لجريدة عمان:
2024-12-26@07:32:15 GMT

محمد سلماوي يعيد إنتاج أسطورة أوديب

تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT

تنتمي رواية الكاتب المصري محمد سلماوي الجديدة "أوديب في الطائرة" إلى أدب الرمزية. بمعنى أن كلَّ شخصية خيالية في الرواية تمثل شخصيةً في الواقع، وكلَّ حدث يجري فيها هو صدىً لأحداث حقيقية.

أحدُ المشاكلِ الضخمة التي يواجهُها المؤلف، في هذا النوع من الأدب، أنه يركِّز كل خبرته وجهده في تحويل أي تفصيلة إلى رمز، وبالتالي قد تفلت منه خيوط الفن الأخرى، ويصبح كالخرائطِ الجغرافيةِ، تحتاجُ إلى مفاتيح لفهم ألوانها وتضاريسها.

. لكن محمد سلماوي بقيمتِه الكبيرة وخبراتِه الممتدةِ ينجحُ في كتابة عملٍ رمزي شديد الإحكام، وفي نفس الوقت يمنح روايته ميزة أخرى، وهي أن القارئ غير الشغوف بفك الرموز، قد يقرؤها باستمتاعٍ بدون أن يُجهِد نفسه بأن يعرف ما المقصود من خلف حدث معين، أو شخصية ما.

تدورُ الرواية في زمن ما، هو الزمن الحاضر على ما يبدو، وهذا يتضح في وجود أدواتٍ ومفرداتٍ عصرية، من الطائرات إلى كاميرات الفوتوغرافيا، إلى استوديوهات التصوير، مع أن كلَّ شيء آخر في الرواية يمنحنا إحساساً بأنها تدور في الماضي، بدءاً من أسماء الأبطال، وعلى رأسهم الملك "أوديب" نفسه. كما أن سلماوي مزج بين الواقع والأسطورة. وحاول أن يوهمنا، طوال الوقت، بأن ما نقرأه ونطالعه هو واقع حقيقي، لكنه فاجأنا كذلك بوجود شخصيات وآلهة أسطورية. احتكم الجميع، مثلاً، في لحظة ما، إلى زيوس إله الآلهة، وطلبوا منه أن يشير إلى الشخص المتسبب في نزول البلاء، فيشير إليه فعلاً. لا يكتفي سلماوي بهذا ولكنه يستخدم "طيبة" اليونانية مسرحاً للأحداث، وبالتالي يمنح الأبطال أسماء يونانية، مع أن المقصود "طيبة" المصرية، والأحداث هي أحداث "25 يناير" المصرية، وأوديب هو الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبترو وحبيبته هيباتيا يمثلان كثيراً من شباب مصر.

والآن بعد أن فككنا قطع الرواية، وتركناها مبعثرة أمامنا، ماذا أرادت أن تقول؟ ولماذا اختفى سلماوي أو شخصياته وراء الرموز والأقنعة؟ تمضي الأحداث سريعة، ونمضي وراءها لاهثين، وكلما أزلنا طبقة من الغموض نفاجأ أسفلها بطبقة أخرى، وكلما تأكدنا أن تلك المفاجأة هي الأخيرة، تصدمنا مفاجأة أكبر. تبدأ الرواية بمشهدِ الطائرةِ وهي تقف أمام السجن، نرى الملك أوديب غاضباً يرفض أي محاولة لإقناعه بالنزول منها ليقضي عقوبة السجن المقررة عليه، بعد أن قال زيوس كلمته، وأشار إليه باعتباره المذنب المتسبب في الوباء الذي حلَّ بمدينة طيبة.

جعلنا أوديب نصدق أنه مظلوم، وأن تاريخه يشفع له، فقد قتل الوحش الرابض على باب المدينة، وبالتالي خلَّص الناس من أكبر شرٍّ وأسوأ كابوس. وبما أن قطَّاع الطرق كانوا قد قتلوا الملك "لايوس"، فإن الناس رفعوا أوديب على الأعناق وطالبوا به ملكاً، ولم ينزلوه إلا فوق العرش. تزوج أوديب من "جوكاستا" أرملة "لايوس" وأنجب منها ابنتين جميلتين. عاش في سعادة كاملة، كل شيء كان يشي بأن التغيير بعيد، وأن الآلهة ترضى عنه، وأن الناس لن ينقلبوا عليه، لأنه اعتنى بهم وأحبَّهم، فكيف ينسون ذلك الفارس الشجاع الذي خلَّصهم من الوحش الشرير؟ لكن الأمور لا تسير على هواه، والغيوم السوداء تسيطر على سماء المدينة منذرة بالشر.

يحلُّ الطاعون بالمدينة، والناس المحاصرون بالجوع والخوف يُعبِّرون عن غضبهم، تخرج أعداد بسيطة منهم إلى الميادين، لكن أتباع أوديب لا يتركون الغاضبين في حالهم، ويقبضون عليهم ويسوقونهم إلى السجون، وبدلاً من أن يؤدي ذلك إلى خوف الناس تخرج أعداد أضخم منهم إلى الشوارع معلنة غضباً أكبر، حتى لا يكون في مقدور أتباع أوديب، ومنهم قائد الجيوش، وقائد الحرس، وغيرهما، السيطرة عليهم. يطلبون من أوديب التنحي، لكنه يرفض معتبراً أن ما يجري هو مؤامرة لخلعه عن العرش، لكنه بعد ذلك يرضى بالاحتكام إلى زيوس ليقول لهم من هو المذنب المتسبب في حلول الطاعون؟ كان متأكداً من نظافة يده، وحبه للشعب، لكنه يعترف في لحظات صدق أمام ابنتيه بأنه لم يقتل وحشاً ولا يحزنون؟ إنه ابن راعي أغنام ربَّاه في البراري المحيطة بطيبة، وقد جاء ذات يوم إلى المدينة وحاول بعض الجنود التهجم عليه، لكنه ردَّ عدوانهم بقوة، ففروا من أمامه خائفين. وحين دخل المدينة وجد الناس يحملونه على الأعناق ويهتفون باسمه ويقولون إنه قاتل الوحش. كان أوديب يظن أن هذا خطأ صغير، لا يمكن لزيوس بسببه أن يحمِّله وزر الشرِّ المستفحل في كل مكان بطيبة.

ثم تأتي اللحظة المنتظرة ويذهب الجميع إلى معبد زيوس، وفي مشهد تراجيدي، تتزلزل الأرض والجدران، وينطق زيوس بأن أدويب هو المذنب، ويتمسَّك أوديب بخيط ضعيف من الأمل، فبقية رؤيا زيوس تقول بأن المذنب قتل أباه، وتزوج أمه. يصيح أوديب أمام الجميع بأنه لم يفعل هذا ولا ذاك، لكنَّ عرَّاف المدينة "تيرسياس" يعاجله بالصدمة الكبرى. نكتشف فجأة أن أوديب هو ابن الملك لايوس، وقد أمر لايوس بقتله حين وصلته نبوءة بأن ابناً من صلبه سيقتله ويجلس على عرشه ويتزوج من أمه. لكن الأم "جوكاستا" لم ترض بقتل ابنها أوديب وهرَّبته خارج المدينة وأعطته لراعي غنم تكفَّل به حتى أصبح رجلاً قوياً صعب المراس، ويبدو أن أوديب قتل أباه لايوس دون أن يتعرف على شخصيته خارج أسوار المدينة.

تُغلَقُ الدائرة على أوديب، فيجد نفسه فجأة بعد أن كان ملء السمع والأبصار، شخصاً منسياً مهاناً، عليه أن يرضى بحكم زيوس حتى يعود الخير إلى المدينة. تقول الرواية إن الطريق إلى جهنم مفروش بالورود، وإن النية الحسنة وحدها لا تكفي لأن تكون إنساناً جيداً، والقدر كما يمنحك القوة في لحظةٍ، فإنه قادر على أن يسحبها منك في لحظةٍ أخرى. رواية قصيرة شديدة العذوبة الإمتاع.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بشرى خلفان: كان لا بد أن أخلص لصوت الشخصيات ولرؤيتي، لأكتب الرواية التي أريد

عند عتبة في سوق مسقط انتهت «دلشاد»، التي بدأت بسيرة الجوع والشبع وانتهت بسيرة الدم والذهب. جزء ثانٍ قدمت فيه بشرى خلفان شخصيتين جديدتين، جاءت الأولى من خيط منفلت من الجزء الأول، وخُلقت الثانية من أجل «الحرز»، جزءٌ توارى فيه البطل «دلشاد» لتنعكس تمثلاته في كل شيء في الرواية.

في هذا الحوار تتحدث بشرى خلفان عن إرهاصات كتابة «دلشاد: سيرة الدم والذهب»، وتكشف لنا عن ورطة توقعات القراء وما تفرضه الشخصيات من إملاءات، فضلا عن لعبة الوهم التي اتكأت عليها الرواية لتصير المغزل الذي تتشابك وتلتف حوله خيوط العمل. تتطرق بشرى في حديثها إلى لحظات كتابة الجزء الثاني من هذه الرواية والتفكير الطويل فيها، وتستعرض الطرق التي شكلت معالم الرواية.

********************************************************************************************************************

دلشاد تمت. كيف تشعر بشرى الآن؟

أشعر بالارتياح ، فلقد تخلصت من خوف كوني لن أستطيع إنجاز الجزء الثاني، وبعد ردود الفعل الأولية على العمل أستطيع أن أقول إني راضية.

بطبيعة الحال كان العمل على الجزء الثاني مرهقا، وأعزو ذلك للمسافة الزمنية بين كتابة الجزأين، التي تجاوزت الأعوام الثلاثة، إذ كنت قد انتهيت من كتابة دلشاد سيرة الجوع والشبع في ديسمبر ٢٠٢٠، بينما بدأت كتابة دلشاد سيرة الدم والذهب في يناير عام ٢٠٢٤.

ورغم أني لم أنقطع عن البحث عن المراجع وإجراء مقابلات مع الأشخاص الذين عاصروا تلك المرحلة، إلا أن كتابة جزء ثان ومحاولة تقديم ما هو مختلف وجديد ليس بالأمر السهل، مع ذلك فقد استمتعت بالتجربة وتحدياتها.

********************************************************************************************************************

ما التحديات التي تقصديها؟

كثيرة، منها تحديد الوجهة التي أريد للعمل أن يمضي إليها، لا تنسي كنت في آخر الجزء الأول قد ألزمت نفسي أمام القارئ بأني سأكتب جزء « الشبع» ، هذا بالإضافة إلى أن الحكاية بشخوصها وأحداثها ما زالت حية ونابضة في داخلي، إلا أن ثيمة الشبع التي يمكن أن تأول على وجوه كثيرة فهمت على وجه واحد، حتى ظن الكثيرون أني سأتكلم عن عهد السلطان قابوس، لكنني لا أتعامل مع الجوع بوصفه محسوسا وماديا فقط، بل بوصفه حالة من حالات الخواء النفسي والروحي والجسدي والمعرفي أيضا، كما أنه لا يمكن الانتقال بين الحالتين في قفزات سردية، أو تقديم مقاربة نمطية، لذا لم أستطع النظر في مسألة الشبع إلا بوصفها وهما.

هناك أيضا تحد على مستوى السرد والتقنية، فكرت في خيارات متعددة، ثم وجدتني أصغي لصوت الشخصيات «مريم» و«دلشاد» و« فريدة» و«ناصر» التي ما زالت تلح علي لإكمال حكايتها، لذا اضطررت للالتزام بتقنية تعدد الأصوات، ولأن العمل يقوم على عمل سبقه فهناك حذر في التعامل مع الزمن، بوصفه حاضرا ومنقضيا في الوقت نفسه.

وهناك تحدي العمل البحثي الذي أنجزت أكثره قبل الكتابة وبعضه أثنائها، ومحاولة التزام الدقة البحثية قدر الإمكان، مع ترك مساحة كافية للخيال حتى لا أقع في فخاخ التقريرية.

********************************************************************************************************************

الرواية تنهض على لعبة الوهم: (وهم الرغبات، وهم الأحلام، وهم العلاقات)، ما سر الاتكاء على الوهم؟

فرضت المرحلة الزمنية نفسها، فمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت مرحلة التنقيب عن النفط بشكل جاد في عمان، وهي ما أسميه بمرحلة «الوهم»، وهذا يتفق أيضا لفهمي للشبع بوصفه وهما.

فالبحث عن النفط في عمان ومحاولات العثور على تكوينات صخرية تحتوي مخزونا نفطيا كانت عملية تتراوح بين الرجاء واليأس، نعم، كان هناك أمل ما يلبث أن يتبدد مع كل عملية حفر فاشلة، ثم يعود فيتشكل من جديد.

ولأنه لا يمكن فهم تحولات أي قطر بمعزل عن فهم سياق تحولات المنطقة والعالم، كان لا بد من إجراء بحث حول تاريخ اكتشاف النفط في المنطقة الواقعة على ضفتي الخليج.

كل هذا كان محاولة من قبلي لفهم الأحوال السياسية والاقتصادية للمنطقة، والنفوذ الأجنبي الذي يزداد توحشا، خاصة بعد خروج مشايخ وإمارت الخليج العربي من اقتصاد مغاصات اللؤلؤ وتجارة التمور وما شابه ودخولها إلى مرحلة الصناعات البترولية، وما رافق ذلك من اتفاقيات ومعاهدات وتغير أحلاف بالطبع، وما شكله أيضا من ضغوطات داخلية في عمان.

ثم كان يجب أن يضيق البحث قليلا ليركز على عمان منذ المحاولات الأولى في عصر السلطان تيمور بن فيصل ووصولا إلى عمليات الحفر المتتالية والفاشلة في داخلية وظاهرة عمان ووسطها، مع الانتباه والتركيز على الاتفاقيات المبرمة بين حكومة السلطنة وشركات النفط.

كل ذلك البحث الموسع لم يظهر منه في الرواية إلا القليل جدا، فتاريخ النفط لم يكن هدفا في حد ذاته إلا أنه كان وسيلة لفهم المتغيرات والمآلات وانعكاسها على البلاد.

الشبع مثل الجوع، متلون ومخاتل، وفي نفس الوقت متعدد الطبقات ويتخذ صورا كثيرة غير صورته المادية.

ولأجل ذلك ساد الوهم تفاصيل الحكاية، أن يخيل إليك أنك وصلت لكنك لم تصل، لذا كان لكل شخصية وهمها الخاص كما لها فهمها الخاص للشبع.

********************************************************************************************************************

حتى مراد داهوك في حضوره وغيابه أصبح وهما

طبعا، الرواية كلها مبنية على الوهم والإيهام، كما هي مبنية على فكرة الاقتراب حد القبض على الشيء ثم إفلاته من قبضتك، وهم ومخاتلة.

********************************************************************************************************************

وهناك وهم تجلى في العلاقات أيضا.

بالضبط، نظام مثلا في اللحظة الأخيرة تساءل عما يريده من مريم؟!! كاد أن يقبض على المعنى لكنه تفلت من بين يديه، فعاد خائبا.

********************************************************************************************************************

عندما كتبت «وما الشبع إلا وهم»، شعرتِ أنك تبررين وعدك للقراء في الجزء الأول أن ما تنتظرونه يمكن أن يتغير!

يمكن اعتبار تلك التوطئة مجرد محاولة لتقديم مفهومي لميوعة فكرة الشبع نفسها، لترصد الجوع، للوهم الذي صار يتجلى ويتضح كلما أوغلت في الكتابة، فصار يتجلى في المواقف والأحداث والأحلام، حتى القصيدة التي وردت بالأوردية وهي لشاعر من شعراء الغزل في البلاط المغولي، يقول فيها: إن الحياة مثل فقاعة تحاول أن تمسك بها ثم لا تلبث أن تنفجر بين يديك، قصيدة عن الوهم بشكل من الأشكال، الحياة ليست أكثر من حلم، وهْمٌ يفلت من بين أيدينا في اللحظة التي نظنُّ أننا قبضنا فيها على جوهرها.

********************************************************************************************************************

هل تعتقدين أن الأحداث سارت بشكل أسرع في الجزء الثاني؟

قد يكون الزمن أصعب ما يتعامل معه الكاتب أثناء الكتابة الروائية، وتزداد الصعوبة في حال كتابة جزء ثانٍ كما هو الحال هنا، أضف إلى ذلك أن هذا الجزء يحاول أن يصل ما انقطع من خيوط الحكي دون إخلال.

وبطبيعة الحال تخفف هذا الجزء من تأسيس أكثر الشخصيات الذي تمّ فعلًا في الجزء الأول، باستثناء شنون وصالح بن سيف، مع ذلك كانت هناك مراوحات على خط الزمن بين الماضي والحاضر، فحضر الاسترجاع كتقنية بشكل أكبر مما كان عليه في الجزء الأول.

كما أن المدى الزمني في الجزء الثاني كان أقصر، إذ أنه غطى حوالي خمسة عشر عامًا، بينما غطى الجزء الأول حوالي خمسين عاما.

********************************************************************************************************************

هل شعرتْ بشرى أنها في ورطة ما بين انتظارات القراء وتوقعاتهم وإكراهات النص وشخصياته؟

في كتابة جزء ثانٍ لعمل ناجح كـ«دلشاد سيرة الجوع والشبع»، تحدٍ يخلقه في المقام الأول توقعات القراء، فمهما نجحت أدبيًا ستخذل أحدًا ما، بل ربما ناصبك بعض القراء العداء. لذا فالقارئ الذي لم يكن طرفًا في معادلة كتابة الجزء الأول صار طرفا غير صامت في كتابة الجزء الثاني، فكان الجهد الذي بذلته لإخراجه من ذهني أثناء الكتابة سلبا وإيجابا واحدا من أسباب تأخر كتابة الجزء الثاني.

أترين، كان لا بد أن أخلص لصوت الشخصيات ولرؤيتي وروايتي، أن أنجو من سلطة القارئ لأكتب الرواية التي أريد، ولم يكن ذلك سهلا.

أعرف أن القراء يكابدون النهاية التي وضعتها، وأنا لا ألومهم على ذلك، لكنها الحياة أليس كذلك!

********************************************************************************************************************

ما مقدار الصنعة في كتابة بشرى؟

لا أستطيع نفي الصنعة عن كتابتي، فأنا أستغرق وقتًا طويلًا في تشذيب العمل أو فلنقل صنفرته حتى أكسوه السلاسة التي تليق بالعمل الأدبي الذي أحاول تقديمه بأكبر قدر من الإتقان، ولأجل ذلك أعيد كتابة الجملة الواحدة عدة مرات وأعيد رسم المشاهد مرات كثيرة، وأحذف آلاف الكلمات دون تردد وربما أمحو أكثر مما أكتب.

كتابة الرواية ليست مجرد دفق أول نستلم فيه لما يعن على الخاطر، بل خطة وصنعة، عملية دقيقة جدا، ولا أظن أن أورهان باموق كان يبالغ عندما وصف كتابة الرواية كحفر بئر بإبرة؛ فالزمن الذي تقضيه وأنت تتوغل في البناء والحفر، والجهد المبذول في سبيل ذلك، لا يقاس بعدد الصفحات التي سودت فقط، بل بعدد ما مزق وأحرق أيضا.

********************************************************************************************************************

هل يمكن أن نعتبر الحرز هو البطل في سيرة الدم والذهب؟

ما الذي حلّ بأموال عبد اللطيف؟

ولماذا كان عبد اللطيف يكرر على مريم: «ذهبش زينة وخزينة»، «الحرز يحميش ويغنيش»، هذه أسئلة من صميم الجزء الأول، أسئلة حول المآلات المبهمة لأموال عبداللطيف التي تلاشت حتى جعلت الديانة يستولون على البيت لوماه بكل رمزيته في النص.

نعم كان الحرز هو الخيط المتفلت من نسيج الجزء الأول، الخيط الذي بدأ منه نسج سيرة الدم والذهب. الحرز، الذي صار جزء من لعبة الوهم، الوهم الذي امتد منذ أيام عبداللطيف حتى لحظة فتحه عند الصائغ، لذا كان لابد أن يكون للحرز سيرة موازية وإن كانت صامتة، فقدمت لأجله التضحيات؛ ليتكشف الوهم عن وهم أيضا في النهاية.

على الرواية أن تحاك حول محور عميق، يراكم عليه الروائي طبقات الحكي، كي يستطيع تقديم مقولاته وفهمه للفكرة التي يحاول مقاربتها، وذلك لا يتم إلا من خلال خلق عالم سردي متماسك، ذلك أننا نتعامل اليوم مع قارئ حذق وذكي ومتربص أيضا، وعلى الكاتب أن يحترم ذلك كما يحترم الأدب الذي يحاول أن يكتبه.

********************************************************************************************************************

كيف اخترعتِ شنون السرسري؟ هل انعكاس للواقع؟

لا أعرف، لكني عندما أفكر فيه الآن أشعر بالشفقة، كنت مفتونة به أثناء تشكله بين يدي، بحكايته وبشخصيته وبحزنه، لكن كيف اخترعته؟ لا أعرف. من أين أتى شنون؟ لا أعرف.

هل نبت من حكاية الحرز وصالح بن سيف الذي كان حاضرا في لحظة واحدة وخاطفة في سيرة الجوع والشبع أم أن شنون من نبتت منه الحكاية كلها، الحكاية التي تصل خيط الوهم الذي يحاول لضم الجوع بالشبع ويقرب الدم من الذهب؟

ما أعرفه أنه كان على شنون أن يحضر فحضر، شخصية هامشية تعبر عن فئة في مجتمعنا لا تعرف إلى أي فئة تنتمي، وباستحضارها نستحضر اللامرئي، وهو ما يجعلنا ندخل بشكل ما في فكرة الوهم والإيهام، لكنها، أقصد شخصية شنون، بالنسبة لي واحدة من أكمل الشخصيات التي كتبتها حتى الآن.

********************************************************************************************************************

هل معنى ذلك أن الحدث كان موجودا في ذهنك قبل أن توجد الشخصية التي تقوم به؟

كيف تكتب رواية دون أن تعرف الحكاية وترسم أحداثها بوضوح ذهني؟ وكيف يمكن أن يتم حدث دون شخصيات تدفع به ونحوه؟ هما عنصران روائيان متلازمان لا يستغنى فيه أحدهما عن الآخر.

بطبيعة الحال كنت أعرف الخيط الذي انسلّ من سيرة الجوع والشبع فقد تركته عن عمد، وكان عليّ فقط أن أقبض عليه بإحكام؛ لأبني سيرة الدم والذهب تقديما وتأخيرا ومخاتلة.

********************************************************************************************************************

توارى دلشاد ولم يصبح هو البطل، ثم نتفاجأ بفقدانه للذاكرة.

ليس دلشاد بطلا عاديا حتى يتوارى، بل هو حالة مستمرة من القهر الذي يبدل جلده ويعدد لبوسه، فتمظهرت صورة دلشاد في كل الشخصيات وفي كل نماذج «القهر»، قهر حسن لبن، قهر شنون السرسري، قهر دلشاد نفسه، قهر نظام، قهر صالح بن سيف، قهر اللصوص وقهر الشيوخ والثوار، دلشاد تراتبية من القهر تبدأ مع الإنجليز/ المحتل وتنتهي بهم بشكل من الأشكال.

********************************************************************************************************************

اختراع الميتات الفريدة لأزواج أم شنون مع مفارقة موتها العادي البسيط في البيدفور، هل هي نهايات مخطط لها؟

بالطبع، فشنون السرسري شخصية أحاطت بها الغرابة والعبثية منذ ميلاده حتى لحظة موته، وكأنه خلق ليشقى، مع ذلك فهو مثل دلشاد لم يتوقف عن التحديق في الحياة بعينين مفتوحتين. شخصية صلبة الجوهر رغم الهشاشة التي قد تخدع للوهلة الأولى.

********************************************************************************************************************

كيف كتبت عن زراعة الغليون وكأنك جربت ذلك؟ ولمَ الغليون تحديدا؟

اخترت زراعة التبغ أو الغليون كما يسمى محليا؛ لأنه رغم انتشار زراعته في عدة ولايات سابقا، بل وربما لم يزل يزرع في بعض الولايات الشمالية، إلا أنه ليس من الزراعات المذكورة في عمان، ربما لصغر الرقعة الزراعية التي يحتلها، أو ربما للوصمة التي يحملها كنبات يشوب استخدامه كدخان حرمة.

لا أعرف كبشرى الكثير عن الزراعة بشكل عام، لذا كان عليّ إجراء بحث مكتبي حول الموضوع؛ لأستطيع كتابة شخصياتي بشكل مقنع، فصالح وأبوه كانا مزارعين وعليهما أن يعرفا أسرار زراعة الغليون الذي اختارها كمحصول تجاري، هما يعرفان وليس أنا، فأنا لست أكثر من كاتبة تحاول إتقان عملها.

مقالات مشابهة

  • بشرى تكشف لـ صدى البلد عن تفاصيل دورها في فيلم آخر الخط
  • وزير الطاقة يزور عدة مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة في المدينة الصناعة بالرياض
  • وزير الطاقة يزور عدة مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة في المدينة الصناعية بالرياض
  • طارق سليمان: الزمالك يستحق ركلة جزاء أمام طلائع الجيش
  • بشرى خلفان: كان لا بد أن أخلص لصوت الشخصيات ولرؤيتي، لأكتب الرواية التي أريد
  • المخرج محمد سامي يشارك صور من كواليس "سيد الناس"
  • انطلاق مؤتمر الرواية والدراما البصرية بالمجلس الأعلى للثقافة غدا
  • رمضان 2025.. محمد سامى من داخل كواليس مسلسل سيد الناس
  • أسود ومفتوح من الظهر.. مي عمر في أحدث ظهور عبر إنستجرام
  • صلاح يواصل إنجازاته في الدوري الإنجليزي ويعلق على أسطورة ليفربول