لجريدة عمان:
2025-01-24@09:56:19 GMT

رسالة إلى المقاومة: النصر صبر ساعة

تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT

لا أجد مكافئا في تراثنا العربي لمقولة إسماعيل هنية الأخيرة «لن نسمح للعدو الإسرائيلي أن يحقق في مفاوضات باريس - الدوحة - القاهرة بالمكائد السياسية ما عجز عن تحقيقه بالقتال».. إلا العبارة المنسوبة لعنترة بن شداد «وما النصر إلا صبر ساعة». سيقول قائل: حرام عليك، لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها؛ فلقد صبرت وصمدت المقاومة ١٥٠ يوما وليس ساعة فقط.

وأقول نعم ولكن ليس أمامها خيار آخر غير مزيد من الصبر والصمود والاعتماد على الله وسلاحها وشعبها.

وأمتهم العربية والإسلامية الحكومية الرسمية -إلا فيما ندر- خذلتهم؛ فهم ما بين انهزامي مثبط وواهن، وما بين متآمر متواطئ ومشارك لأمريكا والأطلسي وإسرائيل سرا في تحقيق أهداف واشنطن - بروكسل وتل أبيب في مفرمة اللحم البشري ومقتلة الفلسطينيين المدنيين التي تخطت ١١٥ ألف بين قتيل ومفقود وجريح!!

أما الشعوب العربية التي ينفطر قلبها حزنًا وتمور نفسها غضبًا فقد تكفلت آليات الضبط والسيطرة بلجم الحزن والغضب وإبقائه محبوسًا داخل الصدور لا يخرج إلا زفرات المختنق المغلوب على أمره.

والسلطة الفلسطينية لن تتخلى عن المزايا وشبه الحكم والإدارة حتى لو كانت تحت إمرة جيش وشرطة الاحتلال، ولن توقف التنسيق الأمني وإبلاغ استخبارات العدو بتحركات المقاومة والمقاومين في الضفة الغربية والقدس. الدليل الأحدث هو كيف أضاعت السلطة الفرصة الذهبية لإعلان وقف التنسيق الأمني مع العدو والذي أتاحه لها حوار الفصائل الفلسطينية الذي انتهى في موسكو قبل أيام بوساطة روسية.

فعجز بيانها الختامي عن التعهد بوقف هذا التنسيق الزمني الذي يشل انتفاضة الضفة الغربية بإحباط المعلوماتي بل وحتى الميداني أحيانا من قبل أمن السلطة لخطط المقاومة في جنين وطولكرم ونابلس وبلاطة والقدس لإشعال المقاومة في الضفة وتخفيف الضغط الوحشي للعدو على قطاع غزة وإجباره على فتح جبهة جديدة يسحب إليها جزءا وازنا من كثافة حشده العسكري الراهن المسلط على القطاع.

والولايات المتحدة لن تتدخل ولن تسمح للعالم أن يتدخل لمنع أكبر مجزرة إبادة جماعية في الألفية الثالثة قبل أن يقول بنيامين نتانياهو: لقد شربنا وارتوينا حتى الثمالة من دماء جماجم أطفال غزة «١٢٥٠٠ طفل شهيد أي أكثر من أربعين في المائة من الشهداء».

في الحقيقة هي تمنحه كل الوقت بجسر السلاح الجوي الذي لا يتوقف لحظة مباشرة من أراضيها أو من قواعدها العسكرية المنتشرة كالفطر في العالم العربي والشرق الأوسط.. ويجعل الأمم المتحدة مشلولة ومنعها سياسيا من وقف حرب التطهير العرقي الأكثر بشاعة في الحروب المعاصرة.. بل والتآمر مع إسرائيل على وكالاتها الإنسانية بما فيها «الأونروا» من إيصال مساعدات الغذاء والدواء والوقود إلى نحو مليونين من الغزاويين الفلسطينيين يواجه نحو نصفهم خطر الموت جوعا أو مرضا مستهدفة من ذلك الضغط على نقطة ضعف المقاومة وهي معاناة شعبها الذي وصل إلى حد الموت جوعا أو من المرض والوباء.

الأخطر من ذلك ما كشفه موت الجندي الأمريكي البطل آرون بحرق نفسه أمام سفارة إسرائيل في بلاده بعد عدم تحمُّل ضميره ما توافر له من معلومات -من خلال وظيفته في تحليل البيانات- من أن القوات الخاصة الأمريكية متورطة مباشرة في حرب الإبادة الجماعية الجارية للفلسطينيين وأنها تحارب وتدمر وتقتل مع جيش الاحتلال في أنفاق غزة!!

ولكن هناك عاملان كبيران آخران لا يجعلان أمام المقاومة من سبيل سوى الصمود في جبهة الحرب والاستمرار في تكبيد العدو خسائر موجعة من جهة والاستمرار في الصمود والثبات على الموقف في الدبلوماسية والمفاوضات وأن تحذر في ذلك الأشقاء قبل الأعداء.. فما قاله القيادي في حماس محمد نزال قبل أيام كان دقيقا للغاية عندما قال إن المقاومة تخوض في المفاوضات والسياسة حربا شرسة في المفاوضات لا تقل ضراوة عن الحرب والقتال.

العامل الأول هو باختصار أن ليس لديهم ما يخسرونه أكثر مما خسروه؛ فما يُوعدون به وما يُعرض عليهم من إسرائيل (حسب خطة نتانياهو المهووس بالسلطة ودماء أطفال المخيمات الفلسطينية لما يسمى باليوم التالي هو الموت نفسه ولكن بطيئا ودون كرامة ولا قدرة على رد الصاع صاعين). فهما ما بين خيارين كلاهما مر وعلقم، الأول إسرائيلي يتمثل فيما يعرضه نتانياهو من مستقبل عليهم وهو لا يزيد عن قطاع غزة محتل في بعض أجزائه وقابل لاحتلالها كله في أي وقت ترغب إسرائيل.. قطاع غزة المستهدف هو منزوع السلاح.. منزوع المقاومة تديره إما روابط قبلية محلية عميلة على غرار روابط القرى القديمة أو سلطة فلسطينية (محدثة) تم تجريبها على مدى ٣٠ عاما الأخيرة وأثبتت قدرتها على الاستكانة والخضوع للتنسيقات الأمنية. أما بالنسبة للوهم الذي يدعي بحل الدولتين فإن نتانياهو كان شديد الوضوح لدرجة السواد القاتم وهو يغلق الباب تماما على انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية في أي يوم من الأيام وعلى قبول بأي دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو. والخيار الثاني أمريكي أوروبي أطلسي تدعمه دول عربية حليفة ووسيطة عديدة!! ويتمثل على مدى طويل وبطيء يستغرق سنوات عددا في إنشاء دويلة فلسطينية منزوعة السيادة منزوعة السلاح مصممة حدودها وصلاحيات حكومتها ومؤسساتها لضمان أمن إسرائيل ضمانا تاما عسكريا وتبعيته الاقتصادية واعتماده الكامل على الاقتصاد الإسرائيلي.

العامل الثاني هو أن أمريكا وإسرائيل ليسا استثناء من قوانين الطبيعة والاجتماع والعمران البشري كما أن كليهما ليس استثناء من سنن الله في الكون. تقول قوانين الطبيعة والفيزياء إن الإناء الذي يغلي وتكون فوهته مسدودة بإحكام لا بد له من أن ينفجر ويخرج بخاره الساخن. والغضب العالمي الإنساني على مشاهد القتل المروعة والذي لا تزيده مجزرة مثل مجزرة دوار الطرابلسي الأخيرة إلا فورانا وهو لا بد وليس ببعيد سيجعل في المستقبل القريب من بقاء حكومات منتخبة في الغرب شبه مستحيلة إن لم تسع بنزاهة وجدية لوقف الحرب وتستجيب لمشاعر الغضب لدى ناخبيها تجاه جريمة الإبادة الإسرائيلية وتوقف المشاركة الغربية المخزية لبلادهم فيها. يتنبأ توماس فريدمان أحد أشهر وأكبر الكتّاب الأمريكيين صهيونية إن نتانياهو لن يتسبب فقط في أخذ إسرائيل إلى الهاوية بل من المرجح أن يأخذ بايدن معه ويقضي تماما على آماله بالفوز في انتخابات الرئاسة في نوفمبر من العام الحالي.

الشعوب العربية والإسلامية وقد زاد سكوت معظم حكوماتها على المجزرة المستمرة منذ خمسة أشهر كاملة عن كل حدود الاحتمال الإنساني والقومي والديني وزاد معه اتضاح مواقف بعض هذه الحكومات في الضغط القاسي على المقاومة لتقديم تنازلات قد لا تستطيع حبس غضبها في صدرها أكثر من ذلك؛ خاصة مع مقدم شهر رمضان بمشاعره الدينية الجارفة وما رافقه من إعلان الحكومة الإسرائيلية المتطرفة عن تقييد دخول الفلسطينيين في أيامه للصلاة في المسجد الأقصى.

تفقد إسرائيل باستمرار أي تعاطف معها في العالم وتفقد الولايات المتحدة قيمها وصورتها الأخلاقية وتكسبان معا كراهية الأجيال العربية والإسلامية بل والغربية لسنوات طويلة قادمة ستمهد الأرض لمزيد من الحروب وعدم الاستقرار، حتى يحصل الفلسطينيون على حقوقهم وأراضيهم كاملة السيادة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مؤشرات النصر الفلسطيني وما قد تحمله المرحلة الثانية من طوفان الأقصى

مؤشرات #النصر_الفلسطيني وما قد تحمله المرحلة الثانية من #طوفان_الأقصى

كتب م. #علي_أبو_صعيليك

لا شك أن طريقة إدارة ترامب ستكون أهم المؤثرات في العالم خلال السنوات القادمة وهي التي بدأت بشكل إيجابي للغاية من خلال إجبار الكيان الصهيوني المحتل على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار على غزة رغماً عنهم حسبما تسربت التقارير الصحفية عن طريقة إدارة مبعوث ترامب للشرق الأوسط رجل الأعمال اليهودي ستيف ويتكوف رغم أنه ليس من السلك الدبلوماسي إلا أنه نجح من خلال زيارة واحدة أن يفرض على الصهاينة ما عجز عنه الجميع، أو بمعنى آخر عجز عنه الجميع عندما كانت الإدارة الأمريكية توفر الغطاء السياسي والعسكري لحرب الإبادة على غزة.

من أهم مؤشرات الأحداث في المنطقة العربية التغيير الدراماتيكي الذي حدث في سوريا وهو الذي نتج عن تلاقي مصالح عدة أطراف ومعظم المؤشرات من منظور سياسي واقتصادي تشير إلى انعكاسات إيجابية لهذا التغيير ولكن هل سيكون آخر تغيير في المنطقة في عهد ترامب؟ طبعاً التغيير في سوريا مرتبط تماما بما حصل في لبنان من اغتيال حسن نصر الله وقيادات حزب الله وكذلك الضربات المتبادلة مع إيران، كل ذلك يقود المنطقة نحو واقع جديد تغلب عليه الدبلوماسية وليس الحرب.

مقالات ذات صلة ترحيل مهاجرين وعودة لاجئين 2025/01/21

لكن يبقى المؤثر الذي صنع الحدث تماما وفرض أساسيات المرحلة التالية هو طوفان الأقصى بتفاصيله الاسطورية من صمود المقاومة الفلسطينية وصبر الشعب الفلسطيني في غزة وتلاحمه مع المقاومة وما كبدته المقاومة لقوات الاحتلال من خسائر بشرية وعسكرية هائلة جدا الموثقة بالفيديوهات من مختلف المستويات العسكرية ألوية وضباط وأفراد ومرتزقة وقد ازدادت قوتها بمرور الأيام ووصلت ذروتها في الأيام الأخيرة رغم شدة القصف العسكري الصهيوني،

الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج لكل مظاهر الحياة المدنية من بيوت ومستشفيات ومؤسسات تلك التي حصلت للشعب الفلسطيني رغم شدة الألم الذي تسببت به، إلا أنها أسهمت بتأثير حقيقي وعميق وجديد في معركة الوعي خصوصاً في العالم الغربي أو بالأحرى العالم غير العربي وهي الشعوب المغيبة عن الحقيقة بسبب قوة تأثير وسائل الإعلام الغربي تاريخياً لكن حجم الإبادة كشف رغماً عن الجميع انعدام الجانب الأخلاقي للكيان الصهيوني المحتل بل والولايات المتحدة الأمريكية التي التصق عار الإبادة الجماعية برئيسها بايدن ووزير خارجيتها بلينكن وبدا ذلك جلياً في المؤتمرات الصحفية التي يصل صداها إلى داخل بيت كل أمريكي ومعظم الأوروبيين، والفارق في معركة الوعي في أمريكا تحديداً لا يتعلق بالجانب الإنساني والأخلاقي فحسب، بل الأهم عندهم هي الأمور المادي لدافعي الضرائب التي من خلالها يتم تمويل جيش الاحتلال بالأسلحة وتوفير مستويات معيشية عالية للمستوطنين من خلال التأمين الصحي على سبيل المثال، بالمقارنة مع الأمريكان !

إعادة الإعمار في غزة وسوريا هي أيضا ملفات ساخنة جداً وإستراتيجية من عدة نواحٍ خصوصاً أنها تترافق مع التكلفة الباهظة لإعادة إعمار كاليفورنيا الامريكية المنهارة جراء الحرائق، وقوة النفوذ الأمريكي الذي تعود أن يفرض ما يشاء على الداعمين من الشرق الأوسط والخليج العربي الثري تحديداً وخطورة هذا الملف يتعلق بتوفير نسبي للهدوء في المنطقة، فما قد يساعد كثيراً في إعادة الهدوء إلى سوريا وغزة بمرور الوقت هو عودة السكان المهجرين إلى بيوتهم وليس فقط إلى الخيم وغيرها من المرافق المؤقتة.

كل ما سبق يلقي بضلاله على مستقبل المنطقة على المدى القصير مع الأخذ بعين الاعتبار أنه قد أصبح للشعب الفلسطيني ولأول مرة منذ احتلال فلسطين قوة حقيقية يستند إليها بغض النظر عن الأشقاء وغيرهم من المتعاطفين وهي فوة المقاومة الإسلامية من خلال حماس والجهاد الإسلامي تحديداً، فلا يمكن أن يتم استرداد الحقوق إلا عندما تتوافر القوة العسكرية والسياسية، وهذا ما حصل فعلاً حمل اليوم التالي بعد 470 من العدوان الصهيو-أمريكي والمدعوم من بريطانيا وفرنسا وغيرهما على المقاومة الفلسطينية في غزة العديد من المفاجآت التي أعدتها حماس تحديداً من خلال الظهور العسكري اللافت للنظر في شوارع غزة ومكان تسليم الأسرى للصليب الدولي في ساحة السرايا وسط مدينة غزة التي كانت تتمركز فيها قوات الاحتلال!

إن القوة التي أظهرتها المقاومة الفلسطينية وصلابتها في الجانب العسكري والمفاوضات التي تمت وفق ما وعدت به هي تطورًا كبيرًا في الصراع مع الاحتلال له توابعه لا محالة.

وصحيح ان قرار ترامب شخصيًا بوقف الحرب وقوة نفوذه في مجتمع المال اليهودي وهو لن يكون متعاطف مع الفلسطينيين ولكن أيضاً يؤخذ بعين الاعتبار مفهوم “تلاقي المصالح” واهتمامات كل طرف، ولا شك بأن الصراع الحقيقي لترامب خلال مدة تولية الحكم سيكون مع الصين بخلاف إدارة بايدن وهذا أحد المؤشرات التي سيحدث من خلالها تغييرات جوهرية في المنطقة العربية تؤدي إلى هدوء قصير الأمد أو مستدام.

كاتب أردني
aliabusaleek@gmail.com

مقالات مشابهة

  • “ويومئذ يفرحُ المؤمنون بنصر الله”
  • غادرت «إسرائيل» وبقيت المقاومة!
  • في مهلة ساعة واحدة... إسرائيل تُنذر أحد المزارعين
  • حرب الضفة الغربية.. خطة نتانياهو لإرضاء المتشددين
  • الدويري: المقاومة هي الورقة الوحيدة لمنع إسرائيل من ابتلاع الضفة
  • لومومبا رمز المقاومة وبطل الكونغو الذي قُتل في ذروة شبابه
  • ممثل حماس بصنعاء: الدور اليمني في دعم غزة كان استثنائياً ومؤثراً
  • عن عملية الاحتلال العسكرية في جنين.. ما الذي يحدث وما علاقة السلطة؟ 
  • هل ثنائية النصر والهزيمة المدخل الصحيح لقراءة حرب غزّة؟!
  • مؤشرات النصر الفلسطيني وما قد تحمله المرحلة الثانية من طوفان الأقصى