إسرائيل وغزة والمعايير المزدوجة
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
هل يتبنى الغرب معايير مزدوجة في ما يتعلق بإسرائيل، فينقضُّ على كل ما تفعله بقسوة لا داعي لها؟
عند مواجهته بسؤال عن الدماء المراقة في غزة خلال برنامج "واجه الأمة" في نهاية الأسبوع، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله "ما الذي كانت لتفعله أمريكا" بعد وقوع شيء مثل هجوم حماس في السابع من أكتوبر "أما كنتم لتفعلوا ما تفعله إسرائيل الآن؟ كنتم لتجعلوها جحيما تفوق ما نفعله نحن".
أدان الحاخام مارفن هير في صحيفة جيروزاليم بوست "الازدواج غير المسبوق في المعايير" بعدم التوقف عن انتقاد إسرائيل في قصفها لغزة مع عدم الانزعاج من قصف الحلفاء للمدنيين في ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. ويشير الكونجرس اليهودي العالمي إلى "انتقاد العمليات الدفاعية الإسرائيلية، مع عدم انتقاد مثيلاتها من الدول الديمقراطية الغربية" باعتبار أن هذا مثال على معاداة السامية.
يبدو لي هذا كله صحيحا وخاطئا، منصفا وزائفا. وسوف أعرض لسبب خطئه وزيفه بعد قليل، لكن الآن لا يمكن إنكار صحة أن العالم يدقق في أفعال إسرائيل القمعية للفلسطينيين أكثر مما يدقق في أهوال كثيرة أخرى.
ففي عام 2023 على سبيل المثال، تبنت الجمعية العامة في الأمم المتحدة خمسة عشر قرارا ينتقد إسرائيل، وسبعة قرارات فقط تنتقد كل بلاد العالم الأخرى، وفقا لإحصاء إحدى الجماعات الموالية لإسرائيل. فهل يوجد من يعتقد أن في هذا إنصافا؟
إن الناس أكثر تركيزا على إسرائيل مما هم على ما تصفه منظمة يونيسيف بـ"موجة الأعمال الوحشية" الجارية الآن ضد الأطفال في السودان، حيث أن عدد الأطفال النازحين بسبب القتال الأخير في السودان (ويبلغ ثلاثة ملايين طفل) أكبر من كامل عدد سكان غزة. وطلبة الجامعة في أمريكا وأوروبا يتظاهرون من أجل غزة لكنهم يتجاهلون إلى حد كبير أن سبعمئة ألف طفل في السودان يواجهون سوء التغذية الحاد الشديد بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك في ابريل الماضي.
لقد شهدت منطقة دارفور في السودان قبل عقدين من الزمن ما يوصف على نطاق واسع بالإبادة الجماعية الأولى في القرن الحادي والعشرين. والآن تقوم جماعات المسلحين من جديد بأعمال القتل والاغتصاب في أبناء القرى المنتمين إلى جماعات عرقية معينة. ولقد عانيت أنا من جراء تغطيتي من دارفور خلال تلك الإبادة الجماعية، ويذهلني أن العالم يتجاهل جولة أخرى من الأعمال الوحشية هناك.
في الوقت نفسه، فإن بعض أسوأ المعاملات التي عومل بها العرب في السنين الأخيرة قد تمت على أيدي الحكام العرب أنفسهم، في سوريا وفي اليمن.
فهل ثمة معايير مزدوجة في انتباه العالم؟ بلا أدنى شك. وللمدافعين عن إسرائيل كل الحق في إبراز هذا كله وقولهم في بعض الأحيان إنه يعكس المعاداة للسامية. غير أنه يدهشني أيضا ـ وها نحن نصل إلى الصورة المقابلة ـ ويبدو لي مما ينافي الضمير أن نستعمل نفاق العالم، مهما يكن بغيضا، لنبرر وفاة آلاف الأطفال في غزة.
فسيكون في هذا صدى للمنطق الروسي الذي يتساءل: كيف يتسنى لكم الحديث عن حربنا في أوكرانيا في حين أنكم أيها الأمريكيون قد غزوتم العراق وعذبتم أهله؟
صحيح أيضا أنه في حين أن بعض الجامعات قد تكون مذنبة بالغضب الانتقائي، فليس هذا صحيحا في حالة جميع المراقبين. فبعض أشد منتقدي إسرائيل وأفعالها ينتمون إلى وكالات تابعة للأمم المتحدة وجماعات حقوق إنسان تعمل فرقها مخاطرة بحياتها في الميدان من أجل إنقاذ البشر في السودان وفي إثيوبيا وفي بلاد أخر غيرهما.
وفي كل الحالات، ثمة أسباب تدعو للتركيز على غزة اليوم، لأنها لا تمثل محض مكان للألم وسط أماكن أخرى مماثلة ومنافسة له، ولكن لأنها على حد تقدير منظمة اليونيسيف أخطر مكان في العالم على الأطفال.
وتأملوا أن الشهور الثمانية عشرة من حرب روسيا الجارية في أوكرانيا قد قتل فيها ما لا يقل عن أربعمئة وخمسة وأربعين طفلا. أو أن عام 2022 قد شهد ـ بحسب إحصاءات الأمم المتحدة مقتل 2985 طفلا في جميع الحروب في أرجاء العالم. في المقابل، في أقل من خمسة أشهر من حرب إسرائيل الجارية في غزة تقول السلطات الصحية هناك إن أكثر من اثني عشر ألفا وخمسمئة طفل قد لقوا حتفهم.
من بين هؤلاء مئتان وخمسون رضيعا تقل أعمارهم عن عام واحد. وليس بوسعي أن أفكر في أي صراع آخر في هذا القرن وقد تسبب في مقتل الأطفال بمثل هذه الوتيرة.
بالطبع كان لإسرائيل "حق الرد العسكري" على هجمات السابع من أكتوبر. وبالطبع ينبغي على زعماء حماس أن يقوموا بتسليم رهائنهم. لكن لا شيء من هذا يبرر القصف "العشوائي" من جانب إسرائيل على حسب تعبير الرئيس الأمريكي جو بايدن، أو يبرر القيود المفروضة على الغذاء وغيره من المساعدات.
بسبب دعم أمريكا لغزو إسرائيل والحماية الدبلوماسية التي توفرها لها في الأمم المتحدة، فإن هذه الدماء تلوث أيدينا، وتبرر بالتأكيد المزيد من التدقيق.
غير أن هناك معيارا مزدوجا آخر: فنحن الأمريكيين ندين روسيا أو الصين أو فنزويلا على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لكن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وتحميها دبلوماسيا حتى لو أنها تعلقت بما وصفه الرئيس جو بايدن بالحملة العسكرية "المجاوزة للذروة".
لقد تساءل السيناتور بيرني ساندرز "كيف يتسنى للولايات المتحدة أن تدين قصف روسيا للمدنيين في أوكرانيا وتعده جريمة من جرائم الحرب ولكنها تمول آلة الحرب لنتنياهو التي قتلت الآلاف؟"
وإذن فإنه لمن الإنصاف أن نتحدث عن ازدواج المعايير. فهو حقيقي. وهو يمضي في اتجاهات كثيرة، فيكون ترسا لإسرائيل يحميها، مثلما يدينها أيضا. وفي عالم كلنا مرتبطون فيه بفعل الإنسانية التي نشترك فيها، فإنني أعتقد أنه يجدر بنا ألا نسمح أبدا لتكتلاتنا الإنسانية المتمثلة في المعايير المزدوجة أن تعمل في خدمة صرف الأنظار عن المأساة الجارية اليوم للأطفال في غزة، أو في خدمة تواطؤ أمريكا في ذلك.
• نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2001، حصل على جائة بوليتزر لتغطيته للصين وللإبادة الجماعية في دارفور.
** خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی السودان فی غزة
إقرأ أيضاً:
حرب السودان.. جهود دولية إنسانية دون حل في الأفق
مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
التغيير ــ وكالات
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
أوضح هدسون أنه تم فرض عقوبات على بعض الأفراد في قوات الدعم السريع، والتي لم تكن فعالة لتغيير سلوكيات هذه القوات، وفي الوقت الذي ظهرت فيه دلائل على تقديم دولة الإمارات لأسلحة في السودان إلا أن واشنطن لم تتحدث بصرامة معها بهذا الشأن، تم الاكتفاء بنفي أبو ظبي إرسال أسلحة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تفضل علاقاتها مع الإمارات وإن كان ذلك على حساب مقتل العديد من المدنيين في السودان.
وقال هدسون إن رد وكالات الأمم المتحدة لم يكن كافيا في السودان، وهذا يعود للتمويل وللأولويات التي تفرضها الدول الأعضاء على المشهد، إذ أنها لا تحظى بذات الأولوية مثل ما يحدث في حرب أوكرانيا، أو حرب إسرائيل في غزة.
وتسيطر قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل على إقليم دارفور ومساحات واسعة من منطقة جنوب كردفان ومعظم وسط السودان، بينما يسيطر الجيش النظامي على شمال وشرق البلاد.
وحتى الآن، لم يتمكن أي من المعسكرين من السيطرة على كامل العاصمة الخرطوم التي تبعد ألف كيلومتر شرق مدينة الفاشر.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت أكثر من 11 مليون شخص وتسببت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.
ويتهم الجيش وقوات الدعم السريع باستهداف المدنيين والمرافق الطبية بشكل عشوائي، وبقصف مناطق سكنية عمدا.
ملايين السودانيين اضطروا للنزوح بسبب القتال الجاري في البلاد منذ أبريل 2023
مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
وأعلنت واشنطن الخميس عن تخصيصها مبلغا إضافيا بقيمة 200 مليون دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان، ليرتفع بذلك إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار.
وأضاف هدسون أن واشنطن أيضا لم تنجح في وضع حدود للقوى الدولية التي تغذي الصراع في السودان، لافتا إلى أن الولايات المتحدة “في وضع صعب” فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة في السودان، خاصة مع تبقي شهر واحد لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.
ولا يعتقد أن الأزمة في السودان تتصدر أولويات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.
منذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
وقال هدسون إن تقديم المساعدات لوحدها للسودان غير كافية، ولكن ما نحتاج إليه هناك هو حل سياسي للأزمة، مشيرا إلى أن واشنطن لم تستخدم كل الأدوات المتاحة لها للضغط في هذا الإطار، إذ لم تفرض عقوبات، ولم يتم إيقاف تغذية الصراع من قوى إقليمية.
والخميس، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن السودان قد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، مع 1.7 مليون شخص في البلد إما يعانون الجوع أو هم معرضون له، إضافة إلى ذلك، يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في البلد.
الوسومأزمة إنسانية الحرب جهود دولية حل سياسي