تحت زخات الرصاص وزيارات الدعامة ( 6)
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
Rasheed132@hotmail.com
الرشيد جعفر
سوف نكتب مراثيك بأنفسنا المتساقطة أيّها الوطن وسنحفر عذاب جسدك الذّبيح في مطاوى الريّاح وغابات الغيوم التي ترحل فوق البحر حاملةً روائح الجراح في اجساد ابنائك المتناثرين الآن في وحشة الفلوات والصّحاري الجُوف، وسنندب موتك الكبير بحناجر لا تعرف الكلال وأنفساً لا تفقه المَلال.
كانت مواقف وقصص جحافل الدعم السريع عبارة عن كوميديا سوداء ، وقعت على كل اهل بلادنا ، نستشف منها العظات والعبر ، لحقيقة امراضنا واوجاعنا التى تحول بيننا والوصول إلى ركب التقدم والاستقرار .
مع تسارع وتيرة زيارات الدعم للمربع ، واقتياده لكثير من سيارات اهل الحى ، حتى التى وضعها اصحابها داخل المسجد لم يعصمهم منها حرمة المكان وقدسيته ، كانت عربات الدفع الرباعى والبكاسى قمة الاشتهاء ، والطلب والبحث ، ولا يتورعون فى بلاهة ودون خجل فى السوال عن البكاسى الموجودة فى الحى نظير مقابل مادى يعطى لك ، فى حالة اعلامهم بذلك ، فى محاولة لكسبك لهذه المعاملة القذرة ، من كبارهم وصغارهم عبر حملة شراء الذمم التى انطلقت منذ ظهور الدعم فى مسرح الحياة العامة .
جارنا كان لديه بوكس شاهدوه عبر حملات التلصص ، والتفتيش واعتلاء اسوار البيوت لمعرفة ما فيها من غنائم فى صور مخجلة تستحى وتتاسف منها انت الذى لا علاقة لك بالأمر ، لأن بعضهم فى اعمار كبيرة شارفت العقد السادس ، ويمارس مهنة اللصوصية وسلب حق الغير فى صورة مذلة ومهينة .
البوكس لديهم شى مقدس دونه الموت والفداء ،حتى فيما بينهم فى رحلة التسابق والحيازة عليه ، ودخل موسوعة اغانيهم فى الترنم لحيازته .
ما عصم جارنا من اخذ سيارته فى الايام الاولى الا وجود اسرته معه ، والحق يقال ان الدعامة كانوا فى رحلات نصبهم الماكوكية يضعون اعتبار كبير للأسر وخاصة المرأة الكبيرة ، فاى بيت به أسرة لا يدخلون عليه ، وعند القدوم إليك اول سوال يباغتوك به اسرتك موجودة ام لا، فكنت احيانا ادعى بوجودها بالداخل فيمضوا فى الحال فى طريقهم لوجهة اخرى .
جارنا كانت والدته موجودة فاستحلفته بالله ان يتركهم وحالهم اذا ارادوا قيادة السيارة بالقوة ، وكانت تخاطب الدعامة يا اولادى فى شنو ، فكانوا يتعاملوا معها بصورة طيبة يا والدة مافى حاجة فيمضوا الى حال سبيلهم ، لكن المعضلة كانت أفواج المرتادين الكثيرة فى رحلة البحث عن الغنائم .
فما اقتنع هولاء وذهبوا الا أتى بعدهم قادمين جدد يختلفوا عن الآخرين فى تعاملهم ووضعهم اعتبار للاخرين ، فيوميا نجد متسلقين لجدار المنزل ، انه البوكس الذى قالوا عنه انهم لا يقدروا ان يحولوا انفسهم عنه ابدا ، فتيقنا انه لن تجدى حيل المعاملة ووجود الأسرة لبعضهم فى اغتناءه فكان ذلك مصدر قلق وتوتر لرفيق الحرب والمجابهة .
فاقترحت عليه بترحيل السيارة إلى المربعات القريبة من المدرعات فهو رجل دبلوماسى فى كيفية التعامل مع الدعامة وكسب ودهم بالحديث الطيب الودود وهم يشهرون السلاح فى وجهه ، فيخجلون من حديثه الهادى ورزين فيخفضون السلاح اثر حديثه المنمق فى كسب ودهم ، فحقيقة الحياة تجمعك باناس وقت الشدة يتركون فيك أثرا دونما يعلمون .... فشدائد المواقف والأمور تظهر معادن الرجال وصلابتهم وكما قال جبران خليل جبران أن الرجل الشريف لا يساد انما يسود .
فبدانا التفكير فى إخراج البوكس وسط الغابة الدعامية الملتفة حول المربع ، بالبحث عن بطارية تعمل ، وإيجاد ميكانيكى يركب جهاز الكمبيوتر المسحوب وتركيب اللساتك، وبنينا خطتنا لقيادته إلى مربع (٨) بالقرب من المدرعات ووجود ارتكاز للجيش به ، فتم تجهيز السيارة للانطلاق بوجود أربعة أشخاص ومراقبة خط سير الطريق فى خلوه من السلابين ، لحسن الحظ المسافة كانت غير بعيدة ولكنها كانت مجازفة غير مامونة العواقب وسط الشوارع المترسة والمغلقة للحد من تحرك الدعامة وسط المربع ، فكنا فى عجلة وتوتر بالغين من أمرنا ، وتم اخطار ارتكاز الجيش بالقرب من نادى جبرة حتى لا يعتبرونا دعامة قادمون اليهم .
فتم تكليفى مع عسكرى آخر لاخبار الارتكاز الثانى للجيش بأن لدينا بوكس نريد تخزينه بالقرب منهم خوفا من السرقة ، عسكرى الجيش لم يستوعب الحديث جيدا فقلب الامر راسا على عقب فعند وصولنا للارتكاز الثانى ، ذكر لهم بأن هنالك دعامة قادمون ببوكس إليكم ، ففى ثانية واحدة نهض كل العساكر بالموقع مع اسلحتهم والقذف بانفسهم داخل الخنادق المحفورة بقربهم ، فبدات اصحح الحديث بالصراخ باعلى صوت يا جماعة ديل ما دعامة ديل مواطنيين جايبين يدسوا سيارتهم خوفا من الدعامة .
وعلى الرغم من ذلك اخذ العساكر ترتيباتهم فى استقبال البوكس باقصى حالات الاستعداد بالسلاح وانا اسير أمام العربة لتأكيد اننا مواطنين فقط لزيادة الاطمئنان لديهم .
ادرجنا العربة البوكس بالقرب من الارتكاز بعد رحلة طويلة من التعب مع افراغ اطاراته تحسبا لعدم تحريكه ، ولكن فى الغالب الاعم اعتقد بأنه اخذ فى مرحلة سيطرة الدعم على المنطقة المحيطة بالمدرعات لاحقا.
جاء احد المترصدين لسرقة العربة فى اليوم الثانى لاخراجها ، وعندما لم يجدها جن جنونه ، فوجد احد ابناء الحى أمامه فدخل معه فى مشاجرة ،دون سبب فضربه بموخرة السلاح فى راسه ،حتى سألت الدماء غزيرة على ملابسه ، فاصبح يصيح بأعلى صوته ، فخرجت من المسجد لتفقده وسواله عما يجرى، فاطلق الدعامى رصاصة فى اتجاهى فعودت إلى المسجد مرة أخرى مع احساس وتوقع لما كان يجرى اذا ما اصابنى هدفه .
فيا من تحل بذكره عقد النوائب والشدائد ، يا من اليه الملتجى واليه امر الخلق عائد يا حى يا قيوم ، يا حمد تنزه عن مضاد انت العليم بما بلينا وانت عليه شاهد انت الرقيب على العباد وانت فى الملكوت واحد فرج بفضلك كربتنا....يا من له حسن العوائد احفظ بلادنا من واجلى محنتها فانك القادر على كل شى .
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بالقرب من
إقرأ أيضاً:
قرية مصرية لا يسكنها أحد.. أم الحويطات مزارا سياحيا
في عمق الصحراء الشرقية وعلى بعد 27 كيلومترا من سفاجا (إحدى مدن محافظة البحر الأحمر بمصر) تقع قرية "أم الحويطات" أو كما يطلق عليها حاليا "قرية الأشباح".
وأكثر ما يميز هذه القرية هو الهدوء الغريب الذي يخيم عليها بعد أن هجرها سكانها واضطرتهم الظروف لمغادرتها منذ نحو أكثر من عقدين من الزمان، تاركين وراءهم بيوتا متهالكة تحكي جدرانها حكايات من عصر مضى، ويتوسط البيوت مسجد لا يزال صامدا كما هو بمئذنته التي تقف متحدية زحف الصحراء.
تاريخ القريةأثناء الاحتلال البريطاني لمصر، وتحديدا عام 1902 بدأت أعمال بحث مكثفة بالقرب من سفاجا، بهدف العثور على المواد الخام، وتمكن الجيولوجيون الأجانب بقيادة المهندس "آندي" من تحديد نسبة ضخمة من الفوسفات، وهو معدن مهم لصناعة الأسمدة.
وأدرك "آندي" الإمكانات الاقتصادية للمنطقة، خاصة مع قربها من البحر. وعهدت إليه القوات البريطانية مهمة تأسيس أهم قرية تعدينية في مصر، وتم إنشاء خط سكة حديد يربط بين "أم الحويطات" وميناء سفاجا لنقل المواد الخام ثم شحنها إلى إنجلترا.
وجلب هذا المهندس الكثير من العمال من مناطق متفرقة في مصر للعمل بالمناجم، حتى عاش بالقرية في أوج ازدهارها حوالي 16 ألف شخص، وهيأ لهم حياة متكاملة تضمن استمرار استخراج المعدن، بداية من نقل مياه الشرب وتوزيع حصص تموينية تكفي احتياجاتهم الشهرية من الدقيق والبقوليات والزيت واللحوم وغيرها من المواد الغذائية والكيروسين "الجاز" لإنارة اللمبات ليلا، وحتى إنشاء المدارس لتعليم أبناء القرية ومستشفى صغير لعلاجهم، وكذلك بناء المساجد للصلاة.
إعلانوبعد 23 في يوليو/تموز 1952 وانتهاء الاحتلال البريطاني، أصبحت "أم الحويطات" تحت القيادة المصرية ويتولى مسؤولية التنفيذ شركة فوسفات سفاجا، واستمر العمل بالمناجم إلى أن أُغلقت الشركة وتم إيقاف العمل بها في تسعينيات القرن العشرين، الأمر الذي لم يترك لسكان القرية خيارا سوى البحث عن سبل العيش في أماكن أخرى أو العودة لمسقط رأسهم، وبعضهم حصل على وحدات سكنية في "أم الحويطات" الجديدة مكافأة لعملهم في المناجم سنوات طويلة.
ولم يكن لأحد أن يسمع عن "أم الحويطات" المجهولة والمهجورة، وكانت ستظل مجرد ذكرى في قلوب أهلها فقط، لولا أنها تحولت إلى مزار سياحي قبل بضع سنوات وأصبحت تجذب رحلات السفاري ومحبي سياحة المغامرات.
علاء يوسف (اسم مستعار) أحد مواليد القرية، ولد عام 1978 وعاش بها حتى المرحلة الثانوية من دراسته، ويحكي للجزيرة نت كيف كانت القرية مقسمة بشكل منظم، حيث تم تخصيص مساحة لمنازل العمال وأسرهم بالقرب من المناجم لتسهيل الوصول إلى العمل، بينما منازل الموظفين في مدخل القرية بالقرب من المدارس والمستشفى، في حين تم بناء "فيلا" المهندس آندي في أعلى الجبل بحيث تطل على القرية بأكملها.
ويواصل: كانت القرية تدب فيها كل مظاهر الحياة، عمال يذهبون للعمل في المناجم كل صباح، وتلاميذ يترددون على المدرسة للتعلم، ومسجد يجمع المصلين وتتردد صدى دعواتهم بين جدرانه، وأطفال يلعبون في الساحات.
ويتذكر علاء كيف كان الأهالي يهتمون بتعليم أبنائهم حتى لا يلقوا نفس مصيرهم ويعملون في مهام المناجم الشاقة، وكيف كان ناظر المدرسة ويدعى "سيف الدين إبراهيم" يمر كل يوم بعد صلاة العصر مع عدد من المدرسين على بيوت الأهالي لمتابعة مذاكرة أبنائهم ومساعدتهم في أداء واجباتهم، وأن هذا ساعد القرية في أن يخرج منها عدد من العلماء والأساتذة البارزين، أمثال الباحث المصري والأستاذ الجامعي بجامعة كوينز في إنجلترا، وأحمد إبراهيم وكذلك الدكتور عبد المنعم الخطيب أستاذ الجراحة بجامعة أسيوط، وغيرهم.
إعلانويحكي علاء وقد أخذه الحنين إلى أيام طفولته قائلا "التكافل والحب كانا عنوان الحياة في أم الحويطات، فقد نشأنا ونحن نسمع من أهلنا مقولة: الضيف ضيف البلد كلها". وكانت جميع البيوت مفتوحة لأي شخص، فالفرح واحد والحزن واحد، وساعد على ذلك الطبيعة الجغرافية للمكان وعزلته في الصحراء.
وتوالت ذكريات "أم الحويطات" أمام عينيه عندما كان وأصدقاؤه يلعبون الكرة في ساحة القرية ويتجمعون لمشاهدة التلفاز حتى الساعة العاشرة حيث موعد قطع التيار الكهربي عن القرية.
"أم الحويطات" بشكلها الحالي بعد أن أصبحت خالية تماما من السكان (الجزيرة) إحياء "أم الحويطات"ومن ناحيته، يقول حسن العبودي أحد مواليد القرية -للجزيرة نت- إن عام 1996 كان فارقا في تاريخ "أم الحويطات" إذ إنه بالإضافة إلى توقف العمل بالمناجم، شهدت القرية سيولا مدمرة وصل ارتفاعها عدة أمتار وتأثرت البنية التحتية للقرية، مما دفع ما تبقى من الأهالي إلى الرحيل حتى أصبحت القرية مهجورة تماما عام 1998.
ويوضح العبودي أن "أم الحويطات" تعد نقطة جذب للمستكشفين والجيولوجيين، ولموقعها المثالي بين الطبيعة تجذب كذلك صانعي الأفلام الوثائقية وصناع الأفلام السينمائية والمسلسلات.
ويضيف أن "أم الحويطات" باقية في ذاكرة وقلوب كل من عاش فيها، ومع ذلك قد لا يفضل أحد من الأبناء والأحفاد الموجودين حاليا العودة إليها، إذ لا يتوفر بها مصدر للرزق سوى العمل بالمناجم التي تسببت في مشاكل صحية للكثير من العمال جراء الأبخرة السامة وظروف التعدين الخطرة، ويتابع "أنا مثلا أعيش في مدينة سفاجا بالقرب من البحر وجميع الخدمات، فلماذا أذهب للعيش بقلب الصحراء في مكان مغلق محاط بالجبال من جميع الجهات".
ويشيد العبودي بمشروع محمود الدندراوي أحد أبناء القرية، إذ أنشأ بموافقة الجهات المسؤولة محطة سفاري على الطريق المؤدي إلى أم الحويطات، وذلك لتنظيم رحلات للسياح وتعريفهم بتاريخ القرية التعديني، كذلك توفر هذه الجولات مجموعة من الأنشطة، بما في ذلك مشاهدة غروب الشمس وشروقها، والقيام بجولة سياحية في الشوارع المليئة بالرمال بين المنازل المتهالكة وزيارة المناجم المهجورة والأنفاق والكهوف.
إعلانولم ينس المواطن أن يضيف أن القصص المتداولة عن الأصوات المخيفة والظلال التي لا يمكن تفسيرها، أو الحديث عن خطوات تتردد بالغرف الفارغة أو سماع صوت الأذان مما يزيد من الإقبال على هذه الرحلات.