون من أجل غزة لكنهم يتجاهلون إلى حد كبير أن سبعمئة ألف طفل في السودان يواجهون سوء التغذية الحاد الشديد بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك في ابريل الماضي.

لقد شهدت منطقة دارفور في السودان قبل عقدين من الزمن ما يوصف على نطاق واسع بالإبادة الجماعية الأولى في القرن الحادي والعشرين. والآن تقوم جماعات المسلحين من جديد بأعمال القتل والاغتصاب في أبناء القرى المنتمين إلى جماعات عرقية معينة. ولقد عانيت أنا من جراء تغطيتي من دارفور خلال تلك الإبادة الجماعية، ويذهلني أن العالم يتجاهل جولة أخرى من الأعمال الوحشية هناك.

في الوقت نفسه، فإن بعض أسوأ المعاملات التي عومل بها العرب في السنين الأخيرة قد تمت على أيدي الحكام العرب أنفسهم، في سوريا وفي اليمن.

فهل ثمة معايير مزدوجة في انتباه العالم؟ بلا أدنى شك. وللمدافعين عن إسرائيل كل الحق في إبراز هذا كله وقولهم في بعض الأحيان إنه يعكس المعاداة للسامية. غير أنه يدهشني أيضا ـ وها نحن نصل إلى الصورة المقابلة ـ ويبدو لي مما ينافي الضمير أن نستعمل نفاق العالم، مهما يكن بغيضا، لنبرر وفاة آلاف الأطفال في غزة.

فسيكون في هذا صدى للمنطق الروسي الذي يتساءل: كيف يتسنى لكم الحديث عن حربنا في أوكرانيا في حين أنكم أيها الأمريكيون قد غزوتم العراق وعذبتم أهله؟

صحيح أيضا أنه في حين أن بعض الجامعات قد تكون مذنبة بالغضب الانتقائي، فليس هذا صحيحا في حالة جميع المراقبين. فبعض أشد منتقدي إسرائيل وأفعالها ينتمون إلى وكالات تابعة للأمم المتحدة وجماعات حقوق إنسان تعمل فرقها مخاطرة بحياتها في الميدان من أجل إنقاذ البشر في السودان وفي إثيوبيا وفي بلاد أخر غيرهما.

وفي كل الحالات، ثمة أسباب تدعو للتركيز على غزة اليوم، لأنها لا تمثل محض مكان للألم وسط أماكن أخرى مماثلة ومنافسة له، ولكن لأنها على حد تقدير منظمة اليونيسيف أخطر مكان في العالم على الأطفال.

وتأملوا أن الشهور الثمانية عشرة من حرب روسيا الجارية في أوكرانيا قد قتل فيها ما لا يقل عن أربعمئة وخمسة وأربعين طفلا. أو أن عام 2022 قد شهد ـ بحسب إحصاءات الأمم المتحدة مقتل 2985 طفلا في جميع الحروب في أرجاء العالم. في المقابل، في أقل من خمسة أشهر من حرب إسرائيل الجارية في غزة تقول السلطات الصحية هناك إن أكثر من اثني عشر ألفا وخمسمئة طفل قد لقوا حتفهم.

من بين هؤلاء مئتان وخمسون رضيعا تقل أعمارهم عن عام واحد. وليس بوسعي أن أفكر في أي صراع آخر في هذا القرن وقد تسبب في مقتل الأطفال بمثل هذه الوتيرة.

بالطبع كان لإسرائيل "حق الرد العسكري" على هجمات السابع من أكتوبر. وبالطبع ينبغي على زعماء حماس أن يقوموا بتسليم رهائنهم. لكن لا شيء من هذا يبرر القصف "العشوائي" من جانب إسرائيل على حسب تعبير الرئيس الأمريكي جو بايدن، أو يبرر القيود المفروضة على الغذاء وغيره من المساعدات.

بسبب دعم أمريكا لغزو إسرائيل والحماية الدبلوماسية التي توفرها لها في الأمم المتحدة، فإن هذه الدماء تلوث أيدينا، وتبرر بالتأكيد المزيد من التدقيق.

غير أن هناك معيارا مزدوجا آخر: فنحن الأمريكيين ندين روسيا أو الصين أو فنزويلا على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لكن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وتحميها دبلوماسيا حتى لو أنها تعلقت بما وصفه الرئيس جو بايدن بالحملة العسكرية "المجاوزة للذروة".

لقد تساءل السيناتور بيرني ساندرز "كيف يتسنى للولايات المتحدة أن تدين قصف روسيا للمدنيين في أوكرانيا وتعده جريمة من جرائم الحرب ولكنها تمول آلة الحرب لنتنياهو التي قتلت الآلاف؟"

وإذن فإنه لمن الإنصاف أن نتحدث عن ازدواج المعايير. فهو حقيقي. وهو يمضي في اتجاهات كثيرة، فيكون ترسا لإسرائيل يحميها، مثلما يدينها أيضا. وفي عالم كلنا مرتبطون فيه بفعل الإنسانية التي نشترك فيها، فإنني أعتقد أنه يجدر بنا ألا نسمح أبدا لتكتلاتنا الإنسانية المتمثلة في المعايير المزدوجة أن تعمل في خدمة صرف الأنظار عن المأساة الجارية اليوم للأطفال في غزة، أو في خدمة تواطؤ أمريكا في ذلك.

• نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2001، حصل على جائة بوليتزر لتغطيته للصين وللإبادة الجماعية في دارفور.

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی السودان فی غزة

إقرأ أيضاً:

إيران: لن نرسل مقاتلين لمواجهة إسرائيل في لبنان وغزة

أكدت وزارة الخارجية الإيرانية، الاثنين، أن طهران لن ترسل مقاتلين إلى لبنان وغزة لمواجهة إسرائيل.

هاليفي: إسرائيل مستمرة في محاصرة إيران محلل سياسي: إيران سلمت رأس نصر الله لأمريكا مقابل صفقة

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، اليوم الإثنين، إن إيران لن تترك أيا من "الأعمال الإجرامية" لإسرائيل تمضي من دون رد، في إشارة إلى مقتل أمين عام حزب الله ونائب قائد الحرس الثوري الإيراني في لبنان.

 

وقُتل عباس نيلفوروشان، نائب قائد الحرس الثوري، يوم الجمعة، في غارة إسرائيلية على بيروت قُتل فيها أيضا أمين عام حزب الله، حسن نصر الله.

وأثارت وتيرة الهجمات الإسرائيلية المتزايدة على جماعة حزب الله في لبنان وحركة الحوثي اليمنية مخاوف من خروج القتال في الشرق الأوسط عن نطاق السيطرة، وانجرار إيران والولايات المتحدة إليه.

 

وقال كنعاني في مؤتمر صحافي أسبوعي "سنتعامل بحزم وسنتصرف بطريقة تجعل (العدو) يندم"، مضيفا أن إيران لا تسعى إلى الحرب لكنها لا تخشاها.

 

وذكر أن إيران تتابع الأمور عن كثب مع السلطات اللبنانية، في إشارة إلى الضربات التي قتلت نصر الله ونيلفوروشان.

 

ومن جانبه أكد قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، أن "اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والعميد عباس نيلفروشان، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في لبنان، يحدث تغييرا وتحولا تاريخيا في العالم الإسلامي.

وقال اللواء سلامي، في تصريحات من منزل العميد نيلفروشان بمحافظة أصفهان، إن "دماء حسن نصر الله والعميد نيلفروشان غالية جدا ونواصل طريق هؤلاء الشهداء"، مشيرا إلى أن "هناك دماء ثمينة سالت على الأرض، وكان الاستشهاد أفضل مصير يمكن أن يحدث لهما".

مقالات مشابهة

  • في الضفة الغربية وغزة..أمريكا تدعم الفلسطينيين بـ 300 مليون دولار
  • إيران: لن نرسل مقاتلين لمواجهة إسرائيل في لبنان وغزة
  • اليونيسف: الوضع في لبنان وغزة صعب للغاية والأطفال يدفعون الثمن
  • الحرب والفيضانات والأوبئة.. ثالوث ينهش جسد السودان
  • قصر النظر عند الأطفال في ازدياد حول العالم.. الأسباب والعلاج
  • اليونيسيف: انتباه العالم يتحول إلى لبنان لكن الهجمات على الأطفال في غزة لم تتوقف
  • فنانون عالميون يغنون دعما لضحايا الحرب في السودان
  • أثر الحرب في السودان على النساء والأطفال: العنف ضد النوع واستغلال الأطفال
  • تحذيرات من تزايد انتشار قصر النظر لدى الأطفال حول العالم
  • العالم يعجز عن لجم إسرائيل.. والمنطقة على شفا انفجار شامل