الغريب أن يصبح الشرف تهمة تلوكها الأقلام، كما ظهر ذلك في إحدى الصحف المشبوهة والممولة، التي تناولت الموقف العماني المشرّف والمؤيد لإخوانهم في غزة وللقضية الفلسطينية عامة، في تقرير تحت عنوان "نفس جهادي في المساجد يثير القلق في سلطنة عُمان"، مع عنوان جانبي آخر: "مفتي السلطنة ينخرط في دعاية مجانية للحوثيين وجماعة الإخوان"، نشر يوم الثلاثاء السابع والعشرين من فبراير 2024.
وبما أنّ الصحيفة لها توجهاتها المعروفة، فقد لجأت إلى أسلوب دس السم في العسل، بأن ظهرت وكأنها حريصة على المجتمع العماني الذي رأت فيه أن "تأثيرات وافدة تهدّد التدين العماني البعيد عن التسييس".
يحاول عنوان التقرير أن يوحي بأنّ هناك قلقًا في عُمان من توجهات المواطنين، ولم يخل التقرير من الكثير من المغالطات، منها أنّ "التعاطف الشعبي في سلطنة عُمان مع سكان قطاع غزّة في الحرب الإسرائيلية ضدّهم، بدأ يختلط بالدعاية لحركة حماس، وللفكر الجهادي على وجه العموم"، ولكي تبرر الصحيفة رأيها ذلك لجأت إلى القول بأنّ ذلك الأمر "جعل جهات رافضة لذلك الفكر تطلق تحذيراتها من التساهل الرسمي إزاء الظاهرة، بما من شأنه أن يحوّل المنابر الدينية في السلطنة إلى بوابة لتسرّب الدعاوى الإخوانية والجهادية إلى عقول الشباب الذين يشكّلون غالبية سكان البلاد"، وهو في الواقع كلامٌ بعيدٌ عن الواقع، لأنّ المجتمع العُماني بعيدٌ كلّ البعد عن الغلو والتشدد، ولم يُسَجّل للعمانيين - طول التاريخ - انخراطهم في كلّ التنظيمات المشبوهة أو التنظيمات التي سميت بالجهادية والتي أسستها أمريكا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ الخطبة الرسمية المعتمدة من قبل وزارة الأوقاف، أعدت بعناية، بعيدًا عن أيِّ مؤثرات إيديولوجية؛ فلا دعاية لحماس ولا للإخوان المسلمين، وإنما ركزت على المعاناة التي يعانيها أهل غزة وعلى ضرورة التضامن معهم، وأنّ الحرب هي ضد الفلسطينيين وليست ضد حماس فقط؛ ومن هناك فإنّ ما ذكرته الصحيفة مِن أنّ مَن أسمتهم بنشطاء وسياسيين وقادة رأي في عُمان، حذروا من انزلاق حالة التعاطف الشعبي مع سكان قطاع غزّة، باتّجاه التحوّل إلى نزوع نحو تبنّي الفكر الاخواني والجهادي وغرسهما في عقول الشباب الذين يمثّلون الغالبية العظمى من المجتمع، من التلفيقات التي ليس لها أساس، ولم نعرف من هم هؤلاء المقصودون بقادة الرأي والمفكرين؛ فالصحيفة نفسها لم تستطع أن تسمي هؤلاء وإنما هم من بنات أفكارها، وقد اعتمدت على تغريدة واحدة فقط مع تجاهل كلّ الردود الرافضة لها.
لم يفت الصحيفة أن تخصص جزءا من تقريرها عن سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة، الذي رأت أنّ حماسه للتعاطف مع غزّة في الحرب الدموية التي تشنّها إسرائيل على سكانّها، ذهب به إلى حدّ الخروج في مواقفه عن الخطّ الرسمي للدولة، وهي تهمة لا أساس لها أيضًا؛ فمواقف سماحته منسجمة تمامًا مع المواقف الرسمية للدولة، التي أعلنها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم خلال ترؤسه لاجتماعات مجلس الوزراء، وكذلك التصريحات الرسمية لمعالي السيد بدر بن حمد وزير الخارجية، وكلّ البيانات التي أصدرتها وزارة الخارجية بهذا الخصوص، وهي مواقف غالبية الشعب العماني المتعاطف مع أهل غزة. ولو كانت الصحيفة منصفة لذكرت تأييد الناشطين العمانيين لبيانات المفتي وأنه يعبّر عنهم بدعمه الصريح للقضية الفلسطينية ومقاومتها منذ بدء حرب غزة، ولا تخفى كذلك مواقفه السابقة طيلة السنوات الماضية لدعم القضية الفلسطينية. (وللحقيقة فإنّ سماحته يحتاج إلى وقفة أخرى).
لقد أحسنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عندما خصصت خطب الجمعة للحديث عن أحداث غزة، وعممت أكثر من مرة التعليمات بإقامة صلاة الغائب على أرواح الشهداء، ولم تكن الخطب ذات صبغة سياسية أو تحريضية، ولم تشر إلى حماس من قريب أو بعيد - كما أشرتُ سابقًا -، لكن الصحيفة المذكورة، بما أنها تمثل جهة ما لها مواقف ضد حماس، ذكرت أنّ منتقدي "ظاهرة الخلط بين التعاطف المشروع مع الفلسطينيين وفتح باب الدعاية لحركة حماس يخشون أن تتحوّل المنابر الدينية في عُمان إلى منفذ تتسلّل منه جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها الحركة، إلى السلطنة"، وهذه بالتأكيد مغالطة أخرى، فكل الجوامع لم تخرج عن نطاق الخطب الرسمية المعدة بعناية.
حاولت الصحيفة أن تصفي حساباتها مع حركة الإخوان المسلمين، وأدخلت اسم عُمان في تلك التصفية، وكأنها حريصة على عُمان، فيما نسيج المجتمع العماني متجانس لا يحتاج إلى توجيه من الخارج. والحقيقة أنه لا غبار على الموقف العماني المشرف تجاه القضية الفلسطينية، وهو الموقف الذي كان يجب على كلّ العرب والمسلمين أن يقفوا مثله، من منطلق إنساني وديني ووطني وقومي، أما مواقف الشيخ الخليلي فهي مواقف عالم دين مسلم تنسجم مع الدين في نصرة الأشقاء، وهو ما ينبغي أن يكون عليه علماء الدين في كلّ زمان ومكان، ولا ينبغي إخراجها من وضعها الطبيعي.
إنّ أكثر ما ميّز عُمان أنّ الحكومة أعطت الحرية لشعبها أن يُعبّروا عن مواقفهم وتضامنهم مع أشقائهم في فلسطين بكلّ حرية، سواء في الميادين العامة أو في مواقع التواصل، فيما نرى أنّ بعض الأشقاء محرومون من التعبير عن مواقفهم التضامنية حتى من خلال التغريدات، ولكن نتيجة ذلك ستكون سيئة لا محالة، لأنّ الكبت يولد الانفجار؛ لذا لا عجب أن تظهر أصوات شاذة تنتقد هذه المواقف العمانية المشرفة، وغالبا إن هذه الأصوات هي مستأجرة، وكما يحدث بين الأفراد يحدث في المجتمعات فليس غريبا أن يهاجم الدنيء الشريف، لأنه أضعف من أن يقف موقفه. ولقد كنتُ من البداية أتوقع مثل تلك الهجمات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ترامب: ماسك لا يمكن أن يصبح رئيسا لأميركا
قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب -أمس الأحد- إن رئيس شركة "تسلا" و"سبيس إكس" إيلون ماسك لا يمكن أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة لأنه "لم يولد في هذا البلد".
وجاءت تصريحات ترامب ردا على تساؤلات بشأن تصاعد النفوذ السياسي لماسك خلال تجمع حاشد في فينيكس بولاية أريزونا.
وقال ترامب "أنا هادئ، أتعلمون لماذا؟ لا يمكن له أن يكون كذلك، فهو لم يولد في هذا البلد"، في إشارة إلى ماسك.
وولد المخترع الأميركي إيلون ماسك في جنوب أفريقيا، ويحمل 3 جنسيات؛ جنوب أفريقية وكندية وأميركية.
وتنص المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة على أنه يشترط لمن يريد أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية أن يكون مواطنا أميركيا بالمولد.
وكان ترامب يرد بذلك على منتقديه، لا سيما من المعسكر الديمقراطي، الذين وصفوا في الأيام الأخيرة أغنى رجل في العالم بأنه "الرئيس ماسك"، نظرا لحضوره على الساحة السياسية إلى جانب الرئيس المنتخب.