تأتي هذه المقالة كجزء أخيرٍ ضمن هذه السلسلة، التي ندعو فيها إلى تبني 5 برامج ممكنة للمجتمع في سياق خطة التنمية الخمسية الحادية عشرة (القادمة)؛ والبرامج الخمسة تتمثل في: برنامج يُعنى بـ«التمكين الاجتماعي»، وبرنامج يُعنى بتمكين «الثقافة المالية»، وبرنامج يُعنى بتدعيم «الاستقرار والصمود الأسري»، وبرنامج يُعنى بـ«الثقافة والتمكين المعلوماتي»، وبرنامج يُعنى بتعزيز «المشاركة المدنية»، وقد استكملنا في الجزءين الأول والثاني من السلسلة الحديث عن البرامج الثلاثة الأولى، فيما نستكمل اليوم الحديث عن برنامجي «الثقافة والتمكين المعلوماتي»، والبرنامج الذي يُعنى بـ«تعزيز الثقافة المدنية».

تشير الإحصائيات العالمية إلى أنه في عام 2023 كان هناك أكثر من 218 مليار عملية تنزيل للتطبيقات في الهواتف المحمولة حول العالم، في الوقت الذي يتفقد فيه الفرد حول العالم هاتفه بمتوسط 270 مرة يوميًا، ويقضي الأفراد نحو 89% من استهلاكهم للهاتف في تصفح واستخدام تطبيقات محملة. هذا شكل واحد من أشكال انغماسنا مع المعلومات، ونحن نتحدث عن السرعة الفائقة في توليد المعلومات فإنها تحاصرنا في كل تفاصيل يومنا، حتى في أوقات النوم أصبحت هناك تطبيقات تجمع المعلومات عن أجسادنا وتعيد استخدامها في أنماط جديدة، وأمام التواتر المعلوماتي الراهن تبرز 4 إشكاليات رئيسة وهي: مشكلات وهواجس الخصوصية، الاحتيال، الابتزاز، بالإضافة إلى مشكلة التشتت وعدم القدرة على التركيز على الإنتاجية. نعتقد أنه أمام هذه المعطيات أصبح لزامًا وجود منظومة متكاملة للتمكين المعلوماتي؛ فهناك حالة من التماهي مع فضاء المعلومات وتقنياته دون وعي للظواهر والمحكات الناشئة عنه. هناك تجربة شهيرة قامت بها إحدى شركات الاتصالات الأمريكية، التي دفعت لمشتركيها عرضًا بـ30 دولارا مقابل تعطيل «كوكيز المتصفح» لتقليل التعرض للإعلانات وحملات الترويج التجارية، والإبقاء على مزيد من الخصوصية، ولكن النتائج كانت عكسية؛ لعدم اكتراث المشتركين أساسًا بمسائل الخصوصية في التصفح. إن ما يُحرك ذلك هو عدم المعرفة بآليات التتبع، والمآلات التي تؤول إليها أنشطة معلوماتنا أو ما نشاركه مع الآخرين عبر التطبيقات، أو ما نشاركه مع شبكة المعلومات العالمية عمومًا من أنشطتنا وتفضيلاتنا وبياناتنا الشخصية. ومن هنا يجدر بهذا البرنامج أن يتسع كبرنامج استراتيجي للوقوف على ثلاثة عناصر أساسية (التوعية المعلوماتية - تمكين منظومات المساعدة المتصلة بالتعامل مع المعلومات - تغيير السلوك المعلوماتي)، بحيث يبدأ من أنشطة مركزة وموسعة للفهم في بيئات المدارس والتعلم عمومًا، التي تعد قاطرة للوعي العام، ومحركة لتغيير سلوك الأفراد في المجتمع. الجانب الآخر في هذه القضية هو «وباء التضليل» أو «المعلومات المضللة»، التي أصبحت الكثير من التقارير والمنتديات تثير الهواجس في شأنه، حيث تتيح اليوم ثلاثة عوامل أساسية لانتشار هذا الوباء، وهي مكنة التقنية من إنتاج الرسائل المضللة وخاصة من خلال تقنيات التلاعب والتزييف، والأمر الآخر هو عالمية المضامين المتداول وتحدي القدرة على الوصول إلى المصدر، أما العامل الثالث فهو ضعف السيطرة على الإعلام المركزي من خلال الآليات التقليدية، وانتشار إعلام الفرد وصحافة المواطن. وفي المقابل فإن الأخطار التي تضرب بها جائحة المعلومات المضللة هذه تمس: العلاقة والثقة بين الأفراد والحكومات والنظم القائمة، وتمس الحقيقة الاجتماعية والمرجعيات القائمة في المجتمع، وتسطح الصلة بمصادر المعرفة الأصيلة، وهو ما يستدعي أيضًا أن تتم معالجة التأثيرات المحتملة لهذه المعلومات على الأفراد ومنظومة المجتمع بشكل عام، وتعزيز الثقة بمؤسسات الدولة، وتقوية نظم الإعلام وشمولية رسالتها وتعديد آلياتها لإيجاد الثقة بها، والتنوع، وملامسة كافة شرائح المجتمع. أما فيما يتصل بالبرنامج المعني بـ«تعزيز المشاركة المدنية»، فإن أشكال المشاركة المدنية اليوم في سلطنة عُمان متعددة، فهناك المشاركة في انتخابات المجالس المنتخبة، وهناك الانتساب لجمعيات المجتمع المدني، وهناك المشاركة في الأنشطة التطوعية، والحملات المتصلة بها، وهي تحصر كل إسهام يقدمه الفرد يسهم في تعزيز استقرار المجتمع، وتنميته، والحد من المخاطر التي تحدق به، وبناء سبل التقدم فيه. وهذه المنظومة اليوم أمام رهانات كثيرة، أهمها تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وجعلها بيئات جاذبة لشرائح واسعة من المجتمع، ورهان التواصل والمشاركة الفاعلة مع المجالس المنتخبة في صياغة أولويات التنمية، إضافة إلى تعزيز قوى الفعل التطوعي النوعي، القادرة على مساندة الدولة في تجسير مختلف العمليات التنموية. وأمام هذه المعطيات فإن ما ندعو إليه هو النظرة الشمولية والاستراتيجية لأشكال المجتمع المدني كوحدة واحدة غير مجزأة، وتبني برنامج وطني يسهم في رصدها وإيجاد آليات تعزيزها، بحيث يمكن أيضًا استخدام العلوم السلوكية من خلال نظم «الحوافز والنقاط والمكافآت» للأفراد الذين ينخرطون في مختلف أشكال المشاركة المدنية . وفي المجمل فإن البرامج الخمسة التي تطرقنا إليها لا تعني انصرافًا عن القضايا المجتمعية المركزية، كقضايا تحسين مستويات المعيشة، وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، وحلحلة القضايا المتصلة بالتشغيل والتسريح من الأعمال، والقضايا التي تركز على مسائل الهوية والقيم؛ فكل هذا القضايا هي في صلب تماسك النسيج الاجتماعي وتكاد لا تخلو أي خطة من التوجه إلى ملامستها عبر البرامج والمستهدفات؛ ولكن ما يعنينا أيضًا أن تكون الخطة استباقية لمواجهة بعض القضايا التي قد تكون في طور تشكلها ونشوئها أو قد لا تكون تمثل هاجسًا مجتمعيًا في المرحلة الحالية؛ ولكنها قد تكون كذلك إذا ما تم تهميشها في الوقت الذي تواصل فيه التفشي في جسد المجتمع وبنيته، ومن هنا فإن وضعها كأولويات للقضايا التي تعالجها الخطة من شأنها بناء مزيد من التكيف والتناغم الاجتماعي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المشارکة المدنیة

إقرأ أيضاً:

اكتشاف مثير: العلماء يحددون مركز الوعي في الدماغ!

شمسان بوست / متابعات:

الوعي هو جوهر الوجود البشري، لأنه القدرة على الرؤية والسمع والحلم والتخيل والشعور بالألم

أو المتعة أو الخوف أو الحب وغيرها، لكن أين يقع هذا الوعي تحديدا في الدماغ؟ سؤال لطالما حير العلماء والأطباء، وتقدم دراسة جديدة رؤى حديثة عن تلك المسألة.


في مسعى لتحديد أجزاء الدماغ المسؤولة عن الوعي، أجرى علماء الأعصاب قياسات للنشاط الكهربائي والمغناطيسي، بالإضافة إلى تدفق الدم، في أدمغة 256 شخصا في 12 مختبرا في أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا والصين أثناء مشاهدة المشاركين صورا متنوعة. وتتبعت القياسات النشاط في أجزاء مختلفة من الدماغ.

ووجد الباحثون أن الوعي قد لا ينشأ في الجزء “الذكي” من الدماغ، وهي المناطق الأمامية حيث تحدث عملية التفكير التي نمت تدريجيا في عملية التطور البشري، لكنه قد ينشأ في المناطق الحسية في الجزء الخلفي من الدماغ الذي يعالج الإبصار والسمع.

وقال عالم الأعصاب كريستوف كوك من معهد ألين في سياتل “لماذا كل هذا مهم؟”.

وكوك أحد المعدين الرئيسيين للدراسة المنشورة هذا الأسبوع في دورية (نيتشر) العلمية. وأوضح “إذا أردنا أن نفهم ركيزة الوعي ومن يملكها، البالغون والأطفال قبل اكتساب اللغة والجنين في الثلث الثاني من الحمل والكلب والفأر والحبار والغراب والذبابة، فنحن بحاجة إلى تحديد الآليات الأساسية في الدماغ…”

وعُرضت صور وجوه أشخاص وأشياء مختلفة على المشاركين في الدراسة.

وذكر كوك “الوعي هو الشعور الذي نحس به عند رؤية رسم محمصة خبز أو وجه شخص. الوعي ليس السلوك المرتبط بهذا الشعور، على سبيل
المثال الضغط على زر أو قول “أرى فلانا”.

واختبر الباحثون نظريتين علميتين رائدتين حول الوعي. بموجب نظرية “مساحة العمل العصبية الشاملة”، يتجسد الوعي في مقدمة الدماغ، ثم تنتشر المعلومات المهمة على نطاق واسع في جميع أنحائه.

أما بموجب نظرية “المعلومات المتكاملة”، فينبع الوعي من تفاعل أجزاء مختلفة من الدماغ وتعاونها، إذ تعمل هذه الأجزاء معا لدمج المعلومات المستقبلة في حالة الوعي.

ولم تتفق النتائج مع أي من النظريتين.

أين يقع الوعي؟
قال كوك متسائلا “أين توجد العلامات العصبية التي تدل على الوعي في الدماغ؟ ببساطة شديدة، هل هي في مقدمة القشرة المخية، أي الطبقة الخارجية من الدماغ، مثل القشرة الجبهية، مثلما تنبأت نظرية مساحة العمل العصبية الشاملة؟”.

والقشرة الجبهية الأمامية هي التي تجعل جنسنا البشري فريدا مننوعه، فهي التي تحفز العمليات المعرفية العليا مثل التخطيط واتخاذ القرار والتفكير والتعبير عن الشخصية وتعديل السلوك الاجتماعي.

ومضى كوك في تساؤلاته “أم أن علامات (الوعي) موجودة في المناطقالخلفية من القشرة؟”. والقشرة الخلفية هي المنطقة التي تحدث فيها معالجة السمع والإبصار.

وقال “هنا، تصب الأدلة بشكل قاطع في مصلحة القشرة الخلفية. إما أن المعلومات المتعلقة بالوعي لم يُعثر عليها في الأمام، وإما أنها كانت أضعف بكثير من تلك الموجودة في الخلف. وهذا يدعم فكرة أن الفصوص الجبهية، وإن كانت ضرورية للذكاء والحكم والاستدلال إلخ، لا تشارك بشكل حاسم في الرؤية، أي في الإدراك البصري في حالة الوعي”.

ومع ذلك، لم تتمكن الدراسة من تحديد ما يكفي من الاتصالات التي تستمر للمدة التي تستغرقها تجربة الوعي في الجزء الخلفي من الدماغ لدعم نظرية المعلومات المتكاملة.

وتوجد تطبيقات عملية لتكوين فهم أعمق لديناميات الوعي في الدماغ.

وقال كوك إن ذلك سيكون مهما لكيفية تعامل الأطباء مع المرضى في حالات الغيبوبة أو متلازمة اليقظة بلا استجابة، وهي حالة يكونون فيها مستيقظين ولكن لا تظهر عليهم أي علامات على الوعي بسبب إصابة دماغية أو سكتة دماغية أو سكتة قلبية أو جرعة زائدة من المخدرات أو  أسباب أخرى.

ومن بين هؤلاء المرضى، يموت ما بين 70 إلى 90 بالمئة بسبب اتخاذ قرار بسحب العلاج الذي يدعم الحياة.

وذكر كوك “مع ذلك، نعلم الآن أن حوالي ربع المرضى في حالة الغيبوبة أو … متلازمة اليقظة بلا استجابة يكونون واعين، وعيا خفيا، ومع ذلك لا يستطيعون الإشارة إلى ذلك”، في إشارة إلى بحث منشور العام الماضي في دورية (نيو إنغلاند) الطبية.

وأضاف “ستمكننا معرفة آثار الوعي في الدماغ من أن نرصد بشكل أفضل هذا الشكل غير الظاهر من ‘الوجود‘ دون القدرة على الإشارة”.

مقالات مشابهة

  • اكتشاف مثير: العلماء يحددون مركز الوعي في الدماغ!
  • موعد مباراة الزمالك القادمة بعد التعادل مع المصري
  • أين يقع الوعي في الدماغ؟ دراسة جديدة تحاول الإجابة
  • الخارجية الإيرانية: طهران ستواصل المشاركة بجدية في مفاوضات تستهدف تحقيق نتائج مع أمريكا
  • تيار سياسي عراقي يعلن عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة
  • المعلومات من بابل والتنفيذ في نينوى.. صفعة جديدة لتجار المخدرات
  • علي جمعة يقدم نصيحة ذهبية لترتيب الأولويات
  • زد يكشف موقف نجمه من المشاركة مع الأهلي في كأس العالم للأندية
  • تحولات اجتماعية عميقة في المجتمع المغربي.. ارتفاع نسب الأسر التي تعيلها النساء وتزايد الشيخوخة
  • انطلاق مسابقة أفضل لاعب وأفضل لاعبة بالدوري الثقافي المعلوماتي بجامعة الفيوم