لجريدة عمان:
2024-11-08@04:30:57 GMT

إسرائيل وغزة والمعايير المزدوجة

تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

هل يتبنى الغرب معايير مزدوجة في ما يتعلق بإسرائيل، فينقضُّ على كل ما تفعله بقسوة لا داعي لها؟

عند مواجهته بسؤال عن الدماء المراقة في غزة خلال برنامج "واجه الأمة" في نهاية الأسبوع، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله "ما الذي كانت لتفعله أمريكا" بعد وقوع شيء مثل هجوم حماس في السابع من أكتوبر "أما كنتم لتفعلوا ما تفعله إسرائيل الآن؟ كنتم لتجعلوها جحيما تفوق ما نفعله نحن".

أدان الحاخام مارفن هير في صحيفة جيروزاليم بوست "الازدواج غير المسبوق في المعايير" بعدم التوقف عن انتقاد إسرائيل في قصفها لغزة مع عدم الانزعاج من قصف الحلفاء للمدنيين في ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. ويشير الكونجرس اليهودي العالمي إلى "انتقاد العمليات الدفاعية الإسرائيلية، مع عدم انتقاد مثيلاتها من الدول الديمقراطية الغربية" باعتبار أن هذا مثال على معاداة السامية.

يبدو لي هذا كله صحيحا وخاطئا، منصفا وزائفا. وسوف أعرض لسبب خطئه وزيفه بعد قليل، لكن الآن لا يمكن إنكار صحة أن العالم يدقق في أفعال إسرائيل القمعية للفلسطينيين أكثر مما يدقق في أهوال كثيرة أخرى.

ففي عام 2023 على سبيل المثال، تبنت الجمعية العامة في الأمم المتحدة خمسة عشر قرارا ينتقد إسرائيل، وسبعة قرارات فقط تنتقد كل بلاد العالم الأخرى، وفقا لإحصاء إحدى الجماعات الموالية لإسرائيل. فهل يوجد من يعتقد أن في هذا إنصافا؟

إن الناس أكثر تركيزا على إسرائيل مما هم على ما تصفه منظمة يونيسيف بـ"موجة الأعمال الوحشية" الجارية الآن ضد الأطفال في السودان، حيث أن عدد الأطفال النازحين بسبب القتال الأخير في السودان (ويبلغ ثلاثة ملايين طفل) أكبر من كامل عدد سكان غزة. وطلبة الجامعة في أمريكا وأوروبا يتظاهرون من أجل غزة لكنهم يتجاهلون إلى حد كبير أن سبعمئة ألف طفل في السودان يواجهون سوء التغذية الحاد الشديد بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك في ابريل الماضي.

لقد شهدت منطقة دارفور في السودان قبل عقدين من الزمن ما يوصف على نطاق واسع بالإبادة الجماعية الأولى في القرن الحادي والعشرين. والآن تقوم جماعات المسلحين من جديد بأعمال القتل والاغتصاب في أبناء القرى المنتمين إلى جماعات عرقية معينة. ولقد عانيت أنا من جراء تغطيتي من دارفور خلال تلك الإبادة الجماعية، ويذهلني أن العالم يتجاهل جولة أخرى من الأعمال الوحشية هناك.

في الوقت نفسه، فإن بعض أسوأ المعاملات التي عومل بها العرب في السنين الأخيرة قد تمت على أيدي الحكام العرب أنفسهم، في سوريا وفي اليمن.

فهل ثمة معايير مزدوجة في انتباه العالم؟ بلا أدنى شك. وللمدافعين عن إسرائيل كل الحق في إبراز هذا كله وقولهم في بعض الأحيان إنه يعكس المعاداة للسامية. غير أنه يدهشني أيضا ـ وها نحن نصل إلى الصورة المقابلة ـ ويبدو لي مما ينافي الضمير أن نستعمل نفاق العالم، مهما يكن بغيضا، لنبرر وفاة آلاف الأطفال في غزة.

فسيكون في هذا صدى للمنطق الروسي الذي يتساءل: كيف يتسنى لكم الحديث عن حربنا في أوكرانيا في حين أنكم أيها الأمريكيون قد غزوتم العراق وعذبتم أهله؟

صحيح أيضا أنه في حين أن بعض الجامعات قد تكون مذنبة بالغضب الانتقائي، فليس هذا صحيحا في حالة جميع المراقبين. فبعض أشد منتقدي إسرائيل وأفعالها ينتمون إلى وكالات تابعة للأمم المتحدة وجماعات حقوق إنسان تعمل فرقها مخاطرة بحياتها في الميدان من أجل إنقاذ البشر في السودان وفي إثيوبيا وفي بلاد أخر غيرهما.

وفي كل الحالات، ثمة أسباب تدعو للتركيز على غزة اليوم، لأنها لا تمثل محض مكان للألم وسط أماكن أخرى مماثلة ومنافسة له، ولكن لأنها على حد تقدير منظمة اليونيسيف أخطر مكان في العالم على الأطفال.

وتأملوا أن الشهور الثمانية عشرة من حرب روسيا الجارية في أوكرانيا قد قتل فيها ما لا يقل عن أربعمئة وخمسة وأربعين طفلا. أو أن عام 2022 قد شهد ـ بحسب إحصاءات الأمم المتحدة مقتل 2985 طفلا في جميع الحروب في أرجاء العالم. في المقابل، في أقل من خمسة أشهر من حرب إسرائيل الجارية في غزة تقول السلطات الصحية هناك إن أكثر من اثني عشر ألفا وخمسمئة طفل قد لقوا حتفهم.

من بين هؤلاء مئتان وخمسون رضيعا تقل أعمارهم عن عام واحد. وليس بوسعي أن أفكر في أي صراع آخر في هذا القرن وقد تسبب في مقتل الأطفال بمثل هذه الوتيرة.

بالطبع كان لإسرائيل "حق الرد العسكري" على هجمات السابع من أكتوبر. وبالطبع ينبغي على زعماء حماس أن يقوموا بتسليم رهائنهم. لكن لا شيء من هذا يبرر القصف "العشوائي" من جانب إسرائيل على حسب تعبير الرئيس الأمريكي جو بايدن، أو يبرر القيود المفروضة على الغذاء وغيره من المساعدات.

بسبب دعم أمريكا لغزو إسرائيل والحماية الدبلوماسية التي توفرها لها في الأمم المتحدة، فإن هذه الدماء تلوث أيدينا، وتبرر بالتأكيد المزيد من التدقيق.

غير أن هناك معيارا مزدوجا آخر: فنحن الأمريكيين ندين روسيا أو الصين أو فنزويلا على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لكن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وتحميها دبلوماسيا حتى لو أنها تعلقت بما وصفه الرئيس جو بايدن بالحملة العسكرية "المجاوزة للذروة".

لقد تساءل السيناتور بيرني ساندرز "كيف يتسنى للولايات المتحدة أن تدين قصف روسيا للمدنيين في أوكرانيا وتعده جريمة من جرائم الحرب ولكنها تمول آلة الحرب لنتنياهو التي قتلت الآلاف؟"

وإذن فإنه لمن الإنصاف أن نتحدث عن ازدواج المعايير. فهو حقيقي. وهو يمضي في اتجاهات كثيرة، فيكون ترسا لإسرائيل يحميها، مثلما يدينها أيضا. وفي عالم كلنا مرتبطون فيه بفعل الإنسانية التي نشترك فيها، فإنني أعتقد أنه يجدر بنا ألا نسمح أبدا لتكتلاتنا الإنسانية المتمثلة في المعايير المزدوجة أن تعمل في خدمة صرف الأنظار عن المأساة الجارية اليوم للأطفال في غزة، أو في خدمة تواطؤ أمريكا في ذلك.

• نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2001، حصل على جائة بوليتزر لتغطيته للصين وللإبادة الجماعية في دارفور.

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی السودان فی غزة

إقرأ أيضاً:

المبعوث الأمريكي يحذر من التدخل الأجنبي في السودان

حذر المبعوث الأمريكي إلى السودان توم بيرييلو من تدفق الأسلحة والمقاتلين الأجانب للسودان، وقال إن الانتهاكات المروعة التي تجري في مناطق مختلفة من السودان قيّد التوثيق والتحقق لتحميل الفاعلين المسؤولية.
وشدد بيرليو على أن تدفق السلاح سيكون كارثيا ومكلفا على الوضع في البلاد ومنطقة القرن الأفريقي بأكملها.
واتهم قائد قوات الدعم السريع، مصر بدعم الجيش السوداني وتنفيذ ضربات جوية ضد قواته في ولاية سنار، كما أشارت تقارير مختلفة إلى أن إريتريا فتحت معسكرات لتدريب عناصر من الحركات المسلحة للانضمام إلى القتال إلى جانب الجيش.
وحث المبعوث الأمريكي، في مقابلة مع “سودان تربيون”، بالعاصمة الأوغندية كمبالا، الأثنين، دول جوار السودان على أن تكون قوة من أجل السلام بدلا من تأجيج نيران المعاناة في البلاد.

وأكد على أن الولايات المتحدة تقدر الدور الكبير الذي تلعبه دول جوار السودان في استقبال اللاجئين في وقت الهشاشة الشديدة، مؤكدا أنهم يعرفون أن هذا لم يكن سهلا.

واستطرد: “إنها فترة من الهشاشة في المنطقة، ونحن بحاجة أن نرى الدول تتدخل بإجراءات مسؤولة تساعد في استقرار المنطقة وتساعد في توصيل الغذاء والدواء إلى من هم في الداخل”.

وعبر المبعوث الأمريكي عن فزعه من الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع مؤخرا في ولاية الجزيرة، مشيرا إلى أن هذه الانتهاكات تم توثيقها بالإضافة إلى ما زعمته مصادر موثوقة مؤخرا.

وجزم بأن الولايات المتحدة رائدة في فرض العقوبات على الأفراد الذين ارتكبوا هذه الفظائع، وكذلك الشركات والكيانات التي دعمت قدرتهم على ارتكاب تلك الفظائع، بما في ذلك فرض عقوبات على أفراد عائلة حميدتي لدورهم في حصار الفاشر والمشتريات المتعلقة بالفظائع التي ترتكب.

ونوه بيريلو إلى أنهم تحت قيادة السفيرة ليندا توماس جرينفيلد في الأمم المتحدة مددوا حظر الأسلحة على دارفور وفرضوا أول عقوبات منذ عام 2009 على الأفراد الذين ينتهكون حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، مع التأكيد على استمرار العقوبات على أولئك الذين يرتكبون الفظائع كما حدث في ولاية الجزيرة.
وتابع: “سنواصل توثيق هذه الفظائع ودعم الآخرين في توثيقها، وسنواصل العمل مع شركاء آخرين لفرض تكاليف أكبر، والأهم من ذلك، ردع الانتهاكات المستقبلية”.
وأكد بيريلو على أن الولايات المتحدة تقود عملية صارمة للتأكد من الفظائع، ومن ارتكبوها، ومن يتحملون المسؤولية القيادية.
وكشف عن إبلاغهم قيادة الجيش وقوات الدعم السريع بأن هناك عواقب لانتهاكات القانون الدولي الإنساني والتزاماتها بموجب إعلان جدة، وأكد أن الإجراءات ستستمر بناء على الأدلة فور وصولها بما في ذلك الأدلة التي سنطلع عليها من ولاية الجزيرة.
ووصف بيريلو بعض المزاعم حول دعم بعض دول جوار السودان لطرفي الحرب بأنها غير دقيقة في بعض الأحيان، مؤكدا تشجيع كافة الدول المجاورة ودول المنطقة على جعل هذه اللحظة مناسبة لدعم عملية السلام ودعم الحوار السياسي المدني ودعم الجهود الإنسانية بدلا من دعم الحرب نفسها.
وأضاف: “الحكومة المصرية كانت شريكا استراتيجيا مهما للغاية في جهودنا الرامية إلى توسيع المساعدات الإنسانية، والترحيب باللاجئين، وجمع الأطراف للتوسط”.
وأكمل: “نحن نقدر أنهم بذلوا الكثير من الجهود الدبلوماسية لمحاولة إنهاء هذه الحرب، ونريد أن نرى المزيد من الشركاء جزءًا من هذه المحادثات والمفاوضات لإيجاد طريق للمضي قدمًا، يحترم تطلعات الشعب السوداني للحكم المدني الموحد”.
وقال المبعوث الأمريكي إن الولايات المتحدة تعمل بشكل وثيق مع الترويكا، وفي سياق الدور الحالي للمملكة المتحدة في مجلس الأمن.

اليوم التالي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حماس: قرار الكنيست بحبس الأطفال انتهاكٌ فاضحٌ للمواثيق والمعاهدات الدولية
  • إسرائيل.. مظاهرات ضد إقالة غالانت والكنيست يقر قانونا يسمح بسجن الأطفال
  • ترامب بعد فوزه.. محادثات مع قادة العالم حول الحرب في أوكرانيا وغزة ودعم إسرائيل وتهديدات إيران
  • الأمم المتحدة تعلن انتهاء حملة التلقيح ضد شلل الأطفال في غزة
  • انتهاء حملة التلقيح ضد شلل الأطفال في غزة
  • الأمم المتحدة: انتهاء حملة التلقيح ضد شلل الأطفال في غزة
  • هل يعزز فوز ترامب فرص التوصل لاتفاق سياسي في السودان
  • المبعوث الأمريكي يحذر من التدخل الأجنبي في السودان
  • “أونروا”: حراك دولي ضد قرار الاحتلال حظر الوكالة
  • الاحتلال يحرم آلاف الأطفال شمال غزة من التطعيم ضد شلل الأطفال