بلد القصب مفيهاش سكر!، لا بد أن يجد أهالى المناطق التى تزرع المساحات الأكبر من القصب فى الصعيد وتوردها لمصانع السكر وخاصة فى محافظة قنا المتعاقدة مع مصنعى سكر نجع حمادى ودشنا من يهون عليها حالة الغضب المخلوطة بالعشم عندما يستغيثون بوزير التموين بأن معظم قرى المحافظة لا تجد كيس سكر ولو بأى ثمن! المشكلة فى جفاف السلعة وليس فى سعرها أيضًا الذى تعدى المعقول واللامعقول.
عتاب أهل الصعيد، الناس الطيبة فى محله، كباية الشاى بعد الأكل عندهم هى الحلو عندهم، هرمون السعادة، فى كباية شاى مغلى و3 ملاعق سكر! وعشمهم فى محله عندما يقولون: إن طباخ السم يدوقه رغم أن هذا المثل خاطئ بغض النظر عن تداوله لأن طباخ السم لو داقه سيلفظ أنفاسه أو على الأقل يصاب بالتسمم، ولكنها مقوله تاريخية قديمة.
القصب الذى تجود زراعته فى المناطق الحارة، فى أرض الصعيد لا ينتج السكر فقط، فهناك أكثر من منتج يتم الحصول عليه من القصب، وهناك حالة عشق قديم وأبدى ربطت بين أهل الصعيد وخاصة فى قنا وبين القصب، لدرجة أنهم يعتبرون أول يوم تستقبل فيه مصانع السكر محصول القصب يوم عيد، أو يوم افتتاح التوريد، وقام أهل الصعيد بتأليف الأغانى الخاصة بالقصب، والتى ترددها الفتيات فى الأفراح، مثل القصب عاوز المية، وباللبايش يا قصب وهم يتبارون فى العناية بالمحصول من أجل زيادة الانتاج رغم ارتفاع تكلفة الانتاج بمبالغ تزيد على عائد المحصول الذى يورده المزارعون للمصانع، أو بالكاد يكون العائد مساوياً للتكلفة، أو يزيد قليلاً، وهم راضون انتظارًا لنظرة من الدولة لرفع ثمن توريد القصب بما يحقق عائداً مجزياً للمزارع من وراء محصول يستغرق عاماً كاملاً فى الأرض ما يستنزف كل أمواله ويستدين عليها لكنها حالة العشق لزراعة القصب، التى لم تستغلها الجهة الحكومية المسئولة عن القصب سواء المصانع أو وزارة الزراعة أو الاستثمار أو التموين، فى التقدير المناسب لثمن التوريد.
وعلى طريقة رب ضارة نافعة، غيرت الحكومة ووزارة التموين نظرتها للقصب هذا العام بعد الارتفاع الشديد من سعر السكر، وقامت برفع سعر توريد طن قصب السكر بنسبة اعتبرها المزارعون نواية تسند الزير، أى أنها تساعده على تدبير تكلفة الإنتاج، الزيادة التى قررت لا تتناسب مع ارتفاع أجور العمالة الموسمية للقصب، وتكلف القطع والتحميل والشحن والنقل، والزراعة والرى، والسماد، وتربيط القصب، وتكلفة علاج أمراضه.. كان مزارعو القصب يأملون فى زيادة تحقق لهم عائدًا ينتظرونه لتحقيق أحلامهم المؤجلة والتى تتردد على ألسنتهم عندما يطروحونها للنقاش، ويرهنون التنفيذ بعائد القصب، ولكن دائمًا تبقى الأحلام مؤجلة، أو تتحقق الأحلام البسيطة، وتبقى الزيادة الضئيلة فى سعر توريد القصب، وجبة للغراب الذى يطير بها فوق الزعازيع، وهو رمز لارتفاع أجور العمالة التى تتعامل مع المزارعين مثل التجار الذين ينتظرون علاوة الموظفين لرفع الأسعار، وتصبح المحصلة أن زراعة القصب هى زراعة خاسرة لأن تقدير سعر طن القصب غير عادل، رغم الأهمية الاستراتيجية لزراعة القصب بخلاف تحقيق النسبة الأكبر من الاكتفاء الذاتى من السكر وغيره من الصناعات الأخرى التى تصل إلى الوقود والخشب والأقلام والعطور وتشغيل المصانع وأجور العمالة وهم بالآلاف.
غضب أهالى الصعيد، ومناطق زراعة القصب من اختفاء السكر فى محله، وواجب على وزير التموين الدكتور على مصيلحى، أن يستجيب لهم فى ظل انكسار حدة أزمة السكر من حيث توفيره فى الأسواق والتدرج نحو النزول بأسعاره، إلا أن بلاد القصب ما زالت تحلم بعودة السكر الذى أصبح مقصورًا على الوجه البحرى.
غضب أهل الصعيد ليس مقصورًا على اختفاء السكر، ولكن أيضًا من القرار الذى اتخذه الدكتور على المصيلحى أيضًا فى فرض جنيه رسمًا على كل طن قصب يورد لمصانع السكر لحساب جمعية مزارعى القصب.
الغريب أن القرار تم تبريره بأنه استجابة لرئيس جمعية القصب ما قبل ارتفاع تكلفة الخدمات التى تقدمها الجمعية لمزارعى القصب!! أرجو أن يعلن الوزير أو رئيس الجمعية ما الخدمات التى تقدمها الجمعية لمزارعى القصب، كفاية أعباء على المزارعين، وخاصة مزارعى القصب الذين لا يحصلون على مقابل الإذعان لتوريد محصولهم للمصانع وهم راضون ولكنهم يتألمون ويريدون الإنصاف.
أرجو من وزير التموين أن يطلب من الجمعية أنواع الخدمات التى تقدمها لمزارعى القصب ويخطر المزارعين ليتمسكوا بالحصول عليها حتى تستحق العائد الذى تحصل عليه من كدهم وتعبهم، كما أرجو ألا ينسى بلاد القصب فى توفير السكر بالثمن المتاح.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن محمود غلاب سكر أهل الصعید
إقرأ أيضاً:
الانسحاب الرسمي في يناير 2026.. أمريكا تهدد مناخ العالم وإفريقيا الخاسر الأكبر
انسحاب متوقع وجنون محتمل، سيعيشه العالم بسبب الانسحاب الأمريكى من اتفاقية «تغير المناخ» وهو الأمر الذى لم يكن مستبعدًا أن يتخذه رئيس يصف فكرة «الاحتباس الحراري العالمي» بالخدعة، و«اتفاقية باريس للمناخ»، بأنها غير عادلة ومنحازة.
فوجهة نظر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «أن الولايات المتحدة لن تخرب صناعاتها بينما تطلق الصين العنان للتلوث مع الإفلات من العقاب» تلك هى العقيدة التى بموجبها قررت واشنطن الانسحاب من الاتفاقية، حيث تلقت الأمم المتحدة خطابًا رسميًا بأن الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاق باريس للمناخ في 27 يناير 2026 وهو القرار الذى اتخذه ترامب بعد يوم واحد من يوم توليه منصبه.
وهو الانسحاب الذي يضع مرة أخرى أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، فى مواجهة المزيد من الكوارث التى سيواجهها العالم بعد انسحاب ثانى أكبر مصدر للانبعاثات الغازية، وهو ما عبر عنه سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بالأسف قائلا: "تجاهل طفرة الطاقة النظيفة لن يؤدي إلا إلى إرسال كل هذه الثروة الهائلة إلى الاقتصادات المنافسة، في حين تستمر الكوارث المناخية مثل الجفاف وحرائق الغابات والعواصف العاتية في التفاقم، وتدمير الممتلكات والشركات، وضرب إنتاج الغذاء على مستوى البلاد، ودفع التضخم في الأسعار على مستوى الاقتصاد بأكمله".
اتفاقية باريس:
اتفاقية باريس هى الإطار الأهم المنظم للتعامل مع التغيرات المناخية وهى الاتفاقية التى تم أعتمادها فى باريس ديسمبر 2015، حيث وقّعت على الاتفاقية 175 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا.
لكن كالعادة اختلقت أمريكا الأسباب وانسحبت رسميًا من الاتفاقية في4 نوفمبر 2019 وقت حكم ترامب وهو نفس ما فعلته إيران وليبيا واليمن لكن أمريكا عادت مجددا للاتفاقية مع تولى الرئيس السابق جو بايدن فى فبراير 2021 ثم جاء الانسحاب للمرة الثانية مع ترامب الذى يرفض أى حديث عن التعويضات والخسائر التى تسببها الدول الكبرى للدول النامية، بل وعين وزيرًا للطاقة من أكبر المشككين فى قضية تغير المناخ.
ومن المتوقع أن يعيد كل الاهتمامات بالطاقة النظيفة الى المربع صفر كما فعل فى ولايته السابقة والتى حصرتها مؤسسة بروكينجز فقد اتخذت إدارة ترامب فى عام 2020 ما يصل الى 74 إجراءً أضعف حماية البيئة في الولايات المتحدة، منها إعادة فتح مناجم الفحم، وإزالة القيود المفروضة على التنقيب عن النفط والحفر، والحد من اللوائح المناخية والبيئية.
خلاصة التدمير:
ما سيفعله الانسحاب الأمريكى من الاتفاقية الأهم لمواجهة تغير المناخ، حددته التقارير فى 12 إجراء ستتخذه ادارة ترامب وسيؤدى إلى كوارث على أمريكا والعالم فى آن واحد ومن هذه الاجراءات الانسحاب من الاتفاقية الذى سيشجع دولا أخرى على الانسحاب أبرزها الأرجنتين. كما أن الانسحاب سيضعف الالتزامات المالية تجاه المناخ، كما سيؤدى الانسحاب وتجاهل المناخ الى التوسع فى عمليات التنقيب والبحث عن النفط والغاز ما يعنى مزيدا من التدمير لخليج المكسيك وتهديدا للحياة البرية فى ألاسكا الى جانب زيادة الانبعاثات.
كذلك سيؤدى نهج ترامب إلى إلغاء رسوم الميثان والعقوبات المفروضة على شركات النفط وزيادة انبعاثات هذا الغاز الذى يزيد خطره عن ثانى أكسيد الكربون، كما سيتم إلغاء دعم الطاقة النظيفة وتقليص حجم المناطق المحمية والسماح بنشاط التعدين كما سيؤدى سلوك حكومة ترامب إلى إلغاء مبادرة العدالة البيئية التى تهدف الى تخصيص 40% من الاستثمارات لصالح المجتمعات المتضررة بيئيا.
العالم يدفع الثمن:
العالم سيدفع الثمن وأولهم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التى شهدت حرائق غير مسبوقة مؤخرا فى عدد من ولاياتها، هذا إضافة إلى التأثير المتزايد للكوارث المرتبطة بالمناخ والتي كلفت الولايات المتحدة 2.785 تريليون دولار وأودت بحياة ما يقرب من 17 ألف شخص منذ عام 1980 ومع ذلك يصر ترامب على الانسحاب وعدم الاعتراف بالطاقة النظيفة وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فى عديد المناسبات بأن عدم استغلال الفرصة الأخيرة للكوكب سيدفع ثمنها الجميع مؤكدًا ضرورة أن تكون الخطط متسقة مع الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية ورسم مسار إلى صافي الصفر بحلول عام 2050 وأكد أنه لم يعد هناك وقت سوى للعمل من أجل حل المشكلة ومواجهة ارتفاع درجة الحرارة التى وصلت إلى رقم غير مسبوق.
ولعل ما يقوله جوتيريش يؤكده الواقع الذى رصدته تقارير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية والتى أكدت أن عام 2024 شهد 41 يومًا إضافياً من الحرارة الشديدة بسبب تغير المناخ، وبحسب تقرير أممى فإن الكوكب يسير بسرعة نحو ارتفاع بأكثر من ثلاث درجات مئوية بحلول نهاية القرن وهو مؤشر كارثى لما سيكون عليه كوكب الأرض.
إفريقيا أكثر المتضررين:
وتعد القارة السمراء أقل المسببين للانبعاثات المسببة لتغير المناخ، هى الأكثر تضررًا حيث تواجه تهديدات مثل الأحداث الجوية المتطرفة وارتفاع درجات الحرارة وانعدام الأمن الغذائي، وبالفعل حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أنه بدون جهود عالمية كبيرة للحد من الانبعاثات، قد تشهد إفريقيا موجات جفاف شديدة وفيضانات وموجات حر تهدد سبل العيش وتفاقم الفقر.
ولا يخفى على أحد أن اعتماد القارة على الزراعة يجعلها عرضة بشكل خاص لتقلبات المناخ، فعلى سبيل المثال، واجهت دول مثل إثيوبيا والسودان حالات جفاف متكررة أدت إلى فشل المحاصيل ونقص الغذاء.
ووفقاً لتقرير اللجنة الاقتصادية لإفريقيا لعام 2023، فإن التأثير السلبي لتغير المناخ، وخاصة في قطاعات كالزراعة والطاقة والمياه والنقل والنظم الإيكولوجية، من المتوقع أن يكلف البلدان الإفريقية ما يقرب من 5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي سنوياً.
وتشير هذه التقارير أيضاً إلى أن التكلفة الإجمالية للتكيف مع تغير المناخ قد تتجاوز 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، وبحسب التقارير العلمية فالعالم عليه أن يتوقف عن الانبعاثات لتجنب المزيد من الظواهر المناخية المتطرفة والمدمرة، بعد أن تجاوزت درجة حرارة الكوكب 1.5 درجة مئوية خلال فترة العام الماضى.
فيما تؤكد التقارير أن الارتفاع الذى يمضى فيه العالم إذا وصل الى درجتين سيحدث تضاعف الأيام الحارة الشديدة في المتوسط بمقدار 4 درجات مئوية وسيرتفع مستوى سطح البحر للأعلى بمقدار 0.1 متر، مما يعرض نحو 10 ملايين شخص إضافي لأحداث مناخية، قد تشمل المزيد من الفيضانات.
سيؤدى ذلك إلى فقدان أكثر من 99% من الشعاب المرجانية وسيتعرض ضعف عدد النباتات والفقاريات (الحيوانات ذات العمود الفقري) لظروف مناخية غير مناسبة في أكثر من نصف المنطقة الجغرافية التي توجد فيها، وقد يتعرض مئات الملايين من الأشخاص للمخاطر المرتبطة بالمناخ ويصبحون عرضة للفقر بحلول عام 2050.
وهو ما يشرحه الدكتور مجدى علام خبير البيئة العالمية بأن درجات حرارة الأرض زادت عن المتوقع وعن الرقم الذى حذر منه خبراء البيئة، والعالم يمضى - للأسف - فى اتجاه زيادة درجة الحرارة درجتين وهو أمر لو حدث سيؤدى إلى سيول وجفاف وزحف الرمال والكثبان الرملية، وظاهرة النينو فى الماء فى المناطق الساحلية حيث يحدث تسخين فى سطح المسطحات المائية، فلا تخرج الحرارة من الغلاف الجوى، ولكنها تبقى على سطح الكرة الأرضية وتتسبب فى تسخينها، وهو ما جعلنا نرى درجات حرارة غير مسبوقة فى الأعوام الماضية.