منذ نشوب الأزمة الماليّة في تشرين الأول عام 2019، وما أعقبها من تدهور الليرة إلى مستويات قياسيّة، تدنّت رواتب موظّفي القطاع العام بشكل دراماتيكي، وانهارت قدرتهم الشرائيّة. لجأ هؤلاء إلى تنفيذ إضرابات على مدار أربعة أعوام، مطالبين بتصحيح رواتبهم. وبفعل استمراريّة الأزمة الماليّة، معطوفة على أزمة سياسيّة دستوريّة، وقصور تشريعي، حاولت الحكومة تحسين أوضاعهم، فمنحتهم تقديماتٍ اجتماعيّة وحوافزَ، كإجراء مؤقت لحين ولوج سكة التعافي، ليتسنّى عندها إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة.

استمرت الإضرابات المتقطّعة طيلة الأزمة، فدفع البلد بقطاعاته كافة أثمانًا باهضة، إذ تضررت مصالح المواطنين وعَلِقت معاملاتهم، وخسرت الخزينة إيرادات، قُدّرت بعشرات مليارات الليرات يوميًّا. لوضع حدّ لهذا الوضع ومفاعيله السلبية على البلد، اتخذت الحكومة خطوة لافتة في إقرارها الزيادات الأخيرة، على قاعدة منح العاملين في القطاع العام حقوقهم، بحدّ معقول، لا يتسبب في إحداث تضخّم، يتفلت معه صرف صرف الدولار من جديد، بانتظار خطّة التعافي الشاملة، ومن ضمنها إعادة هيكلة القطاع العام وتطوير إنتاجيته، وهو مطلب الجهات الدولية لا سيّما صندوق النقد الدولي، كمدخل لإصلاح القطاع الذي عانى تخمةً في عديده، نتيجة التوظيف العشوائي، وضعفًا في الإنتاجيّة، الأمر الذي أضرّ بسمعته، وتساوى معه الموظف الكفوء والنزيه بالفاسد والفاشل والمرتشي.   الخزينة تخسر إيراداتها   إضراب موظّفي القطاع العام، ولو بشكل متقطّع منذ حوالى أربعة أعوام، شكّل أحد أطول الإضرابات الشاملة، وفضلًا عن تبعاته السلبيّة على القطاع الخاص ومعاملات المواطنين، ارتدّ سلبًا على الخزينة العامة، فخسرت ماليّة الدولة إيراداتها الضريبيّة نتيجة إقفال الإدارات والمؤسسات، وما نتج عنه من عدم دفع الضرائب، لاسيّما في المؤسسات والمصالح المختصّة بالنظام الضريبي، كوزارة المال ومصالح تسجيل السيارات والدوائر العقاريّة وغيرها. وبفعل عدم دفع الضرائب والرسوم في حينها، فقدت هذه المستحقّات الجزء الأكبر من قيمتها، نتيجة انهيار الليرة بشكل تدريبجي، خصوصًا أنّها كانت تدفع على سعر 1500 ليرة، في المقابل كان الدولار يقفز بشكل متسارع، وقد سجّل تفاوتًا كبيرًا خلال السنوات الأربع الماضية، بحيث وصل في الشهر الأول من العام 2020 إلى حوالى 2100 ليرة، وسجّل في نهايته 8300 ليرة، ثمّ أكمل المنحى التصاعدي وصولاً إلى مستوى 30 ألف ليرة في كانون الثاني من العام 2022، ومن ثمّ 60 ألف ليرة للدولار في كانون الثاني من العام 2023، وتجاوز 140 ألف في آذار عام 2023، ليعود ويستقر عند مستوى 89 ألف ليرة. بالتالي إقفال الإدارات والمرافق العامة، وما نتج عنه من عدم تحصيل الضرائب والرسوم في موعدها، وإبقائها على الـ 1500 في توقيت تفلّت سعر الصرف، أفقد الخزينة مواردها الضريبيّة.   لكن مع مضاعفة الرسوم في الموازنة الأخيرة تغيّر الوضع، والتأخير في إنجاز المعاملات نتج عنه دفعها وفق الأسعار الجديدة، وهنا استفادت الخزينة من تأخير دفع الضرائب والرسوم بدل أن تخسر، وفق الباحث في الدوليّة للمعلومات محمد شمس الدين في حديث لـ "لبنان 24"، على سبيل المثال، الفئة التي بلغت السنّ القانوني للقيادة أي 18 عامًا خلال سنوات الأزمة، ولم تتمكّن من الحصول على دفاتر سوق بفعل الإقفال، ستدفع اليوم الرسوم وفق الأسعار الجديدة، فرسم رخصة السوق ارتفع من 250 ألف إلى حوالي 3 ملايين ليرة، وكذلك رسوم وثائق الزواج وإخراجات القيد وغيرها من رسوم دوائر النفوس والميكانيك والدوائر العقارية وغيرها. في هذه الحالة، تسبّب إضراب موظّفي القطاع العام في تضرّر أصحاب المعاملات، الذين انتظروا طويلًا إنجاز معاملاتهم، لا سيّما طالبي رخص القيادة، أو الذين اشتروا سيارة أو شقّة وأحال إقفال الدوائر من دون تسجيلها، هؤلاء وجدوا أنفسهم ملزمين بدفع الرسوم بأرقام مضاعفة، مقارنةً بقيمتها لو أُنجزت معاملاتهم في حينها، وباتوا في قائمة أكبر المتضررين من إضراب القطاع العام.     القطاع الخاص دفع بدوره ثمن الإضراب، وقد تأثرّت سلبًا معاملات البضائع العالقة في الحاويات داخل مرفأ بيروت، بحيث عمد أصحابها بقصد تخليص معاملاتهم، إلى دفع عمولة تفاديًا للانتظار الطويل، بسبب تناقص عدد الموظفين، هو ما شرّع دفع العمولات، وفق ما لفت شمس الدين "الأمر عينه ينطبق اليوم على معاملات إخراج القيد، بحيث يفضّل المواطن دفع عمولة  للمختار ليتابع معاملته في دائرة النفوس، بدل أن يتكبّد عناء وكلفة متابعة المعاملة في الدوائر ذهابًا وإيابًا".   عدد العاملين في القطاع العام 320 ألفًا قبل الأزمة    ليس هناك من إحصاء دقيق حول عدد العاملين في مؤسسات القطاع العام، لعدّة أسباب منها تعدّد التسميات الوظيفيّة بين موظّف ومتعاقد وأجير ومتعامل، فضلًا عن تعدّد الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات. وفق تقرير أعدّته "الدوليّة للمعلومات" يتألّف القطاع العام من 320 ألفًا يتوزعون ووفق التالي: 120 ألفًا في القوى الأمنية والعسكرية، من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وشرطة مجلس النواب، 40 ألفًا في التعليم الرسمي، 30 ألفًا في الوزارات والإدارات العامة، 130 ألفًا في المؤسسات العامة والبلديات، ويضاف إلى هؤلاء نحو 120 ألفًا من المتقاعدين، معظمهم من العسكريين والمدرّسين. هذه الأعداد تعود إلى ما قبل الأزمة، وتناقصت بفعل استقالة عدد من العاملين على خلفيّة تدني رواتبهم "لكن عمليًّا هناك حاجة إلى نصف العدد الموجود حاليًا" يقول شمس الدين، لاسيّما إذا تمّ إدخال المكننة إلى إدارات الدولة.   تكلفة الرواتب والمساعدات   أمّا عن تكلفة رواتب موظفي القطاع العام، فيعتمد ذلك على عدد الموظفين، في الإطار أكّد وزير المال يوسف الخليل أنّ الكلفة الاجمالية للمساعدات التي أُعطيت لموظّفي القطاع العام والعسكريين والمتقاعدين، ملحوظة في الموازنة، وتقدّر قيمتها بحوالى 2900 مليار ليرة لبنانية شهريًا، وأشار خليل إلى أنّ الكلفة الإجمالية للرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية هي بحدود 10700 مليار ليرة لبنانية شهرياً، من ضمنها رواتب وأجور البلديات والمؤسسات العامة.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: من العام ألف ا فی

إقرأ أيضاً:

شاب: ينفع أطول شعري واضفره؟.. أمين الفتوى يجيب

أجاب الدكتور أحمد عبد العظيم، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال لشاب حول حكم تطويل الشعر وعمله ضفائر؟.

وأكد أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال فتوى له اليوم الخميس أن تطويل الشعر لا حرج فيه، وأنه أمر مشروع في ذاته، ولكن يجب مراعاة العرف والعادات الاجتماعية في المكان الذي يعيش فيه الشخص، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شعره أطول من شحمة أذنه، وكان ذلك مقبولًا في زمانه.

وأضاف أنه إذا كان ربط الشعر أو تطويله يتسبب في التنمر أو إثارة الانتباه غير المرغوب فيه، ينبغي أخذ هذه الأمور في الحسبان والحرص على مراعاة العرف الاجتماعي، على الرغم من أنه ليس كل ما هو مباح يُشترط أن يُفعل، فإنه يجب أن يتفادى الشخص تصرفات قد تثير اعتراضات أو تضطره إلى صدامات مع البيئة المحيطة به، سواء كانت أسرة أو مجتمع.

وأوصى بأن الشخص يجب أن يكون مرنًا في فهم أن ليس كل شيء مباح يجب أن يُفعل في كل الظروف، ينبغي أن يكون هناك توازن بين الحريات الشخصية واحترام العادات الاجتماعية التي يعيش فيها.

قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية الأسبق، إن تطويل شعر الرجال ليس من السنة النبوية التي يؤجر عليها المسلم؛ فهو من أمور العادات، وقد أطال النبي الكريم ، صلى الله عليه وسلم، شَعره وحَلَقَه ، ولم يجعل في تطويله أجرًا ، ولا في حلقه إثمًا، إلا أنه أمر بإكرامه.

جاء ذلك فى إجابة "جمعة" وخلال إلقائه لأحد الدروس الدينية، على سؤال "هل تطويل الشعر للرجال حرام؟".

أضاف "جمعة" أن إطالة شعر الرأس لا بأس به، فقد كان شعر النبي ،صلوات الله وتسليماته عليه، يصل إلى شحمة أذنيه ، وإلى ما بين أذنيه وعاتقه، وكان يضرب منكبيه، وكان – إذا طال شعره - يجعله أربع ضفائر، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف، فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم؛ فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر.

قال الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى دار الإفتاء المصرية، إن إطالة الشعر جائز فطالما أن الإنسان يطول شعره ويعتنى به فلا مانع من ذلك ولا يقصد من تطويله أن يتشبه بالنساء ولكنه يطوله من باب التجمل فلا حرج فى ذلك.

وأضاف ممدوح ، فى إجابته على سؤال « حكم تطويل الشعر لدى الشباب و إرتداء البناطيل المقطعة فهل هذه الموضة حرام؟»، أن إتباع الموضة منها ما هو حرام ومنها ما ليس حرام، فمجرد تطويل الشعر مادام الرجل لم يقصد به التشبة بالنساء أو التشبة بهيئة الفسقة فلا حرج حيث كان شعر سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم طويل-، فعلى من يحلقون شعرهم أن يلتزموا فيه بالسنن، فبعض ما نراه الآن من حلقات للشعر تكون مخالفة لهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- فنهى الشرع الحنيف عن ذلك ".

وأشار الى أنه يشترط في لباس الرجل أن يكون ساترا لعورته وهي ما بين السرة والركبة، وأن يكون الستر بما لا يشف عن لون الجسم، وأن يكون واسعًا غير ضيق، أما لبس البنطلون والبدلة وأمثالهما من اللباس فالأصل في أنواع اللباس الإباحة ؛ لأنه من أمور العادات ، قال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) ، ويستثنى من ذلك : ما دل الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال ، والذي يصف العورة لكونه شفافًا يُرى من ورائه لون الجلد ، أو ككونه ضيقا يحدد العورة ؛ لأنه حينئذ في حكم كشفها ، وكشفها لا يجوز".

مقالات مشابهة

  • شاب: ينفع أطول شعري واضفره؟.. أمين الفتوى يجيب
  • رئيس وزراء العراق: نعتز بالتجربة الرائدة للقطاع الخاص المصري
  • جي بي مورجان يتوقع تسجيل الدولار 45 ليرة
  • اقتصاد السعودية ينمو 1.3% في 2024 بدعم القطاع غير النفطي
  • مراكش تدخل موسوعة غينيس من خلال أطول جلسة حكي
  • فلسطين.. إضراب شامل في طوباس اليوم الخميس حدادًا على شهداء طمون
  • لكي تحافظ على بطارية آيفون.. آبل تحذرك من هذا التصرف
  • تراجع خسائر شيني 4.2% خلال 6 أشهر
  • أحيلت إلى مصرف لبنان.. رواتب القطاع القطاع العام اعتبارا من يوم غد
  • وزيرة التخطيط تبحث مع وفد "جي بي مورجان" آفاق التعاون والاستثمار في مصر