ما هو مفهوم التوبة وما شروطها وكيف تتحقق للعبد؟.. علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
بين الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، مفهوم التوبة وشروطها وكيف تتحقق للعبد، من خلال توضيحه أن الأعمال بالخواتيم.
مفهوم التوبة وشروطها وكيف تتحقق للعبديقول النبي ﷺ: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا، فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي، أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة» [رواه البخاري ومسلم]
وروى علي جمعة من خلال الصفحة الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس ما قصه سيدنا النبي ﷺ على أصحابه بشأن قاتل المائة، وهو يريد أن يتوب بعد كل هذه الذنوب، والله يقول: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} فما قصة ذلك الرجل؟ يرويها سيدنا رسول الله ﷺ فيقول: «كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ علَى راهِبٍ، فأتاهُ فقالَ: إنَّه قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ به مِئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ علَى رَجُلٍ عالِمٍ، فقالَ: إنَّه قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومَن يَحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ، فانْطَلَقَ حتَّى إذا نَصَفَ الطَّرِيقَ أتاهُ المَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ، فقالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جاءَ تائِبًا مُقْبِلًا بقَلْبِهِ إلى اللهِ، وقالَتْ مَلائِكَةُ العَذابِ: إنَّه لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فأتاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بيْنَهُمْ، فقالَ: قِيسُوا ما بيْنَ الأرْضَيْنِ، فَإِلَى أيَّتِهِما كانَ أدْنَى فَهو له، فَقاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أدْنَى إلى الأرْضِ الَّتي أرادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ» [رواه مسلم].
وفي هذه القصة التي يرويها سيدنا النبي ﷺ أمور كثيرة يجب أن نتعلمها، أولا: أن الذي يُسأل عن أحكام الشرع العالم وليس العابد (الراهب) فعندما أخطأ من دله على الراهب حدثت جريمة أخرى في وقت يحتاج فيه الرجل إلى التوبة إذ به يقتل العابد الذي أفتى بجهل، فلا ينبغي لأحد أن يقصد كل من ظهرت عليه علامات العبادة أو الصلاح بالسؤال في الدين، فإن هذا الدين علم.
كما أنه لا يجوز لكل من اقترب من ربه وسار في طريقه أياما أو شهورا أو سنين أن يظن أنه له إفتاء الناس، فإن الإفتاء يكون للعلماء، ورأينا عندما ذهب إلى العالم انتهى الأمر، وتنزلت الرحمات، فهذا هو الدرس الأول الذي ينبغي أن نخرج به من هذه القصة.
الدرس الثاني : أن هذه القرية قوم سوء، لأن يتمكن من قتل هذا العدد دون أن يجد من يردعه، ومن يأخذ على يده، فلم يكن هناك أمر بمعروف ولا نهي عن المنكر، ولا سلطات، ولا أي شيء فهذا جو فاسد لا يصلح لعبادة الله، فهم قوم سوء لأنه استخفهم ولم يقم لهم وزنا، قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
الدرس الثالث: أن التوبة حتى تستمر لابد وأن يتهيأ لها بيئة صالحة، ومجتمع متضامن متناصح، ويظهر هذا المعنى في قول العالم لقاتل المائة: «انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم و ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء»، فالإنسان يحتاج على الطاعة معين، وعلى الخير ناصح أمين.
الدرس الرابع والأخير: أن الأعمال بالخواتيم، وفي هذا يقول النبي ﷺ: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا، فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي، أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة» [رواه البخاري ومسلم]
ويقول النبي ﷺ: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، الأعمال بالخواتيم» [رواه البخاري]. كل هذه الدروس نتعلمها من هذا الحديث، ويشتمل الحديث كذلك على كثير من الدروس والتفصيلات، ولعلنا ذكرنا أهمها.
وأوضح علي جمعة أن المسلم مأمور بالمراجعة الدائمة ، فلا نمل من التوبة إلى الله، ولا نمل من مصارحة النفس بالعيوب والتقصير، ولا نمل من الإقلاع بهمة متجددة لرب العالمين، ولا ننسى الآخرة، ولا ننسى التوبة من هذه المعاصي.
وشدد علي جمعة، على أن ترك نقد الذات ومراجعة النفس والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى يؤدي إلى عذاب كبير لعلنا نعيش بعضه في أيامنا هذه، فإن صلاح إنسان واحد لا يكفي لصالح المجتمع أو لنهضة الأمة وصحوتها، فلابد أن تكون توبتنا إلى الله جماعية، ومراجعتنا شاملة لقضايا الإنسان في كل مكان وفي كل مجال.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة هيئة كبار العلماء التوبة إلى الله أهل الجنة أهل النار إلى الله علی جمعة النبی ﷺ ثم یکون مثل ذلک الأر ض
إقرأ أيضاً:
من يوقف الحرب وكيف
بسم الله الرحمن الرحيم
زورق الحقيقة
أبوهريرة زين العابدين عبد الحليم
الحرب اللعينة التي اندلعت في ربوع الوطن حرب عبثية لعينة لا معنى لها ولا مبرر لاستمرارها ويجب ان تقف فورا لأسباب كثيرة سوف اعددها، فهنالك اسئلة كثيرة سوف تظل عالقة في الإذهان الى حين، مثل من بدأ الحرب ومن له مصلحة في استمرارها ولماذا لم تقف بعد، ومن يصب الزيت على نارها، وما حجم التدخلات الدولية والاقليمية.
هنالك اسباب كثيرة للاجابة على سؤال لماذا يجب ان تقف الحرب فوراو تتعلق هذه الاسباب بالامن القومي السوداني في مفهموه الشامل، والخوف من انهياز الدولة والوصول لمرحلة اللاعودة وانهيار النسيج الاجتماعي والقيم والتعليم والتنمية وكل شيء. حسب الاحصاءات فاستمرار الحرب يكلف المليارات لسنوات قادمة ولو حسبنا خسارة التعليم والفاقد التربوي والتنمية ووقف الانتاج وكل شيء فمثلا لم يذهب الطلاب للمدراس لحوالي عام ونصف ويقدر العدد بحوالي 15 مليون فاي خسارة هذه، حجم النازحين واللاجئين وصل لاعداد خرافية، عدم الامن، النهب والسلب والسرقات وفقدان الأمان، حيث لم تستطع اي جهة توفير الامن والامان لحماية المدنيين. فالفكرة الخروج من خطاب الاصطفاف والادانات لخطاب جديد يحركنا من هذا المربع القميء لخطاب يعطي الامل للشعب ويوقف الحرب المفروضة على الشعب والمرفوضة منه.
أيضا لو درسنا طبيعة هذه الحروب من الصعب ايجاد منتصر فيها كالعادة فهي تستمر لفترات طويلة الى ان يصل الطرفان الى مرحلة الانهاك ومن ثم يتم الجلوس للحوار ونضرب مثلا بحرب الجنوب التي انتهت بانفصال الجنوب فهي مختلفة وكانت في اجزاء محددة وايضا حرب دارفور. اضف الى كل ذلك سوف يصبح السوادان ساحة صراع اقليمي ودولة.
السيناريوهات المتوقعة لوقف مثل هذه الحروب تتمثل في:
- إنتصار احد الاطراف
- الوصول لمرحلة الانهاك المتبادل وعدم انتصار اي طرف
- تدخل عسكري خارجي عن طريق الشرعية الدولية
- في حالة استمرار الحرب لفترة طويلة بدون تدخل دولي فربما تتدخل بعض الدول الاقليمية كما حدث في حرب اليمن مثل مصر أو اثيوبيا أو ارتريا أو اي دول اخرى لها مصالح.
بتحليل السيناريوهات الافتراضية اعلاه فجميعها ليست في صالح الشعب واستقرار الدولة بشكل مخطط واستراتيجي فاذا انتصر احد الاطراف سوف يقيم شموليته فالطرفين هدفهما النهائي السلطة والحكم ومهما ادعوا، ايضا سيناريو التدخل الدولي او الاقليمي الشرعي الحميد او غير الشرعي الخبيث فسوف يكون له تاثير كبير على مستقبل الدولة واستقرارها. سوف لا ينتظر العالم الى ان تصل المأساة لمجاعة شاملة وابادة.
الافضل في تصوري ان يحاول السودانيين ايجاد حل انفسهم اولا ولكن كيف يتم ذلك في اطار السيولة السياسية والاصطفاف والانقسام الشديد في المجتمع وقواه الحية. ادعو المثقفين والكتاب والمفكرين والجامعات بوضع تصورات تساعد الجميع في بلد الجميع واقترح الدعوة لمؤتمر جامع شامل للقوى السياسية والمدنية للاتفاق على تصور لوقف الحرب ومستقبل الدولة السودانية والدفع بهذه الرؤية للشعب السوداني وللمجتمع الاقليمي والدولي ومن ثم حشد الشعب والعالم لفرض هذه التصور على الطرفين واجبارهم عبر اليات اقليمية ودولية للامتثال لارادة الشعب السوداني. وبالنسبة للطرف الذي يرفض يمكن الاستعانة بعدد من الخطوات بالتنسيق مع المجتمع الدولي:
اولا: فرض حظر سلاح وطيران.
ثانيا: ضغط سياسي وشعبي وعزلة داخلية وخارجية ومقاطعة
ثالثا: تدخل عسكري محدود عبر قوات اقليمية ودولية عبر الشرعبية الدولية ويمكن الاستعانة واستيعاب جنرالات سودانيين في المعاش من الذين شهد لهم بالكفاءة في هذه القوات.
رابعا: عزل القيادتين او اجبارهم على الاستقالة ومحاولة ايجاد ضباط وطنيين ليحلوا مكانهم ومن ثم الانخراط في عمل فني لوقف اطلاق النار ووقف الحرب وبدء عملية سياسية، وان يكون واضح للجميع انه لا مجال لدخول العسكر في السياسة والاقتصاد وتأسيس جيش وطني واحد.
للاجابة على سؤال من يوقف الحرب علينا ان نعول على الشعب السوداني وقواه الحية في وقف الحرب وقيادة الجهود وترك الكسل السياسي والفكري والاعتماد على خطاب الادانات فقط وخطاب تحميل الآخرين مسئولية ما حدث، فاي جهة يمكن ان تقوم بذلك ولكن نحتاج لمجهود فكري وسياسي كبير لايقاف الحرب وتعبئة الجميع عبر افكار واضحة واجماع من القوى السياسية فهذا دورها وايضا يجب ان تتفرغ النقابات والاتحادات المهنية لاعمالهم وليس للسياسة ووضع تصورات لمستقبل الوطن كل جهة في مجال تخصصها، فمثلا بدلا ان تعمل نقابة البنوك او الاطباء في السياسة يركزون على مجالهم في تطوير المهنة ومساعدة الداخلين الجدد في المهنة ووضع تصورات لشهادات وتدريب مهني ووضع تصورات اعادة اعمار ما دمرته الحرب، وعليهم الخروج من السياسة والمساعدة مهنيا في مجال تخصصهم وهذا ما نحتاجه وايضا مثل الجيش عليه البعد من السياسة ويتفرغ الجميع للعمل في مجاله، فما اضاع بلدنا في ان الجميع يريد ان يكون سياسي ويريد ان يحكم، فمن يريد ان يحكم عليه ان يقوم بانشاء حزب سياسي ويطلب التأييد من الشعب السوداني. مشكلتنا في السودان الخلط في كل شيء وخلط المهنة مع السياسة ومع الدين ومع القبيلة والجهوية، فلو اعدنا النظر في طريقة عملنا السياسي ووضعنا لبنة وتصور في مؤتمر جامع واتفقنا على تصور دستور لتجيره اول جميعية تأسيسية او برلمان فيمكن ان نساعد الاجيال القادمة في ان تجد لبنة وطن.
لقد تعب الشعب من الحروب والتشريد في الداخل والخارج ، فعلينا أن نقود عبر مجهود فكري وسياسي وتصورات وتحويلها لواقع يمشي بين فقراء السودانيين الذين تم تشريدهم في الداخل والخارج وأن ننظر للامر بمفهوم الأمن القومي، باستمرار هذه الحرب سوف تكون نهاية الدولة والبنيات التحتية وكل شيء ومن الصعب ايجاد الموارد والدعم المطلوب لاعمار ما دمرته الحرب وما سوف تدمره، لذلك علينا الاسراع في وقف هذه الحرب اللعينة واجبار اللاعبين الاساسيين على الانصياع لرغبة الشعب. فهذا او الطوفان العنفي الذي يجرف اي شيء ونتحول لصومال آخر.
abuza56@gmail.com