أصبحت مشاركة الحريديم في الحرب الدائرة على غزة تمثل أزمة في المجتمع الإسرائيلي، فقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن حكومته ستجد سبيلا إلى إنهاء إعفاء اليهود المتشددين من أداء الخدمة العسكرية في مواجهة ضغوط سياسية تهدد مستقبل ائتلافه الحاكم.

أزمة في المجتمع الإسرائيلي 

وأضاف نتنياهو في مؤتمر صحفي: "سنحدد أهدافا لتجنيد اليهود المتشددين (الحريديم) في الجيش الإسرائيلي وفي الخدمات المدنية الوطنية.

. سنحدد أيضا وسائل لتنفيذ هذه الأهداف".

وأبطلت المحكمة العليا في إسرائيل في 2018 قانونا لإعفاء الذكور المتشددين من التجنيد، مشيرة إلى أن الحاجة تستدعي مشاركة المجتمع الإسرائيلي كله في تحمل عبء الخدمة العسكرية.

وفشل الكنيست الإسرائيلي في التوصل إلى ترتيب جديد، وينتهي في مارس سريان أمر أصدرته الحكومة بتعليق التجنيد الإلزامي للمتشددين.

وساعدت الأحزاب المتشددة مع الأحزاب المنتمية إلى اليمين المتطرف نتنياهو في الفوز بأغلبية برلمانية طفيفة، لكن هذه الأحزاب جعلت في الحكومات السابقة الإعفاء من التجنيد شرطا للبقاء في الائتلاف.

وجاء إعلان نتنياهو فيما يبدو ردا على تعهد قطعه وزير الدفاع باستخدام حق النقض (الفيتو) لإلغاء قانون سيسمح بمواصلة الإعفاء مالم تتوصل الحكومة إلى اتفاق يمهد الطريق أمام تجنيد اليهود المتشددين.

وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، منذ ساعات، أن هناك اقتراح جديد لمشروع قانون ينهي الإعفاء الشامل الممنوح لليهود الأرثوذكس المتشددين «الحريديم».

وقال جالانت في بيان له: «لا ينبغي الترويج للاقتراح إلا بموافقة جميع الأحزاب، بما في ذلك الأحزاب الحريدية نفسها»، وذلك بحسب صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.

ووكان البيان أول خطاب علني لجالانت حول هذه القضية بعد سلسلة من المطالب القانونية والتشريعية والأمنية التي أبرزت أهمية الاقتراح، في وقت سابق من هذا الشهر.

وأضاف جالانت، إن هناك حاجة «حقيقية ومباشرة» لإطالة خدمة جنود الجيش الإسرائيلي الإلزامي والاحتياط، لكن «الحرب أثبتت أنه يجب على الجميع تحمل المسؤولية».

واستكمل جالانت لافتًا إلى أن مسألة «تقاسم العبء» كانت «تحديا وطنيا لمدة 75 عاما»، موضحًا: «إسرائيل كانت تواجه تحديا لم تواجهه منذ 75 عاما- والآن حان الوقت لاتخاذ قرارات غير مسبوقة».

ورد رئيس «الوحدة الوطنية» وهو حزب وسطي، بيني جانتس، على جالانت عبر قناة X (تويتر سابقًا) بأنه «سيعمل مع وزير الدفاع، ومع جميع الأحزاب في الكنيست، ومع كل المجتمع الإسرائيلي من أجل الترويج لخطة الخدمة بالجيش».

وقال زعيم المعارضة ورئيس حزب «يش عتيد»، يائير لبيد، ردًا على ذلك «إن حزبه سيقترح مشروع قانون خاص به الأسبوع المقبل يتسم بالمساواة والكفاءة والنزاهة». تابع لبيد: «لا يمكننا أن نفوز معًا إذا لم نجند معًا».

ووفقا للصحيفة الإسرائيلية، فإن الفصائل الحريدية «شاس»، هو حزب إسرائيلي صهيوني ديني، و«يهدوت هتوراة» هو تحالف اثنين من الأحزاب السياسية الإسرائيلية الحريدية الصغيرة، كانت «غاضبة» من بيان وزير الدفاع.

وحذر مصدر آخر في حزب «يهدوت هتوراة» من أنه «إذا أراد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو البقاء رئيسًا للوزراء بحلول الصيف، فيجب عليه الحصول على قانون التجنيد الإجباري الذي تمت الموافقة عليه في الكنيست».

وكان قد تظاهر مئات الإسرائيليين رافعين العلم الإسرائيلي، أمام المحكمة العليا في القدس، تزامنًا مع انطلاق جلسات استماع في المحكمة بشأن اقتراح ضم الحريديم للخدمة العسكرية.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد للشرطة الإسرائيلية، وهي تفرق بالقوة احتجاجات يهود حريديم من مختلف الفئات العمرية، بعد سماع المحكمة الإسرائيلية العليا للطعن المقدّم على فكرة الخدمة بالجيش الإسرائيلي.

وقالت حركة تحمل اسم «من أجل جودة الحكم في إسرائيل»، وهي إحدى الجماعات التي تقدمت بطعن في المحكمة العليا ضد الإعفاءات: «الحرب الطويلة في غزة تلفت انتباهنا إلى الحاجة الماسة لتوسيع نطاق التجنيد ليشمل جميع أطياف المجتمع الإسرائيلي»

من هم الحريديم؟

هم اليهود الأرثوذكس المتشددون ، وهو تيار ديني متشدد ، وتعني كلمة «الحريدي» التقي، ويشكلون 13% من سكان إسرائيل، وتتزايد أعدادهم بشكل أسرع حيث ترتفع معدلات المواليد بينهم، ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 19% بحلول عام 2035، يعيش الغالبية منهم في فلسطين والولايات المتحدة الأمريكية، والبعض منهم في الدول الأوروبية. 

وظهرت طائفة الحريديم، وتعني "الخائفين من الله"، حيث عكفوا على دراسة التوراة ، ومع زيادة التحولات الثقافية في أوروبا، وتسرُّب اليهود من الانكفاء إلى الانصهار في المجتمع واعتناق بعضهم المسيحية، وبحسب الموقف من الصهيونية والعالم الحديث تأسست داخل طائفة الحريديم عدة طوائف، منها حركة "الحسيديم"، التي بدأت في بداية القرن التاسع عشر بوصفها حركة تصوُّف روحانية اجتذبت آلاف الأتباع في أوساط الجاليات اليهودية الكبرى بأوروبا الشرقية، وبالتحديد بولندا وروسيا البيضاء وأوكرانيا ورومانيا. 

وتعود جذور الموقف المناهض للتجنيد لدى الحريديم إلى أيام وجودهم في أوروبا، حيث امتنع أبناء الطائفة الحريدية عن التجنيد في جيوش الدول الأوروبية التي عاشوا فيها، وبعد قيام دولة إسرائيل تبنوا الموقف ذاته، وهو أمر وافق عليه "ديفيد بن غوريون"، مؤسس دولة إسرائيل، وأصدر قرارا بإعفاء 400 من الحريديم من الخدمة العسكرية عام 1950 وتفريغهم للدراسة الدينية، من أجل إرضاء اليهود المتدينين الذين كان يرغب في اجتذابهم إلى ائتلافه الحاكم.

وظلت العلاقة بين الحريديم والصهيونية يغلب عليها الخصومة، حتى وقع تطور مفاجئ في السبعينيات تَمثَّل في توقيع الحاخام "إسحق مئير ليفين" على وثيقة "تأسيس إسرائيل"، ليصبح بذلك أول ممثل للحريديم يعترف رسميا بإسرائيل ويتولى منصبا وزاريا في حكومة الليكود. 

بعدها، تغيَّر وضع الحريديم في المجتمع الإسرائيلي تماما، حيث بدأ رئيس الوزراء "مناحيم بيغن" في التودُّد إلى الطائفة الحريدية بخطاب ديني، وضمَّ شخصيات حريدية إلى حكومته، ورفع الميزانيات المخصصة للطائفة، وأزال حاجز الـ400 طالب المعفون من أداء الخدمة العسكرية.

وظهر "الحريديم العصريون"، وهم حريديم يسعون إلى العيش بطريقة عصرية مع الاحتفاظ بسَمتهم الديني، لكنهم عكس الحريديم التقليديين يشاركون في الحياة السياسية والخدمة العسكرية، ويسكنون في المستوطنات خارج المدن القديمة والأحياء المخصصة للحريديم. 

وأنتج هذا الحراك الاجتماعي لدى بعض جماعات الحسيدية والحريدية جماعة جديدة تسمى "الحردليم"، وهي اختصار "حريدي متدين قومي"، وهي جماعات من الحريديم حوَّلت تزمُّتها الديني إلى تطرف قومي، ويسعون إلى الانضمام للجيش والسيطرة عليه.

ونظام التجنيد بالجيش الإسرائيلي بوجه عام فهو مفروض على الإسرائيليين اليهود عند بلوغهم 18 عامًا، إذ يخدم الرجال لعامين و8 أشهر والنساء لعامين، ومنذ تأسيس إسرائيل عام 1948، عاملهم أول رئيس وزراء ديفيد بن جوريون معاملة خاصة، معتبرًا إياهم الضمان لاستمرار دراسة تعاليم الديانة اليهودية، ولا تزال تسبب تلك المسألة النزاعات بين الجيش الإسرائيلي والحريديم إذ يرفض اليهود المتشددون التجنيد الإجباري، ويطالبون بالحق في الدراسة بالمعاهد اللاهوتية بدلاً من الخدمة بالزي العسكري.

الخدمة منذ بدء أحداث غزة 

من الجدير بالذكر أنه كان قد حصل 66 ألف شخص من الحريديم "المتدينين المتشددين" على إعفاء من الخدمة في الجيش الإسرائيلي خلال العام الماضي، في "رقم قياسي" وفقا لوسائل إعلام محلية، ومن بين هذا الرقم، قرر 540 شخصا فقط من الحريديم الانضمام للجيش، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وكشف عن هذه الأرقام ممثل عن مكتب القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي، خلال جلسة برلمانية، وجدد قادة من الطائفة معارضتهم تجنيد الحريديم في الجيش والتأكيد على أن دورهم يتمثل فقط في دراسة التوراة، لكن البعض في المجتمع الإسرائيلي يطالب بضمهم إلى الجيش، الذي يقاتل في غزة منذ أشهر.

ويشير البعض إلى أن أسلوب حياتهم المتدين ربما يتعارض مع الأعراف العسكرية، بينما يعبر آخرون عن معارضتهم الدولة الليبرالية بشكل عام، وبالوقت الحالي وقبل سنوات، أعفي اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية تحت ضغط ممثليهم من السياسيين في الكنيست وداخل الحكومة.

وبعد هجوم السابع من أكتوبر 2023 تطوَّع أكثر من 2000 من اليهود الحريديم القوميين للخدمة، الأمر الذي عدَّه المراقبون "أمرا نادرَ الحدوث" نظرا لأن الطائفة اليهودية الحريدية معروف عنها تجنُّب دخول الجيش ورفض الخدمة العسكرية أو تأجيلها على الأقل .

وقد أدى 1200 شاب منهم فقط الخدمة العسكرية في عام 2020، وهو نصف عدد الجنود الحريديم الذين أدوا الخدمة بالجيش عام 2015، وفقا لدراسة أجراها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية (IDI) ونشرتها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" .

 وبحسب ما أوردت صحيفة "واشنطن بوست"، يعتبر مردخاي بورات واحد من الحريديم، الذين قرروا التطوع في صفوف الجيش الإسرائيلي، وبحسب الصحفية، فإن الأخصائي الاجتماعي البالغ من العمر 36 عاماً، يغادر منزله كل صباح مرتدياً بدلة وقبعة سوداء، إذ لا يرتدي زيه العسكري الأخضر إلا بعد وصوله إلى القاعدة العسكرية في وسط إسرائيل، حيث لا يريد أن تكتشف عائلته أو جيرانه سرّ تجندّه في الجيش الإسرائيلي.

وعارض الحريديم بشدة إجبارهم على الخدمة، معتبرين أنه ينبغي تخصيص وقتهم المتاح لدراسة التوراة، وهم يخشون أن يبتعد الشباب منهم عن واجباتهم الدينية إذا ما انخرطوا في الجيش.

ودفع حجم الحريديم ونفوذهم، القادة الإسرائيليين إلى تلبية مطالبهم، كما تم إعفاؤهم من مراعاة معايير التعليم الوطنية ودفع بعض الضرائب.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الحريديم نتنياهو غزة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسرائيل فی المجتمع الإسرائیلی فی الجیش الإسرائیلی الخدمة العسکریة وزیر الدفاع من الحریدیم من الخدمة رئیس ا

إقرأ أيضاً:

غارة الضاحية.. ماذا استهدف الجيش الإسرائيلي؟

كتب المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر منصة "اكس"، مساء اليوم الإثنين، أنّه: "متابعة للغارات على مقرات القيادة ومراكز السيطرة التابعة للمجلس التنفيذي في حزب الله في وقت سابق اليوم شنت طائرات حربية قبل قليل غارات استهدفت مقرات قيادة للمجلس التنفيذي في ضاحية بيروت الجنوبية. كما تم استهداف مقرات قيادة عسكرية أخرى للتنظيم".

أضاف أدرعي، أنّ "هذه الغارات تهدف إلى استهداف قدرة المجلس التنفيذي لتوجيه ودعم عناصر حزب الله وأعماله إلى جانب ضرب محاولته اعمار قدراته العسكرية".

واشار إبى أنّ "هذه الغارات تأتي في اطار ضربات جيش الدفاع التي تستهدف المجلس التنفيذي في حزب الله وقدراته لتنفيذ مخططاته ضد دولة إسرائيل وفي إطار الجهود الرامية لتدمير مقرات القيادة ومواقع الانتاج ومستودعات الأسلحة التي أقامها حزب الله على مدار السنوات الماضية في منطقة الضاحية".

مقالات مشابهة

  • غارة الضاحية.. ماذا استهدف الجيش الإسرائيلي؟
  • يواجهون أكبر ظاهرة نزوح في العالم.. ماذا يحدث داخل السودان الآن؟
  • خلاف داخل الجيش الإسرائيلي
  • نائب بالبرلمان : المراهنات الرياضية خطر يهدد المجتمع
  • عن توغل الجيش الإسرائيلي.. ماذا كشف رئيس بلدية ديرميماس؟
  • عبدالمنعم سعيد: ترامب غاضب من صديقه نتنياهو بسبب أصوات اليهود الأمريكيين
  • استمرار أزمة تأجيل جنازة الملحن محمد رحيم.. ماذا يحدث في فيلا حدائق الأهرام؟
  • أزمة في الجيش الإسرائيلي.. الجنود يتخلصون من حياتهم بسبب حرب غزة ولبنان
  • تحذير إسرائيلي من تراجع كفاءة الجيش مع إصرار الحريديم على عدم الخدمة العسكرية
  • عاجل.. انفجارات تهز حيفا وهجوم علي قائد جيش الاحتلال والحكومة.. ماذا يحدث في إسرائيل؟ (فيديو)