هل دخل الاتحاد التونسي للشغل في صراع مع الرئيس سعيد؟
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
تونس- خلال الاحتجاج الذي نظمه اليوم السبت الاتحاد العام التونسي للشغل قبالة مبنى رئاسة الحكومة، توجه الأمين العام للاتحاد قبل إلقاء خطابه أمام المحتجين بعبارة لزوجة النقابي أنيس الكعبي، القابع في السجن منذ نحو سنة قائلا "الكل سيذهب (للسجن) ليس أنيس الكعبي فقط".
لم تكن تلك العبارة الوحيدة التي يتفوه بها الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي أمام آلاف المحتجين في ساحة الحكومة بالعاصمة للحديث عن تنامي الملاحقات القضائية والأحكام السجنية في حق عدد من النقابيين، فقد دعا ساخرا النقابيين لتهيئة أنفسهم لإمكانية سجنهم.
وشغل أنيس الكعبي منصب الكاتب العام في شركة تونس للطرقات السيارة، وتم اعتقاله العام الماضي عقب إضراب بمحطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة للمطالبة برفع الأجور، ليخضع، بعد ذلك الإيقاف، عدد من النقابيين لجملة من التوقيفات والملاحقات القضائية بتهم الفساد وغيرها.
وقبل يومين اعتقلت السلطات الأمنية الأمين العام المساعد باتحاد الشغل الطاهر البرباري، قبل الإفراج عليه، على خلفية قضية رفعت ضده بـ"تحقيق مكاسب وهدر المال العام" نتيجة تفرغه النقابي، وهذه التهمة لاحقت أيضا عددا آخر من النقابيين "الذين أصبحوا مستهدفين من السلطة" كما يقولون.
يمثل اتحاد الشغل أكبر منظمة نقابية بالبلاد، وأحد الأطراف الأربعة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام سنة 2014 لرعايته الحوار الوطني لإخراج البلاد من أزمة سياسية آنذاك.
ويأتي الاحتجاج الذي ينظمه الاتحاد على خلفية "ملاحقة النقابيين وتعطل الحوار مع السلطة وتدهور الحريات" وفق وصفه، وعقب الزج بعديد من النقابيين في السجون، بتهم يعتبرها الاتحاد كيدية، لضرب الحق النقابي، وتفرد الرئيس قيس سعيد بالحكم، وتعطيل الحوار الاجتماعي، ورفض الحكومة تطبيق اتفاقيات سابقة لتحسين الأوضاع المادية للعمال، وتردي الأوضاع المعيشية في البلاد.
كما يعتبر اتحاد الشغل أن "السلطة السياسية الحالية لم تتعظ من الأخطاء السابقة المرتبكة من قبل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وأنها فشلت في إدارة البلاد بسبب تفردها بالحكم، والذهاب في مسار أحادي بهدف العودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد وقمع الحريات".
وفي البداية، لم يكن اتحاد الشغل رافضا للتدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، والتي قام بموجبها بحل البرلمان والإطاحة بحركة النهضة، أبرز حزب حكم البلاد بعد الثورة، لكنه راجع موقفه، ولم يعد مؤيدا للرئيس سعيد لخياراته السياسية والاقتصادية.
وقال الأمين العام نور الدين الطبوبي اليوم أمام المحتجين إن "فرصة 25 يوليو/تموز بدأت تتلاشى، نتيجة المنهج الانفرادي الذي ذهب الرئيس سعيد في اتجاهه"، منتقدا خطابات الرئيس سعيد التي اعتبرها "خطابات تفرقة وتخوين وتشويه، وتأليب للرأي العام ضد اتحاد الشغل ونقابييه ومناضليه".
وأضاف أن "اتحاد الشغل لن يقبل خطابات التهديد والوعيد القادمة من السلطة"، في رسالة تفتح الباب على مصرعيه أمام صراع مفتوح بين اتحاد الشغل والسلطة، في وقت تعيش فيه البلاد على وقع أزمة سياسية، واستمرار سجن عدد من أبرز قيادات المعارضة، بتهم التآمر على أمن الدولة.
وانتقد الطبوبي ما اعتبرها "هجمة شرسة من السلطة"، بسبب مواقف الاتحاد الرافضة لمسار الرئيس سعيد، والرافضة لتنامي التعديات على الحقوق والحريات، والرافضة لما يعتبرها "إشاعة مناخ من الرعب والخوف، لتكميم أفواه وتقييد حرية التعبير والرأي، وضرب استقلال القضاء وغيرها".
ورفض الطبوبي المزاعم القائلة بأن اتحاد الشغل لم يحرك ساكنا تجاه السلطة خوفا من تحريك ملفات فساد ضد قياداته، مؤكدا أن "الاتحاد كانت لديه روح وطنية حكيمة للتهدئة، في ظل المنعطفات الخطيرة والصعبة التي تمر بها البلاد، لكن السلطة اعتبرت ذلك ضعفا".
ولا أحد يعلم ما سيؤول إليه الصراع المفتوح بين اتحاد الشغل والسلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد، في ظل تواصل انقطاع التواصل وتعطل الحوار الاجتماعي بين الطرفين، لكن قيادات اتحاد الشغل تؤكد أنها ستتخذ كل أشكال النضال للدفاع عن كل مكاسب الحقوق والحريات.
وفي المقابل، يؤكد أنصار الرئيس قيس سعيد أنه "اتخذ القرار الصائب بحشر اتحاد الشغل في الزاوية"، محملين اتحاد الشغل -خاصة بعد الثورة- أسباب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لتنامي الإضرابات في كل القطاعات، مما أثر على الإنتاج والنمو والاستثمار والتشغيل.
ويتهمون اتحاد الشغل بما اعتبروه "تخريبا للمرافق العمومية، من صحة وتعليم ونقل وغيره"، فضلا عن "إغراق الوظيفة العمومية بالانتدابات جراء المحسوبية والفساد"، كما يتهمون قياداته بالحصول على منافع، جراء التفرغ النقابي وعدم قيامهم بالمسؤوليات المنوطة بعهدتهم في وظائفهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الرئیس قیس سعید الأمین العام من النقابیین اتحاد الشغل الرئیس سعید
إقرأ أيضاً:
ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية
قال حزب العدالة والتنمية، إن القضايا التي تصدى لها والمواقف التي عبر عنها، تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية ووفي لثوابت الأمة الجامعة، ومدافع عن قضايا الوطن والمواطنين بقوة وإنصاف واعتدال واستقلالية.
وأشار الحزب في ثنايا التقرير السياسي الذي قدمه عبد الإله ابن كيران أمينه العام، اليوم السبت في مدينة بوزنيقة، عقب افتتاح مؤتمره الوطني التاسع، إلى أنه وقف في وجه ضرب القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار.
وقال ابن كيران، إن الولاية الحكومية اقتربت من الانتهاء وما يزال عنوانها الأبرز هو تفاقم موجة الغلاء التي تشمل معظم المواد، والغذائية منها على وجه الخصوص.
وهو حسب ابن كيران، غلاء يعبر عن فشل الحكومة الذريع وقصور أدوات التدخل الحكومي في الحد من الارتفاع المهول والمستمر للأسعار، ويظهر حالة الاستسلام الحكومي أمام جماعات المصالح، وخاصة العاملة في قطاع المحروقات وسلاسل الوساطة والتصدير.
مما جعل الخيار الوحيد أمام المواطنين يضيف زعيم « البيجيدي »، هو تقليص نفقاتهم والحد من الحاجيات الأساسية، بعد أن تُرِكُوا فريسةً للوضعيات الاحتكارية والجشع.
وهو وضع نتج عنه وفقا للمسؤول الحزبي، أدنى مستوى للثقة عند الأسر منذ سنة 2008، وبروز آثار عكسية لإجراءات الدعم والإعفاء من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة في قطاع اللحوم، وأيضا الدعم الموجه إلى النقل الطرقي والعمومي.
ويرى الحزب في تقريره السياسي، أنه على خلاف الوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي، فإن الفشل الأكبر الذي يحسب للحكومة، هو تفاقم معدل البطالة الذي تجاوز 13%، وهي نسبة لم يسجلها المغرب منذ 2000، وعجز الحكومة عن الوفاء بإحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال ولايتها، وتراجع نسبة مساهمة النساء في سوق الشغل إلى أقل من 19% مقابل تعهد الحكومة برفعه إلى أكثر من 30%، وتزايد عدد الشركات المفلسة، والتي بلغت 12.397 سنة 2022 و14.245 سنة 2023، ومن المتوقع أن تبلغ أزيد من 14.600 سنة 2024.
واعتبر التقرير السياسي، أن هذه النتائج المقلقة، هي نتائج طبيعية لما وصفه بـ »آفة الريع والجمع بين المال والسلطة، وجعل هذه الأخيرة في خدمة جماعات المصالح المحدودة، والاستئثار بفرص الاستثمار والإنتاج والصفقات العمومية والمشاريع الكبرى ضدا على عموم المقاولات الوطنية، وما ينجم عن كل هذا من تبديد الثقة وخلق أجواء من الانتظارية والإحجام والإحباط لدى الفاعلين الاقتصاديين والمقاولين.
وهي أيضا يضيف التقرير، نتيجة طبيعية لما أسماه بـ »سياسة الحكومة الحالية المعاكسة للاستثمار وللنمو وللتشغيل، ولضعف استباقيتها وتأخرها الكبير في إرساء « التعاقد الوطني للاستثمار »، الذي نادى به جلالة الملك منذ أكتوبر 2022، والتأخر الكبير في تفعيل نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، ونظام الدعم الخاص بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي ».
وهي نتيجة أخرى، يؤكد « البيجيدي »، لما اعتبره « استهدافا لبرنامج المقاول الذاتي بإجراءات ضريبية جديدة تراجعت عن المكتسبات المسجلة بعد أن تجاوز عدد المسجلين 300 ألف مستفيد مع الحكومتين السابقتين ».
وهو نتيجة طبيعية أيضا لما قال إنه « إرباك ومزاحمة الحكومة لبرنامج « انطلاقة » الذي سبق وأعطى انطلاقته جلالة الملك في 2020، والذي خلق دينامية في صفوف الشباب وحقق نتائج مهمة، حيث بادرت الحكومة لتطلق في 12 أبريل 2022 برنامجا جديدا شبيها ببرنامج « انطلاقة » سمته « فرصة » وخصصت له ميزانية بمبلغ 1.25 مليار درهم، وأسندت الإشراف عليه لوزيرة السياحة ومهمة تدبيره للشركة المغربية للاستثمار السياحي وهما وزارة ومؤسسة لا اختصاص لهما ولا علاقة لهما بمثل هذه البرامج، حيث ومنذ انطلاقه، تم اختيار 12.500 مستفيد وإلى حدود الآن مازال هناك تأخر في صرف الدعم والتمويل بالرغم من أن المستفيدين أجبروا على الإدلاء بعقود الكراء وإحداث المقاول الذاتي ».
كما أطلقت برنامج « أنا مقاول »، وقبله أطلقت الحكومة برنامج أوراش على سنتين، وخصصت له ميزانية قدرها 2.25 مليار درهم، وكل هذه البرامج وبالإضافة إلى كونها لا تأخذ بعين الاعتبار البرامج الناجحة القائمة وتدعمها بل تربكها وتزاحمها، فإنها تطرح أيضا سؤال الهشاشة والاستمرارية وشبهات الزبونية التي تخيم على تنزيل هذه البرامج عبر جمعيات معينة أو على مستوى الجماعات الترابية.
وسجل الحزب أنه بعد تأخر كبير وانتظار طويل أفرجت الحكومة مؤخرا عن خارطة طريق فارغة للتشغيل، متراجعة بذلك عن التزامها بإحداث مليون منصب شغل خلال هذه الولاية الحكومية، ورفع مستوى نسبة نشاط النساء إلى 30 في المائة، حيث حددت أهدافا جديدة تتجاوز الولاية الحكومية الحالية وتلغي التزامات البرنامج الحكومي، كما نسجل الضعف الشديد لمضامين هذه الخارطة بالرغم مما سبقها من حملات التبشير والترويج، حيث لم تأت هذه الخارطة يضيف « البيجيدي » بجديد بقدر ما أنها تعتمد أساسا على برامج ومؤسسات دعم وتنشيط التشغيل التي أنشأتها الحكومات السابقة.
وكانت هذه النتائج في التشغيل تكرس التأخر الكبير، في نظر حزب العدالة والتنمية، الذي يعرفه تفعيل برنامج دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة لأزيد من سنتين على صدور القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار.
وشدد الحزب على أن خارطة التشغيل تعتمد المزيد من البيروقراطية على مستوى حكامتها وتضخم المتدخلين وكثرة اللجان، وهو ما سيؤدي حتما إلى مزيد من التعقيد والتأخير، عوض التبسيط والتيسير، كما أنها تكشف ما وصفه بـ »هاجس الاستغلال والتنافس الانتخابي بين مكونات الأغلبية الحكومية »، وهو ما عبرت عنه، يوضح الحزب، « مواقفها وبلاغاتها التي أكدت انزعاجها وتخوفها بخصوص الوزراء الذين أسندت إليهم مهمة تنفيذ هذه الخارطة وتوزيع الدعم العمومي على المستفيدين منها، وذلك بسبب تغليب وزراء من حزب رئيس الحكومة وتغييب آخرين ».