نادرة واستثنائية تلك الشخصية السياسية التي لا يمكن أن نقرأ قصة الوطن والمكان، بل وحتى يوميات الناس، دون أن نتشبع باستحضارها أولا، ولا يمنحنا التاريخ إلا مواهب معدودة من هذا الصنف الخاص الذي قد يأتي على هيئة زعيم مؤسِس يكتشف سيرته الشخصية، بينما يكتشف سيرة الوطن، فيكتب السيرتين في آن واحد بالحبر نفسه، وبطريقة مراوغة يتعذر فيها على المؤرخ أن يفضَّ الاشتباك في النص بين هوية الشخص وهوية الجماعة، ولا شكَّ أنه امتياز يتطلب خصالا وخصائص فريدة من نوعها، لا تتمتع بها إلا الشخصية التي تماهت تماما مع روح الوطن والشعب قبل أن تحتل مكانها كأيقونة تحتشد فيها كل ملامح الهوية الوطنية ورمزياتها.
ولقد كان الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، أحد هؤلاء النادرين؛ إذ كان اسمه، ولا يزال، يدلُّ على فلسطين وفلسطينييها الذين عبَّر محمود درويش باسمهم في وداع «الختيار» قائلا: «في كل واحدٍ منَّا شيء منه». وهذه حقيقة يدركها أشدُّ خصومه السياسيين فجورا في الخصومة، من منشقين فلسطينيين أو من ألداء عرب، كما يدركها بالطبع أعداؤه الإسرائيليون الذين فشلوا في اغتيال رمزه فلجأوا لتسميم جسده المُدرَّب على الطعنات ومحاولات الاغتيال الفاشلة، ولكن ليس قبل أن يمرضوه بالحصار والعزلة في السنوات الأخيرة من حياته.
من ذا الذي يستطيع أن يعزل هوية ياسر عرفات الشخصية عن الهوية الفلسطينية التي تبلورت بعد نكسة 1967 دون أن يخلَّ بالسياق الملحمي؟! كان ياسر عرفات مسكونا بهذه الحالة من التماهي الفوضوي بين شخصه وصورة الوطن المفقود، رجلا مطرودا يبحث في بلاد الناس عن أرض مطرودة، مختزلا في هيئته المظهرية وقوة صورته ذلك التداخل المحير بين فلسطين الواقعية وفلسطين المتخيلة.
وكان ذلك المزيج المتماهي بين الشخصي والعام تعبيرا عن «فلسطين العرفاتية» التي دشنها أمام العالم يوم اعتلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر من عام 1974، ومن الطرائف الساخرة أن تستقبله نيويورك يومئذٍ بمظاهرة صهيونية ترفع لافتة تقول «Arafat, go home» ولم يكن منه سوى أن يرد على العبارة بسجيته المتأهبة «أنا جاي على الأمم المتحدة «To go home».
ما زال عرفات، زمنيا، هو المرحلة الأطول من حياة الفلسطينيين، ولا أدري إن كان قد أحسن أم أخطأ حين رحل دون أن يترك للفلسطينيين من بعده نهجا أو مدرسة عرفاتية واضحة المعالم، ربما لأنه ظل هاربا على الدوام من القبض عليه في تعريف جاهز، تعدد في شخصه الواحد وآلاف المتناقضات دون أن يفقد أسلوبه، بل كان ذلك بالضبط هو جوهر أسلوبه الحيوي: الجمع بين الماء والنار في يد واحدة، والسير على حبلين متوازيين بين الثورة والدولة، بين الكفاح المسلح والسياسة، بين البندقية وغصن الزيتون.
أما الآن، في ليل الكارثة الطويل هذا، فإن فلسطين العرفاتية لا تحضر إلا بوصفها تراثا حزينا من الأخطاء المستمرة، ولا تُستدعى إلا في لحظات النقد المبرِّح، وتتلاشى مع خفوت رمز مؤسسها في ليل الليالي الفلسطينية، حتى لو كانت البصمة العرفاتية ما تزال حاضرة بعمق وبلا وعي في الطبقات الخفية من الهوية الفلسطينية. فلسطين الحاضرة اليوم، في الوعي العربي والعالمي، هي فلسطين الغزّية، بلا زعامة أو مرجعية سياسية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دون أن
إقرأ أيضاً:
برج الدلو ..حظك اليوم الخميس 12 ديسمبر.. استقرار في الحياة الشخصية
نقدم لكم اليوم توقعات الأبراج وحظك على مختلف الأصعدة، سواء كانت صحية، عاطفية، أو مهنية، لمواليد كل برج. لمزيد من التفاصيل حول حظك اليوم وتوقعات الأبراج، تابعوا التقرير التالي.
برج الدلو ..حظك اليوم الخميس 12 ديسمبر..استقرار في الحياة الشخصيةبرج الدلو هو برج الهواء الذي يتسم بالإبداع والابتكار. مواليد هذا البرج يتميزون بالتفكير المستقبلي والرغبة في تحسين العالم من حولهم. يعشقون الحرية والتجديد ويبحثون دائمًا عن الأفكار غير التقليدية. لديهم شخصية مستقلة، ويحبون أن يسيروا في طرق جديدة بعيدًا عن القوالب التقليدية.
مشاهير برج الدلوياسمين صبريومن مشاهير برج الدلو الفنانة ياسمين صبرى، أوبرا وينفري (مقدمة برامج) إلين ديجينيرس (مقدمة برامج) بريتني سبيرز (مغنية) أرسين لوبيز (مغني) ويقدم "صدى البلد" توقعات علماء الفلك لأصحاب برج الدلو على الصعيد الصحى والمهنى والعاطفى.
حظك اليوم الخميس 12 ديسمبر
اليوم، ستكون في مزاج ابتكاري وستسعى لتنفيذ أفكار جديدة. قد تواجه بعض التحديات في العمل، لكنك ستتمكن من التعامل معها بسهولة. عاطفيًا، سيكون لديك يوم هادئ ومريح.
توقعات برج الدلو على الصعيد المهنياليوم، ستكون لديك فرصة لتوضيح رؤيتك للمستقبل. قد تقود فكرة جديدة لمشروع هام، أو تحصل على دعم لتحسين وضعك المهني.
توقعات برج الدلو على الصعيد العاطفيعاطفيًا، سيكون يومًا هادئًا ومريحًا. التواصل مع شريك حياتك سيكون سهلًا وستشعر بأنك قريب منه. إذا كنت عازبًا، قد تجد أن الحب يطرق بابك.
توقعات برج الدلو على الصعيد الصحيصحتك جيدة، ولكن حاول أن تكون أكثر اهتمامًا بالنوم الكافي والراحة. تجنب الضغوط النفسية.
اللون المفضل: أزرق سماوي
رقم الحظ: 7