المبادرات في الوقت الضائع.. لا حل في المدى المنظور
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
بالرغم من كل المبادرات التي تأخذ طابعا جديا والتي تقودها قوى داخلية وبعض الاطراف الخارجية، الا ان مجالات الخرق في جدار الازمة تبدو صعبة للغاية، ويتم تكريس ستاتيكو سياسي لا يمكن تجاوزه في ظل اندلاع المعارك العسكرية في غزة ولبنان وفي ظل وجود احتمال كبير لتوسع الحرب في اي لحظة او عند اي خطأ اي محسوب من هذا الطرف او ذاك، حتى ان الافكار الحوارية باتت تصل الى حائط مسدود.
تعمل القوى السياسية على تحسين شروطها التفاوضية في ظل قناعة راسخة ان التسوية قادمة ولا يمكن للازمات العسكرية والسياسية ان تستمر للابد من دون حلول سياسية تحكم المشهد العام في نهاية المطاف، لكن عملية تحسين الشروط تأخذ مسارات خطيرة وتعيد تشيكل التحالفات في الحياة السياسية اللبنانية، ان كان لجهة الخلاف النهائي بين "حزب الله" و"التيار" او لجهة الانتقال الكبير للنائب السابق وليد جنبلاط الى خندق "قوى الثامن من اذار". من الواضح، وبحسب مصادر مطلعة، أن الحرب المندلعة في غزة لن تتوقف، وان مفاوضات الهدنة ليست مستقرة واحتمالات فشلها كبير للغاية وهذا ينطبق على الواقع اللبناني وجبهة الجنوب التي يقول بعض الخبراء والمطلعين انها مستمرة الى فترة غير معلومة ولا احد لديه تصور واضح حول المدى الزمني الذي يفصل عن وقف اطلاق النار، بالاخص ان تل ابيب باتت اليوم امام احتمالين.
الاحتمال الاول هو الاستمرار بالحرب والمخاطرة بعدة امور استراتيجية، اولها الرأي العالم العالمي الذي يحصل فيه تحول عميق وغير مسبوق خصوصا في اوروبا والولايات المتحدة الاميركية، والثاني هو خلاف سياسي كبير مع الادارة الأميركية التي باتت تسريباتها لوسائل الاعلام تتصف بنوع من التهديد والتلويح بالطلاق بين الادارة الحالية والحكومة الاسرائيلية التي تتعرض لهجوم شعبي داخلي متعاظم. كما ان واقع الجيش الاسرائيل الذي يتعرض لضربات كبرى في جنوب غزة لا يسمح له الاستمرار في المعركة طويلا لانها ستجعله غير قادر على تعويض الخسائر البشرية التي تصيبه وقد عبرت عن ذلك الصحف الاسرائيلية في الايام الماضية، اما الاحتمال الثاني فهو انهاء المعركة والبقاء من دون مكاسب والعمل بشكل واضح على احتواء الهزيمة والقبول ببقاء "حزب الله" ملاصقا للحدود. امام هذا الواقع، وبعد الفشل العملي لمبادرة كتلة الاعتدال، بات الحديث متزايدا عن ان الاستحقاق الرئاسي ومن خلفه الازمة السياسية سيبقى معلقاً حتى الانتخابات النيابية المقبلة ولن يكون ممكنا عقد تسوية شاملة من دون تسوية مشابهة في المنطقة ودولها. وعليه فإن الازمة مفتوحة على كل الاحتمالات ما دامت الحرب مستمرة وتوسعها ممكنا.. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
إعادة تدوير أمراء الإرهاب.. ومخاطر السياسات قصيرة المدى
ما هي المخاطر المترتبة على إعادة تدوير أمراء التنظيمات الإرهابية واستخدامهم كأدوات سياسية لتحقيق أهداف غير مباشرة في عدد من الدول؟ وما هي عواقب دمج الإرهابيين في العملية السياسية؟ كيف تؤثر هذه الاستراتيجيات على استقرار الدول والمجتمعات في المدى الطويل؟ هل يؤدي توظيف الجماعات المتطرفة في حروب بالوكالة إلى استقرار الدول أم يفتح الباب لمزيد من الفوضى؟
تُطرح هذه التساؤلات لفهم ظاهرة توظيف التنظيمات الإرهابية في الصراعات الدولية، وما تحمله من تداعيات أمنية، سياسية، ودولية قد تستمر تأثيراتها لعقود.
في "الحروب بالوكالة"، تقوم دولة ما بتفويض ميليشيا مسلحة أو تنظيم متطرف لخوض معارك بالنيابة عنها ضد خصومها. ووفقًا لتقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الصادر في واشنطن عام 2021، بعنوان "الوكلاء غير المثاليين: مزايا ومخاطر الشراكة مع الفاعلين غير الحكوميين"، فإن استخدام الميليشيات ذات الخلفيات الأيديولوجية المتطرفة غالبًا ما يؤدي إلى تصعيد النزاع، وتدهور مؤسسات الدولة، وتمدد نشاط الجماعات العابرة للحدود.
وتشير الدراسة إلى أن هذه التنظيمات، وإن أبدت كفاءة قتالية مؤقتة، إلا أنها لا تعمل ضمن منطق الدولة، ولا تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي. وقد أدى الاعتماد على تلك التنظيمات في العديد من الدول إلى فراغات أمنية استغلتها جماعات إرهابية مثل تنظيم (داعش) الإرهابي لإعادة التمدد.
كانت أفغانستان في الثمانينيات أول مثال واضح ومباشر على توظيف الإرهابيين في حرب بالوكالة، وشكّلت هذه التجربة سابقة استُخدمت لاحقًا في دول أخرى. وقد أنتج هذا النموذج فكرة توظيف التنظيمات الإرهابية لمواجهة تنظيمات أو دول أخرى، وهو ما أصبح أكثر شيوعًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ولكن بأدوات وأطراف جديدة، شملت دولًا إقليمية وظّفت هذه التنظيمات كأذرع نفوذ في صراعاتها الجيوسياسية.
وتأتي تعقيدات الصراعات الداخلية في مقدمة المخاطر المرتبطة باستخدام التنظيمات الإرهابية كأدوات بالوكالة، إذ تؤدي تدخلات الوكلاء إلى إطالة أمد الحروب، وتعزز من انقسام الفصائل وتنافسها، كما تتسبب في انهيار الشرعية الوطنية وتقويض مؤسسات الدولة لصالح تنظيمات لا تخضع لسلطة مركزية، مما يهدد أمن وسلامة المواطنين ووحدة الدولة وهيبتها.
وتؤكد دراسة نشرتها الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم NAS) ) عام 2022 أن الجماعات الإرهابية قد تنقلب على داعميها، وتتحول إلى فواعل مستقلة تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
أما في حالات إعادة تدوير أمراء التنظيمات الإرهابية وتأهيلهم سياسيًا للقيام بأدوار وظيفية، فقد تتفق عدة دول على إعادة توظيف قيادات إرهابية مُعدّة للاندماج في العملية السياسية. ويُعزى هذا التوجه إلى رغبة تلك الدول في خلق "حزام نفوذ سياسي" يخدم مصالحها عبر أدوات محلية ذات قاعدة تنظيمية أو أيديولوجية. لكن هذا الدمج غالبًا ما يتم دون مراجعة فكرية لأدوار تلك الشخصيات وشروط إعادة تأهيلهم.
في دراسة دكتوراة صادرة عن "كينجز كوليدج لندن" في عام 2019، للباحث أمير فريمان، بعنوان: "اندماج التنظيمات الإرهابية في الأنظمة السياسية: شروط النجاح والفشل"، يُبيَّن أن هذا المسار محفوف بالمخاطر إذا لم يسبقه تفكيك حقيقي للبنية الفكرية والتنظيمية لتلك الجماعات، وتقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة.
وتؤدي المخاطر الناتجة عن إعادة التدوير إلى شرعنة الفكر المتطرف، حيث يؤدي إدماج قادة التنظيمات الإرهابية في العملية السياسية دون إصلاحات فكرية إلى تطبيع الخطاب المتطرف ومنحه غطاءً شرعيًا. ولا يؤدي تحوّل الأدوار إلى إنهاء ولاء الإرهابيين القديم، كما أن التحول الشكلي لا يُنهي الانتماء الأيديولوجي أو الولاء الخارجي، بل قد يعزز التأثير الإقليمي للقوى الراعية.
وتصبح العملية السياسية أداة لتصفية الخصوم أو تمرير أجندات خارجية مشبوهة، مما يقوّض مبدأ التمثيل الديمقراطي. كما تُفضي إلى نتائج تتجاوز حدود الدول المعنية عندما تسعى التنظيمات الإرهابية إلى نقل عدوى الفوضى، إذ إن دعم تنظيمات إرهابية في نزاع محلي قد يؤدي إلى امتداد نشاط هذه التنظيمات إلى دول الجوار.
وتتحول بعض هذه الجماعات من خصوم إلى حلفاء مؤقتين، مما يربك جهود التحالفات الدولية لمكافحة الإرهاب ويؤدي إلى تآكل منظومة القانون الدولي، إذ يُعدّ التعامل مع التنظيمات الإرهابية وتوظيفها سياسيًا أو عسكريًا خرقًا للقرارات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب.
تُظهر الأدلة المتراكمة من دراسات الحالة والتقارير البحثية أن استخدام التنظيمات الإرهابية كأدوات في الحروب بالوكالة، أو إعادة إنتاج قادتها سياسيًا، وتلميع صورتهم، وغض الطرف عن جرائمهم، يُعد مخاطرة استراتيجية ويشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الدول وهياكلها السياسية والأمنية.
ورغم ما قد يبدو من مكاسب ظرفية على المدى القصير، فإن تداعيات هذه السياسات تتجلى في إطالة أمد الصراعات، وتقويض الدول من الداخل، وانهيار مفهوم السيادة الوطنية، وتفاقم وانتشار ظاهرة الإرهاب العابر للحدود.
في الختام، وعلى الرغم من المكاسب السياسية المؤقتة التي قد تحققها بعض الدول من خلال توظيف التنظيمات المتطرفة في الصراعات، فإن تداعيات هذه السياسات على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وعلى أرواح المواطنين الأبرياء، قد تكون كارثية.
لذلك، تُوصي الأدبيات البحثية الحديثة بضرورة الابتعاد عن الرهان على هذه التنظيمات كأدوات سياسية أو عسكرية. وبدلًا من ذلك، يجب دعم الدول والمؤسسات في بناء قدراتها الذاتية، وتعزيز المشاركة السياسية الشاملة، والعمل على إيجاد حلول مستدامة تضمن الأمن والشرعية، بعيدًا عن مخططات نشر الفوضى والخراب والدمار.