رحيل حلمي بكر… 60 عاماً من الألحان
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
رحل الجمعة الموسيقار المصري حلمي بكر عن 86 عاماً، بعد صراع مع المرض استمر لسنوات، إذ شهدت الأيام الأخيرة تدهوراً شديداً في حالته الصحية، ولم يعد قادراً على الحركة بسبب أمراض في القلب بجوار إصابته بالسكري والالتهاب الرئوي، ولم يُحدَّد موعد صلاة الجنازة أو تلقي العزاء حتى الآن.
مشوار فني طويل قضاه الراحل في الوسط الغنائي، وعاصر أجيالاً عدة، فكانت النتيجة تأليف أكثر من 1800 لحن، ستظل تراثاً في الأرشيف الغنائي العربي.
تخرّج الراحل من معهد الموسيقى العربية بعدما درس في كلية التجارة، لأنه رفض أن يكون مجرد موظف، فحب الموسيقى الذي ورثه من والده العازف على الناي كان يسيطر عليه.
ولم يكن أمام بكر أي طريق يسلكه ليكون موسيقياً، حتى كان للقدر كلمته العليا حينما كان جندياً في الجيش المصري، وكانت المطربة الجزائرية وردة موجودة في مصر، فتحدث معها عن حلمه بأن يكون ملحناً. أُعجبت وردة بآرائه وعقليته الموسيقية وعرّفته وقتها على مدير الإذاعة المصرية، محمد حسن الشجاعي، ليتعاون معه في لحن بعنوان “كل عام وأنت بخير”، غناه المطرب عبد اللطيف التلباني، ثم لحّن للفنان ماهر العطار أغنية “لا يا عيوني”.
وجاءت الانطلاقة الكبرى للملحن الراحل بعدما استطاع أن يعيد الفنانة ليلى مراد إلى الغناء بعد اعتزال، فقد دخل في تحدٍّ ورهان مع مدير الإذاعة في عودتها، وعن طريق إحدى الحيل نجح حلمي في إعادتها من خلال أغنية “ما تهجرنيش”.
حلمي بكر وأم كلثوم… حلم كاد يتحققبعد هذه الأغنية التي لاقت نجاحاً على كل الأصعدة، بدا الطريق مفروشاً بالورود لبكر ليتعاون مع كل من عبد الحليم حافظ، ووردة، وفايزة أحمد، ونجاة، وكان صديقاً مقرباً من محمد عبد الوهاب.
وكاد حلمه بالعمل مع أم كلثوم يتحقق، إذ تعرف عليها عن طريق رياض السنباطي، ولحّن لها بالفعل أغنية “معندكش فكرة” من كلمات عبد الوهاب محمد، لكن اشتد مرضها ولم تستطع الغناء، لتذهب الأغنية إلى الجزائرية وردة، وبعدها رحلت عن الحياة ورحل معها حلم بكر.
تعاون بكر بعد ذلك مع كل من المطربين، عليا التونسية وأصالة نصري، ونجاة الصغيرة، وعزيزة جلال، وشفيق جلال، ومحمد قنديل، ومحمد الحلو، وسميرة سعيد، وغيرهم، وقدّم معهم أغاني عدة كانت علامة فارقة، ليست في مشواره فقط، بل مشوارهم أيضاً. ويعد أوبريت “الحلم العربي”، الذي جمع مطربين وفنانين من الوطن العربي، من أبرز أعماله.
لم تكن مسيرة بكر الموسيقية تقتصر على الأغاني فحسب، بل قدّم ألحاناً لـ48 مسرحية، لعل أشهرها “سيدتي الجميلة” للفنانين فؤاد المهندس وشويكار، و”موسيقى في الحي الشرقي” للفنانين سمير غانم وجورج سيدهم، و”روميو وجوليت”، و”أولاد علي بمبة”، و”حواديت”.
كما قدّم الكثير من موسيقى الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية. ومن الأفلام التي لحّن موسيقاها التصويرية “آخر الرجال المحترمين”، و”رجل فقد عقله”، و”صراع العشاق”، و”مع تحياتي لأستاذي العزيز”، و”من يطفئ النار” وغيرها.
أما المسلسلات التلفزيونية فمن أشهرها “صباح الورد” و”وقمر في سكة سفر” و”ناس ولاد ناس”. كما لحّن حلمي بكر موسيقى ثلاثة مسلسلات إذاعية هي “واحد من أهل ذلك”، و”ذات الحذاء الخشب”، و”الأسوار العالية”.
حلمي بكر وعالم الفوازيركان لحلمي بكر مشوار مع تلحين موسيقى استعراضات الفوازير والشارات، إذ لحّن لنيللي، فوازير “الخاطبة”، و”أم العريف”، و”عروستي”، ولحّن لشريهان فوازير “حول العالم”، وقدّم أيضاً فوازير “إيما وسيما” للوسي، و”ألف ليلة وليلة” لإيمان الطوخي ويوسف شعبان، و”فرح فرح” لغادة عبد الرازق، و”فطوطة” لسمير غانم، وغيرهم.
وعن علاقته بالفوازير قال حلمي بكر في تصريحات تلفزيونية: “أنا أول من اقتحم عالم الفوازير في مصر أيام تلفزيون الأبيض والأسود، من خلال تقديم فوازير للشقيقات الثلاث فيروز ونيللي وميرفت، قبل ثلاثي أضواء المسرح سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد، الذين قدمتهم بعد ذلك، ثم تعرّفت إلى المخرج فهمي عبد الحميد، وبدأت علاقتي بفوازير نيللي، وسمير غانم، وشريهان، وغيرهم، واستمرت علاقتي بالفوازير 22 عاماً”.
على المستوى الشخصي تزوج حلمي بكر 13 مرة، أولها في بداية حياته الفنية بالفنانة سهير رمزي، إذ تزوجها لثلاث سنوات، وبعد انفصاله تزوج بشاهيناز، شقيقة الفنانة شويكار، وهي والدة ابنه هشام، ومن ضمن زيجاته زواجه بقريبة أصالة، وتدعى راندا، كما تزوج الفنانة الراحلة عليا التونسية، وكان سرياً، وأُعلِن ذلك بعد الانفصال، وآخر زيجاته كانت بسماح القرشي التي بقيت معه حتى وفاته، وأثمرت هذه الزيجة عن الطفلة ريهام.
المصدر: مراكش الان
كلمات دلالية: حلمی بکر
إقرأ أيضاً:
ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.. حكيم الكنيسة وصوت الوطنية
في السابع عشر من مارس 2012، رحل عن عالمنا البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تاركًا خلفه إرثًا من الحكمة والوطنية والمواقف الحاسمة التي جعلت منه أحد أبرز الشخصيات الدينية والسياسية في تاريخ مصر الحديث. لم يكن مجرد قائد روحي، بل كان مفكرًا ومثقفًا وصاحب رؤية، لعب دورًا محوريًا في الحياة السياسية والاجتماعية على مدار عقود.
وُلد البابا شنودة الثالث، واسمه الحقيقي نظير جيد روفائيل، في 3 أغسطس 1923، بقرية سلام بمحافظة أسيوط. فقد والدته وهو طفل صغير، وانتقل مع أسرته إلى القاهرة، حيث تلقى تعليمه الأولي، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، ودرس التاريخ وتخرج عام 1947. كان منذ صغره محبًا للعلم والأدب، فاهتم بالشعر والكتابة، حتى أصبح واحدًا من أبرز الشعراء المسيحيين في القرن العشرين. كما عمل مدرسًا للغة العربية والتاريخ، ثم اتجه للصحافة، حيث تولى تحرير مجلة "مدارس الأحد"، وهي المجلة التي كانت منبرًا لفكر التجديد في الكنيسة القبطية.
كان نظير جيد مهتمًا بالقضايا الوطنية والسياسية، وتأثر بشخصية مكرم عبيد، الذي كان أحد رموز الحركة الوطنية وقياديًا بارزًا في حزب الوفد.كان يرى فيه نموذجًا للسياسي الوطني الذي يسعى لخدمة بلاده بعيدًا عن المصالح الضيقة، كما أعجب بأفكاره حول الوحدة الوطنية وأهمية التكاتف بين المسلمين والمسيحيين من أجل نهضة مصر. انعكس هذا الاهتمام على مواقفه لاحقًا كبطريرك للكنيسة، حيث كان دائم التأكيد على أن الأقباط جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن، وأن الكنيسة ليست كيانًا منعزلًا عن قضايا الأمة.
قبل أن يدخل الرهبنة، التحق نظير جيد بالجيش المصري وأدى الخدمة العسكرية، وكان ضابطًا احتياطيًا في سلاح المشاة. ورغم أن فترة خدمته لم تكن طويلة، فإنها أسهمت في تشكيل وعيه الوطني. وعندما اندلعت حرب أكتوبر 1973، لعب البابا شنودة الثالث دورًا مهمًا في دعم المجهود الحربي، إذ حث الأقباط على المشاركة الفاعلة في الجيش والتبرع لصالح القوات المسلحة، مؤكدًا أن المعركة معركة كل مصري وطني.
في عام 1954، قرر نظير جيد أن يترك الحياة المدنية ويتفرغ للروحانية، فالتحق بدير السريان بوادي النطرون، وأصبح الراهب أنطونيوس السرياني. وفي عام 1962، اختاره البابا كيرلس السادس ليكون أسقفًا للتعليم، ومن هنا بدأ رحلته الحقيقية في نهضة الكنيسة، حيث كرّس جهوده لإعادة إحياء التعليم الكنسي ونشر الفكر الديني المستنير.
في 14 نوفمبر 1971، تم تنصيب البابا شنودة الثالث بطريركًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. منذ اللحظة الأولى، حمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن حقوق الأقباط، لكنه كان يرى أن الحل يكمن في الوحدة الوطنية وليس في الانفصال أو العزلة. كان للبابا شنودة مواقف سياسية جريئة، أبرزها رفضه اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حيث اعتبرها اتفاقية لا تحقق العدالة للفلسطينيين، وأعلن موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل، قائلًا: "لن ندخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين". هذا الموقف دفع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى وصفه بأنه "البابا العربي المدافع عن القضية الفلسطينية"، وأكد أن "موقفه المشرف كان نموذجًا للوطنية الصادقة التي لا تفرّق بين مسلم ومسيحي".
كما أشاد به العديد من القادة العرب، حيث قال الرئيس السوري بشار الأسد إن "البابا شنودة كان صوتًا عاقلًا في زمن الأزمات"، بينما وصفه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بأنه "رجل الحكمة الذي عمل دائمًا على تعزيز التفاهم بين الشعوب". أما الشيخ خليفة بن زايد، رئيس دولة الإمارات آنذاك، فقد قال عنه: "كان نموذجًا لرجل الدين الذي يدرك أن دوره يتجاوز حدود الكنيسة إلى خدمة مجتمعه ووطنه".
على المستوى الفكري والثقافي، كان البابا شنودة يحظى باحترام واسع بين المثقفين العرب. وصفه الكاتب محمد حسنين هيكل بأنه "رجل دولة بحكمة كاهن"، فيما قال عنه جمال الغيطاني إنه "كان شخصية تاريخية لعبت دورًا محوريًا في الدفاع عن الهوية المصرية". أما فرج فودة، فقد أشاد بموقفه الرافض للانعزال الطائفي، ورأى فيه نموذجًا لرجل الدين المستنير.
عاصر البابا شنودة اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وكان يدعو دائمًا إلى الاستقرار والحوار الوطني. كان يدرك أن مصر ستواجه تحديات كبيرة بعد الثورة، وكان يخشى من تصاعد الفتن الطائفية، لكنه ظل مؤمنًا بأن وحدة المصريين قادرة على تجاوز الأزمات. في 17 مارس 2012، رحل البابا شنودة الثالث بعد صراع مع المرض، مخلفًا وراءه إرثًا روحيًا وفكريًا ووطنيًا لا يُنسى. شيّعه الملايين في جنازة مهيبة، ودفن في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، حيث كان يقضي سنوات نفيه الإجباري.
كان البابا شنودة كاتبًا غزير الإنتاج، ومن أهم كتبه: "كلمة منفعة"، "الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي"، "الحب المسيحي"، "معالم الطريق الروحي"، و"بدعة الخلاص في لحظة". رحل البابا شنودة، لكنه بقي في ذاكرة المصريين والعرب رمزًا للوطنية والحكمة، ورجلًا لم يخشَ قول الحق مهما كلفه الأمر.
نشر موائد الرحمن بالكنائس.. محطات في حياة البابا شنودة الثالث في ذكرى رحيله
في ذكرى وفاته.. مقولات البابا شنودة الثالث التي دخلت قلوب المصريين
في ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.. كيف كانت حياة «معلم الأجيال»؟