ضاع العرب في متاهة فلسطين
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
آخر تحديث: 3 مارس 2024 - 10:02 صبقلم: فاروق يوسف ضعف النفوذ العربي في المسألة الفلسطينية منذ أن وقّع الفلسطينيون اتفاق أوسلو فصاروا الطرف الوحيد المعني بالمسألة. غير أن ذلك لم يمنع العرب من مد يد العون المستمر لهم في كل الأحوال. فلا أوسلو ولا طريقة تفكير الفلسطينيين فيه باعتباره حلا ثبت فشله يمكن أن يخلقا أسلوبا عربيا جديدا للتفكير في فلسطين، باعتبارها قضية العرب الأولى أو قضية القضايا.
في المقابل فلا شعارات تحرير فلسطين التي رفعتها الأنظمة السياسية العربية التي قضت نحبها كانت كاذبة ولا المقاربة بينها وبين الواقع كانت حقيقية. لقد اندفع العرب وراء عواطفهم الصادقة غير أنهم ركبوا عبر سبعين سنة قوارب مطاطية مثقوبة. وهو ما جعل المسافة التي تفصل ما بينهم وبين قضيتهم الأولى تتّسع وينأى السلوك الواقعي عن الهدف. ذلك ما دفع الفلسطينيين في لحظة يأس إلى التورط في أسوأ الحلول. لقد استغرب المفكر الراحل إدوارد سعيد كيف قبل إخوته في منظمة التحرير التوقيع على اتفاق أوسلو بعد أن عُرضت عليهم حلول أفضل. هناك اليوم صراخ عربي يضفي على الواقع الكثير من العبث حين يذهب مطلقوه إلى هجاء العرب لمناسبة ما تتعرض له غزة وأهلها من عمليات إبادة إسرائيلية، كما لو أن العرب كانوا مسؤولين عمّا انتهت إليه الأوضاع هناك. وفي ذلك نوع من خلط الأوراق، الهدف منه تجييش الضحايا في حرب ضد العرب وإعفاء الطرف الفلسطيني ممثلا بسياسييه من أيّ مسؤولية. الحقيقة تقع على الجانب الآخر تماما. قبل غزة لم يكن للعرب حضور في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية التي استندت إلى اتفاق أوسلو. بعدها لم يكن للعرب يد في انفصال غزة عن فلسطين التي صارت تُسمّى أراضي السلطة الفلسطينية. ما يعنينا هنا وغزة تواجه مصيرا كارثيا أن العرب لم يكونوا على علاقة بـ”حركة حماس” التي استولت على غزة وجعلتها ملعبا لمغامراتها. ما يُقال عن علاقة دولة قطر بالحركة المذكورة هو شأن عقائدي لا علاقة له بالعرب، دولا وشعوبا ولا علاقة له بفلسطين أيضا. كانت علاقات قطر ولا تزال بحركة حماس تتم برعاية إسرائيلية. ما فعله الفلسطينيون حين وقّعوا اتفاق أوسلو شيء وما كان يفكر فيه العرب، سواء عن طريق أنظمتهم “الثورية” وأنظمتهم “المحافظة” هو شيء آخر. وليس خافيا على أحد أن كثيرا من الوقائع المأساوية التي تعرضت لها الشعوب العربية كان مرتبطا بالحماية الغربية لإسرائيل. يقف انهيار العراق في مقدمة تلك الوقائع. في المقابل فإن ما حدث ويحدث في غزة بعد انفصالها شيء وطريقة تفكير الفلسطينيين في الخروج من مأزق أوسلو شيء آخر. شيء مختلف تماما. ذلك لأن غزة ومنذ انفصالها صارت تُدار من قبل تنظيم مسلح لا يخجل من إعلان ولائه لإيران. جزء من فلسطين صار يُدار من قبل إيران. قادة حماس الذين يقيمون في قطر لا ينكرون ذلك. ارتمت حركة حماس في أحضان إيران. وهي تنفّذ فقرات أجندة إيرانية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية التي نجح الإيرانيون في طيّ أوراقها في العراق وهو البلد الخاضع لهيمنتهم. أما المغامرات الإيرانية التي ينفذها الحوثيون في البحر الأحمر فهي ليست سوى محاولات لتذكير الولايات المتحدة بضرورة العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي. لم يتخل العرب عن فلسطين حتى اللحظة. كانت ولا تزال قضيتهم. غير أن ما حدث لهم بسببها قد أدى إلى انهيارات قوية وعاصفة في الحياة العربية. سقطت أنظمة سياسية وفقدت دول هويتها وتاهت شعوب بين مللها ونحلها وتمزق نسيج مجتمعات لم تعد قادرة على العيش الآمن والمستقر. أما الإنسان العربي فإنه اليوم في أسوأ أحواله. “فلسطين هي السبب” لم يقلها العرب من قبل لأنهم يخشون أن يفهمها الفلسطينيون خطأً. ولكنها الحقيقة التي لا شيء فيها يدين الفلسطينيين. لقد انتهت فكرة النهضة العربية منذ قيام إسرائيل.كل الأنظمة الثورية التي أقيمت على أنقاض نكبة 1948 ونكسة حزيران 1967 دمرت باسم فلسطين أسباب الحياة حين عسكرتها وجعلت منها مَسْخًا. لقد وجدت الأنظمة الثورية العربية شرعيتها من خلال فلسطين ووضعت ثروات الدول التي قُدّر لها الاستيلاء على الحكم فيها في خدمة قضيتها غير أنها كانت تمشي في الطريق الخطأ. لذلك فإن توجيه اللوم إلى العرب ما هو إلا نوع من الشماتة التي لا تصنع أثرا.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: اتفاق أوسلو غیر أن
إقرأ أيضاً:
لكل هذا لا تزال سوريا قيدَ المتابعة الدولية!
لا تزال حصيلةُ اللقاء الثلاثي الأميركي – الفرنسي – السوري الأخير، موضعَ أخذ وردّ، على صعيد ما اتفق عليه...
وضعٌ كهذا لا هو بجديد ولا بمستغرَب، لأنَّ ظروف اللقاء غير عادية وكذلك القضايا التي تطرّق لها. وبالذات، بعد الأحداث الدامية والخطيرة في الجنوب السوري، التي أتت في أعقاب أحداث منطقة الساحل ذات الغالبية العلوية.
معلومٌ أنَّ القوى الدولية والإقليمية، التي تعتبر نفسها معنيّة مباشرة بالشأن السوري في الحقبة الجديدة بعد أفول النفوذين الروسي والإيراني، ترصد، منذ بضعة أشهر، أسلوب تعامل سلطة دمشق الجديدة مع العديد من الملفات، بدءاً من الأمن إلى الاقتصاد... ومروراً بالأقليات.
تركيا يهمّها كثيراً نجاح تجربة هي ليست فقط في طليعة رُعاتها، بل والمراهنين على تعميمها أيضاً. وهي تؤمن بأنَّ «ضبط» الفسيفساء السورية وفق مصالحها ومفاهيمها... مسألة «أمن قومي» تركي. وهذا ما قاله وكرّره في الأيام الماضية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي كان آخر منصب تولاه قبل تكليفه قيادة الدبلوماسية رئيس جهاز الاستخبارات. وبالتالي، فإنَّ للرجل باعاً طويلاً في التعامل الأمني مع أدق الملفات وأخطرها، سواء على الساحة السورية أو الفضاء الشرق أوسطي ككل.
في ما يخصّ المشهد السوري، لتركيا حدود مشتركة يبلغ طولها نحو 909 كلم، وتمتدّ من أقصى شمال شرقي منطقة الجزيرة عند حدود العراق الشمالية إلى شاطئ لواء الإسكندرونة في أقصى شمال غربي سوريا.
ولقد ارتبط خط الحدود هذا في جزء كبير منه بخط سكة حديد برلين – إسطنبول – بغداد. ثم إنَّ العديد من الحكومات السورية المتعاقبة رفضت الاعتراف بسلخ لواء الإسكندرونة عن باقي الأراضي السورية عام 1939 إبان فترة الانتداب الفرنسي. وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ غالبية سكان اللواء – الذي تُعد مدينة أنطاكية كبرى حواضره – كانوا من السوريين العرب، وجلّهم من العرب السنّة والعلويين والمسيحيين، إلى جانب الأرمن، في حين كانت تقل نسبة الترك/ التركمان عن 40 في المائة، وفق إحصاءات عام 1939.
أكثر من هذا، عاش ويعيش خليط سكاني من العرب والكرد والترك والمسيحيين على طول جانبي خط الحدود، من محيط مدينة عفرين غرباً إلى محيط مدينة القامشلي شرقاً. ولذا يهمّ أنقرة كثيراً منع أي تقسيم أو تقاسم لسوريا، وبأي مستوى، وتحت أي صفة. وذلك لأنَّها ترى في ذلك تأجيجاً للعصبية الكردية في الداخل التركي حيث تقارب نسبة الأكراد 20 في المائة من مجموع سكان البلاد.
هذا، في ما يخصّ أولويات أنقرة، والشقّ الخاص بوضع الأقلية الكردية السورية في منطقة شرق الفرات، التي تحظى راهناً باهتمام أميركي كبير. أمَّا إلى الجنوب، فتمتد الحدود السورية مع الأردن، ومنها غرباً إلى هضبة الجولان المحتلة إسرائيلياً عام 1967 وأرض شمال فلسطين المحتلة عام 1948.
هضبة الجولان كانت، منذ قيام إسرائيل، نقطة اهتمام بالغ للدولة العبرية، لاعتبارين استراتيجيين: الأول إشرافها من علٍ على شمال غور الأردن وبحيرتي طبرية والحولة، والثاني لكونها مصدراً مهماً للثروة المائية.
ومن ثم، إذا كان لـ«الفسيفساء» السورية شمالاً دورها في الحسابات السياسية التركية، فإنَّها جنوباً كانت وتظل في صميم «اعتبارات» إسرائيل الأمنية والديموغرافية. ففي الهضبة عاش لعقود - وغالباً لقرون - خليط سكّاني من الموحّدين الدروز والمسيحيين والسنّة العرب والسنّة الشركس والتركمان... بجانب 3 قرى من العلويين، وقبل ذلك كان هناك وجود إسماعيلي أيضاً.
أيضاً، هضبة الجولان تتّصل بأعلى نقطة خارج سلسلة جبال لبنان الغربية، هي قمة جبل الشيخ حرمون، التي يمكن منها الإشراف على دمشق وسهلي حوران والجاذور. وفي شرق حوران ينتصب جبل العرب (محافظة السويداء) حيث توجد أكبر كثافة للدروز في المنطقة والعالم.
هذا المكوّن الدرزي في الجنوب السوري يعزّزه وجودٌ درزي في دمشق وضواحيها ووادي العجم وشمال الجولان. غير أنَّ العامل الأهم بالنسبة لإسرائيل يكمن بوجود ما لا يقلّ عن 120 ألف درزي في منطقة الجليل ونحو 20 ألفاً في قرى الجولان السورية المحتلة. وبالتالي، مثلما لتركيا «اعتبارات» سياسية وأمنية داخلية تبرّر تدخّلها بحجة درء «خطر» الأكراد، ترى إسرائيل أن من حقها التدخل جنوباً بحجة «الخطر» على الموحّدين الدروز..
وهنا نصل إلى الموضوعين العلوي والمسيحي...
الموضوع العلوي، في الحقيقة لا يقل أهمية عن سابقيه، لا سيما أن العلويين السوريين أكثر عدداً من إخوتهم الدروز، ويشكّلون غالبية سكانية في المحافظتين الساحليتين الوحيدتين في سوريا، أي اللاذقية وطرطوس في منطقة الساحل (جبال العلويين).
ثم إنَّ هاتين المحافظتين ضمّتا، إبان حكم آل الأسد، القاعدة البحرية الروسية الحيوية في طرطوس، وقاعدة حميميم العسكرية الجويّة الروسية المهمة قرب مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية. ومن ناحية أخرى، تشكّل وادي النضارة (وادي النصارى) ذات الكثافة السكانية المسيحية التُّخم الجنوبي لجبال العلويين. ومن هذه المنطقة نسبة عالية من السوريين المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وبين هؤلاء ناشطون سياسيون ورجال أعمال بارزون ومؤثرون أصواتهم مسموعة في أروقة واشنطن...
كل هذا المشهد قد يساعد على فهم أسباب المتابعة – بل الرقابة – الدولية لتطوّرات الوضع السوري. بل لعله، يفسّر أيضاً القلق الكبير من تأخر تطبيق تدابير العدالة الانتقالية، وبناء المؤسسات، وتنظيم العلاقة مع الأقليات... سواء العرقية كالأكراد، أو الدينية كالمسيحيين، أو المذهبية كالعلويين والدروز والإسماعيليين.
الشرق الأوسط