المشاورات السياسية لم تقطع خطوة للأمام بشأن هذا الملف الهام، لأن حل مشكلة الطرقات جزء من الحل السياسي للحرب؛ وبقاء الحرب سيجعل المشكلة قائمة.

 

صنعاء ـ «القدس العربي»: تسببت الحرب التي يشهدها اليمن منذ تسع سنوات في إغلاق عشرات الطرقات بين المدن والمناطق والمحافظات؛ وهو ما زاد من متاعب وأعباء السكان، الذين يضطرون للجوء إلى طرق أخرى (بديلة) أكثر وعورة ومخاطر، وأطول مسافة للوصول إلى مبتغاهم؛ ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تسببت الطرق البديلة بزيادة في أسعار السلع وأجور وأعطال المركبات، وبعضها تتعرض لحوادث بسبب مرورها في طرق جبلية وبعضها صحراوية؛ وينتج عن ذلك إصابات ووفيات.

 

لقد صار السفر بين المدن اليمنية مهمة شاقة تتطلب استعدادًا وتحضيرًا وتحملًا لمشاقها وكلفتها الباهظة، التي تجاوزت ما كانت عليه قبل الحرب بأكثر من خمسة أضعاف، كما تتطلب الاستعداد، أيضًا، لمواجهة مخاطرها المحتملة، بما فيها تعرض السيارة لحادث سير، علاوة على تعرض الركاب والحقائب وغيرها للتفتيش الذي يطول معه وقت الرحلة، وبموازاة ذلك تتعرض السيارات للابتزاز ودفع جبايات ضريبية متعددة بتعدد السلطات التي تتبعها نقاط التفتيش التي تتكرر على امتداد الطريق، بالإضافة إلى تعرض بعض الركاب للاعتقال من قبل عناصر النقاط لمجرد الاشتباه بتبعيتهم لطرف مناوئ، وأحيانًا يلجأ أفراد هذه النقاط للقتل، كما حصل للبعض كالشاب عبد الملك السنباني، الذي قُتل في حاجز أمني بمحافظة لحج (جنوب) عام 2021 وبعضهم يُختطفون، ويتم إخفاؤهم قسرًا.

 

ولأن الطرقات جزء من الحرب فإن الأطراف المتصارعة لا يمكن لها أن تتخلى عنها، وتعيدها إلى سيرتها الأولى؛ لاسيما وأن ثمة طرقا صارت تمر بمناطق عسكرية، وبعضها يشكل تهديدًا عسكريًا لطرف ما؛ وبعضها يمثل وسيلة ضغط ومساومة لا يمكن التفريط بها، كما أن انقسام جغرافية اليمن بين سلطات عديدة جعل كل سلطة تُغلق الطرق التي ترى أنها تشكل تهديدًا لها، باعتبار أنه صار لها حدود إن جاز القول تفصلها عن مناطق السلطة الأخرى؛ وبالتالي تغلق الطرق التي تربطها بمناطق سلطة مناوئة.

 

لكن مهما كانت المبررات فلا شيء يبرر استمرار إغلاق الطرق، والإمعان في تعذيب المواطنين وإجبارهم على قطع طرقات طويلة، وتحمل تبعاتها من أجل زيارة قريب لا يفصله عنه، في الأوضاع الطبيعية، سوى مئات الأمتار تستغرق دقائق مثلا، وبدلا عن ذلك صارت الرحلة إليه، حاليًا، تتطلب قطع كيلومترات تستغرق ساعات. ولا يمكن هنا تجاهل معاناة أبناء محافظة تعز (جنوب غرب) وغيرها من أبناء المحافظات الأخرى وما يعانيه المسافرون، بمن فيهم أولئك الذين يقطعون الطرق البديلة لطريق صحراء مأرب ـ الجوف، وما يعانونه؛ وتمثل تلك المعاناة صورة مأساوية لما تفرضه جريمة إغلاق الطرقات في اليمن.

 

ولهذا كانت وما زالت الطرقات المغلقة جزءًا من المفاوضات السياسية، التي جمعت طرفي الحرب في عدد من العواصم العربية والأوروبية؛ كما تم تنظيم مشاورات مستقلة بشأنها، كما تم في عمّان في أيار/مايو، وحزيران/يونيو 2022. وقد شملتها خريطة الطريق، التي أعلن عنها المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، في 23 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

 

وجميع تلك المشاورات لم تخرج بنتيجة عملية، إذ تُعلن الأطراف استعدادها لفتح الطرقات، لكنها سرعان ما تتبادل الاتهامات فيما بينها لاحقًا؛ وبالتالي فالمشاورات السياسية لم تقطع خطوة للأمام بشأن هذا الملف الهام؛ لأن حل مشكلة الطرقات جزء من الحل السياسي للحرب؛ وبقاء الحرب سيجعل من هذه المشكلة قائمة في ظل ما وصلت إليه تعقيدات الحرب هناك.

 

ولا يمثل هذا شرطًا من شروط الحرب، بل هكذا ترى أطراف الحرب في سياق التفاوض والضغط للحصول على مكاسب؛ وبالتالي هم لا يعبأون بمعاناة الناس؛ لأن الطرقات ـ كما سبقت الإشارة- جزء من مساومات الحرب ومفاوضات السلام.

 

انتقل مسار حل مشكلة الطرقات المغلقة في اليمن مع المشاورات السياسية الثنائية إلى المبادرات الأحادية. وأطلق أطراف مبادرات، لكن من جانب واحد، لفتح بعض هذه الطرق، إلا أن هذه المبادرات لم تلق استجابة من الطرف الآخر.

 

تزامن هذا مع حملة يمنية على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بفتح الطرقات وتُدين إمعان الأطراف على استمرار إغلاقها.

 

من آخر المبادرات هي تلك التي أعلنتها الحكومة المعترف بها دوليًا، ممثلة في عضو مجلس القيادة الرئاسي، محافظ مأرب، سلطان العرادة، وتضمنت فتح طريق مأرب ـ فرضة نهم- صنعاء 22 شباط/فبراير؛ وهي الطريق التي تربط المسافرين بالطريق الدولي المؤدي إلى منفذ الوديعة. وطالب العرادة جماعة «أنصار الله» بفتح الطريق من جانبهم. الجماعة طالبت قبل فتح الطريق توقيع اتفاق يضمن عدم اعتقال العابرين في نقاط التفتيش، كما أعلنوا، فتح طريق صنعاء ـ صرواح ـ مأرب، لكن من جانب واحد.

 

كما أعلن الحوثيون، الأربعاء 28 شباط/فبراير، فتح عدد من الطرق تربط محافظة تعز بمحافظات أخرى من جانب واحد، فيما ردت الحكومة المعترف بها مطالبة الحوثيين بفتح طريق الحوبان فرزة صنعاء- تعز باعتباره صار مفتوحًا من جانب الحكومة، وباعتبارها أهم الطرق الرئيسية التي يُضاعف إغلاقها من معاناة أبناء مدينة تعز والمسافرين خلالها للمحافظات الأخرى، حد تعبير محافظ تعز المعين من الحكومة نبيل شمسان، فيما حمّل رئيس اللجنة الرئاسية الحكومية لفتح الطرقات، نبيل شيبان، جماعة «أنصار الله» مسؤولية فتح الطرقات؛ وهو ما نفته الجماعة.

 

وتعد محافظة تعز، بما فيها عاصمة المحافظة، أكثر المدن والمحافظات معاناة من إغلاق الطرقات، والتي تسببت في مضاعفة تداعيات الحرب على السكان والزائرين والعابرين.

 

ويتمركز الحوثيون في الأطراف الشرقية والشمالية والغربية من مدينة تعز، عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم ذاته.

 

وقال الكاتب والمفكر السياسي، عبدالباري طاهر، لـ«القدس العربي» إن المشاورات، وما تم بخصوص الطرق لن يحل المشكلة.

 

وأضاف: لابد أن يكون هناك ضغط شعبي باتجاه فتح الطرقات المغلقة.

 

وتابع: «لا نرى ملائما أن يقف الناس إلى جانب غزة وضد حصار القطاع، وهذا موقف ديني وقومي عظيم محسوب لأنصار الله ولكن يجب أن يفكوا الحصار عن أنفسهم كبلد محاصر في البر والبحر والجو من قبل التحالف».

 

وأضاف: «أنت، أيضًا، تحاصر نفسك وبلدك وتحاصر تعز وغيرها. أنصار الله الطرف الأقوى الذي يتحمل المسؤولية».


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن الحكومة الحوثي فتح الطرقات مبادرات فتح الطرقات من جانب جزء من

إقرأ أيضاً:

شرطة أبوظبي تعرض مشروعات التوعية الرقمية في «الإمارات تبتكر»

أبوظبي (الاتحاد) 

أخبار ذات صلة «التحبير» تواصل استقبال المشــاركات مكتب الشؤون التنموية يعقد جلستين في «إنفستوبيا 2025»

عرضت مديرية المرور والدوريات الأمنية في شرطة أبوظبي مشروعاتها الابتكارية المتطورة في مجالات التوعية الرقمية والدوريات المرورية الحديثة ضمن معرض «الإمارات تبتكر 2025» والذي نظمته في مركز ياس مول بأبوظبي، ضمن مشاركتها في شهر الإمارات للابتكار.
وقدم الرائد أحمد عبدالله المهيري، مدير مشروع الروبوتات المرورية الذكية في مديرية المرور والدوريات الأمنية، ورشة عمل للجمهور حول مشروع الروبوتات المرورية، وجهودها في رفع الوعي بأهمية الالتزام بقوانين وأنظمة المرور، من خلال الفيديوهات المرورية التوعوية الرقمية، والرد على استفسارات الجمهور، وتقديم النصائح المرورية والمحاضرات التثقيفية.
وذكر أن الروبوت «صقر» في صورته الشبيهة بالإنسان يقدم تفاصيل دقيقة وسريعة في التوعية المرورية في حالات عدة مختلفة، مثل إغلاقات الشوارع، الازدحامات والحوادث، وخفض السرعات، والأحوال الجوية المتغيرة. ويقدم الردود حول تساؤلاتهم في العديد من موضوعات التوعية المرورية حول مخاطر الانشغال عن الطريق والنصائح المرورية، وأهمية القيادة المرورية الآمنة، وحثهم على الالتزام بقوانين وأنظمة المرور.
 وشاهد الحضور عبر شاشة الفعالية الرئيسية ابتكار المديرية في التوعية بأهداف «لعبة أمن الطرق» والتي توفر بيئة تعليمية جيدة في التثقيف المروري للشباب وطلبة المدارس مع شغفهم في ممارسة ألعاب إلكترونية هادفة تحقق أهداف الوعي المروري وتتضمن ظهور شرطي المرور في الطرقات أثناء أداء مهامه وتعمل اللعبة على جهاز الكمبيوتر (PC)، وتعتبر محاكاة للواقع الحقيقي، وتعلم اللاعبين كيفية التصرف بصورة صحيحة وبقيادة آمنة على الطرقات.
  وأوضح مدير مشروع الروبوتات المرورية الذكية أن الهدف من الألعاب الإلكترونية هو تثقيفهم وزيادة وعيهم بما يجري على الطرقات، وتعريفهم بمهام رجال المرور ودورهم في تعزيز سلامتهم.
 وقدمت فرقة موسيقى شرطة أبوظبي التابعة لإدارة المراسم والعلاقات العامة مجموعة من مقطوعاتها الموسيقية الوطنية والحماسية، وسط إعجاب الزوار وشاركت دورية السعادة في تعزيز ونشر الإيجابية.

مقالات مشابهة

  • في الوقت الذي تهديد فيه مليشيا الحوثي السعودية..الرياض تجدد دعمها لخارطة الطريق وجهود السلام في اليمن
  • بالتزامن مع تهديدات حوثية للمملكة.. السعودية تجدد دعمها لخارطة الطريق وجهود السلام في اليمن
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • قائد عمليات بغداد يوعز بفتح الطرق المغلقة في منطقة الدورة
  • مشاورات تركية-بريطانية في أنقرة لبحث التطورات في سوريا
  • رمضان اليمن… هل تغيّر حاله بعد عشر سنوات حرب؟
  • مديرية بنغازي الكبرى: نحذر جميع التجار من عرض البضائع على الطرقات
  • شرطة أبوظبي تعرض مشروعات التوعية الرقمية في «الإمارات تبتكر»
  • اليمن ضمن نطاق التصعيد العسكري الأمريكي بعد قرار ترامب تخفيف قيود الضربات الجوية خارج مناطق الحرب