المجتمع في خطة التنمية القادمة: التطلعات والمآلات
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
تأتي هذه المقالة كجزء أخيرٍ ضمن هذه السلسلة، التي ندعو فيها إلى تبني 5 برامج ممكنة للمجتمع في سياق خطة التنمية الخمسية الحادية عشرة (القادمة)؛ والبرامج الخمسة تتمثل في: برنامج يُعنى بـ«التمكين الاجتماعي»، وبرنامج يُعنى بتمكين «الثقافة المالية»، وبرنامج يُعنى بتدعيم «الاستقرار والصمود الأسري»، وبرنامج يُعنى بـ«الثقافة والتمكين المعلوماتي»، وبرنامج يُعنى بتعزيز «المشاركة المدنية»، وقد استكملنا في الجزءين الأول والثاني من السلسلة الحديث عن البرامج الثلاثة الأولى، فيما نستكمل اليوم الحديث عن برنامجي «الثقافة والتمكين المعلوماتي»، والبرنامج الذي يُعنى بـ«تعزيز الثقافة المدنية».
تشير الإحصائيات العالمية إلى أنه في عام 2023 كان هناك أكثر من 218 مليار عملية تنزيل للتطبيقات في الهواتف المحمولة حول العالم، في الوقت الذي يتفقد فيه الفرد حول العالم هاتفه بمتوسط 270 مرة يوميًا، ويقضي الأفراد نحو 89% من استهلاكهم للهاتف في تصفح واستخدام تطبيقات محملة. هذا شكل واحد من أشكال انغماسنا مع المعلومات، ونحن نتحدث عن السرعة الفائقة في توليد المعلومات فإنها تحاصرنا في كل تفاصيل يومنا، حتى في أوقات النوم أصبحت هناك تطبيقات تجمع المعلومات عن أجسادنا وتعيد استخدامها في أنماط جديدة، وأمام التواتر المعلوماتي الراهن تبرز 4 إشكاليات رئيسة وهي: مشكلات وهواجس الخصوصية، الاحتيال، الابتزاز، بالإضافة إلى مشكلة التشتت وعدم القدرة على التركيز على الإنتاجية. نعتقد أنه أمام هذه المعطيات أصبح لزامًا وجود منظومة متكاملة للتمكين المعلوماتي؛ فهناك حالة من التماهي مع فضاء المعلومات وتقنياته دون وعي للظواهر والمحكات الناشئة عنه. هناك تجربة شهيرة قامت بها إحدى شركات الاتصالات الأمريكية، التي دفعت لمشتركيها عرضًا بـ30 دولارا مقابل تعطيل «كوكيز المتصفح» لتقليل التعرض للإعلانات وحملات الترويج التجارية، والإبقاء على مزيد من الخصوصية، ولكن النتائج كانت عكسية؛ لعدم اكتراث المشتركين أساسًا بمسائل الخصوصية في التصفح. إن ما يُحرك ذلك هو عدم المعرفة بآليات التتبع، والمآلات التي تؤول إليها أنشطة معلوماتنا أو ما نشاركه مع الآخرين عبر التطبيقات، أو ما نشاركه مع شبكة المعلومات العالمية عمومًا من أنشطتنا وتفضيلاتنا وبياناتنا الشخصية. ومن هنا يجدر بهذا البرنامج أن يتسع كبرنامج استراتيجي للوقوف على ثلاثة عناصر أساسية (التوعية المعلوماتية - تمكين منظومات المساعدة المتصلة بالتعامل مع المعلومات - تغيير السلوك المعلوماتي)، بحيث يبدأ من أنشطة مركزة وموسعة للفهم في بيئات المدارس والتعلم عمومًا، التي تعد قاطرة للوعي العام، ومحركة لتغيير سلوك الأفراد في المجتمع. الجانب الآخر في هذه القضية هو «وباء التضليل» أو «المعلومات المضللة»، التي أصبحت الكثير من التقارير والمنتديات تثير الهواجس في شأنه، حيث تتيح اليوم ثلاثة عوامل أساسية لانتشار هذا الوباء، وهي مكنة التقنية من إنتاج الرسائل المضللة وخاصة من خلال تقنيات التلاعب والتزييف، والأمر الآخر هو عالمية المضامين المتداول وتحدي القدرة على الوصول إلى المصدر، أما العامل الثالث فهو ضعف السيطرة على الإعلام المركزي من خلال الآليات التقليدية، وانتشار إعلام الفرد وصحافة المواطن. وفي المقابل فإن الأخطار التي تضرب بها جائحة المعلومات المضللة هذه تمس: العلاقة والثقة بين الأفراد والحكومات والنظم القائمة، وتمس الحقيقة الاجتماعية والمرجعيات القائمة في المجتمع، وتسطح الصلة بمصادر المعرفة الأصيلة، وهو ما يستدعي أيضًا أن تتم معالجة التأثيرات المحتملة لهذه المعلومات على الأفراد ومنظومة المجتمع بشكل عام، وتعزيز الثقة بمؤسسات الدولة، وتقوية نظم الإعلام وشمولية رسالتها وتعديد آلياتها لإيجاد الثقة بها، والتنوع، وملامسة كافة شرائح المجتمع. أما فيما يتصل بالبرنامج المعني بـ«تعزيز المشاركة المدنية»، فإن أشكال المشاركة المدنية اليوم في سلطنة عُمان متعددة، فهناك المشاركة في انتخابات المجالس المنتخبة، وهناك الانتساب لجمعيات المجتمع المدني، وهناك المشاركة في الأنشطة التطوعية، والحملات المتصلة بها، وهي تحصر كل إسهام يقدمه الفرد يسهم في تعزيز استقرار المجتمع، وتنميته، والحد من المخاطر التي تحدق به، وبناء سبل التقدم فيه. وهذه المنظومة اليوم أمام رهانات كثيرة، أهمها تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وجعلها بيئات جاذبة لشرائح واسعة من المجتمع، ورهان التواصل والمشاركة الفاعلة مع المجالس المنتخبة في صياغة أولويات التنمية، إضافة إلى تعزيز قوى الفعل التطوعي النوعي، القادرة على مساندة الدولة في تجسير مختلف العمليات التنموية. وأمام هذه المعطيات فإن ما ندعو إليه هو النظرة الشمولية والاستراتيجية لأشكال المجتمع المدني كوحدة واحدة غير مجزأة، وتبني برنامج وطني يسهم في رصدها وإيجاد آليات تعزيزها، بحيث يمكن أيضًا استخدام العلوم السلوكية من خلال نظم «الحوافز والنقاط والمكافآت» للأفراد الذين ينخرطون في مختلف أشكال المشاركة المدنية . وفي المجمل فإن البرامج الخمسة التي تطرقنا إليها لا تعني انصرافًا عن القضايا المجتمعية المركزية، كقضايا تحسين مستويات المعيشة، وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، وحلحلة القضايا المتصلة بالتشغيل والتسريح من الأعمال، والقضايا التي تركز على مسائل الهوية والقيم؛ فكل هذا القضايا هي في صلب تماسك النسيج الاجتماعي وتكاد لا تخلو أي خطة من التوجه إلى ملامستها عبر البرامج والمستهدفات؛ ولكن ما يعنينا أيضًا أن تكون الخطة استباقية لمواجهة بعض القضايا التي قد تكون في طور تشكلها ونشوئها أو قد لا تكون تمثل هاجسًا مجتمعيًا في المرحلة الحالية؛ ولكنها قد تكون كذلك إذا ما تم تهميشها في الوقت الذي تواصل فيه التفشي في جسد المجتمع وبنيته، ومن هنا فإن وضعها كأولويات للقضايا التي تعالجها الخطة من شأنها بناء مزيد من التكيف والتناغم الاجتماعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المشارکة المدنیة
إقرأ أيضاً:
بعد أزمة طبيبة كفر الدوار.. تعديل قانون الجريمة الإلكترونية.. نواب: العقوبات ضرورية للتصدي للشائعات
أزمة طبيبة كفر الدوار تستدعي تحرك البرلمانرئيس اتصالات النواب: 14 مليون حساب وهمي وغير حقيقي على السوشيال ميديابرلماني: التصدي للشائعات أصبح ضرورة ملحة في عصرنا الرقمي
أصدرت النيابة العامة بمركز كفر الدوار في البحيرة قرارًا بحبس الدكتورة وسام شعيب طبيبة النساء والتوليد بمدينة كفر الدوار 4 أيام على ذمة التحقيقات، في نشرها فيديو عبر حسابها على «فيسبوك»، زعمت فيه تعاملها مع فتيات وسيدات حملن بشكل غير شرعي وسفاح، ما اعتُبِر إفشاءً لأسرار المرضى.
ووجهت النيابة إلى الطبيبة، اتهامات منها تكدير الأمن والسلم العام، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة البلبلة بين أطياف الشعب المصري، والإساءة لجموع الشعب، والتعدي على المبادئ والقيم الأسرية، ونشر أخبار كاذبة.
وتعليقا على الواقعة، أكد النائب أحمد بدوي رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب ، أن هناك تعديلات ستقر خلال دور الانعقاد الحالي علي قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والمعروف إعلاميًا بقانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، والتى ستتناول تجريم عددا من الظواهر التى تهدد المجتمع منها بث الشائعات ، والابتزاز الٱليكتروني ، والسب والقذف ، والاعتداء على قيم المجتمع ، وان كان القانون القديم الذي جرى الانتهاء منه فى عام ٢٠١٨، قد حوى عقوبات في هذا الشأن ، إلا أن التعديلات ستشدد العقوبات لحماية المجتمع والأسرة المصريه ومن المتوقع أن ترسل من الحكومه خلال الأسابيع القادمة.
ولفت رئيس اتصالات النواب، إلى أن الدولة ووزارة الاتصالات والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يبذلون جهودا كبيرة في القضاء علي حسابات السوشيال الميديا مجهولة الهوية وإغلاق الصفحات الغير حقيقية علي الفيس بوك والتي وصلت لـ ١٤ مليون حساب، وهمي وغير حقيقي وانه لو لم تكن هناك عقوبات رادعة كان سيصل عدد تلك الحسابات إلى ما يتخطى ٢٥ مليون حساب ، لأن هناك من يمتلك أكثر من حساب الكترونى ، بلا مبرر اوهدف سوي أنه يتحين الفرص لارتكاب جريمة اليكترونيه.
ولفت رئيس اتصالات النواب إلي أن هناك صحوة امنيه غير مسبوقة وإصرار من الدولة المصريه علي عودة الاستقرار الاجتماعي للشعب المصري بعد الفوضي التي حدثت بفعل الاستخدام السيء لوسائل التواصل الاجتماعي ، وهناك جهود وتشريعات جديدة ستطرأ علي قانون تقنية المعلومات ستتضمن بعض البنود لتنظيم التعامل مع الذكاء الاصطناعى، لأنه من الوسائل التكنولوجية الحديثه التي لايوجد مواد عقابيه تجرمة.
وقال النائب عمرو القطامي، عضو مجلس النواب أن التصدي للشائعات أصبح ضرورة ملحة، خاصة في عصرنا الرقمي الذي تنتشر فيه الأخبار بسرعة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتابع القطامي، في تصريحات لـ صدى البلد أن بعض الأشخاص لا يدركون تأثير كلمة أو خبر غير دقيق يقومون بنشره، وقد يترتب على ذلك آثار سلبية على الأفراد والمجتمع وحتى على الاقتصاد.
وأوضح أن التصدي للشائعات لا يتحقق بالكلام فقط، بل يتطلب قوانين صارمة وواضحة لحماية المجتمع من المعلومات المضللة.
ونوه ان القوانين ضرورية لردع كل من ينشر معلومات كاذبة أو يحاول التأثير سلبا على الناس، لأن الشائعات قد تتسبب في أضرار جسيمة، وهذا أمر لا يمكن الاستهانة به.
إلى جانب القوانين، أكد أن التوعية لها دور كبير كذلك، فكلما أصبح الأفراد أكثر وعيا بمخاطر الشائعات وضرورة التحقق من صحة المعلومات قبل مشاركتها، قطعنا شوطا مهما نحو مجتمع محصن من التأثيرات السلبية للشائعات.