محمد سلماوي يعيد إنتاج أسطورة أوديب
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
تنتمي رواية الكاتب المصري محمد سلماوي الجديدة "أوديب في الطائرة" إلى أدب الرمزية. بمعنى أن كلَّ شخصية خيالية في الرواية تمثل شخصيةً في الواقع، وكلَّ حدث يجري فيها هو صدىً لأحداث حقيقية.
أحدُ المشاكلِ الضخمة التي يواجهُها المؤلف، في هذا النوع من الأدب، أنه يركِّز كل خبرته وجهده في تحويل أي تفصيلة إلى رمز، وبالتالي قد تفلت منه خيوط الفن الأخرى، ويصبح كالخرائطِ الجغرافيةِ، تحتاجُ إلى مفاتيح لفهم ألوانها وتضاريسها.
تدورُ الرواية في زمن ما، هو الزمن الحاضر على ما يبدو، وهذا يتضح في وجود أدواتٍ ومفرداتٍ عصرية، من الطائرات إلى كاميرات الفوتوغرافيا، إلى استوديوهات التصوير، مع أن كلَّ شيء آخر في الرواية يمنحنا إحساساً بأنها تدور في الماضي، بدءاً من أسماء الأبطال، وعلى رأسهم الملك "أوديب" نفسه. كما أن سلماوي مزج بين الواقع والأسطورة. وحاول أن يوهمنا، طوال الوقت، بأن ما نقرأه ونطالعه هو واقع حقيقي، لكنه فاجأنا كذلك بوجود شخصيات وآلهة أسطورية. احتكم الجميع، مثلاً، في لحظة ما، إلى زيوس إله الآلهة، وطلبوا منه أن يشير إلى الشخص المتسبب في نزول البلاء، فيشير إليه فعلاً. لا يكتفي سلماوي بهذا ولكنه يستخدم "طيبة" اليونانية مسرحاً للأحداث، وبالتالي يمنح الأبطال أسماء يونانية، مع أن المقصود "طيبة" المصرية، والأحداث هي أحداث "25 يناير" المصرية، وأوديب هو الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبترو وحبيبته هيباتيا يمثلان كثيراً من شباب مصر.
والآن بعد أن فككنا قطع الرواية، وتركناها مبعثرة أمامنا، ماذا أرادت أن تقول؟ ولماذا اختفى سلماوي أو شخصياته وراء الرموز والأقنعة؟ تمضي الأحداث سريعة، ونمضي وراءها لاهثين، وكلما أزلنا طبقة من الغموض نفاجأ أسفلها بطبقة أخرى، وكلما تأكدنا أن تلك المفاجأة هي الأخيرة، تصدمنا مفاجأة أكبر. تبدأ الرواية بمشهدِ الطائرةِ وهي تقف أمام السجن، نرى الملك أوديب غاضباً يرفض أي محاولة لإقناعه بالنزول منها ليقضي عقوبة السجن المقررة عليه، بعد أن قال زيوس كلمته، وأشار إليه باعتباره المذنب المتسبب في الوباء الذي حلَّ بمدينة طيبة.
جعلنا أوديب نصدق أنه مظلوم، وأن تاريخه يشفع له، فقد قتل الوحش الرابض على باب المدينة، وبالتالي خلَّص الناس من أكبر شرٍّ وأسوأ كابوس. وبما أن قطَّاع الطرق كانوا قد قتلوا الملك "لايوس"، فإن الناس رفعوا أوديب على الأعناق وطالبوا به ملكاً، ولم ينزلوه إلا فوق العرش. تزوج أوديب من "جوكاستا" أرملة "لايوس" وأنجب منها ابنتين جميلتين. عاش في سعادة كاملة، كل شيء كان يشي بأن التغيير بعيد، وأن الآلهة ترضى عنه، وأن الناس لن ينقلبوا عليه، لأنه اعتنى بهم وأحبَّهم، فكيف ينسون ذلك الفارس الشجاع الذي خلَّصهم من الوحش الشرير؟ لكن الأمور لا تسير على هواه، والغيوم السوداء تسيطر على سماء المدينة منذرة بالشر.
يحلُّ الطاعون بالمدينة، والناس المحاصرون بالجوع والخوف يُعبِّرون عن غضبهم، تخرج أعداد بسيطة منهم إلى الميادين، لكن أتباع أوديب لا يتركون الغاضبين في حالهم، ويقبضون عليهم ويسوقونهم إلى السجون، وبدلاً من أن يؤدي ذلك إلى خوف الناس تخرج أعداد أضخم منهم إلى الشوارع معلنة غضباً أكبر، حتى لا يكون في مقدور أتباع أوديب، ومنهم قائد الجيوش، وقائد الحرس، وغيرهما، السيطرة عليهم. يطلبون من أوديب التنحي، لكنه يرفض معتبراً أن ما يجري هو مؤامرة لخلعه عن العرش، لكنه بعد ذلك يرضى بالاحتكام إلى زيوس ليقول لهم من هو المذنب المتسبب في حلول الطاعون؟ كان متأكداً من نظافة يده، وحبه للشعب، لكنه يعترف في لحظات صدق أمام ابنتيه بأنه لم يقتل وحشاً ولا يحزنون؟ إنه ابن راعي أغنام ربَّاه في البراري المحيطة بطيبة، وقد جاء ذات يوم إلى المدينة وحاول بعض الجنود التهجم عليه، لكنه ردَّ عدوانهم بقوة، ففروا من أمامه خائفين. وحين دخل المدينة وجد الناس يحملونه على الأعناق ويهتفون باسمه ويقولون إنه قاتل الوحش. كان أوديب يظن أن هذا خطأ صغير، لا يمكن لزيوس بسببه أن يحمِّله وزر الشرِّ المستفحل في كل مكان بطيبة.
ثم تأتي اللحظة المنتظرة ويذهب الجميع إلى معبد زيوس، وفي مشهد تراجيدي، تتزلزل الأرض والجدران، وينطق زيوس بأن أدويب هو المذنب، ويتمسَّك أوديب بخيط ضعيف من الأمل، فبقية رؤيا زيوس تقول بأن المذنب قتل أباه، وتزوج أمه. يصيح أوديب أمام الجميع بأنه لم يفعل هذا ولا ذاك، لكنَّ عرَّاف المدينة "تيرسياس" يعاجله بالصدمة الكبرى. نكتشف فجأة أن أوديب هو ابن الملك لايوس، وقد أمر لايوس بقتله حين وصلته نبوءة بأن ابناً من صلبه سيقتله ويجلس على عرشه ويتزوج من أمه. لكن الأم "جوكاستا" لم ترض بقتل ابنها أوديب وهرَّبته خارج المدينة وأعطته لراعي غنم تكفَّل به حتى أصبح رجلاً قوياً صعب المراس، ويبدو أن أوديب قتل أباه لايوس دون أن يتعرف على شخصيته خارج أسوار المدينة.
تُغلَقُ الدائرة على أوديب، فيجد نفسه فجأة بعد أن كان ملء السمع والأبصار، شخصاً منسياً مهاناً، عليه أن يرضى بحكم زيوس حتى يعود الخير إلى المدينة. تقول الرواية إن الطريق إلى جهنم مفروش بالورود، وإن النية الحسنة وحدها لا تكفي لأن تكون إنساناً جيداً، والقدر كما يمنحك القوة في لحظةٍ، فإنه قادر على أن يسحبها منك في لحظةٍ أخرى. رواية قصيرة شديدة العذوبة الإمتاع.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أسطورة ليفربول: الريدز لا يحتاج صفقات جديدة.. والبقاء في القمة يحتاج للاستقرار
أعرب جون بارنز، أسطورة ليفربول الإنجليزي، عن ثقته الكاملة في قدرة "الريدز" على الحفاظ على تفوقه المحلي في الموسم المقبل، دون الحاجة إلى تدعيمات كبيرة خلال فترة الانتقالات الصيفية، مؤكدًا أن التعاقد مع لاعبين جدد لا يصنع الفارق بالضرورة.
وفي تصريحات لوكالة "بي إيه نيوز" البريطانية، قال بارنز: "لسنا بحاجة لتعزيزات جديدة.. فزنا بالدوري بسهولة هذا الموسم، واحتفظنا بمحمد صلاح وفان دايك، وهما من أهم أعمدة الفريق".
يأتي حديث بارنز رغم التقارير التي تفيد بتوقيع ليفربول مع الجناح الإيطالي فيديريكو كييزا، إلى جانب التعاقد المسبق مع الحارس الجورجي جيورجي مامارداشفيلي، القادم من فالنسيا في يوليو المقبل.
وأشار الجناح السابق إلى أن خسارة الظهير الأيمن ترينت ألكسندر أرنولد المحتملة، الذي ينتهي عقده الصيف المقبل ويُثار حوله اهتمام من ريال مدريد، لا تعني أن الفريق بحاجة إلى نجم بديل، موضحًا: "إذا رحل ترينت، فلدينا البديل المناسب وهو كونور برادلي.. نحن لا نعتمد على الأسماء بقدر اعتمادنا على المنظومة".
وأضاف بارنز: "أثبتنا هذا الموسم أن الفريق لا يحتاج إلى نجوم عالميين في كل مركز.. الحلول دائمًا تكون داخل الفريق، وليست في سوق الانتقالات".
وتطرق نجم ليفربول السابق إلى المنافسة القادمة من أندية كبرى مثل مانشستر سيتي، الذي بدأ بالفعل تدعيم صفوفه بصفقات مثل عبد القادر خوسانوف وعمر مرموش، وكذلك أرسنال، المتوقع أن يواصل استثماره القوي: "هذه الفرق تحتاج إلى التطوير للحاق بنا، لكن نحن لسنا مطالبين بالرد عبر صفقات فقط.. أحيانًا تراجع الأداء يعود للإصابات أو تذبذب الجاهزية".
واختتم بارنز حديثه برسالة واضحة: “تعاقدنا مع لاعبين جدد لا يضمن تحسن الأداء.. الأهم هو الاستمرار في القمة، لأن البقاء هناك يتطلب الاستقرار وليس الهوس بالتغيير”.