أكاديميون: الهوية والسمت العماني صمام أمان المجتمع
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
تمثل الهوية والمواطنة والسمت الأصيل صمام أمان ومكامن قوة في المجتمع العماني، وأصبح هذا الثالوث القيمي محط اهتمام مختلف الأوساط الأكاديمية والفكرية والتربوية للمحافظة على هوية النشء وقيم المجتمع في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات والمتغيرات التي يشهدها العصر الرقمي والانفتاح على الثقافات وتأثيرات العولمة على الثقافة الوطنية.
وفي هذا الشأن، استطلعت «عمان» آراء بعض المشاركين والمتحدثين في الملتقى الدولي الثالث «الانعكاسات المنهجية لبعد الهوية والمواطنة في رؤية عمان 2040» الذي نظمته جامعة السلطان قابوس مؤخرا بهدف ترسيخ قيم المواطنة في أنظمة التعليم وتعزيز الهوية الوطنية وتنمية العادات والتقاليد الأصيلة، إضافة إلى توظيف التراث الثقافي.
وقال الأستاذ الدكتور سيف بن ناصر المعمري، أستاذ مناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس وخبير دولي في مجال التربية على المواطنة: إن الهوية الوطنية لأي مجتمع وبلد تعد خصوصية تميزه عن باقي المجتمعات الإنسانية، تعكس ما يحمله من قيم ورؤى وتاريخ ومواقف وتعمل بمثابة إطار موجه لتفاعله على المستوى الإنساني، وبالتالي هذه المحافظة تعد حقا من حقوق مختلف الثقافة خاصة في ظل وجود ثقافات قوية ومهيمنة تحاول أن تفرض قيمها وأفكارها تجاه عناصر الهوية من دين ولغة وعادات وتقاليد وأسرة على الشعوب الأخرى دون أن تلتفت إلى قيمة التنوع الثقافي الإنساني، وأن قوة الإنسانية تقوم على التفاعل والتواصل الإيجابي لا على الفرض والهيمنة والسعي لخلخلة مقومات التماسك والسلطة والأطر المرجعية لدى هذه المجتمعات، وبالتالي فإن مختلف المجتمعات باتت تدرك اليوم أن الملاذ الآمن لها ولأجيالها هو التمسك بهويتهم الوطنية، والدفاع عن لغتهم، وعن دينهم وأسرهم، وعاداتهم وتقاليدهم لأن في ذلك تمكن استدامة وجودهم، ورؤية «عمان 2040» استجابة لهذه المخاطر، وكانت بمثابة درع لحماية المستقبل والأجيال العمانية التي ستعيش فيه حيث جعلت من ضمن أبعادها الاستراتيجية الحفاظ على الهوية والمواطنة والسمت العماني الأصيل، وهذه المنظومة الثلاثية صمام أمان، ومكامن قوة في بناء النهضة العمانية المتجددة.
وأضاف: لا شك أن تعزيز الهوية الوطنية وبناء المواطنة المسؤولة هي مشروع الدولة بأكملها بمختلف مؤسساتها، فكل له دوره الذي يجب أن يقوم به في تحقيق هذا المشروع، فعلى سبيل المثال وزارة الإسكان والتخطيط العمراني قد ينظر لها البعض على أنها أقل مسؤولية من مؤسسات التعليم ولكنها تحمل دورا مهما في الحفاظ على الهوية من حيث التخطيط الحضري المستقبلي الذي يمنح مساحات كافية للأسر بحيث يعيش فيها أفراد الأسرة من الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد ويستعيدون بها الأسرة الممتدة التي فتتتها المدنية، وكذلك التخطيط العمراني الذي نظر للموضوع بصورة منفصلة عن هوية المجتمع واحتياجه للعيش معا في إطار مكاني واحد يتسع للجميع، وإذا جئنا إلى مؤسسات التعليم فدورها كبير في إعادة بعث الهوية العمانية المتجذرة والعابرة للقرون بصورة جديدة تقوم على الابتكار والتسويق والمعاصرة، بما يجعلها موضوعا للصناعة الابتكارية والاستثمار التجاري وريادة الأعمال الثقافية وهو ما سيكفل لها الاستدامة، وما سيقود إلى الحفاظ عليها في الوقت نفسه كقيمة ثقافية وكمورد اقتصادي، والعمل على هذا التوجه يتطلب مراجعات جذرية لبرامج ومناهج التعليم، من قبل خبراء لديهم القدرة والمعرفة العميقة لإنجاز هذه التحولات.
وأوضح أن مؤسسات البحث العلمي لها دور محوري في عملية تعزيز المواطنة يمكن أن أوجزه في عدة نقاط تكمن في: التحقيق إذ هذه المؤسسات يمكن أن تقود إلى دراسة الهوية بمكوناتها المادية وغير المادية وإبراز جوانبها المختلفة ومراحل تطورها، وكذلك التدوين فهناك جزء كبير من الهوية العمانية لا يزال تحمله العقول خاصة إذا ارتبط بعناصر التراث غير المادي، وبالتالي يتطلب الجلوس مع الخبراء ومعرفة ما لديهم وتدوينه حتى لا يضيع ويختفي برحيلهم، إضافة إلى الابتكار فمؤسسات البحث العلمي هي التي يمكن أن تقود علمية الابتكار في تسويق الهوية العمانية من خلال تمويل مختلف الأبحاث التي تقود إلى تطبيقات عملية يمكن الاستفادة منها في إطلاق صناعات ابتكارية أو مشروعات استثمارية، وكذلك التسويق إذ أن الهوية الوطنية اليوم هي مصدر اقتصادي كبير، وبالتي لابد من إطلاق أبحاث متعددة لكيفية الاستفادة من الهوية العمانية في التسويق سواء كقوة ناعمة في مجالات العلاقات الدبلوماسية أو التسويق من جوانب سياحية، أو التسويق للمؤسسات الأكاديمية لإرسال باحثين لدراسات ثراء الهوية العمانية.
الهوية والانتماء
وقالت الدكتورة ابتسام بنت سالم الوهيبية، رئيس وحدة الاتصالات التجارية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس: واحدة من أولويات رؤية «عمان 2040» هي المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية، وتعد الهوية والانتماء جزءًا أساسيًا من حياتنا الثقافية إذ يتعلق الأمر بفهم طبيعة روابطنا العميقة مع المجتمع والثقافة التي ننتمي إليها، ويعكس فهم الهوية والانتماء تنوعنا وتجانسنا في آن واحد، ويعزز التفاهم والترابط بين الأفراد والمجتمعات.
وأشارت إلى أن دراسة الهوية والانتماء تحظى بأهمية كبيرة في فهم روابطنا الثقافية بشكل أعمق بواسطة تحليل واستكشاف العناصر المشتركة والمختلفة في الهوية والانتماء، ويمكننا بناء روابط أقوى وتعميق التواصل بين الثقافات المتنوعة وكباحثة ومحاضرة في جامعة السلطان قابوس فأرى أنه من المهم تضمين وتعزيز الهوية العمانية الأصيلة في مناهجنا الدراسية وخصوصا المناهج التي تعنى باستشراف المستقبل والتحول الرقمي أسوة بالدول المجاورة التي حاولت تعزيز الهوية بين الأجيال الناشئة في زمن غزو منصات التواصل الاجتماعي.
وذكرت أن العوامل التي تؤثر في تشكيل الهوية الثقافية تشمل عدة جوانب، بدءًا من البيئة الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الفرد، حيث يتعرض للقيم والمعتقدات والتقاليد المجتمعية ويتعلم منها، كما تؤثر التفاعلات الاجتماعية والثقافية التي يخوضها الفرد مع الأفراد والمجتمع في تشكيل هويته الثقافية، وهنا تكمن أهمية أبحاث الأنثروبولوجيا الثقافية الاجتماعية وأهمية تمكين الطلبة في المرحلة الجامعية بالأدوات والمعرفة البحثية للخوض في المجتمعات العمانية الغنية بالعناصر الثقافية.
مجتمع قوي ومتماسك
وقال الدكتور شهاب اليحياوي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس المنار: المواطنة العالمية أو إيجاد ثقافة كونية يمكن ألا تتناقض وتتعارض مع حق الشعوب والدول الطبيعي والإنساني للمحافظة على خصوصياتها التاريخية ومقوّمات هوياتها الخاصة، فالمشترك العالمي والكوني بين الثقافات يتصل بما هو إنساني ولذلك يمكن له أن يلغي أو تلغى عنده الفروق والاختلافات والمواقع أيضا، في هذا الاتّجاه أو وفق هذا الفهم يمكننا القول: إن ما يحقق مشتركا ثقافيا كونيا مع المحافظة على الهويات الوطنية وخصوصيتها التاريخية والثقافية هو قبول مختلف الثقافات مهما كان موقعها في بنية الهيمنة عالميا بالتنوع والتعدد في التعبيرات الخصوصية لما هو كوني المضمون مثل قيم الكرامة والعدالة والمساواة والإيمان والحرية، ويعني أن هذه القيم تجمعنا وتوحدنا ولكن التعبير عنها يكون من مغلف الثقافة الخصوصية وأدواتها التعبيرية، مثلا يمكن لمؤمن ولغير مؤمن أو لمسلم ونصراني أن يلتقيا عند احترام قيمة الكرامة الإنسانية ولكن التعبير عنها يكون خصوصيا ومختلفا ولكن يؤدي المضمون أو الغاية نفسها، فالكوني ليس سوى الإنساني والإنساني يوحد دون أن يلغي الخصوصية وهذا موكول إلى قيم ومبادئ القبول بالاختلاف والتنوع والتعايش في ظلها سواء وطنيا أو عالميا.
وحول دور المؤسسات التعليمية في تعزيز المواطنة والهوية الوطنية قال: لن تستطيع المؤسسات التعليمية أن تضطلع بدور ريادي في بناء الهوية وتأسيس أرضية ثقافية وقيمية توجه سلوك الناشئة المتعلمة نحو التعبير عن ذاتها من داخل أو منظار وعيها ومعرفتها بهويتها وتاريخ هويتها إذا كانت المدرسة لا تزال في تصورنا وممارستنا العملية حبيسة الدور التكويني والتأهيلي، هذا هو دور المدرسة إذا نظرنا إليها على أنها ليست مؤسسة تكوين لتدريب المتعلمين وتأهيلهم للقيام بمهنة أو وظيفة مستقبلية، بل كفضاء لتشكل خطاب هوية يصقل شخصية الطفل وينشئها على فهم ومعرفة تاريخها أولا لا من باب المعرفة فحسب ولكن من باب معرفة الذات وفهمها، فهذا مدخل تمهيدي ضروري لتمتين الرابط المواطني للطفل بوطنه والاعتزاز بهويته والارتباط الوجودي بها، هذا الدور لا تستطيع المدرسة الاضطلاع به عبر البرامج التعليمية التقليدية وإنما من خلال ما يسمى بالحياة المدرسية أي حياة في المدرسة وليس حياة عبر المدرسة. ما معنى ذلك؟ يعني أن يجد الطفل والمتعلم في المدرسة حياة أخرى غير الدرس ونقل المعارف والامتحان معرفيا فيها وإنما أنشطة مختلفة مثل نوادي الشعر والقصة والموسيقى والسينما والمسرح وغيرها، إذا أردت المدرسة أن تشكل هوية المتعلم وتوثق صلتها بهوية «النحن» وتاريخها، ويجب أن تتخلى عن دورها التقليدي وتقلل من قبضتها على المتعلم كما يقول فرانسوا دوبي: «كثير من المدرسة يقتل المدرسة»، وتعيد ترتيب العلاقة بالتلميذ من حيث أطر ووسائل وكيفيات التواصل مع عقله ووجدانه.
وأشار إلى أن مؤسسات البحث العلمي تلعب دورًا مهمًا في تعزيز المواطنة والهوية الوطنية من خلال توثيق التاريخ والثقافة، ونشر الوعي والتثقيف، وتعزيز الاندماج والتعايش، ودعم التنمية المستدامة، إذ تسهم الأبحاث العلمية في توثيق التاريخ والثقافة الوطنية، وذلك من خلال دراسة اللغة والأدب والتراث والعادات والتقاليد والتاريخ المحلي، مما يسهم في بناء الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء إلى الوطن، كما تقوم مؤسسات البحث العلمي بنشر الوعي حول قضايا الهوية الوطنية والمواطنة من خلال إجراء الأبحاث ونشر النتائج والتوصيات، وهذا يعزز الوعي الوطني ويعمق التفاهم بين أفراد المجتمع، كذلك يمكن للأبحاث العلمية أن تسهم في فهم أفضل للتنوع الثقافي والاجتماعي داخل الوطن، مما يعزز الاندماج والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وبالتالي تعزيز المواطنة الفعالة، إضافة إلى ذلك يمكن للبحوث العلمية أن تدعم التنمية المستدامة للوطن من خلال تطوير السياسات العامة والبرامج التي تعزز الهوية الوطنية وتدعم المواطنة، وهذا يسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مؤسسات البحث العلمی الهویة والانتماء الهویة العمانیة تعزیز المواطنة مؤسسات التعلیم الهویة الوطنیة السلطان قابوس تعزیز الهویة فی بناء
إقرأ أيضاً:
المبسلي لـ"الرؤية": تنامي ثقة المستثمرين في سوق المال العماني باعتباره وجهة استثمارية واعدة ومستدامة
◄ التطورات التقنية والتنظيمية والتشريعية قامت بدور فاعل في جذب المستثمرين
الرؤية- سارة العبرية
أكد الدكتور يوسف بن خميس المبسلي، متخصص في العلوم المالية والاقتصادية، أن بورصة مسقط شهدت خلال الفترة الماضية تحولات إيجابية بارزة في أدائها؛ حيث سجّل مؤشر العائد الإجمالي ارتفاعًا ملحوظًا يعكس تفاؤل المستثمرين وجاذبية السوق ومتانة الاقتصاد العُماني.
وأوضح -في تصريحات لـ"الرؤية"- أن هذا الأداء القوي يُعزى إلى تحسن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان وانخفاض أسعار الفائدة، إضافةً إلى إدراج عدد من الشركات الجديدة في قطاعات استراتيجية، مما أسهم في تنشيط حركة السوق وزيادة أحجام التداول، مشيرا إلى أن البورصة حققت مستوى قياسيًا جديدًا في شهر أكتوبر الماضي؛ إذ بلغت قيمة التداول نحو مليار و74.6 مليون ريال عُماني، مسجلة نموًا تجاوز 110% مقارنة بشهر سبتمبر السابق، وأن الإحصاءات تشير إلى أن القيمة الإجمالية للتداولات خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2025 بلغت نحو 3 مليارات و495.6 مليون ريال عُماني، مقابل مليار و24.5 مليون ريال عُماني في الفترة ذاتها من عام 2024.
ويرى المبسلي أن هذا النمو الاستثنائي يعود إلى زيادة ضخ السيولة من قبل الصناديق والشركات الاستثمارية المحلية، والذي أسهم في رفع نشاط التداول وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بمستقبل سوق بورصة مسقط بوصفها إحدى الأسواق الواعدة في المنطقة، القادرة على جذب المزيد من الاستثمارات وتحقيق عوائد مستدامة، مبينا أن انخفاض أسعار الفائدة على الودائع البنكية ساهم في دفع الأفراد إلى البحث عن بدائل استثمارية أكثر ربحية، مما جعل الاستثمار في الأسهم خيارًا أكثر جاذبية للعديد من المستثمرين مقارنةً بالعوائد الثابتة التي تقدمها البنوك، كما أنه خلال الأشهر الماضية، شهدت بورصة مسقط تحسنًا ملحوظًا في أدائها، خاصة بعد إدراج شركات جديدة في قطاعات حيوية مثل النفط والخدمات اللوجستية، وهو ما أسهم في تعزيز الثقة بالسوق وزيادة الإقبال على الاستثمار في الأسهم، سواء في السوق الأولية أو في سوق التداول الثانوي.
ويتابع قائلا: "برزت عوامل تقنية وتنظيمية لعبت دورًا مهمًا في تعزيز هذا التوجه؛ إذ ساعد التحول الرقمي وإتاحة المنصات الإلكترونية وتطبيقات التداول عبر الهواتف الذكية في تسهيل الوصول إلى أسواق المال، بما في ذلك السوق العُماني، فقد أصبح بإمكان المستثمرين إجراء عمليات البيع والشراء للأسهم والسندات بسهولة ومرونة أكبر، مما زاد من جاذبية الاستثمار في البورصة لفئات واسعة من الأفراد، إضافة لذلك، ساهم تطوير التشريعات والقوانين المنظمة للسوق، بما في ذلك تعزيز مبادئ الإفصاح والحوكمة وتوفير بيئة آمنة وشفافة للتداول في رفع مستوى الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب على حدٍّ سواء، وانعكست هذه العوامل في الارتفاع الملحوظ لأحجام التداول في بورصة مسقط، مع نشاط متزايد في تداولات معظم الشركات المدرجة، الأمر الذي يؤكد على تنامي الثقة في سوق المال في سلطنة عُمان باعتباره وجهة استثمارية واعدة تشهد نموًا مستدامًا وتطورًا متسارعًا".
وقال الدكتور يوسف: "يُعد القرار الاستثماري أحد أهم القرارات المالية التي يتخذها الأفراد؛ إذ يحدد الطريقة التي تُوظَّف بها المدخرات لتحقيق عوائد مالية مستقبلية، وتختلف توجهات الأفراد نحو الاستثمار بين الأسواق المالية والقطاعات التقليدية مثل العقار أو الودائع البنكية؛ نتيجة تأثير مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تتداخل فيما بينها لتشكّل السلوك الاستثماري العام للمجتمع"، موضحا أنه من الناحية الاقتصادية يُعد مستوى الدخل الفردي عاملًا محوريًا في تحديد نوع الاستثمار المفضل، فغالبًا ما يتجه أصحاب الدخل المرتفع إلى الاستثمار في الأسهم لما يمتلكونه من قدرة أعلى على تحمّل المخاطر وسعيهم لتحقيق عوائد أكبر على المدى الطويل، في حين يفضل أصحاب الدخل المتوسط الاستثمار في الودائع البنكية لما توفره من استقرار وأمان مالي، كما أن أسعار الفائدة والسياسات النقدية تؤثر بشكل مباشر في القرارات الاستثمارية؛ فعند ارتفاع أسعار الفائدة تصبح الودائع خيارًا أكثر جاذبية، بينما يؤدي انخفاضها إلى توجه المستثمرين نحو البورصة أو العقار بحثًا عن عوائد أفضل.
وأضاف: "أما معدل التضخم فيُعد من العوامل الاقتصادية المؤثرة أيضًا؛ فارتفاعه يؤدي إلى تآكل القيمة الحقيقية للعوائد الثابتة من الودائع البنكية، مما يدفع المستثمرين إلى تفضيل الأصول التي تحتفظ بقيمتها مثل الأسهم والعقارات. ففي فترات عدم اليقين الاقتصادي، يميل العديد من الأفراد إلى الاستثمار العقاري بوصفه ملاذًا آمنًا نسبيًا، ومن الناحية الاجتماعية فإن مستوى الثقافة المالية والوعي الاستثماري يعد دورًا حاسمًا في توجيه قرارات الأفراد؛ فالأشخاص الذين يمتلكون معرفة بأساسيات الاستثمار وإدارة المخاطر يكونون أكثر استعدادًا للتوجه إلى أسواق الأسهم، بينما يميل آخرون إلى تجنب البورصة نتيجة مخاوفهم من ارتفاع المخاطر فيها، مفضلين العقار باعتباره استثمارًا أكثر استقرارًا ومقبولًا اجتماعيًا.
وحول ما يميّز سوق بورصة مسقط اليوم مقارنة بالماضي من حيث فرص الاستثمار للمواطنين، قال: شهدت البورصة عدّة اكتتابات عامة ناجحة أسهمت في إضافة قطاعات جديدة واستراتيجية إلى السوق، مما أدى إلى نمو في الحجم السوقي الإجمالي وتعزيز تنوع أدوات الاستثمار المتاحة، ومكّنت هذه الخطوات المستثمرين من تنويع محافظهم الاستثمارية وتوفير بدائل استثمارية مناسبة لتوجهاتهم ومخاطرهم، وهو ما انعكس بوضوح في الحركة النشطة للتداولات داخل البورصة خلال الأشهر الأخيرة.
وأضاف: في إطار التوجهات الحكومية في سلطنة عُمان نحو مواصلة استراتيجية التخصيص، وإعلان جهاز الاستثمار العُماني سابقا عن خطة شاملة للتخارج من عدد من الشركات في قطاعات جديدة مثل القطاع السياحي والقطاع السمكي، تمهيدًا لطرحها للاكتتاب العام خلال المرحلة القادمة، ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل مزيدًا من الاكتتابات الجديدة، ما سيُسهم في تعميق السوق المالية وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، إضافة إلى رفع مستويات السيولة والنشاط الاستثماري في بورصة مسقط.
وبيّن المبسلي تعمل بورصة مسقط على استكمال خطتها الاستراتيجية للترقية إلى فئة الأسواق الناشئة، بما يتماشى مع المستهدفات الاستراتيجية لرؤية "عُمان 2040"، وتركّز هذه الاستراتيجية على إطلاق سوق مخصّص للشركات الواعدة وتشجيع إدراج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الخاصة والعائلية في السوق، من خلال تقديم حوافز مشجّعة تسهم في تعزيز الشفافية والثقة في بيئة الأعمال، وضمان استدامة نمو شركات القطاع الخاص ومؤسسات ريادة الأعمال. ومن شأن هذه المبادرات المتكاملة أن تسهم في تطوير أداء سوق رأس المال في سلطنة عُمان، وتُرسّخ مكانة بورصة مسقط كمركز مالي إقليمي جاذب للاستثمار ومحرّك رئيسي للنمو الاقتصادي المستدام.
وحول منظور المجتمع لسوق الأسهم، قال: تتباين وجهات نظر المستثمرين تجاه سوق الأسهم بين من يراها أداة استثمار طويل الأجل تهدف إلى بناء الثروة تدريجيًا، وبين من يعتبرها وسيلة للمضاربة قصيرة الأجل لتحقيق أرباح سريعة، إذ يعتمد هذا التوجه بدرجة كبيرة على مستوى الثقافة المالية والوعي الاستثماري والخبرة، إضافة إلى الأهداف المالية لكل مستثمر، موضحا أن الفئة التي تتبنى الاستثمار طويل الأجل تنظر إلى سوق الأسهم كوسيلة لتحقيق عوائد مستقرة ونمو مستدام بمرور الوقت، ويركز هؤلاء المستثمرون على اختيار الشركات ذات الأداء المالي القوي وتوزيعات الأرباح المنتظمة، ولا يولون اهتمامًا كبيرًا لتقلبات الأسعار اليومية؛ إذ يرون أن العائد الحقيقي يتحقق من زيادة القيمة السوقية للأسهم ونمو الأرباح على المدى الطويل، ويعتمد هذا النهج على التحليل الأساسي ودراسة أوضاع الشركات والقطاعات لتكوين محافظ استثمارية مستقرة تعزز الاستقلال المالي على المدى البعيد.
وير أيضا أن السوق فرصة للمضاربة قصيرة الأجل، مستهدفة الاستفادة من فروق الأسعار خلال فترات زمنية قصيرة، إذ يعتمد هؤلاء المستثمرون في قراراتهم على التحليل الفني وحركة السوق اليومية أكثر من التحليل الأساسي، مستفيدين من التطور الكبير في المنصات الإلكترونية وسهولة إجراء الصفقات عبر الإنترنت، وعلى الرغم من أن هذا النوع من التداول قد يحقق أرباحًا سريعة، فإنه يحمل في المقابل مخاطر مرتفعة، خاصة في فترات التذبذب وعدم الاستقرار، إذ يمكن أن تؤدي القرارات غير المدروسة إلى خسائر كبيرة.
وينصح المبسلي المستثمرين باعتماد استراتيجية متوازنة تجمع بين الاستثمار طويل الأجل في الشركات المستقرة والمضاربة المحدودة في الأسهم النشطة ذات السيولة العالية، مُبينا هذا النهج يتيح تنويع مصادر الدخل وإدارة المخاطر بفاعلية، مع الحفاظ على جزء من رأس المال للاستثمار المستدام.