معرض مسقط للكتاب الذي اختزل الزمن
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
احتفى العمانيون والعرب بمعرض مسقط الدولي للكتاب (21 فبراير - 2 مارس 2024) وهو عرس ثقافي كبير، شارك فيه ناشرون وكتاب ومثقفون وفنانون قدموا من معظم دول العالم، بعد أن أصبح معرض مسقط عنوانًا كبيرًا في حياتنا الثقافية، أشعر بسعادة غامرة، خصوصًا وقد عاصرت المعرض منذ بداياته الأولى منذ أن كان مجرد فكرة وصولًا إلى افتتاح المبنى الجديد الذي لفت نظري بتصميماته الرائعة التي تخدم كل الأنشطة الثقافية والفنية، والفراغات الجميلة التي صُممت لكي يبقى هذا المعرض واحدًا من بين أهم معارض العالم.
يصعُب اختزال المشهد برمته في هذا المعرض الرائع، بل أعتقد أنه يوثق التجربة كلها، وإن كان الكتاب هو في صدارتها إلا أن المعرض ليس مجرد منصة كبيرة لصناعة الكتاب وتسويقه فقط بل هو بمثابة محصلة لتجربة كبيرة بدأت منذ نصف قرن أو أكثر، حينما راح العمانيون يخوضون حروبًا متواصلة ضد الجهل، وضد أعداء كانوا يتربصون بهذا البلد الذي أصر على مواصلة الحياة وسط أمواج عاتية من التحديات.
اختار السلطان قابوس -طيب الله ثراه- ومعه نفر من المخلصين أن يبدأ من حيث انتهى العالم، التعليم في ظل أوضاع جغرافية واجتماعية صعبة، الإعمار، شق الطرق، البحث عن مصادر المياه، توفير فرصة عمل لكل من لديه القدرة على المشاركة، الأهم هو مخاطبة الناس ودعوتهم للانخراط في تحديد مستقبلهم دون استعلاء، الناس جميعًا متساوون بصرف النظر عن قبائلهم أو أعراقهم أو مذاهبهم، كان التاريخ العُماني هو الحاضنة والمرجعية، فكل الأعمال لم تبدأ من فراغ، راح السلطان الراحل يجوب الصحاري، والأودية، والقرى، والولايات، يلتقي بالناس، يشاركهم الرأي، يستمع إليهم، يقف على احتياجاتهم، يخطط معهم، مدارسهم، مستشفياتهم، العمل الشاق لربط الولايات بالعاصمة من خلال شبكة من الطرق، راحت تتجمع كلها في منظومة متناغمة تسهل على الناس حياتهم، الحياة تتسع والأزهار تتفتح والعمران يمتد والتجربة تواصل اكتمالها، وسط كل هذه المهمات العظيمة التي حمل فيها السلطان الراحل -طيب الله ثراه- على عاتقه مستقبل هذا الوطن، ورغم كل هذه المشاغل فلم يكن الكتاب شيئًا ثانويًّا، فقد لاحظت منذ بداية تأسيس الجامعة أن المكتبة كانت في مقدمة اهتمام جلالته، وكان يتابع بنفسه مراحل تزويد المكتبة الجامعية بكل الكتب وبكل اللغات لدرجة أن المكتبة قد اكتملت قبل أن يبدأ العام الدراسي الأول.
لا أجد حرجًا في أن أصرح أن السلطان قابوس -طيب الله ثراه- كان غالبًا ما يبحث بنفسه عن الجديد فيما تنشره دُور النشر في العالم، وكثيرًا ما كان يتواصل معي الصديق عبدالعزيز الهنائي (سفير سلطنة عمان في القاهرة وقتئذ) لطلب قوائم النشر بناء على رغبة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- لكي يختار من بينها ما يزود به مكتباته الخاصة، أحيانًا كان يبحث عن كتاب لأحد المفكرين ربما قد نفدت طباعته وخصوصًا في قضايا الفكر في مختلف المذاهب والديانات، كنت أعرف أن السلطان الراحل قارئًا نهمًا في مختلف صنوف المعرفة بقدر محبته لفنون الموسيقى العربية والأجنبية، جميعها أمور تفسر قدرة هذا القائد العظيم على أن يمضي كل هذا الوقت من ليل أو نهار مواصلًا العمل دون ملل أو كلل.
لم تكن البرامج الثقافية والفنية بعيدة عن المشهد، البحث دائمًا عن منافذ جديدة للوعي والمعرفة، المنتديات الثقافية، الأنشطة الطلابية داخل الجامعة، الفن التشكيلي، صناعة الحرف التقليدية، الشعر، الرواية والقصة، أعتقد أن الجامعة أدت الدور الأهم، بل حينما يُؤرخ لتاريخ المعرفة في عمان المعاصرة سوف تكون جامعة السلطان قابوس هي العنوان الأهم، بعدها انطلق التعليم العالي وتنوعت مجالات البحث العلمي، ومن بين خريجي الجامعة من قادوا حركة التنمية في مختلف مجالات الحياة، ثم امتد التعليم العالي إلى مختلف الولايات وأصبح التعليم والبحث العلمي، والتواصل مع الكثير من المراكز العلمية في العالم من خلال حركة ابتعاث قوية، بعدها عاد المبتعثون ليقودوا حركة التنمية في الاقتصاد، والسياسة، والإدارة، والتكنولوجية.
في البدء كان الكتاب، وهو الرصيد الذي حفظ لعمان تاريخها وحضارتها ومشاركتها في صناعة المستقبل، كان السلطان الراحل على بينة من تاريخ وطنه وتجارب أمته، بل وتجارب العالم، وفي كل سياساته كان مستقلًا صاحب إرادة متفردًا في رؤاه على وعي كامل بجغرافية عُمان وتاريخها، وطبيعة شعبها، وتنوع ثقافتها، منشغل دائمًا بمستقبل الناس، لذا اختط لنفسه ولبلده سياسة مستقلة إلا أنه رغم كل ذلك كان منخرطًا في صناعة المستقبل مشاركًا في حل كل الأزمات التي كانت تتعرّض لها المنطقة، كانت عُمان هي واسطة العقد، وحمامة السلام مع القوى المتصارعة.
العودة إلى معرض مسقط وإن طال الحديث عن أشياء أخرى، لقد نشرت العديد من وكالات الأنباء الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي أن معرض مسقط الدولي للكتاب لم يحظر إتاحة أي كتاب مهما كانت فكرته، في أي مجال من المجالات بل إن القائمين على المعرض قد أخذوا على عاتقهم مسؤولية إتاحة كل المنتج الثقافي، وهي سياسات انشرح لها قلبي وملأت روحي بالبهجة، إنه البلد العربي الذي امتلك القدرة على اتخاذ قرار جريء يتيح كل منتج فكري دون منع أو مصادرة هكذا وصل الوعي لدرجة الثقة في المجتمع الذي يملك القدرة على فرز الغث من السمين دون وصاية.
لعل مما يستلفت نظر المراقبين والمتابعين للتجربة العمانية التي بدأت منذ عقود وراحت تتواصل كالمطر المتقطع أحيانًا والمنهمر في بعض الأحيان لكن التجربة راحت تواصل اكتمالها يومًا بعد يوم من خلال سياسات وبرامج ثابتة بدأها السلطان قابوس -طيب الله ثراه- وراح يواصل اكتمالها وتألقها جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- بحب وعزيمة لم تتوقف.
وها هي عُمان تُتوج في مشاهد عديدة، الكتاب التعليم، الإدارة، التكنولوجيا، التنمية، الحكم الرشيد، العلاقات الدولية، الاقتصاد، وقبل ذلك كله وبعده الناس الذين سيظلون دائمًا بمثابة الرصيد الاستراتيجي الأهم والأقوى لهذا البلد الجميل والعظيم والمفيد للإنسانية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطان الراحل السلطان قابوس طیب الله ثراه معرض مسقط
إقرأ أيضاً:
«الفتوى والعيش المشترك».. ندوة بجناح دار الإفتاء في معرض الكتاب
عَقد جناحُ دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الإثنين، ندوةً جديدة بعنوان «الفتوى والعيش المشترك»، بحضور الدكتور نظير مُحمَّد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم.
شارك في الندوة كل من الأنبا إرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأُرثوذكسي، والأمين العام المساعد لبيت العائلة، والدكتور محمد أبو زيد الأمير، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف والمنسق العام لبيت العائلة المصرية، وشهدت حضورًا مكثفًا من قِبل روَّاد المعرض وعدد من الباحثين والإعلاميين.
وفي معرض الندوة عبَّر المفتي في كلمته عن شُكره وترحيبه بالأنبا إرميا والدكتور محمد الأمير، مؤكدًا أهميةَ هذا اللقاء الذي يعكس روح التفاهم والتعايش بين أبناء الوطن الواحد.
وأشار إلى العلاقة الوثيقة التي تجمعه بالأنبا إرميا، موضحًا أن هذه العلاقة ليست مجرد صداقة شخصية فحسب، بل تتجاوز ذلك لتجسد تعاونًا مشتركًا بين المؤسستين الدينيتين الإسلامية والمسيحية، وأكد أن كلتا المؤسستين تقومان بدَورهما الوطني في مواجهة تحديات الواقع الاجتماعي، وتعزيز قيم السلام والمواطنة.
وتطرق الدكتور نظير مُحمَّد عيَّاد إلى الدَّور الذي تقوم به دار الإفتاء المصرية في تصحيح المفاهيم الدينية بما يتماشى مع طبيعة الناس وظروفهم، مع الالتزام بأصول الدين، وأوضح أن الفتوى الرشيدة هي التي تحقق التوازن بين الحفاظ على تعاليم الدين ومراعاة العَيْش المشترك بين أبناء الوطن.
كما شدَّد على أن التاريخ الإسلامي شهد لقاءاتٍ هامةً تعكس روح التلاحم بين المسلمين والمسيحيين، مثل اللقاء الذي جمع المسلمين بالمسيحيين في الحبشة خلال عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ووثيقة المدينة المنورة، فضلًا عن أمثلة متعددة عبر عصور الإسلام المختلفة، وأكد أنَّ أيَّ فتوى تخالف هذه المبادئ ليست من الدين في شيء، بل تعود إلى فهم خاطئ من قِبَل أصحابها.
وفي ختام كلمته، وجَّه الدكتور نظير مُحمَّد عياد شكره لنيافة الأنبا إرميا والدكتور الأمير، داعيًا الله أن يديم روح المودة والرحمة بين الجميع، وأن يسود الخير والسلام لما فيه مصلحة الوطن والعباد.
من جهته بدأ الأنبا إرميا -الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي والأمين العام المساعد لبيت العائلة- كلمته بقوله: «باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعًا»، موجِّهًا الشكرَ للمفتي والحاضرين، وأشار إلى أن مسئولية الفتوى هي مسئولية الأمن والسلام في المجتمع، موضحًا أنه عندما تصدر الفتوى من شخصٍ سَوِيٍّ فإنها تأتي بالصورة المناسبة التي يقدمها الدين، مما يؤدي إلى بناء المجتمعات وازدهارها، أمَّا البلاد التي تفشَّت فيها الفتاوى غير السليمة فإن مصيرها إلى الزوال.
وتناول الأنبا إرميا مفهومَ «العيش المشترك» الذي دعت إليه الأديان السماوية من خلال ثوابت مشتركة، فقال: «جاء في المسيحية: اطلبوا السلام واسعوا وراءه، وطوبى لصانعي السلام، وإن سلمتم على إخوانكم فقط فما الذي تصنعون؟ فالسلام يجب أن يكون حتى مع الأعداء، فكيف بشركاء الوطن؟»، وأكد أن المسيحيين يسعون دائمًا للعيش السلمي المشترك.
أما في القرآن الكريم، فقد ورد اسم الله «السلام» في سورة الحشر، وجاء الأمر بالدخول في السِّلم كافة في سورة البقرة. وأشار إلى أن الله خلق الناس جميعًا مختلفين في المعتقدات والأجناس والمفاهيم ليعيشوا في تعاون ومحبة، مستشهدًا بقوله تعالى: {لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، كما ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفشوا السلامَ بينكم»، موضحًا أن القرآن أَولى اهتمامًا خاصًّا بالتعامل مع أهل الكتاب، مستدلًّا بقوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113].
واستشهد الأنبا بما قاله الدكتور حمدي زقزوق رحمه الله عن الرحمة والرأفة التي زرعها الله في قلوب أتباع السيد المسيح عليه السلام، مستدلًّا بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً.. .} [الحديد: 27]، وقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82].
وتطرَّق الأنبا إلى أهمية ضبط الحماس الديني، مستشهدًا بقول الله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22]، وبقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، وكذلك: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]. كما أشار إلى الآية التي تعطي الحق في الدفاع عن الوطن والدين والعرض: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
وفي سياق الندوة، أضاف الأنبا إرميا أن الجهود المشتركة في بيت العائلة قد أثمرت تعزيزَ قِيَم التفاهم والتعايش المشترك بين أبناء الوطن، مشيرًا إلى بعض الإشكاليات التي ظهرت خلال هذا المسار، وأوضح أن الأجيال الحالية قد لا تدرك كيفية زرع الفتن كما ورد في كتاب هنري كيسنجر الذي تطرق إلى خطط تقسيم البلاد العربية بهدف تفتيتها، بما في ذلك السعي إلى إحداث انقسامات بين السُّنَّة والشيعة والمسلمين والمسيحيين.
وأشاد الأنبا بفِطنة الإمام الأكبر وتنبُّهه للخطر القادم، مؤكدًا صعوبة التغلب على ما زُرع في عقول الناس من عداوات تاريخية.
وتذكَّر الأنبا قول الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]، وقوله: {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} [العنكبوت: 46]، إلى جانب الإشارة إلى الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم ونصارى نجران، وما حدث من سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما امتنع عن الصلاة في الكنيسة حتى لا يأتي من بعده من يحاول الاستيلاء عليها.
وأكَّد الأنبا أن من بين الإشكاليات حالة النفور بين الشيخ والقسيس، والتي تم تجاوزها بتقريب وجهات النظر وتغيير الفكر المترسِّخ وبناء صداقات متينة بينهما، وذكر كذلك أن سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما استعان بطبيب نصراني، ما يعكس حالة التعاون بين المسلمين والمسيحيين منذ القدم، كما استشهد بتكليف ابن طولون لمهندس قبطي ببناء المسجد، مشيرًا إلى أن هذا الوعي بالتعاون المشترك ضروري لاستقامة أحوال البلاد وتنميتها، والحفاظ عليها من التفكك والانهيار.
وفي إطار الندوة، أشار الأنبا إرميا إلى ذكاء عمرو بن العاص عندما دخل مصر، حيث تمكن من التعامل مع الانشقاق بين الأقباط والرومان الذين حاولوا استمالته تحت نفوذهم، لكنه أدرك تلك المحاولة بحنكة، وبعد انتهاء الحرب، وجد أحد القساوسة هاربًا من كرسيه البابوي، فأعطاه كتاب أمان وأعاده إلى مقره بعد غياب دام سنوات.
وأكد الأنبا إرميا أن مصر كانت وما زالت دولة تعددية تستقبل الثقافات والأديان المختلفة، مشيرًا إلى دخول الأنبياء إلى مصر مثل: إبراهيم، ويوسف، وموسى، وعيسى عليهم السلام، بالإضافة إلى رحلة هروب المسيح مع أمه مريم العذراء، كما استعرض مكانةَ السيدة مارية القبطية في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستشهد بقوله تعالى في سورة يوسف: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]، إلى جانب النصِّ الوارد في الكتاب المقدس: «مبارك شعبي مصر».
وأشار إلى لفتة احترام وتقدير من المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، حيث تم طباعة كلمة فضيلة مفتي الجمهورية ضمن منشورات المركز الثقافي، وفي حديثه عن بناء الإنسان أوضح الأنبا إرميا أن الأديان السماوية جاءت للحفاظ على الإنسان وتعزيز قِيَم التعامل الإنساني للوصول به إلى بر الأمان، وأكد أن الأديان جميعها تتفق على أهمية بناء الإنسان وتنميته ليحيا حياة سعيدة.
كما أشار إلى أن السيد المسيح جاء ليبارك الأسرة ويرفض الانحرافات الأخلاقية، وهو ما أيده القرآن الكريم، وبيَّن الأنبا إرميا أن هناك مشتركات بين الرسالات السماوية تهدف إلى بناء الإنسان وتطويره، واختتم بالدعوة إلى إبراز هذه المبادئ والقِيَم المشتركة ونشرها، مؤكدًا على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لتحقيق التقدم والنهضة رغم الاختلافات.
كما تحدَّث الدكتور محمد أبو زيد الأمير، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف والمنسق العام لبيت العائلة المصرية، موضحًا أن مصر دائمًا كانت حريصة على تعزيز روح المواطنة، ليس فقط من خلال التشجيع عليها بل من خلال ترسيخها بين كافة أبناء الشعب المصري دون النظر إلى الدين أو اللون أو الجنس، وهذا نابع من إيمان مصر بأن الدين لله والوطن للجميع، وتحت هذه المبادئ يتسع الوطن لجميع أبنائه، ومن هذا المنطلق يقدِّر الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب الكنائس المصرية، وعلى رأسها الكنيسة القبطية الأُرثوذكسية بقيادة قداسة البابا تواضروس، كما يكنُّ أبناء الكنائس المصرية للأزهر الشريف ودار الإفتاء وكافة المؤسسات الدينية التقدير والاحترام.
وأضاف أن مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي قدمت نموذجًا مثاليًّا في تحقيق التعايش السلمي والمواطنة الحقيقية، وذلك من خلال حرصها على وضع تشريعات دستورية تدعم سياسة رسمية مشتركة تهدف إلى تحقيق المساواة والتسامح والتعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع، وأكد أن الدستور المصري في المادة الثالثة ينص على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود هي المصدر الرئيسي للتشريعات التي تنظم شؤونهم وأحوالهم، مما يمنحهم كامل الحرية في ممارسة شعائر دينهم.
وتحدث أيضًا عن فكرة «بيت العائلة المصرية» التي طُرحت من قِبل فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عقب أحداث كنيسة القديسين، هذه الفكرة التي لاقت قَبولًا من قداسة البابا شنودة، والتي تهدُف إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وحماية أبناء مصر، وبناءً على ذلك صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء بيت العائلة المصرية، وتبنى الأزهر الشريف إعلانًا عن المواطنة والعَيْش المشترك، ويستمر هذا المشروع منذ أكثر من 13 عامًا بهدف تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء مصر.
وأشار إلى حضارة مصر العريقة التي تمتدُّ لأكثر من سبعة آلاف عام، وأن المصريين جميعًا يشتركون في هذه الحضارة العظيمة، كما تحدث عن العائلة المقدسة التي مرَّت بعدَّة مسارات في مصر، مثل: أسيوط وسخا والدير المعلق، مؤكدًا أن هذه المسارات تعكس عمق العيش المشترك بين المصريين على مر العصور.
وأوضح أن مفهوم «العائلة المصرية» ليس سوى صيغة حديثة للتعامل بين المسلمين والمسيحيين في مصر، مؤكِّدًا أن الشريعة الإسلامية جاءت للحفاظ على الإنسان وحمايته، بما يضمن حفظ الكليات الخمس التي تحمي الإنسان.
وفي ختام حديثه، أشار إلى أن حُرمةَ الإنسان عند الله أعظمُ من أي شيء آخر، مستشهدًا بما قاله النبي محمد صلى الله عليه وسلم حول حُرمة النفس البشرية عند طوافه حول الكعبة المشرَّفة، حينما قال صلى الله عليه وسلم موجهًا حديثه إلى الكعبة: "ما أعظمك وما أعظم مكانك! ما أطيبك وما أطيب ريحك!" ثم قال: إن حرمة الإنسان أعظم عند الله منك.
كما أكَّد أن الإنسان هو بنيان الربِّ ملعون من هَدمه، وأن كل ما يترتب على ذلك هو الحفاظ على هذا الكيان العظيم، موضحًا أن مصر، هذا البلد الذي نعيش فيه أساسه مبني على أمر التعددية الدينية من آلاف السنين، وهذه الندوة تطبيق عملي على الواقع الحقيقي الذي يعيشه أبناء مصر، فمصر بلد التعددية، وهذه عمامة الأزهر، وهذا هو لباس الكنيسة، مؤكدًا أن مصر هي بهجة الأكوان.
اقرأ أيضاًأسرار محاولة الاغتيال.. «عمر سليمان.. الصندوق الأسود» بمعرض الكتاب
معرض الكتاب يناقش كتاب «من أوراق محمد عبده المجهولة.. مشروع استقلال مصر»
فرقة أسوان والآلات الشعبية يبهران جمهور معرض الكتاب