التداعيات السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
بقلم : د.محمد نعناع ..
مثلما هي الأوضاع السياسية والتوترات الإقليمية التي سادت مطلع العام 2012 وامتدت إلى منتصف العام 2014 تعود الأن في العراق والمنطقة، مفاوضات مستمرة من أجل جدولة الوجود الأجنبي في العراق وبالتحديد وجود القوات الأمريكية ضمن التحالف الدولي أو بمعزل عنه، وانسحاب تام للتيار الصدري من معادلة السلطة، واستهداف وتهميش للرموز السياسية السُنية، أو بشكل أوضح، تفريقُ للاجماع السُني من أجل إضعاف الموقف العام للسنة، بغية عدم تحقيق مطالبهم ضمن ورقة الإتفاق السياسي التي تأسس على أساسها ائتلاف إدارة الدولة وتشكلت حكومة محمد شياع السوداني، ومن أهم هذه المطالب تشريع قانون العفو العام وإعادة النازحين والمهجرين إلى سكناهم بعد توفير الخدمات لمناطقهم المدمرة، ويرافق هذه الأوضاع في العراق تصعيد دولي وإقليمي جديد، بعض تمظهراته مميتة وخطيرة جداً، كما يجري في غزة، وكما جرى من استهدافات متبادلة بين القوات الأمريكية والفصائل العراقية المسلحة، وإذا كانت الأعوام من 2012 إلى 2014 غذى توترها موجة الربيع العربي، فأن الوضع الحالي تغذيه الحروب المباشرة في أوكرانيا وغزة، وتبرز في كلاهما رغبة إيران في الاستفادة من التصعيد لصالحها، رغم إنها ووكلائها وحلفائها تكبدت خسائر كبيرة، مما دعاها ومن بمعيتها الى خفض التصعيد والكف عن استهداف القواعد والمصالح الأمريكية منذ أكثر من شهر، بعد تهديدات أمريكية مباشرة بالرد في الداخل الإيراني في حال استمرت عمليات القصف بالمسيرات والصواريخ، إن هذا الواقع المترع بالتأزم يتحمل الداخل العراقي إحدى أكبر ضرائبه، وتقف الحكومة العراقية حائرة بين ارتباطها بالقوى السياسية التي شكلتها وهي قوى راديكالية يأتمر جزء كبير منها بأوامر إيرانية، وبين توازنها من أجل تطبيق الإتفاقات السياسية والبرامج الحكومية، وهذه الحيرة تزداد كلما طمحت القوى الراديكالية بتضخيم دورها على حساب الشركاء، وكلما زاد التوتر الإقليمي والدولي، ولكن الضغط الأعلى الذي تواجهه الحكومة في الداخل هو رغبة المشاركين في تشكيلها باضعاف مراكز القوى العراقية الأخرى بشتى الطرق، ومن هذا المنطلق يُفكر القادة الكرد في قرارات المحكمة الاتحادية التي يرونها قرارات مدفوعة بمواقف سياسية، حتى لو كانت قانونية من الناحية الشكلية، لأن المهم بالنسبة لهم هو المصالح العليا للإقليم والمكاسب القومية التي تحققت بعد العام 2003، وهذا ما تهدده تلك القرارات التي يؤيدها من يريد تفكيك الإقليم، واللعب على خلافاته الداخلية التي تقوض تقدمه وتُعين خصومه على تحقيق أهدافهم العدوانية ضده، ومن هذا المنطلق جاءت تصريحات رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، فهو يرى بأن ما يحيط بالعراق وبالاقليم وبالمنطقة عموماً يتجه نحو انتاج عراق آخر غير الذي تُشكله التحالفات والإتفاقات السياسية، وفي هذا المسار تكمن عملية تقويض الشراكة، بل وتقويض الديمقراطية، وتتصاعد هنا لغة التحذير من سيناريو جديد لربما يجتاح العراق بسبب المخرجات السياسية السلبية للقرارات القانونية، فلا يُخفي البارزاني أي تحفظات على طبيعة إدارة الدولة، لا في مجال تلبية معادلة السلطة لحقوق المكونات واحترام الإتفاقات، ولا في مسار استغلال المؤسسات الدستورية والقانونية للضغط على الشركاء المتوافقين او الخصوم، ولا في استخدام مقدرات الدولة العراقية عبر قوى مسلحة في قضايا اقليمية ودولية، ويرى إن هذا التوصيف لوضع العراق –كما قال في مقابلة مونتي كارلو- تم إنتاجه عند الشعور بمنع قوى سياسية داخل الاطار التنسيقي حكومة السوداني من تطبيق الإتفاقات السياسية، وهذا العجز الحكومي سينعكس بالضرورة على الاستقرار السياسي، ولم يخفي البارزاني إتهامه للمحكمة الاتحادية بأنها ضد الاقليم بامتياز، على حد وصفه، ولم يخفي عدم ارتياح الكُرد وقلقهم من جمع المحكمة الإتحادية عدة سلطات في يدها، فقراراتها حسب هذا النسق تعطيها مهمات التشريع والقضاء والتنفيذ، وهذا ما يقوض الفصل بين السلطات، وهو كذلك ينسف الاتفاقات السياسية التي على أساسها تتشكل الحكومات المتعاقبة، أو يجعل هذه الإتفاقات في مصلحة جهة سياسية واحدة، وهنا بالضرورة سيتم التذكير بالحقب التاريجية الديكتاتورية التي تضرر منها الكُرد على طول تأريخهم السياسي والاجتماعي.
إن قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة التي بتت بتوطين رواتب موظفي إقليم كردستان بقدر ما هي عملية قانونية من الناحية الشكلية، إلا أنها بالنسبة للقيادة الكردستانية ذات أبعاد تدميرية على الإقليم في ظل الخلافات السياسية بين القوى الفاعلة في السليمانية واربيل، فتلك القرارات تغذي الخلافات التي تنحو منحى استراتيجي لا يمكن المساومة عليه، فمن يحاول تفكيك الإقليم وتجزئته إلى جزأين أو أكثر لا يمكن التشارك معه أو الموافقة على تقوية نفوذه، ومن هذا المنطلق يتجهز قادة الإقليم لمواجهة تحديات جديدة، فهم يعتقدون بأن صناعة أزمة جديدة مع الكُرد للتغطية على أزمات مقبلة في جسم الدولة العراقية ليس بعيداً في ظل العقلية الإقصائية التي تتحكم بمؤسسات الدولة، لذلك أوفِدَ رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليُجري محادثات عميقة ويقوم باجتماعات متعددة لاستشراف المرحلة المقبلة، ويستطلع هو ووزير البيشمركة إمكانية تحصين الإقليم عسكرياً وأمنياً واستخبارياً بعد إنسحاب القوات الأمريكية والتحالف الدولي.
لقد أفرزت قرارات المحكمة الإتحادية وضعاً سياسياً يستبطن تداعيات سلبية، من وجهة نظر كوردستانية، وهكذا هو تفكير بعض المراقبين أيضاً، ومن هذه التداعيات إشغال حكومة السوداني عن العمل في بيئة سياسية مريحة، وفتح المجال أمام التدخل الخارجي في الشؤون العراقية، وما زيارة مسرور بارزاني إلى واشنطن إلا بابُ للمزيد من التعاملات السياسية الداخلية مع القوى الاقليمية والدولية بدون التنسيق مع الحكومة الإتحادية، وما هو أخطر من كل ذلك هو إمكانية تحريض قوى داخل الإطار التنسيقي لقوى كردية للمطالبة بانفصال السليمانية وحلبجة وتكوين إقليم جديد يكون تحت السيطرة الإيرانية. د. محمد نعناع
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
مجلس الأمن يناقش اليوم تقرير المحكمة الجنائية نصف السنوي بشأن السودان
يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة لمناقشة الإحاطة نصف السنوية التي يقدمها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم أسد أحمد خان، حول الأنشطة المتعلقة بدارفور.
الخرطوم _ التغيير
و من المتوقع أن يناقش كريم خان في هذه الجلسة آخر المستجدات حول القضايا القضائية التي تتعامل معها المحكمة، بالإضافة إلى تقديم معلومات جديدة حول التحقيقات الجارية بشأن الأفراد الذين صدرت بحقهم أوامر اعتقال في سياق القضية المتعلقة بدارفور.
و استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 1593 والأوامر اللاحقة. تشمل هذه المذكرات شخصيات بارزة مثل عمر البشير، الرئيس السوداني السابق، وأحمد محمد هارون، وزير الدولة السابق للداخلية، وعبد الرحيم محمد حسين، وزير الدفاع الوطني السابق، وعبد الله بندة نورين، قائد حركة العدل والمساواة،وتمثل هذه المذكرات التزاماً قانونياً على السودان لتسليم المطلوبين إلى المحكمة.
من المتوقع أن تثير الإحاطة التي سيقدمها كريم خان نقاشات حيوية بين أعضاء مجلس الأمن حول كيفية تعزيز التعاون الدولي لضمان تنفيذ مذكرات التوقيف وتحقيق العدالة للضحايا.
في هذا السياق، سيطلع كريم خان المجلس على اتصالاته الأخيرة مع المسؤولين السودانيين وغيرهم من الأطراف المعنية على الصعيدين الإقليمي والدولي. يُغطي تقرير المدعي العام، الذي صدر في 16 يناير الحالي، فترة الستة أشهر الماضية، التي التقى خلالها منسق الحكومة السودانية للتعاون في بورتسودان بممثلي المحكمة لمناقشة قضايا متعددة، بانتظار طلبات المساعدة من المحكمة إلى الحكومة السودانية.
وكان وفد رفيع برئاسة النائب العام السوداني قد زار لاهاي في ديسمبر 2024، حيث عُقدت اجتماعات مع ممثلي المحكمة، بما في ذلك مكتب المدعي العام، وتركزت المناقشات على تعزيز التعاون بين المكتب والحكومة، فضلاً عن التخطيط لزيارة مقبلة لممثلي المكتب إلى بورتسودان.
وسيتناول كريم خان في إحاطته التحقيقات الجارية المتعلقة بالجرائم المزعومة في غرب دارفور منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. وقد أشار تقرير كريم خان بذات التاريخ إلى أن مكتب المدعي العام جمع أدلة كافية تدعم الاعتقاد بحدوث مجموعة واسعة من الجرائم المحددة بموجب نظام روما الأساسي في دارفور، مما يقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي بالاختصاص للنظر في أربع جرائم: الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان. ويوضح التقرير أنه يتم اتخاذ خطوات نهائية لتقديم طلبات أوامر توقيف تتعلق بالمسؤولين عن الجرائم في غرب دارفور، إضافة إلى مواصلة مكتب المدعي العام جمع الأدلة المتعلقة بالجرائم المزعومة المرتكبة من قبل الأطراف المتحاربة في شمال دارفور.
ونوه التقرير أيضاً إلى أن السلطات السودانية لم ترد بعد على طلب مكتب المدعي العام بشأن مكان وجود أحمد هارون، ومن المتوقع أن يحث كريم خان في إحاطته اليوم الحكومة السودانية على اتخاذ خطوات فورية لتحديد مكان المطلوبين واعتقالهم، وذلك في إطار العمل على إنهاء الإفلات من العقاب، مع التأكيد على أن الفشل في ضمان المحاسبة عن الجرائم السابقة قد ساهم في استمرار العنف والفظائع في الصراع الحالي.
يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية أنهت في ديسمبر 2024 النظر في قضية المدعي العام ضد علي محمد علي عبد الرحمن “كوشيب” المتعلقة بـ31 تهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي يُزعم أنها مرتكبت في الفترة بين أغسطس 2003 وأبريل 2004 في دارفور.
الوسومإحاطة المحكمة الجنائية تقرير مجلس الأمن نصف سنوي