تمثل الهوية والمواطنة والسمت الأصيل صمام أمان ومكامن قوة في المجتمع العماني، وأصبح هذا الثالوث القيمي محط اهتمام مختلف الأوساط الأكاديمية والفكرية والتربوية للمحافظة على هوية النشء وقيم المجتمع في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات والمتغيرات التي يشهدها العصر الرقمي والانفتاح على الثقافات وتأثيرات العولمة على الثقافة الوطنية.

وفي هذا الشأن، استطلعت «عمان» آراء بعض المشاركين والمتحدثين في الملتقى الدولي الثالث «الانعكاسات المنهجية لبعد الهوية والمواطنة في رؤية عمان 2040» الذي نظمته جامعة السلطان قابوس مؤخرا بهدف ترسيخ قيم المواطنة في أنظمة التعليم وتعزيز الهوية الوطنية وتنمية العادات والتقاليد الأصيلة، إضافة إلى توظيف التراث الثقافي.

وقال الأستاذ الدكتور سيف بن ناصر المعمري، أستاذ مناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس وخبير دولي في مجال التربية على المواطنة: إن الهوية الوطنية لأي مجتمع وبلد تعد خصوصية تميزه عن باقي المجتمعات الإنسانية، تعكس ما يحمله من قيم ورؤى وتاريخ ومواقف وتعمل بمثابة إطار موجه لتفاعله على المستوى الإنساني، وبالتالي هذه المحافظة تعد حقا من حقوق مختلف الثقافة خاصة في ظل وجود ثقافات قوية ومهيمنة تحاول أن تفرض قيمها وأفكارها تجاه عناصر الهوية من دين ولغة وعادات وتقاليد وأسرة على الشعوب الأخرى دون أن تلتفت إلى قيمة التنوع الثقافي الإنساني، وأن قوة الإنسانية تقوم على التفاعل والتواصل الإيجابي لا على الفرض والهيمنة والسعي لخلخلة مقومات التماسك والسلطة والأطر المرجعية لدى هذه المجتمعات، وبالتالي فإن مختلف المجتمعات باتت تدرك اليوم أن الملاذ الآمن لها ولأجيالها هو التمسك بهويتهم الوطنية، والدفاع عن لغتهم، وعن دينهم وأسرهم، وعاداتهم وتقاليدهم لأن في ذلك تمكن استدامة وجودهم، ورؤية «عمان 2040» استجابة لهذه المخاطر، وكانت بمثابة درع لحماية المستقبل والأجيال العمانية التي ستعيش فيه حيث جعلت من ضمن أبعادها الاستراتيجية الحفاظ على الهوية والمواطنة والسمت العماني الأصيل، وهذه المنظومة الثلاثية صمام أمان، ومكامن قوة في بناء النهضة العمانية المتجددة.

وأضاف: لا شك أن تعزيز الهوية الوطنية وبناء المواطنة المسؤولة هي مشروع الدولة بأكملها بمختلف مؤسساتها، فكل له دوره الذي يجب أن يقوم به في تحقيق هذا المشروع، فعلى سبيل المثال وزارة الإسكان والتخطيط العمراني قد ينظر لها البعض على أنها أقل مسؤولية من مؤسسات التعليم ولكنها تحمل دورا مهما في الحفاظ على الهوية من حيث التخطيط الحضري المستقبلي الذي يمنح مساحات كافية للأسر بحيث يعيش فيها أفراد الأسرة من الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد ويستعيدون بها الأسرة الممتدة التي فتتتها المدنية، وكذلك التخطيط العمراني الذي نظر للموضوع بصورة منفصلة عن هوية المجتمع واحتياجه للعيش معا في إطار مكاني واحد يتسع للجميع، وإذا جئنا إلى مؤسسات التعليم فدورها كبير في إعادة بعث الهوية العمانية المتجذرة والعابرة للقرون بصورة جديدة تقوم على الابتكار والتسويق والمعاصرة، بما يجعلها موضوعا للصناعة الابتكارية والاستثمار التجاري وريادة الأعمال الثقافية وهو ما سيكفل لها الاستدامة، وما سيقود إلى الحفاظ عليها في الوقت نفسه كقيمة ثقافية وكمورد اقتصادي، والعمل على هذا التوجه يتطلب مراجعات جذرية لبرامج ومناهج التعليم، من قبل خبراء لديهم القدرة والمعرفة العميقة لإنجاز هذه التحولات.

وأوضح أن مؤسسات البحث العلمي لها دور محوري في عملية تعزيز المواطنة يمكن أن أوجزه في عدة نقاط تكمن في: التحقيق إذ هذه المؤسسات يمكن أن تقود إلى دراسة الهوية بمكوناتها المادية وغير المادية وإبراز جوانبها المختلفة ومراحل تطورها، وكذلك التدوين فهناك جزء كبير من الهوية العمانية لا يزال تحمله العقول خاصة إذا ارتبط بعناصر التراث غير المادي، وبالتالي يتطلب الجلوس مع الخبراء ومعرفة ما لديهم وتدوينه حتى لا يضيع ويختفي برحيلهم، إضافة إلى الابتكار فمؤسسات البحث العلمي هي التي يمكن أن تقود علمية الابتكار في تسويق الهوية العمانية من خلال تمويل مختلف الأبحاث التي تقود إلى تطبيقات عملية يمكن الاستفادة منها في إطلاق صناعات ابتكارية أو مشروعات استثمارية، وكذلك التسويق إذ أن الهوية الوطنية اليوم هي مصدر اقتصادي كبير، وبالتي لابد من إطلاق أبحاث متعددة لكيفية الاستفادة من الهوية العمانية في التسويق سواء كقوة ناعمة في مجالات العلاقات الدبلوماسية أو التسويق من جوانب سياحية، أو التسويق للمؤسسات الأكاديمية لإرسال باحثين لدراسات ثراء الهوية العمانية.

الهوية والانتماء

وقالت الدكتورة ابتسام بنت سالم الوهيبية، رئيس وحدة الاتصالات التجارية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس: واحدة من أولويات رؤية «عمان 2040» هي المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية، وتعد الهوية والانتماء جزءًا أساسيًا من حياتنا الثقافية إذ يتعلق الأمر بفهم طبيعة روابطنا العميقة مع المجتمع والثقافة التي ننتمي إليها، ويعكس فهم الهوية والانتماء تنوعنا وتجانسنا في آن واحد، ويعزز التفاهم والترابط بين الأفراد والمجتمعات.

وأشارت إلى أن دراسة الهوية والانتماء تحظى بأهمية كبيرة في فهم روابطنا الثقافية بشكل أعمق بواسطة تحليل واستكشاف العناصر المشتركة والمختلفة في الهوية والانتماء، ويمكننا بناء روابط أقوى وتعميق التواصل بين الثقافات المتنوعة وكباحثة ومحاضرة في جامعة السلطان قابوس فأرى أنه من المهم تضمين وتعزيز الهوية العمانية الأصيلة في مناهجنا الدراسية وخصوصا المناهج التي تعنى باستشراف المستقبل والتحول الرقمي أسوة بالدول المجاورة التي حاولت تعزيز الهوية بين الأجيال الناشئة في زمن غزو منصات التواصل الاجتماعي.

وذكرت أن العوامل التي تؤثر في تشكيل الهوية الثقافية تشمل عدة جوانب، بدءًا من البيئة الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الفرد، حيث يتعرض للقيم والمعتقدات والتقاليد المجتمعية ويتعلم منها، كما تؤثر التفاعلات الاجتماعية والثقافية التي يخوضها الفرد مع الأفراد والمجتمع في تشكيل هويته الثقافية، وهنا تكمن أهمية أبحاث الأنثروبولوجيا الثقافية الاجتماعية وأهمية تمكين الطلبة في المرحلة الجامعية بالأدوات والمعرفة البحثية للخوض في المجتمعات العمانية الغنية بالعناصر الثقافية.

مجتمع قوي ومتماسك

وقال الدكتور شهاب اليحياوي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس المنار: المواطنة العالمية أو إيجاد ثقافة كونية يمكن ألا تتناقض وتتعارض مع حق الشعوب والدول الطبيعي والإنساني للمحافظة على خصوصياتها التاريخية ومقوّمات هوياتها الخاصة، فالمشترك العالمي والكوني بين الثقافات يتصل بما هو إنساني ولذلك يمكن له أن يلغي أو تلغى عنده الفروق والاختلافات والمواقع أيضا، في هذا الاتّجاه أو وفق هذا الفهم يمكننا القول: إن ما يحقق مشتركا ثقافيا كونيا مع المحافظة على الهويات الوطنية وخصوصيتها التاريخية والثقافية هو قبول مختلف الثقافات مهما كان موقعها في بنية الهيمنة عالميا بالتنوع والتعدد في التعبيرات الخصوصية لما هو كوني المضمون مثل قيم الكرامة والعدالة والمساواة والإيمان والحرية، ويعني أن هذه القيم تجمعنا وتوحدنا ولكن التعبير عنها يكون من مغلف الثقافة الخصوصية وأدواتها التعبيرية، مثلا يمكن لمؤمن ولغير مؤمن أو لمسلم ونصراني أن يلتقيا عند احترام قيمة الكرامة الإنسانية ولكن التعبير عنها يكون خصوصيا ومختلفا ولكن يؤدي المضمون أو الغاية نفسها، فالكوني ليس سوى الإنساني والإنساني يوحد دون أن يلغي الخصوصية وهذا موكول إلى قيم ومبادئ القبول بالاختلاف والتنوع والتعايش في ظلها سواء وطنيا أو عالميا.

وحول دور المؤسسات التعليمية في تعزيز المواطنة والهوية الوطنية قال: لن تستطيع المؤسسات التعليمية أن تضطلع بدور ريادي في بناء الهوية وتأسيس أرضية ثقافية وقيمية توجه سلوك الناشئة المتعلمة نحو التعبير عن ذاتها من داخل أو منظار وعيها ومعرفتها بهويتها وتاريخ هويتها إذا كانت المدرسة لا تزال في تصورنا وممارستنا العملية حبيسة الدور التكويني والتأهيلي، هذا هو دور المدرسة إذا نظرنا إليها على أنها ليست مؤسسة تكوين لتدريب المتعلمين وتأهيلهم للقيام بمهنة أو وظيفة مستقبلية، بل كفضاء لتشكل خطاب هوية يصقل شخصية الطفل وينشئها على فهم ومعرفة تاريخها أولا لا من باب المعرفة فحسب ولكن من باب معرفة الذات وفهمها، فهذا مدخل تمهيدي ضروري لتمتين الرابط المواطني للطفل بوطنه والاعتزاز بهويته والارتباط الوجودي بها، هذا الدور لا تستطيع المدرسة الاضطلاع به عبر البرامج التعليمية التقليدية وإنما من خلال ما يسمى بالحياة المدرسية أي حياة في المدرسة وليس حياة عبر المدرسة. ما معنى ذلك؟ يعني أن يجد الطفل والمتعلم في المدرسة حياة أخرى غير الدرس ونقل المعارف والامتحان معرفيا فيها وإنما أنشطة مختلفة مثل نوادي الشعر والقصة والموسيقى والسينما والمسرح وغيرها، إذا أردت المدرسة أن تشكل هوية المتعلم وتوثق صلتها بهوية «النحن» وتاريخها، ويجب أن تتخلى عن دورها التقليدي وتقلل من قبضتها على المتعلم كما يقول فرانسوا دوبي: «كثير من المدرسة يقتل المدرسة»، وتعيد ترتيب العلاقة بالتلميذ من حيث أطر ووسائل وكيفيات التواصل مع عقله ووجدانه.

وأشار إلى أن مؤسسات البحث العلمي تلعب دورًا مهمًا في تعزيز المواطنة والهوية الوطنية من خلال توثيق التاريخ والثقافة، ونشر الوعي والتثقيف، وتعزيز الاندماج والتعايش، ودعم التنمية المستدامة، إذ تسهم الأبحاث العلمية في توثيق التاريخ والثقافة الوطنية، وذلك من خلال دراسة اللغة والأدب والتراث والعادات والتقاليد والتاريخ المحلي، مما يسهم في بناء الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء إلى الوطن، كما تقوم مؤسسات البحث العلمي بنشر الوعي حول قضايا الهوية الوطنية والمواطنة من خلال إجراء الأبحاث ونشر النتائج والتوصيات، وهذا يعزز الوعي الوطني ويعمق التفاهم بين أفراد المجتمع، كذلك يمكن للأبحاث العلمية أن تسهم في فهم أفضل للتنوع الثقافي والاجتماعي داخل الوطن، مما يعزز الاندماج والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وبالتالي تعزيز المواطنة الفعالة، إضافة إلى ذلك يمكن للبحوث العلمية أن تدعم التنمية المستدامة للوطن من خلال تطوير السياسات العامة والبرامج التي تعزز الهوية الوطنية وتدعم المواطنة، وهذا يسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مؤسسات البحث العلمی الهویة والانتماء الهویة العمانیة تعزیز المواطنة مؤسسات التعلیم الهویة الوطنیة السلطان قابوس تعزیز الهویة فی بناء

إقرأ أيضاً:

اعتقال أولياء أمور اشتكوا في محادثة واتساب مدرسية

لندن

تعرض زوجان بريطانيان للاعتقال والاحتجاز لمدة 11 ساعة بعد انتقادهما إجراءات التوظيف في مدرسة ابنتهما عبر مجموعة واتساب. أكدت الشرطة عدم وجود أي تهم ضدهما بعد خمسة أسابيع من التحقيق.

وفقاً لصحيفة “مترو”، بدأت الأحداث في مايو الماضي عندما تساءل والد الطفلة عن سبب عدم إجراء عملية توظيف مفتوحة لمنصب مدير مدرسة “كاولي هيل الابتدائية” في بلدة “بورهاموود”، وذلك بعد إعلان المدير السابق تقاعده قبل ستة أشهر.

وتم إثارة القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بمشاركة والدتها التي انضمت إلى النقاش. واعتبرت إدارة المدرسة أن بعض المنشورات تحتوي على عبارات تحريضية، ووجهت تحذيراً إلى أولياء الأمور من اتخاذ أي مواقف قد تؤدي إلى اضطرابات داخل المجتمع المدرسي.

وتم منع الوالدين من دخول المدرسة، ما ترتب عليه حرمانهما من حضور اجتماع أولياء الأمور، بالإضافة إلى عدم تمكنهما من مشاهدة ابنتهما خلال فعالية عيد الميلاد المدرسية.

وبعد قرار الحظر، استمر الوالدان في التواصل مع إدارة المدرسة بشأن احتياجات ابنتهما الصحية، حيث تعاني الطفلة من الصرع وهي مسجلة ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتصاعدت التوترات عندما تلقت العائلة تحذيراً رسمياً من الشرطة في ديسمبر، يطالبهم بعدم التواصل المباشر مع المدرسة. كما تم اقتراح إخراج الطفلة من المدرسة، وهو ما حدث في يناير قبل أسبوع من وقوع الاعتقال.

وفي 29 يناير، وصلت قوة من ستة ضباط إلى منزل العائلة حيث تم اعتقال الوالدين بتهمة المضايقة والتواصل الخبيث بناءً على بلاغ تقدمت به إدارة المدرسة.

ووقعت عملية الاعتقال أمام ابنتهما الصغرى البالغة من العمر ثلاث سنوات، التي أصيبت بحالة من الهلع أثناء اقتياد والديها.

وبعد تحقيقات استمرت خمسة أسابيع، أعلنت الشرطة إغلاق القضية دون توجيه أي اتهامات، موضحة أن الأدلة لم تكن كافية لإثبات أي مخالفات قانونية. زوجان في بريطانيا اعتُقلا بسبب محادثة على واتساب .

 

مقالات مشابهة

  • عصر جديد بالتسوق عبر الإنترنت في تركيا: 24 ساعة لسحب هذه المنتجات أو مواجهة عقوبات شديدة
  • مشهد يحبس الأنفاس: سبيد يتسلق سلمًا شاهقًا دون معدات أمان .. فيديو
  • «أدنوك للمحترفين».. «صدارة لابا» في «أمان»!
  • الشرع: الحكومة راعت تنوع سوريا ولا يمكن إرضاء الجميع
  • اعتقال أولياء أمور اشتكوا في محادثة واتساب مدرسية
  • جدل كبير بعد منع طالبة محجبة من دخول المدرسة
  • رسخ قيم المواطنة.. "الجبهة الوطنية" ينعي الأنبا باخوميوس
  • الجبهة الوطنية ينعى الأنبا باخوميوس: رسخ قيم المواطنة
  • شوهت بالكامل.. العثور على جثة مجهولة الهوية على طريق بغداد - كركوك
  • شوهت بالكامل.. العثور على جثة مجهولة الهوية على طريق بغداد - كركوك في ديالى