تعد عمليات الإنزال الجوي، التي بدأت فكرتها خلال الحرب العالمية الثانية، الحل الأخير، لإيصال المساعدات، في حال ‏تعذر وصولها عن طريق البر، بسبب الصعوبات الفنية للعملية برمتها، والكلفة الهائلة والكميات القليلة التي يمكن إلقاؤها ‏من الجو، والاحتمالية الكبيرة فيها للخطأ.‏

وفي حالة غزة، التي بدأت فيها عمليات إلقاء مساعدات ضئيلة الكمية عبر الجو، تحدث المفارقة أن أكبر جهة داعمة ‏للاحتلال في عملية التجويع الوحشي الممارس بحق الفلسطينيين، تقوم بعمليات إلقاء مساعدات عبر الطائرات، وهي ‏الولايات المتحدة، في ظل رفض الاحتلال السماح للشاحنات المكدسة عبر معبر رفح بالدخول، لاستخدامها التجويع سلاحا، وليس لعدم قدرة الشاحنات على الدخول.



لكن إلقاء المساعدات من الجو على قطاع غزة، يطرح تساؤلات حول العملية برمتها، وقدرتها على إغاثة 2.3 مليون ‏فلسطيني، على امتداد القطاع، منهم قرابة 700 ألف بحسب التصريحات الحكومية الفلسطينية يعانون تجويعا وحشيا وحصارا مشددا في ‏مناطق شمال القطاع.‏



ومن أجل عملية فاعلة، وقادرة على منع المجاعة عن سكان القطاع وخاصة الـ 700 ألف إنسان المتواجدين في ‏شمال غزة، علينا العودة إلى أشهر عملية كسر حصار عبر الجو، حدثت في القرن العشرين، في برلين عام 1948، ثم سنجري بعض ‏الحسابات وفقا للمعطيات لمقارنة بسيطة للمعطيات.‏

ما الذي حدث في برلين؟ ‏

دفع الحصار الذي فرضه الاتحاد السوفيتي على القسم الغربي من برلين، بسبب الصراع مع الحلفاء، إلى تفكير الطرف ‏الأخير، في إبقاء السكان على قيد الحياة قدر الإمكان، وعدم تركهم يستسلمون للسوفييت بسبب الجوع الذي سينهشهم. ‏

ولذلك أطلقت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ودول أوروبية أخرى حليفة لهم، عمليتي "فيلتز"، وبلاين فير"، لإيصال ‏المساعدات للسكان عبر جسر جوي، يوصل المساعدات بصورة يومية، ابتداء من 26 حزيران/يونيو 1948، عبر أسطول ‏كبير من الطائرات.‏

ووفقا للسجلات فقد، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا، بنقل إجمالي 2.326.406 أطنان، إلى برلين، عبر أكثر من 250 ‏ألف طلعة جوية، وكانت في وقت الذروة، تهبط طائرة واحدة في مطار تمبلهوف في برلين كل ثلاثين ثانية.‏

ومع حلول عام 1949، تمكن الحلفاء من إضعاف الحصار السوفيتي، ومساعدة الألمان، من أجل إبقاء النفوذ الغربي على ‏المدينة، وتوصل الطرفان إلى اتفاق لإنهائه وأعلنت موسكو رسميا في 11 أيار/مايو 1949 رفع الحصار.‏

ما الذي حملته الطائرات؟ ‏
العملية كانت تهدف إلى نقل مساعدات لـ 2.3 مليون ألماني، وهو عدد قريب من عدد سكان قطاع غزة اليوم، لمنع ‏تجويعهم، بحيث يحصل كل شخص، على ما  يعادل 1500 سعر حراري في اليوم. ‏

ولأجل ذلك، كانت الحصص الغذائية للشخص، والتي يتسلمها من جهات رسمية هناك بصورة منظمة، خلاف ما يجري في ‏غزة من إلقاء عشوائي بعد تدمير كافة المؤسسات والبنية التحتية، ومنع الجهات الإغاثية والدولية من التحرك لتنظيم عملية ‏توزيع المساعدات، على الشكل التالي: ‏

بطاقة تموينية مع كل شخص، يحصل بموجبها على 400 غرام من الخبز، 50 غراما من أنواع الحبوب، 40 غراما من ‏اللحم، 30 غراما من الدهون، 400 غرام من البطاطا المجففة، و5 غرامات من الجبن بصورة يومية.‏

وتطورت حمولات الطائرات من المساعدات، على مدار الأشهر، لتصل إلى نقل الفحم للتدفئة والدقيق والحليب المجفف ‏والبنزين، والصابون وكافة المستلزمات الحياتية.‏





ما الذي يحتاجه شمال غزة فعليا؟

بمقارنة بسيطة، وفقا لمعطيات الجسر الجوي، إلى برلين، لو افترضنا وفقا للأرقام التقديرية، أن سكان شمال قطاع غزة، ‏الذي يخنقه الحصار ويتم تجويعه، يحتاج كل فرد فيه إلى 5 كيلوغرامات من أغذية مختلفة ومستلزمات حياتية، يوميا في الحد الأدنى لتجنب ‏الدخول في مجاعة، فنحن أمام العملية التالية: ‏

‏700.000 شخص في شمال غزة × 5 كيلوغرامات لكل شخص‎ ‎‏= 3.500.000 كيلوغرام من المساعدات.‏

ولنفترض أن الطائرة التي ستستخدم من بين المتوفر، هي طائرة ‏C-130 Hercules‎، والتي تختلف قدرتها على أوزان ‏الحمولات بين 20.000- 42.000 كيلوغرام، وبأخذ القدرة القصوى للحمل، فسنكون أمام المعادلة التالية: ‏

سنقسم المساعدات المطلوبة على قدرة الطائرة القصوى للحمل، 3.500.000‏‎ ‎‏ كيلوغرام ÷ 42.000 كيلوغرام = 83.33 أي ‏ما يقارب من 84 رحلة جوية في اليوم الواحد، من أجل اكتفاء السكان بشمال قطاع غزة، بشرط أن تكون عملية الإنزال ‏منظمة وتتسلمها جهات قادرة على توزيعها بشكل منظم لتصل كافة الحصص إلى أصحابها ويكتفي الجميع.‏

إمداد القطاع

لكن في المقابل، لو أردنا إمداد كافة السكان في قطاع غزة، بافتراض وجود 2.3 مليون فلسطيني، وفقا للتقديرات، بحاجة يومية من الغذاء والمستلزمات تصل إلى نحو 5 كيلوغرامات، فسنكون أمام المعادلة التالية:

2.300.000 شخص على امتداد القطاع × 5 كيلوغرامات 11,500,000 كيلوغراما من المساعدات اليومية.

ولنفترض أن الطائرة التي ستستخدم من بين المتوفر، هي طائرة ‏C-130 Hercules‎، والتي تختلف قدرتها على أوزان ‏الحمولات بين 20.000- 42.000 كيلوغرام، وبأخذ القدرة القصوى للحمل، فسنكون أمام المعادلة التالية: ‏

11,500,000 كيلوغراما من المساعدات المطلوبة يوميا ÷ 42,000 كيلوغرام = 273.81 أي قرابة 274 رحلة جوية يوميا عند تقريب الرقم لتصل المساعدات إلى كافة السكان.



ما هي الطائرات المستخدمة في الإنزال الجوي: ‏

توجد العديد من الطائرات حول العالم، القادرة على القيام بهذه المهمة، لكن أبرزها، والمستخدم حتى الآن في غزة هي:‏

C-130 Hercules‎‏ هي طائرة نقل عسكرية متعددة الاستخدامات يتم استخدامها على نطاق واسع في مهام الإنزال الجوي ‏وقدرتها على الحمل تتفاوت ما بين 20.000 إلى 42.000 كيلوغراما، وفقا للطراز والشكل الداخلي لحمل المستوعبات.‏



الطائرة ‏C-17 Globemaster III‎‏ هي طائرة نقل عسكرية أمريكية الصنع، أكبر حجما، تبلغ حمولتها حوالي 76000 ‏كيلوغرام وغالبا ما تستخدم في مهام النقل الجوي والإسقاط الجوي الإستراتيجية.‏



مستلزمات الإنزال

عملية الإنزال تتطلب العديد من العوامل، بالإضافة للطائرات، لكن من أبرزها المظلات التي ستلقى بها المستوعبات التي ‏ستحمل المساعدات إلى الأرض، لضمان هبوطها ببطء وتجنب تلف المواد. ‏

ويستخدم في عملية الإنزال نوعان من المظلات، هما مظلات الشحن، والمظلات العسكرية، نظرا لمتانة صناعتهما، وقدرتهما على حمل أوزان كبيرة، ويمكن ربط عدة مظلات في الحمولة الواحدة تبعا لحساب الوزن وقدرة التحمل اللازمة عند الإلقاء من الجو.

لكن هذه العملية إضافة إلى وقود الطائرات مكلفة كذلك، إذا يصل سعر المظلة الواحدة من مظلات الشحن أو المظلات العسكرية، إلى عدة آلاف الدولارات، مقارنة بالأنواع العادية من المظلات الرياضية، والتي تبلغ بحدود ألفي دولار للواحدة.

كما توجد مظلات عالية الدقة، وتكون موجهة بواسطة نظام الملاحة "GPS" وهذه تستخدمها الجيوش، من أجل الإسقاط من ارتفاعات عالية، ودقيقة لضمان وصولها إلى نقطة معينة، وهي مكلفة للغاية بسبب التصميم وطبيعة الجهاز الذي تحمله، وهذا النوع من المستبعد استخدامه في تقديم الإغاثة لغزة، حيث تستخدم المظلات العادية والتي سقط عدد منها في البحر كما ظهر في الصور.





المساعدات برا الخيار الأمثل

يعد إيصال المساعدات برا الخيار الأمثل لمنع المجاعة في قطاع غزة، بسبب قدرتها على نقل كميات كبيرة، أكثر من الطائرات، فضلا عن كلفة الوقود التي لا يمكن مقارنتها مع ما تحتاجه الطائرة، وسهولة وسرعة الحركة في التحمل والانتقال وعبور الطرق.

إضافة إلى ذلك، فإن الشاحنات، ليست بحاجة لعملية التنسيق التي تتم للطائرات، من ناحية المجال الجوي، وحالة الطقس، ومسار الرحلة، فكل هذه العملية الشاحنات ليست بحاجة لها، لكن الحائل الوحيد لتفعيلها هو الاحتلال الذي يمنع دخولها بسهولة عبر معبر رفح ويقوم بعمليات تفتيش بطيئة للغاية، فضلا عن قيام المستوطنين بمنع دخول الشاحنات من معبر العوجة إلى داخل غزة.

وبالنظر إلى أنواع الشاحنات، فإن النوع الثقيل منها، والذي يتكون من قاطرة واحدة أو قاطرتين، نقل حمولة تصل إلى نحو 30 طنا، بكلفة لا تقارن مع تحريك طائرة تحمل 20 طنا مع كلفة زائدة من الوقود والمظلات وعمليات التنسيق الجوي، تفوق قيمة المساعدات التي بداخلها.



يشار إلى أن الأردن، أعلن بدء عمليات إنزال جوي الاثنين الماضي 26 شباط/فبراير الماضي، عبر 3 من طائراته العسكرية من طراز C-130 وطائرة فرنسية من الطراز ذاته، بدأت جنوب قطاع غزة وامتدت خلال الأيام التالية، إلى شماله.

وشاركت عدة دول، بواسطة الطائرات الأردنية، في تقديم المساعدات، لإنزالها بالمظلات على مناطق بغزة، فيما بدأت الولايات المتحدة السبت، أولى عمليات الإنزال، بواسطة 3 طائرات.

وكان مسؤول أمريكي قال، إن بلاده أسقطت 66 حزمة مساعدات على غزة، شملت على 83 ألف وجبة غذاء.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الإنزال الجوي غزة التجويع الاحتلال غزة الاحتلال تجويع إنزال جوي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة من المساعدات هی طائرة قطاع غزة من أجل

إقرأ أيضاً:

النقل العراقية توضح حقيقة “المضايقات” في الرحلات الجوية إلى بيروت

شبكة أنباء العراق ..

كشف المتحدث باسم وزارة النقل، ميثم الصافي، يوم الأربعاء، حقيقة “المضايقات” التي تتعرض لها الطائرات العراقية في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، مؤكداً عودة تسيير الرحلات الجوية إلى لبنان بشكل متزايد خلال الأيام المقبلة.

وقال الصافي ، إن “الوزارة مستمرة في تنفيذ رحلاتها المجدولة، بما في ذلك الرحلات المتجهة إلى بيروت عبر الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية”.

وأشار، إلى أن “هناك 36 رحلة نُفذت وستُنفذ منذ بداية شهر شباط/ فبراير 2025 وحتى نهايته، بمعدل رحلة يومياً”، مبيناً أنه “اعتباراً من يوم 20 من الشهر الجاري، سيتم تسيير رحلتين يومياً إلى بيروت”.

وأضاف الصافي، أن “الوزارة تعمل على نقل أكثر من 6 آلاف مسافر عراقي”، مؤكداً أن “المطار والخطوط الجوية ينفذان الرحلات بانسيابية تامة دون أي معوقات”.

وفيما يتعلق بالحديث عن وجود مضايقات، شدد الصافي، على “عدم توفر أي معلومات بهذا الشأن”، مؤكداً أن “العمل يسير وفق الضوابط والتعليمات المحددة، ولن يكون هناك أي تلكؤ في تنفيذ المهام”.

ولفت المتحدث باسم النقل العراقية، إلى “استمرار الوزارة في استكمال مهامها الخاصة بتنفيذ الرحلات المجدولة وفق التوقيتات الزمنية المحددة”.

يشار إلى أن الخطوط الجوية العراقية قررت في الثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي من العام 2024، تعليق الرحلات الجوية إلى لبنان جراء التطورات الأمنية الحاصلة في البلاد، فيما استأنفت الطيران نهاية الشهر نفسه.

وتداولت وسائل إعلام عالمية، قبل أيام قليلة، أخباراً تفيد بأن جهاز أمن مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يفرض إجراءات أمنية مشددة على الرحلات القادمة من العراق إلى بيروت، وإخضاعها لتفتيش دقيق.

ووفقاً لمصادر لبنانية، فإن كل الرحلات الجوية القادمة من العراق ستخضع لتفتيش دقيق لدى وصولها إلى المطار، تحسباً لإدخال أموال أو أرصدة لصالح “حزب الله”.

user

مقالات مشابهة

  • عراقيون يتوافدون إلى بيروت قبل تشييع نصر الله.. زيادة الرحلات الجوية ونفاد الحجوزات
  • النقل العراقية توضح حقيقة “المضايقات” في الرحلات الجوية إلى بيروت
  • النقل العراقية توضح حقيقة المضايقات في الرحلات الجوية إلى بيروت
  • خيارات طهران في التعامل مع أزمة الرحلات الجوية مع بيروت
  • تعليق الرحلات الجوية بمطار كاتانيا الإيطالي مؤقتا بسبب بركان «إتنا»
  • لبنان يمدد تعليق الرحلات الجوية من وإلى إيران
  • لبنان يعلن استمرار تعليق الرحلات الجوية مع إيران
  • الأسطول الأمريكي يكشف حجم الأضرار التي لحقت بحاملة الطائرات “هاري إس ترومان”
  • معروف: المساعدات التي دخلت إلى غزة لم تتجاوز الـ30% من المتفق عليه
  • أزمة الرحلات الجوية بين رجي وعراقجي