لجريدة عمان:
2025-02-16@22:25:55 GMT

فلسطين العرفاتية..هل انتهت؟

تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT

نادرة واستثنائية تلك الشخصية السياسية التي لا يمكن أن نقرأ قصة الوطن والمكان، بل وحتى يوميات الناس، دون أن نتشبع باستحضارها أولا، ولا يمنحنا التاريخ إلا مواهب معدودة من هذا الصنف الخاص الذي قد يأتي على هيئة زعيم مؤسِس يكتشف سيرته الشخصية، بينما يكتشف سيرة الوطن، فيكتب السيرتين في آن واحد بالحبر نفسه، وبطريقة مراوغة يتعذر فيها على المؤرخ أن يفضَّ الاشتباك في النص بين هوية الشخص وهوية الجماعة، ولا شكَّ أنه امتياز يتطلب خصالا وخصائص فريدة من نوعها، لا تتمتع بها إلا الشخصية التي تماهت تماما مع روح الوطن والشعب قبل أن تحتل مكانها كأيقونة تحتشد فيها كل ملامح الهوية الوطنية ورمزياتها.

ولقد كان الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، أحد هؤلاء النادرين؛ إذ كان اسمه، ولا يزال، يدلُّ على فلسطين وفلسطينييها الذين عبَّر محمود درويش باسمهم في وداع «الختيار» قائلا: «في كل واحدٍ منَّا شيء منه». وهذه حقيقة يدركها أشدُّ خصومه السياسيين فجورا في الخصومة، من منشقين فلسطينيين أو من ألداء عرب، كما يدركها بالطبع أعداؤه الإسرائيليون الذين فشلوا في اغتيال رمزه فلجأوا لتسميم جسده المُدرَّب على الطعنات ومحاولات الاغتيال الفاشلة، ولكن ليس قبل أن يمرضوه بالحصار والعزلة في السنوات الأخيرة من حياته.

من ذا الذي يستطيع أن يعزل هوية ياسر عرفات الشخصية عن الهوية الفلسطينية التي تبلورت بعد نكسة 1967 دون أن يخلَّ بالسياق الملحمي؟! كان ياسر عرفات مسكونا بهذه الحالة من التماهي الفوضوي بين شخصه وصورة الوطن المفقود، رجلا مطرودا يبحث في بلاد الناس عن أرض مطرودة، مختزلا في هيئته المظهرية وقوة صورته ذلك التداخل المحير بين فلسطين الواقعية وفلسطين المتخيلة.

وكان ذلك المزيج المتماهي بين الشخصي والعام تعبيرا عن «فلسطين العرفاتية» التي دشنها أمام العالم يوم اعتلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر من عام 1974، ومن الطرائف الساخرة أن تستقبله نيويورك يومئذٍ بمظاهرة صهيونية ترفع لافتة تقول «Arafat, go home» ولم يكن منه سوى أن يرد على العبارة بسجيته المتأهبة «أنا جاي على الأمم المتحدة «To go home».

ما زال عرفات، زمنيا، هو المرحلة الأطول من حياة الفلسطينيين، ولا أدري إن كان قد أحسن أم أخطأ حين رحل دون أن يترك للفلسطينيين من بعده نهجا أو مدرسة عرفاتية واضحة المعالم، ربما لأنه ظل هاربا على الدوام من القبض عليه في تعريف جاهز، تعدد في شخصه الواحد وآلاف المتناقضات دون أن يفقد أسلوبه، بل كان ذلك بالضبط هو جوهر أسلوبه الحيوي: الجمع بين الماء والنار في يد واحدة، والسير على حبلين متوازيين بين الثورة والدولة، بين الكفاح المسلح والسياسة، بين البندقية وغصن الزيتون.

أما الآن، في ليل الكارثة الطويل هذا، فإن فلسطين العرفاتية لا تحضر إلا بوصفها تراثا حزينا من الأخطاء المستمرة، ولا تُستدعى إلا في لحظات النقد المبرِّح، وتتلاشى مع خفوت رمز مؤسسها في ليل الليالي الفلسطينية، حتى لو كانت البصمة العرفاتية ما تزال حاضرة بعمق وبلا وعي في الطبقات الخفية من الهوية الفلسطينية. فلسطين الحاضرة اليوم، في الوعي العربي والعالمي، هي فلسطين الغزّية، بلا زعامة أو مرجعية سياسية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دون أن

إقرأ أيضاً:

اختيار المحللين في الفضائيات العربية: بين غياب المعايير وهيمنة المصالح الشخصية والسياسية

يُخصص الوقت الممنوح لنشرات الأخبار في القنوات الفضائية العربية بعناية، حيث يتم تقسيمه بين عرض الأخبار، واستضافة المحللين والمعلقين السياسيين، وذلك ضمن مدة زمنية محددة لا تسمح بالكثير من الاستطراد. ومع ذلك، يُلاحظ أنه عند استضافة عدد من المحللين والمعلقين السودانيين، يواجه بعضهم صعوبة في تقديم إجابات واضحة ومباشرة. فكثيرًا ما يتلكؤون في الرد، ولا يجهزون إجاباتهم "المتوقعة" مسبقًا بالقدر الكافي، مما يؤدي إلى استهلاك جزء كبير من الوقت في الدوران حول السؤال دون الدخول في صلب الموضوع. وعندما يبدأ الضيف أخيرًا في صياغة إجابته، يكون الوقت المخصص قد انتهى، مما يدفعه إلى الاحتجاج مرارًا بعبارات مثل: "دعني أكمل" أو "دعيني أكمل". ويعكس هذا الأمر، بلا شك، ضعفًا في إدراك طبيعة الإعلام التلفزيوني الذي يتطلب الوضوح والاختصار، إلى جانب عدم السيطرة على مهارات التحليل الإعلامي الذي يستوجب القدرة على تقديم أفكار مركزة ومباشرة.

إشكالية اختيار الضيوف:

يترتب على هذه الظاهرة العديد من المشكلات، خاصة بالنسبة للمشاهد السوداني الذي يسعى إلى فهم القضايا المطروحة بوضوح من خلال هذه الاستضافات. ومن أبرز هذه المشكلات غياب المعايير الواضحة التي يتم بناءً عليها اختيار الضيف. فهل يتم الاختيار بناءً على خبرته الطويلة في التحليل السياسي، ودرايته العميقة بالقضايا المطروحة؟ أم أن هناك عوامل أخرى، غير معلنة، تلعب دورًا مؤثرًا في تحديد هوية الضيوف المدعوين؟

في الواقع، لا يبدو أن استضافة المحللين تتم وفقًا لتاريخ مساهماتهم الفعلية في التحليل السياسي، بقدر ما يتم اختيارهم بناءً على اعتبارات تتعلق بالظرف السياسي الراهن واحتياجات القناة في تلك اللحظة. إذ تمتلك معظم القنوات الفضائية غرف تحكم خاصة مسؤولة عن تحديد قائمة الضيوف المحتملين، حيث يتم الاتصال بهم وفقًا للموضوعات التي تحتاج إلى تغطية إعلامية. وفي كثير من الأحيان، تستند هذه الغرف إلى توصيات من العاملين في القناة، وهم أفراد يُفترض أن تكون معاييرهم مهنية وموضوعية، إلا أن الواقع يشير إلى أن العلاقات الشخصية والانتماءات السياسية قد تلعب دورًا مؤثرًا في هذه الاختيارات.

من خلال خبرة عمل باحدى القنوات الاخبارية المعروفة استطيع القول بأن تأثير المصالح الشخصية على اختيار المحللين:
من المؤسف أن بعض العاملين في هذه القنوات يستغلون مواقعهم لترشيح ضيوف مقربين إليهم أو متوافقين مع انتماءاتهم السياسية، مما يخل بمبدأ التنوع ويمسّ مصداقية القناة. وبدلًا من استضافة محللين يقدمون وجهات نظر متباينة، يتم التركيز على ضيوف يخدمون أجندات معينة، وهو ما يؤدي إلى غياب الرأي الآخر، أو على الأقل تهميشه.

أضف إلى ذلك، أن هناك حوافز مالية تُقدم للمحللين مقابل مشاركاتهم، وهو ما قد يتحول إلى عامل مؤثر في عملية الاختيار. إذ قد يتم تفضيل بعض الضيوف بناءً على حسابات مالية بحتة، دون النظر إلى مدى كفاءتهم في تقديم تحليل موضوعي وعميق. ويؤدي ذلك إلى إفساد عملية انتقاء الضيوف، حيث يجد المشاهد نفسه أمام محللين يفتقرون إلى العمق أو التخصص المطلوب في الموضوعات التي يناقشونها، مما يُضعف جودة النقاشات ويجعلها أقرب إلى محاولات لتعبئة الوقت بدلاً من تقديم محتوى إعلامي ثري وذي قيمة.

المعالجة المقترحة :
لمعالجة هذه الإشكالية، من الضروري أن تعتمد القنوات الإعلامية معايير واضحة وشفافة في اختيار ضيوفها، بحيث تكون الأولوية لمهاراتهم التحليلية وخبراتهم الفعلية، والتي يمكن التوصل لمعرفتها من خلال تحريك اداة البحث في غوغل، والاعتماد على اطراف موثوقة خالية من الغرض، وليس لانتماءاتهم أو علاقاتهم الشخصية مع المستضافين. كما ينبغي على المحللين أنفسهم أن يدركوا طبيعة الإعلام التلفزيوني، ويتدربوا على انماط المقابلات بتقديم إجابات واضحة ومباشرة دون تضييع الوقت في مقدمات طويلة أو مداخلات غير ضرورية.

وفي نهاية المطاف، يظل الهدف الأساسي للإعلام هو تقديم المعلومة الدقيقة والتحليل العميق للمشاهد، وليس مجرد استضافة شخصيات بناءً على معايير غير مهنية تُضعف مصداقية القناة وتأثيرها في الرأي العام.

wagdik@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • انتهت الدفعة 6.. فماذا بقي من المرحلة الأولى من اتفاق غزة؟
  • اتجوز الفن.. حفيدة زكي رستم تكشف لأول مرة أسرارا خاصة عن حياته الشخصية
  • بعد أمريكا| دول أوروبية ترحب بعودة روسيا إلى مجموعة السبع إذا انتهت الحرب
  • صندوق الإدمان: تحديد معايير لاختيار الشخصية المؤثرة في حملات المكافحة
  • مشاكلك الشخصية عالجها في الصباح.. وفق هذه الدراسة
  • تفسير حلم رؤية الصراصير في المنام.. وعلاقته بالصعوبات والمشكلات الشخصية
  • البرلمان العراقي يعتزم تمرير 17 قانوناً والأحوال الشخصية نافذ في هذا الموعد
  • اختيار المحللين في الفضائيات العربية: بين غياب المعايير وهيمنة المصالح الشخصية والسياسية
  • ليلة النصف من شعبان انتهت.. فهل خسرت دعاء المعجزات؟
  • ناصر عبدالرحمن يكتب: الشخصية المصرية «14».. النرجسية والازدواجية