لجريدة عمان:
2024-11-26@01:03:11 GMT

الشيخ مرتضى الزبيدي وحركة الإحياء العربي!

تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT

الشيخ مرتضى الزبيدي وحركة الإحياء العربي!

- 1 -

أثناء بحثي عن أصول النهضة الفكرية الحديثة فيما قبل الحملة الفرنسية، وأنا أعد كتابي عن الشيخ حسن العطار ضمن مشروع (المجددين)، استوقفني الحضور الفذ لشخصية العلامة مرتضى الزبيدي صاحب أشهر وأضخم قاموس ومعجم لغوي "عربي" وصلنا عبر العصور!

لم تكن القصة مجرد التباهي بهذا الجهد الضخم الذي يفني الأعمار، إنما وببساطة وضعية هذا العمل العجيب ضمن سياق أوسع وأشمل يمكن أن نطلق عليه بذور "إحياء" أو عصر رينيسانس عربي، يقوم على النبش والتفتيش في أصولنا التراثية "المعرفية" والانطلاق منها والتأسيس عليها وصولا إلى إحداث "نهضتنا" نحن، الآن وهنا!

أنا أتحدث عن القرن الثامن عشر الذي ساد الاعتقاد طويلًا بأنه عصر جمود وتخلف، لكن جهود مدرسة من المؤرخين المحدثين والمعاصرين (الأجانب والمصريين على وجه التحديد) أثبتت تقريبا وبما لا يدع مجالا للشك أن هذا القرن وخاصة في نصفه الثاني قد شهد نشاطا فكريا وثقافيا وأدبيا ملحوظا تجلى في ظهور عدد من الأسماء (مثل الشيخ مرتضى الزبيدي، والجبرتي تلميذه، والشيخ حسن العطار، والشيخ إسماعيل الخشاب، وغيرهم) وتجلى أيضا في عدد من المؤلفات الموسوعية الضخمة، كان من أهمها وأشهرها «تاج العروس» الذي يكاد يقترب من الأربعين مجلدا (إن لم يكن تجاوزها في بعض الطبعات الحديثة التي عنيت به)، وفي شرح إحياء علوم الدين للزبيدي أيضا وهذا بدوره في حاجة إلى إضاءة كاشفة وساطعة ليس بوصفه شرحا على متن ديني كتب له الذيوع في دائرة التصوف وتزكية النفوس وهو «إحياء علوم الدين» لحجة الإسلام أبي حامد الغزلي، بل بوصفه متنا ضمن مجموعة متون تضامت وانشغلت بحركة إحياء وتواصل مع مؤلفات عصور سبقتنا ويجب استدعاؤها والانطلاق منها ومن ثم من الممكن تجاوزها بجديد الفكر ومبتكرات الذهن.

. إلخ.

- 2 -

هذه الفكرة الذهبية العظيمة (أقصد تأسيس عصر إحياء أو نهضة أو رينيسانس عربي) ظلت غائبة عن أذهان المؤرخين ومؤرخي الفكر منهم بصفة خاصة حتى توفرت مدرسة علمية عظيمة الشأن كان من أبرز أعلامها المرحوم الدكتور رؤوف عباس، والدكتور أحمد زكريا الشلق، والدكتورة نللي حنا، وغيرهم من الذين ركزوا جهودهم في إعادة النظر في تفاصيل هذه الفترة إجمالا (القرون السادس عشر، والسابع عشر، والثامن عشر) مع التركيز على القرن الأخير وإبراز ما كان يتخلق في أحشائه من حركة علمية وفكرية كانت بداية لما يمكن أن نطلق عليه عصر "إحياء" عربي.

وفي هذا السياق لا تفوتنا الإشارة إلى ما أورده المرحوم الدكتور جمال الدين الشيال في كتابه "محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث" بشأن حقيقة هذا القرن (القرن الثامن عشر) وما شهده من بزوغ نشاطٍ فكري وعلمي وثقافي، أخذت بواكيره تتشكل في مصر والشام على يد شيوخ الأزهر وعلمائه، والمنتسبين إليه، وإلى ما يماثله من مؤسسات دينية كانت مركزًا لهذا الحراك ومنطلقًا له، يقول:

"أما الظاهرة الثالثة، فكانت تُمثِّلها نهضة ثقافية علمية، بدأَت تَباشيرُها تظهر في مصر في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت هذه النهضة تلقائية، بمعنى أنها نبتَت نباتًا داخليًّا في مصر، ولم تكن متأثرةً بأي مؤثر خارجي شرقي أو غربي، وكان يمثلها مجموعةٌ من رجال الفكر المصريين، لم تَعرِف مصرُ شبيهًا لهم في القرون الثلاثة السابقة"؛ ويفصل المرحوم الشيال مظاهر هذه "النهضة".

ففي ميدان الدراسات الرياضية والفلَكية، ظهر الشيخ حسن الجبرتي، وفي ميدان الشعر والنثر ظهر رجال كالشيخ محمد الشبراوي، والشيخ حسن العطار -وقد وَلِيَا مشيخة الأزهر- والشيخ إسماعيل الخشاب، وفي التاريخ ظهر الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، وفي ميدان الدراسات اللغوية والدينية ظهر السيد محمد مُرتَضى الزَّبيدي.

وكان مِن الممكن أن تسير هذه النهضة في طريقها وتتطوَّرَ تطورًا طبيعيًّا، وأغلب الظن أن هذا التطور كان سيأخذ شكلًا بعثيًّا إحيائيًّا، بمعنى أن هذه النهضة كانت ستعمل على بعث أمجاد الماضي العلمية، ونشر التُّراث القديم.

- 3 -

غير أن النهضة التلقائية أُصِيبت بقطعٍ أو انفصال وقْتيٍّ عند مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر؛ فقد أتى مع الحملة عددٌ من العلماء الفرنسيين، وكان هؤلاء العلماء، بل كانت الحملة كلها تَحمل معها إلى مصر مَظاهر نهضة علمية مختلِفة عن مظاهر النهضة المصرية اختلافًا بيِّنًا في كل شيء. وزار نفرٌ من العلماء المصريين المعهدَ الذي أنشأه العلماء الفرنسيون في القاهرة، وزاروا المكتبةَ والمطبعة، وبهَرَهم ما رأَوْا، وبدَأوا يفكرون ويقارنون بين ما في أيديهم من علم وما في أيدي هؤلاء الفرنسيين من علم. وجَلَت الحملة عن مصر وحدَثَت اضطرابات، واستقر الأمر لمحمد علي واليًا على مصر، وأدرك النظام الجديد أنه لا بد من النقل عن الغرب إذا كانت مصرُ تريد نهضة حقيقية تُسايِر بها العالم، وفُتِحَت المدارس الجديدة، وأُرْسِلَت البعثات إلى أوروبا، ووقَفَت حركةُ التأليف مؤقتًا؛ لتبدأ حركة الترجمة، ولتستمرَّ طوال عصر محمد علي.

وما يقال عن القرن الثامن عشر في مصر يمكن إلى حدٍّ كبير أن يقال عنه في سوريا ولبنان وغيرهما من الأقطار العربية التي حكمها العثمانيون‏..

ويرى المؤرخ الدكتور أحمد زكريا الشلق أن كتابات مرتضى الزبيدي (1732-1790)، الذي كان عالمًا باللغة والحديث والأنساب، تكشف عن وعي نقدي واضح، وتُبرز أصول النظرة العلمية التي نمت بعد ذلك في القرن التاسع عشر، وعبَّرت عنها الرموز الثقافية فيه من أمثال حسن العطار، ورفاعة الطهطاوي.

لقد كان الشيخ مرتضى الزبيدي، فيما يرى الدكتور الشلق، شخصية فريدة في عصره وأبرز كُتاب ذاك العصر، وإن لم يتوفر أحد لدراسته دراسة علمية تجدر به. وقد تنوعت مجالات كتاباته، وكثُر طلابه، وكثُرت رحلاته واتصالاته، ودرس بالهند والحجاز على ما هو معروف، وقد صور الجبرتي لحظة وصوله إلى مصر عام 1754 باعتبارها من اللحظات العظيمة في الحياة الفكرية في القرن الثامن عشر.

- 4 -

وسنحاول أن نتوقف قليلا عن الأدوار التي لعبها الشيخ مرتضى الزبيد في هذه الحركة، فضلًا على التوقف عند عمليهِ الكبيرين (تاج العروس) وشرحه لإحياء علوم الدين.

وسأبدأ من النقطة المهمة في مسيرة الشيخ دون التعرض المفصل لسيرته أو حياته (فلهذا مقام آخر) لكن سأبدأ من حضوره إلى مصر واستقراره بها في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وقد تحلق حوله مجموعة من أنبه وأنبغ العلماء وطلاب الأزهر في ذلك الوقت وعلى رأسهم المؤرخ الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي صاحب "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" وختام السلسلة الذهبية من مؤرخي مصر الإسلامية العظام (من الكندي صاحب فتوح مصر والمغرب وحتى ابن إياس صاحب بدائع الزهور في وقائع الدهور)

وربما كان أهم شيء وجه الجبرتي إلى كتابة التاريخ هو صلته بالسيد محمـد مرتضي الزبيدي، فقيه اللغة في زمانه وصاحب المعجم المشهور "تاج العروس". فقد هبط الزبيدي مصر، وهو أصلاً من اليمن، عام 1754، أي عام مولد الجبرتي، وسكن في الصاغة ودرس في الأزهر وفي جامع شيخون ولازمه الجبرتي في شبابه، وقرأ عليه مع لفيف من شباب الأزهر وشيوخه.. (وللحديث بقية)

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القرن الثامن عشر الشیخ حسن إلى مصر فی مصر

إقرأ أيضاً:

اليمن.. الواقعُ وسؤالُ النهضة

عبدالرحمن مراد

يمكن القول اليوم إن اليمن في أشدّ الحاجة إلى ثورة ثقافية حقيقية تعيد ترتيب النسق الحضاري والثقافي، وتعمل على تحديد المفاهيم وصياغة أهداف وطنية جديدة، فالذي يحدث هو أننا واقعون تحت تأثير سياق من التلقي والاتصال؛ باعتبَارهما وسيلة تفاعل أَسَاسية بين الجماعات والأفراد؛ للتحكم بالأنظمة المادية والرمزية في السياق التاريخي والثقافي إلى درجة أننا نتقبل الحدث ونعيد إنتاج دلالته في وسط زمني مغاير، وهو الأمر الذي يجعلنا في تيهٍ دائم وفي حالة اغترابية مُستمرّة عن واقعها.

علينا التفكير بمسؤولية معرفية وأخلاقية بالغة الإحساس؛ فالمجتمعات من حولنا في عالمنا الحضاري الجديد حصلت على ميزات اجتماعية من القوة، والثروة، والمهارة، والعقلانية..، ونحن ما نزال -نحن العرب- ندور حول أنفسنا ونستغرق أنفسنا في جدل عقيم في حين أننا عاجزون عن ملء الفراغ الحقيقي الذي يشتهي الامتلاء، ونقف في تمترس عجيب وراء الصورة النمطية في أذهاننا عن أنفسنا وعن الآخر وعن الدولة.

وفقًا لطبيعة الإنسان في اليمن فإن حضور سؤال النهضة في عملياته النفسية والذهنية يرتبط بأجهزة السلطة السياسية ونوعيّة علاقاتها بحركة المجتمع وتفكيره وردود الفعل العام، فالسؤال في جلّ ضروراته يبحث في طبيعة السلطة السياسية والعلاقات الاجتماعية، فالسؤال النهضوي في جوهره موضوع سياسي في المقام الأول، فهو يضع السلطان والسلطة والسياسة والسياسي والحكم وأدواته وتفاعلاته موضع التساؤل والسؤال نظرًا إلى تعدد المرتكزات والمرجعيات النظرية الحضارية التاريخية، وتنوع القوى الاجتماعية / السياسية في المشهد السياسي الوطني؛ فسؤال النهضة الوطنية موضوع أَو قضية كلية متكاملة المعطيات والأبعاد؛ فالصراع الذي استمد السؤال النهضوي شرعيته منه، يفترض به أن يتخلّى عن أدواته وآلياته القديمة، وعلية أنْ يتجه إلى البُعد المعرفي فيطرح سؤال النهضة في التاريخ والفكر والسياسة والحضارة والاجتماع والانثروبولوجيا الثقافية والاقتصاد السياسي والفلسفة والعلاقات السياسية بعد أن تفاعل مع هذا السؤال من خلال حالة التفكيك للبناءات وخاض الصراع الدامي ووصل إلى خلق حالات جديدة، وتلك الحالات الجديدة حملت روح التوازن الاجتماعي والسياسي وهي تتهيأ الآن لتقبل الواقع الجديد الذي تنتظر منه إعادة ترتيب شكل العلاقة الجديدة بين الدولة والمجتمع، وبرؤية ذات توافق وتناغم مع سؤال النهضة الوطنية.

***

ما هو ثابت أن جدلية القديم / الجديد -كثنائية تاريخية مُستمرّة منذ ظهور الجماعات الاجتماعية البدائية وحتى ظهور الدولة وفق المفهوم الفلسفي والثقافي والمعاصر- فالجدلية ظلت كحالة تدافعيه تسير وفق سنن كونية ثابتة، فالقديم في أدواته وآلياته وفي أساليبه الحضارية والثقافية لا يصل إلى حالة الفناء المطلق ولكنه يعيد إنتاج نفسه في حالة من حالات التكيف مع مظاهر الزمن الجديد..، وحتى يبلغ الجديد مقاصده عليه أَلَّا يغفل عن الحقائق التالية:-

1- الماضي يمتد في كُـلّ جديد ويفترض ألا يرى الجديدُ عدميته بل يقوم بترميمه وإعادة إنتاجه تخفيفاً لحدة الصراع، ونرى ضرورة تطهير الماضي بالنقد والرؤى الجديدة وَاستخلاص نافذة منه للمستقبل مع الإيمان المطلق بالتجديد والتحديث وبصناعة اللحظة الحضارية وصناعة المستقبل.

2- الذات الداخلية مكون أَسَاسي لمصادر الطاقة والإمْكَانات وإحداث المتغير الحضاري، مع التركيز على تنمية القدرات الذاتية وتفجير إمْكَاناتها النفسية والذهنية والإبداعية وفي ذات السياق رفض شخصنة الأشياء والدولة.

3- التأكيد على القول إن القيمة المثلى للفكرة ليس في الإشباع الذي تحدثه بل في وظيفتها وقدرتها على التفاعل مع الواقع لحل كُـلّ إشكالاته حتى يتجاوب ذلك الواقع مع حاجات الناس وميولهم، ويملك القدرة على إحداث المتغير من خلال مرونته وقابليته للعمل، وتأكيد الطابع الحضاري الجديد.

4- الوجدان بطبيعته يفرق بين الناس لذلك يفترض التأكيد على العقل؛ باعتبَاره أدَاة تمثيل وتوحيد، وهو قادر على فهم الروابط بين الأشياء وخلق روابط جديدة مع التأكيد على دور المدركات في التعبير عن الواقع.

5- الإنسان هدف التنمية ومحورها وتحديث وظائف مؤسّسات الدولة بما يتوافق وهرم الحاجات للإنسان ضرورة حضارية وهرم الحاجات يتطور مع التطور الحضاري والثقافي وتعزيز قيم الانتماء وتصميد الهوية الإيمَـانية والوطنية لا يمكن أن يتحقّق دون أن يجد الإنسان اهتمامًا فوقيًّا في الرؤى والفلسفات والإجراءات تحدث الإشباع اللازم في فراغاته الوجودية الفيسيولوجية والسيكولوجية وشعوره بالوجود والفاعلية في معادلة الحياة.

***

مع التأكيد أن هذه الإشارات الواردة في السياق تأتي إسهاماً منا ضمن مشروع التغيير الجذري الذي أطلقه قائد الثورة السيد العلم عبدالملك الحوثي، وهي قد تسهم في إضاءة بعض الجوانب لحكومة التغيير والبناء التي يعول عليها القائد -حفظه الله– في التغيير والبناء وُصُـولًا إلى التغيير الجذري كمشروع لثورة 21 سبتمبر؛ إذ لا بُـدَّ لنا من إثارة سؤال النهضة في مقابل فرضية التغيير الجذري.

مقالات مشابهة

  • بإيعاز إماراتي.. عيدروس الزبيدي ينقلب مجددا على السعودية
  • ارتفاع قياسي في تداول البضائع وحركة السفن بميناء الإسكندرية خلال أكتوبر 2024
  • عيدروس الزبيدي يؤكد أهمية حرية الملاحة في البحر الأحمر خلال لقاء مع ممثلي الاتحاد الأوروبي
  • اليمن.. الواقعُ وسؤالُ النهضة
  • الإمارات تستدعي الزبيدي وسط ضغوط سعودية وتفاقم للأزمات في عدن 
  • مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «4»
  • غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة في قطاع غزة وحركة نزوح بالشجاعية
  • عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة المرور مشلولة
  • ما وراء اللقاء المفاجئ بين ”عيدروس الزبيدي” وقيادات ”حزب الإصلاح” في الرياض؟
  • ما وراء لقاءات عيدروس الزبيدي المكثفة مع السفراء الأجانب في الرياض؟