لجريدة عمان:
2025-03-16@15:54:04 GMT

إسرائيل وغزة والمعايير المزدوجة

تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

هل يتبنى الغرب معايير مزدوجة في ما يتعلق بإسرائيل، فينقضُّ على كل ما تفعله بقسوة لا داعي لها؟

عند مواجهته بسؤال عن الدماء المراقة في غزة خلال برنامج "واجه الأمة" في نهاية الأسبوع، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله "ما الذي كانت لتفعله أمريكا" بعد وقوع شيء مثل هجوم حماس في السابع من أكتوبر "أما كنتم لتفعلوا ما تفعله إسرائيل الآن؟ كنتم لتجعلوها جحيما تفوق ما نفعله نحن".

أدان الحاخام مارفن هير في صحيفة جيروزاليم بوست "الازدواج غير المسبوق في المعايير" بعدم التوقف عن انتقاد إسرائيل في قصفها لغزة مع عدم الانزعاج من قصف الحلفاء للمدنيين في ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. ويشير الكونجرس اليهودي العالمي إلى "انتقاد العمليات الدفاعية الإسرائيلية، مع عدم انتقاد مثيلاتها من الدول الديمقراطية الغربية" باعتبار أن هذا مثال على معاداة السامية.

يبدو لي هذا كله صحيحا وخاطئا، منصفا وزائفا. وسوف أعرض لسبب خطئه وزيفه بعد قليل، لكن الآن لا يمكن إنكار صحة أن العالم يدقق في أفعال إسرائيل القمعية للفلسطينيين أكثر مما يدقق في أهوال كثيرة أخرى.

ففي عام 2023 على سبيل المثال، تبنت الجمعية العامة في الأمم المتحدة خمسة عشر قرارا ينتقد إسرائيل، وسبعة قرارات فقط تنتقد كل بلاد العالم الأخرى، وفقا لإحصاء إحدى الجماعات الموالية لإسرائيل. فهل يوجد من يعتقد أن في هذا إنصافا؟

إن الناس أكثر تركيزا على إسرائيل مما هم على ما تصفه منظمة يونيسيف بـ"موجة الأعمال الوحشية" الجارية الآن ضد الأطفال في السودان، حيث أن عدد الأطفال النازحين بسبب القتال الأخير في السودان (ويبلغ ثلاثة ملايين طفل) أكبر من كامل عدد سكان غزة. وطلبة الجامعة في أمريكا وأوروبا يتظاهرون من أجل غزة لكنهم يتجاهلون إلى حد كبير أن سبعمئة ألف طفل في السودان يواجهون سوء التغذية الحاد الشديد بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك في ابريل الماضي.

لقد شهدت منطقة دارفور في السودان قبل عقدين من الزمن ما يوصف على نطاق واسع بالإبادة الجماعية الأولى في القرن الحادي والعشرين. والآن تقوم جماعات المسلحين من جديد بأعمال القتل والاغتصاب في أبناء القرى المنتمين إلى جماعات عرقية معينة. ولقد عانيت أنا من جراء تغطيتي من دارفور خلال تلك الإبادة الجماعية، ويذهلني أن العالم يتجاهل جولة أخرى من الأعمال الوحشية هناك.

في الوقت نفسه، فإن بعض أسوأ المعاملات التي عومل بها العرب في السنين الأخيرة قد تمت على أيدي الحكام العرب أنفسهم، في سوريا وفي اليمن.

فهل ثمة معايير مزدوجة في انتباه العالم؟ بلا أدنى شك. وللمدافعين عن إسرائيل كل الحق في إبراز هذا كله وقولهم في بعض الأحيان إنه يعكس المعاداة للسامية. غير أنه يدهشني أيضا ـ وها نحن نصل إلى الصورة المقابلة ـ ويبدو لي مما ينافي الضمير أن نستعمل نفاق العالم، مهما يكن بغيضا، لنبرر وفاة آلاف الأطفال في غزة.

فسيكون في هذا صدى للمنطق الروسي الذي يتساءل: كيف يتسنى لكم الحديث عن حربنا في أوكرانيا في حين أنكم أيها الأمريكيون قد غزوتم العراق وعذبتم أهله؟

صحيح أيضا أنه في حين أن بعض الجامعات قد تكون مذنبة بالغضب الانتقائي، فليس هذا صحيحا في حالة جميع المراقبين. فبعض أشد منتقدي إسرائيل وأفعالها ينتمون إلى وكالات تابعة للأمم المتحدة وجماعات حقوق إنسان تعمل فرقها مخاطرة بحياتها في الميدان من أجل إنقاذ البشر في السودان وفي إثيوبيا وفي بلاد أخر غيرهما.

وفي كل الحالات، ثمة أسباب تدعو للتركيز على غزة اليوم، لأنها لا تمثل محض مكان للألم وسط أماكن أخرى مماثلة ومنافسة له، ولكن لأنها على حد تقدير منظمة اليونيسيف أخطر مكان في العالم على الأطفال.

وتأملوا أن الشهور الثمانية عشرة من حرب روسيا الجارية في أوكرانيا قد قتل فيها ما لا يقل عن أربعمئة وخمسة وأربعين طفلا. أو أن عام 2022 قد شهد ـ بحسب إحصاءات الأمم المتحدة مقتل 2985 طفلا في جميع الحروب في أرجاء العالم. في المقابل، في أقل من خمسة أشهر من حرب إسرائيل الجارية في غزة تقول السلطات الصحية هناك إن أكثر من اثني عشر ألفا وخمسمئة طفل قد لقوا حتفهم.

من بين هؤلاء مئتان وخمسون رضيعا تقل أعمارهم عن عام واحد. وليس بوسعي أن أفكر في أي صراع آخر في هذا القرن وقد تسبب في مقتل الأطفال بمثل هذه الوتيرة.

بالطبع كان لإسرائيل "حق الرد العسكري" على هجمات السابع من أكتوبر. وبالطبع ينبغي على زعماء حماس أن يقوموا بتسليم رهائنهم. لكن لا شيء من هذا يبرر القصف "العشوائي" من جانب إسرائيل على حسب تعبير الرئيس الأمريكي جو بايدن، أو يبرر القيود المفروضة على الغذاء وغيره من المساعدات.

بسبب دعم أمريكا لغزو إسرائيل والحماية الدبلوماسية التي توفرها لها في الأمم المتحدة، فإن هذه الدماء تلوث أيدينا، وتبرر بالتأكيد المزيد من التدقيق.

غير أن هناك معيارا مزدوجا آخر: فنحن الأمريكيين ندين روسيا أو الصين أو فنزويلا على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لكن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وتحميها دبلوماسيا حتى لو أنها تعلقت بما وصفه الرئيس جو بايدن بالحملة العسكرية "المجاوزة للذروة".

لقد تساءل السيناتور بيرني ساندرز "كيف يتسنى للولايات المتحدة أن تدين قصف روسيا للمدنيين في أوكرانيا وتعده جريمة من جرائم الحرب ولكنها تمول آلة الحرب لنتنياهو التي قتلت الآلاف؟"

وإذن فإنه لمن الإنصاف أن نتحدث عن ازدواج المعايير. فهو حقيقي. وهو يمضي في اتجاهات كثيرة، فيكون ترسا لإسرائيل يحميها، مثلما يدينها أيضا. وفي عالم كلنا مرتبطون فيه بفعل الإنسانية التي نشترك فيها، فإنني أعتقد أنه يجدر بنا ألا نسمح أبدا لتكتلاتنا الإنسانية المتمثلة في المعايير المزدوجة أن تعمل في خدمة صرف الأنظار عن المأساة الجارية اليوم للأطفال في غزة، أو في خدمة تواطؤ أمريكا في ذلك.

• نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2001، حصل على جائة بوليتزر لتغطيته للصين وللإبادة الجماعية في دارفور.

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی السودان فی غزة

إقرأ أيضاً:

ترجيحات بنزوح نحو 7 ملايين شخص خلال عامين

الاقتصاد نيوز - متابعة

رجح المجلس الدنماركي للاجئين، يوم الجمعة، أن يضطر 6.7 ملايين إنسان إلى النزوح القسري في مختلف دول العالم خلال العامين المقبلين بسبب الحروب والهجمات على المدنيين، مشيراً إلى أن دولة السودان ستكون لها حصة الأسد من ذلك.

وقالت المنظمة الإنسانية إن قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا "المدمّر" بوقف المساعدات الدولية، ترك ملايين الأشخاص الأكثر عرضة للخطر من دون الدعم الضروري بالنسبة لهم.

وأوضحت الأمينة العامة للمجلس الدنماركي للاجئين، شارلوت سلنته، في بيان "نعيش في عصر الحروب والإفلات من العقاب ويدفع المدنيون الثمن الأكبر"، بحسب وكالة "فرانس برس".

وأفاد المجلس بأن عدد النازحين حول العالم يبلغ حالياً 122,6 مليون شخص.

وذكرت المنظمة أن عدد النازحين سيشهد بحسب توقعاتها العالمية للنزوح "ارتفاعاً مذهلاً" بـ4,2 مليون شخص في 2025، وهو أعلى رقم يتوقعه المجلس منذ العام 2021. كما أنها تتوقع 2,5 مليون حالة نزوح قسري في 2026.

وستساهم الحروب الأهلية في السودان وبورما في نحو نصف حالات النزوح المتوقعة.

وقال المجلس إن ثلث حالات النزوح الجديدة تقريباً ستكون في السودان حيث "الأزمة الإنسانية الأكثر إلحاحاً في العالم"، مشيراً إلى أن 12,6 مليون شخص نزحوا بالفعل داخل السودان وإلى دول الجوار.

وأضاف التقرير بأن "التجويع استُخدم كسلاح في الحرب، ما أدخل البلاد في مجاعة كارثية وراء الأخرى".

أما في بورما، فتصاعدت حدة الحرب الأهلية المتعددة الجبهات التي أدت إلى نزوح 3,5 ملايين شخص فيما يحتاج نحو 20 مليون شخص، أي ما يعادل ثلث السكان، إلى المساعدات الإنسانية.

وتوقع التقرير أن تشهد البلاد 1,4 مليون حالة نزوح قسري إضافية بحلول نهاية العام 2026.

وبحسب المجلس، ستشهد كل من أفغانستان وجمهورية الكونغو الديموقراطية وسوريا واليمن وفنزويلا ازدياداً في حالات النزوح جراء عوامل عدة بينها النزاعات المسلحة وتغير المناخ وإرث الحرب وانعدام الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

وذكر المجلس بأن نحو 70% من الأشخاص البالغ عددهم 6,7 ملايين الذين يتوقع أن ينزحوا بحلول نهاية العام 2026، سينزحون داخلياً.

ونددت سلنته بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء 83% من برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس إيد) للمساعدات الإنسانية حول العالم، واصفة إياه بأنه يمثّل "خيانة للأشخاص الأكثر عرضة للخطر".

وقالت "نحن في عين عاصفة مثالية: نزوح قياسي وازدياد في الاحتياجات وخفض مدمر للتمويل".

وتابعت "يتخلى مانحون رئيسيون عن واجباتهم تاركين الملايين ليعانوا. هذه أكثر من مجرّد أزمة، إنها فشل أخلاقي".

وفي هذا السياق، أعلن برنامج الأغذية العالمي الجمعة إلغاء المساعدات الغذائية لأكثر من مليون شخص في بورما اعتباراً من نيسان/ أبريل المقبل بسبب "النقص الحاد في التمويل".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • تقنية جديدة في مونديال الأندية 2025 لحسم جدل اللمسات المزدوجة
  • تحذير جديد من يونيسف: أطفال السودان يواجهون كارثة إنسانية غير مسبوقة 
  • قصة الطفلة وسام.. رمز لأمل يتحدى النزوح ويعيد الحياة إلى مدارس السودان
  • قصة الطفلة وسام – رمز لأمل يتحدى النزوح ويعيد الحياة إلى مدارس السودان
  • اليونيسف: السودان يخاطر بفقدان جيل كامل من الأطفال، ويجب على العالم أن يتحرك الآن
  • منتخب السودان يتعادل مع نظيره العماني ودياً بمسقط
  • ترجيحات بنزوح نحو 7 ملايين شخص خلال عامين
  • اليونيسف: 16 مليون طفل سوداني بحاجة لمساعدات إنسانية و221 تعرضوا للاغتصاب
  • مسؤولان كبار في مجال الإغاثة لمجلس الأمن الدولي: المتحاربون في السودان يذكون أزمة المساعدات “الأشد تدميرا” في العالم
  • اليونيسف: السودان يواجه أكبر أزمة إنسانية وأكثرها تدميرا في العالم وأطفاله يدفعون الثمن