عدنان زاهر
فى إجازتى السنوية التى اقضيها فى السودان فى هذا التوقيت من كل عام و حرمت منها نتيجة للحرب " الجنج- كيزانية "، كنت أحرص طوال الأسبوع على ممارسة ثلاث أشياء بشكل روتينى، شرب قهوة الصباح الباكر فى سوق الموردة بدكان صديقى الخضرجى ( عبدالبارى ) أو مطعم سمك " فردة الصيد " ( عماد العمدة )، جلسة منتصف النهار فى سوق أمدرمان الكبير فى دكان صديقى ( محمد ) بسوق البهارات أو " التشاشه " أو دكان الصديق شوقى بسوق الموردة ثم ممارسة هواية صيد السمك التى أدمنها.
جلست ذلك اليوم على شاطئ النيل بقرب حديقة " الريفيرا " فى موقعى المفضل للصيد، اراقب بحرص العوامة الطافية على سطح مياه هادئة و " رايقه " تبدوا كسماء صافية خالية من أى غيوم، عندما أتى شاب فى مقتبل العمر ألقى التحية ثم جلس بقربى، ثم بدأ هو الآخر فى الصيد. بعد فترة ليست بالطويلة بدأ بالحديث معى عن صيد السمك و عن أحسن الطرق لاصطياده و الأماكن المفضلة لصيده و المواسم، و كنت أرد بتحريك رأسى بالموافقه أو النفى.
توصلت دون جهد انه لا يعرف أعراف و قوانين الصيد " السبعة "، و أولها و أهمها الصمت و عدم الحديث أثناء الصيد الا للضرورة القصوى، لأن الحديث يقلل من تركيز الصياد كما يعمل أيضا على هروب أسراب السمك من مكان الصيد " الممشك أو المعلوف " فالسمك يسمع و يرى..........اتذكر فى مرة من المرات أحضرت صديق معى فى رحلة صيد مع " شلتى " الدائمة و هم من المحترفين الذين قضوا معظم سنين حياتهم فى ممارسة الصيد.
بدا صديقى " المستضاف " فى طرح الأسئلة المتكررة لافراد الشلة ثم التعليق و الكلام بلا ضوابط، و أنا محرج أحاول بكل الطرق ايقافه ....فجأة التفت اليه أحد أفراد الشله متضايقا و موجها الحديث اليه قائلا له ( تعرف يا استاذ عندما انضممت أنا حديثا لهذه الشله، ظللت صامتا لمدة شهر حتى ظن البعض انى أبكم و أطرش ) !.....وصلت الرسالة المشفره سريعا لصديقى، والتزم الصمت بعد ذلك حتى نهاية رحلة الصيد.
سألنى الشاب الصغير الذى جلس بجانبى كثيرا من الأسئلة و كان يبدأ حديثه على الدوام ( عارف يا خال ) ! و كنت أرد باقتضاب محاولاً عدم أحراجه، خاصة عندما توصلت من " هترشته " انه من أسرة فى الحى أعرفها من زمن طويل، بالاضافة الى محاولتى تعليمه بلطف بعض أعراف الصيد المتفق عليها.
ثم فجأة حول حديثه من العام الى الخاص، فسألنى عن الحى الذى أسكن فيهو....فذكرت له اننى أسكن فريق " ريد " و هو لا يعرفنى لأنى مستقر خارج السودان و أداوم على زيارة البلد كل عام. قام بسؤالى مرة أخرى عن مكان سكنى فى الحى فرددت....( أسكن فى المنزل الذى يقع بداية الفريق من ناحية " زلط البحر " و مضروب من الخارج ببهية زرقاء و يمكن ملاحظته من مسافة بعيده)
ثم دار تواصل الحديث التالى - ( يعنى انت ساكن فى بيت الشيوعيين ) ؟!
- بالحيل
- قلت شنو ياخال ؟.....
شعرت انه لم يفهم اجابتى فقمت بتغيرها باستخدام كلمات أخرى
- يا هو زى ما قلت يا " مان " !
توقف سيل الحديث المتواصل بيننا لفترة من الزمن، ووجدتها فرصة للتفكير فيما ذكره.... و توصلت لدهشتى لإننا فى الحى و فى أحياء كثيرة فى أدرمان و لا أريد أن أقول كل السودان درجنا على وصف بعضنا البعض بصفات تنطلق من العرق ، الدين ، الجهة ، الانتماء السياسى أو القبيلة و احيانا المهنة .
فنجد على سبيل المثال فى سبيل تعريف البعض نقول ( بيت الشوايقه ،بيت الفكى ، بيت القبط و أحيانا ( الحلبه ) ، بيت الفلاته ، دكان الفوراوى ، جامع الدنقلاوى، بيت الجنوبيين ، بيت المكوجى، بيت " العمايه " ....الخ )!!
توصلت أيضا الى ان تلك كل الأوصاف لا تصدر من منطلقات خالية من الغرض، بل فى أغلب الأحوال المقصود بها التقليل من الطرف الموصوف، الإستخفاف به أو الاحتجاج على شئ يداوم على ممارسته ، يتم ذلك بشكل مستتر من خلال الوصف..... ذلك يعنى أبداء رأى لا يذكر صراحة !!
كانت الشمس فى تلك الآونه على وشك المغيب، و ذلك يعنى انتهاء الصيد لذلك اليوم......جمعنا أشياءنا و اتجهنا أنا و الشاب الصغير مرافق الصيد الى الحى، كان منزل الأسرة الذى أقطنه يقع فى البداية، فودعته ثم دخلت الى ( بيت الشيوعيين ).... و اتجه هو الى منزل أسرته الذى يقع فى نهاية الشارع !
عدنان زاهر
1 مارس 2024
التمشيك و العلفه : تعنى رمى الكسرة المخمرة أو بعض الحبوب كالعيش فى المكان المختار للصيد لكى يجذب الأسماك للمكان
elsadati2008@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
نيالا… مرضى الكُلى غسيل تحت القصف
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
المصدر : أفق جديد
نيالا:31 يناير 2025 – “أنا ميت ميت” لا مناص فإن نجوت من الطيران لن يوفرني الفشل الكُلوي الذي أعانيه منذ سنوات، أنا جنازة تمشي على رجلين، هكذا تحدّث أحد المرضى يائسًا جراء المعاناة التي يكابدها للحصول على جرعة الغسيل الواجبة التي تبقيه قيد الحياة.
واقع بالغ القسوة يعيشه مرضى الفشل الكُلوي، تتزايد معاناتهم وتتفاقم يومًا تلو الآخر، مع توقف ماكينات الغسل وانقطاع العلاج ونفاد المدخرات المالية، الأمر الذي أُضطر معه الكثيرون إلى إرسال نداءات استغاثة بعد أن اقتربوا من حافة الموت أكثر من مرة، ويسهم اتساع رقعة الحرب وتمدُّدها في توقف مراكز الغسل وعمليات الصيانة الدورية في مدن عدة بخاصة الولايات الآمنة التي لم تصلها المعارك والاشتباكات المسلحة، أما تلك التي تحولت إلى ميدان معركة، فيكاد يكون كل مصاب بداء يحتاج إلى جرعات علاج دائمة فهو محكوم بالإعدام في انتظار لحظة التنفيذ فقط.
بجسدٍ منهك ومثقل بالآلام، حاول السبعيني آدم جبريل التحدُّث إلى مراسل “أفق جديد” الذي زار مركز غسيل الكُلى الوحيد العامل في مدينة نيالا قائلًا: “إن الذهاب إلى المركز أصبح بالغ الصعوبة جراء الكُلفة الباهظة للمواصلات”، ويردف “أحتاج إلى ثلاث غسلات أسبوعيًا تترواح كُلفتُها بين 50 – 70 ألف جنيه”.
ويمضي جبريل -الذي يعجز عن الكلام حينًا جراء الإرهاق فيستعين بالإشارة لإيصال رسالته- “أشتري المستلزمات الطبية التي عبارة عن دربات- قسطرة- محاليل بأثمان باهظة ليس كما قبل الحرب فقد كانت مجانًا”، وختم آدم جبريل: “الحمد لله والشكر لله على توفر علاجاتنا كمرضى من المستلزمات الطبية التي ما زالت متوفرة. سأبقى هنا وسأتحمل حتى تنتهي الحرب التي أتمنى ألا تطول”.
آدم جبريل، وهو اسم استخدمناه حافظًا على رجل يكابد المرض في مدينة باتت تعيش في عين الفوضى ويمكن أن تُكلِّفك كلمةٌ حياتَك، يعمل اسكافيًا في السوق الشعبي بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور لتوفير المال ومن ثم الذهاب إلى المستشفى التخصصي لانتظار دوره، ليبقى معلقاً في جهاز غسيل الكُلى لمدة لا تقل عن أربع ساعات، حاله حال 16 آخرين لا يزالون في المدينة يتناوبون على ماكينة واحدة عاملة حال توفر الكهرباء، التي كثيراً ما تنقطع عن المركز جراء نفاد وقود المولدات.
تُجسّدُ قصةُ آدم جبريل رحلةَ أملٍ وصبرٍ ومعاناةٍ لمئات من مرضى الكُلى في نيالا للحصول على العلاج في ظل استمرار الحرب الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تقترب من دخول شهرها الحادي والعشرين مخلفةً وراءها انهيارًا كبيرًا للبنية الصحية وتوقف أغلب المستشفيات عن تقديم خدماتها.
ويقول السر محمد: “كنا نعاني من صعوبة الحصول على العلاج حتى قبل اشتداد الحرب في نيالا، لكن الآن الوضع أصبح سيئًا للغاية، حيث يجب عليَّ العمل لساعات كثيرة لتوفير قيمة المواصلات وثمن الغسلات التي أحتاجها في الأسبوع”.
ويضيف: “نجد معاناة حقيقية في الحصول على الأدوية والعقاقير الطبية بسبب إنعدامها، ما يدفعنا للجؤ إلى الصيدليات والسوق السوداء للحصول عليها بأسعار باهظة”.
وختم: “نواجه صعوبات شديدة في العودة إلى منازلنا بعد إنتهاء عملية الغسيل بسب الإرهاق الشديد والوضع الأمني المضطرب في المدينة”.
مرضى تحت الغاراتقالت منظمة “أطباء بلا حدود”، إن إمكانية حصول الناس على خدمات الرعاية الطبية المنقذة للحياة في جميع أنحاء السودان؛ تأثرت بصورة كبيرة بسبب نقص وعرقلة واسعة النطاق للخدمات ونهب الإمدادات الطبية، وانعدام الأمن وشنِّ هجمات على المرضى والعاملين في القطاع الطبي، فضلًا عن الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية للرعاية الصحية.
واتَّهمت المنظمة الأطراف المتحاربة، القوات المسلحة السودانية و”الدعم السريع”، بـ”التجاهل الصارخ للحياة البشرية والقانون الدولي”.
ودعت “أطباء بلا حدود” في وقت سابق الطرفين المتحاربين إلى وقف الهجمات على المناطق السكنية والسماح بالمرور الآمن وحماية البنية التحتية من الدمار والنهب، وحثتهما على وقف ما قالت إنها أشكال مستهدفة من العنف والانتهاكات.
ويعيش مرضى الفشل الكُلوى في نيالا خوفًا مضاعفًا على صحتهم نتيجةَ حالتهم الصحية أولًا والغارات الجوية التي تشنها القوات المسلحة بين الحين والآخر ثانيًا.
ويقول مصدر طبي في قسم غسيل الكُلى بالمستشفى التخصصي -طلب عدم نشر اسمه- “نحاول التخفيف على المرضى الذين يعانون توترًا إضافيًا بفعل الغارات الجوية وهم في الأصل يحملون أوجاعهم وهمومهم ويأتون إلينا عند كل موعد غسيل”.
ويوجد حاليًا حوالى 16 مريضاً من إجمالي 30 كانوا يخضعون للعلاج، بسبب النزوح إلى مناطق أخرى سواء داخل السودان أو خارجه، ووفاة آخرين.
وجراء النقص الشديد في إمدادات غسيل الكُلى، تلَّقصت عمليات غسيل الكُلى في مستشفى نيالا التخصصي لمرتين وأحيانًا مرة في الأسبوع بسبب شُحِّ وانعدام المستلزمات الطبية الضرورية وفق مصدر طبيٍّ بالمستشفى التخصصي، بينما يحتاج عددٌ من الحالات التي تتردَّد على المركز إلى ثلاث غسلاتٍ في الأسبوع على الأقل.
ويوضح المصدر أن عدد مرضى الفشل الكُلوي الذين يخضعون للجلسات في المستشفى التخصصي 16 مريضًا يعالجون بمعدل جلستين في الأسبوع بواقع أربع ساعات.
كاشفًا عن تسجيل حالتيْ وفاة داخل المركز خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من العام المنصرم 2024م بسبب المضاعفات الصحية التي يسببها عدم الخضوع لغسيل الكُلى، مرجِّحًا حدوث حالات وفيات خارج المركز.
مشيرًا إلى أن المركز يفتقد لأبسط المعدات الطبية الأساسية، ونقص الأجهزة.
وأضاف “مع ذلك يواصل الكادر الطبي العمل رغم الإمكانات الضعيفة لضمان سلامة المرضى وإنقاذهم”.
وأكد أن وزارة الصحة الاتحادية قدمت دعماً لمركز غسيل الكُلى مرة واحدة فقط خلال الحرب. ووفق المصدر فإن المركز تلقى دعمًا بواسطة منظمة لا ترغب في الإعلان عن اسمها عبارة عن “محاليل وريدية”.
ممرضة بمركز نيالا التخصصي قالت إن الحرب فاقمت معاناة المرضى وأدت لشُحِّ المحاليل الوريدية والأدوية المنقذة للحياة.
بينما قالت طبيبة في ذات المركز، إن المركز يعاني من نقص حادٍ في الأدوية والمحاليل الوريدية وشُحٍّ شديدٍ بمستهلكات الغسيل الكُلوي وتذبذبِ الخدمات والمعينات اللوجستية.
وحذرت من أن الأدوية والمحاليل الوريدية تُباعُ للمرضى بأثمانٍ باهظة في السوق الأسود لعدم توفرها في المركز نتيجة توقف وزارة الصحة الاتحادية عن الدعم.
وتُجمع الكوادر العاملة في المركز على أنه يقترب من التوقف الكامل بسبب أن الأدوية والمحاليل الوريدية على وشك النفاد رغم الوعود المتكررة من قِبل المنظمات بتوفيرها ويعاني المركز أيضًا من نقص الكادر الذي بدأ في الإنسحاب بسبب العائد المادي الضعيف.
ويقول مريض يتلقى العلاج في المركز: “قبل الحرب كنا نغسل مجانًا، أما الآن فإن سعر الغسلات الثلاث في الأسبوع 70 جنيهًا إضافة إلى قيمة المواصلات”.
ويضيف: “نعاني جراء الازدحام الشديد وعدم انتظام جلسات غسيل الكلى، وأعطال المولد الكهربائي الوحيد الذي يعمل بالمركز”.
نتائج الحربوتعتبر معاناة مرضى الفشل الكُلوي بمدينة نيالا واحدةً من أبزر نتائج الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي دمرت المستشفيات والمراكز الصحية في مدينة نيالا الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع منذ أكتوبر الماضي، وخرجت أغلبها عن الخدمة فيما لم تسلم بعضها من النهب والتخريب للممتلكات والأجهزة الطبية.
SilenceKills #الصمت_يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع_في_السودان_لايحتمل_التأجيل #StandWithSudan #ساندوا_السودان #SudanMediaForum
الوسومالقصف. مرضى الفشل الكلوي جنوب دارفور نيالا