الطليعة الشحرية
سقط العالم في معمعة حرب هجينة لا مركزية بها، وتمتد عبر قارات العالم، وتشتعل في الشرق الأوسط، ترمي أمريكا بثقلها السياسي والعسكري وحملات التضليل الإعلامي بدعمها للكيان اللقيط إسرائيل.
وفي الحقيقة هي حرب عن بعد مع روسيا والصين وإيران، إنها حرب غير تقليدية، ليس بها مواجهات مباشرة؛ بل يستخدم بها كيانات وأنظمة وظيفية ومهمتها ترقيع تجميلي لقبح الواقع المذل.
ما يحدث لن يُخفي المؤامرات التي تحاك وتمهد لها شركات عابرة للقارات تستحوذ وتتملك أراضي وموانئ استراتيجية تحت غطاء استثماري، بذات المنهجية التي دأبت عليها شركة الهند الشرقية بقطبيها الإنجليزية والهولندية لتوطين الاستعمار والتمهيد له ووصولها إلى القبضة الحديدية على الاقتصاد.
وتأسست شركة الهند الشرقية الإنجليزية التي أصبحت فيما بعد شركة الهند الشرقية البريطانية، في عام 1600 كشركة تجارية. مع جيش خاص ضخم ودعم من الحكومة البريطانية، نهبت شركة الهند الشرقية شبه القارة الهندية منذ عام 1757. كانت شركة الهند الشرقية هي الوسيلة التي نفّذت بها بريطانيا سياساتها الإمبريالية في آسيا، وحققت الملايين من خلال تجارتها العالمية في التوابل، والشاي، والمنسوجات، والأفيون. وقد تعرضت لانتقادات بسبب احتكاراتها، وشروطها التجارية القاسية، وفسادها، والضرر الذي ألحقته بتجارة الصوف. وأخيرًا وليس آخرًا، جرفت شركة الهند الشرقية الحكام الذين وقفوا في طريقها، واختلست الموارد بلا هوادة، وقمعت الممارسات الثقافية للشعوب التي تعيش داخل أراضيها الشاسعة. باختصار، كانت شركة الهند الشرقية "رأس الحربة الحادة للإمبراطورية البريطانية".
شركة الهند الشرقية أكبر بكثير من مجرد شركة تجارية، فهي دولة داخل دولة، وحتى إمبراطورية داخل إمبراطورية، وواحدة لا تخضع للمساءلة أمام أحد. أفُلت شمس الإمبريالية البريطانية وورثتها أمريكا، فرضت هيمنتها وتسلطها بالتسلط العسكري الفاشل والقبضة الاقتصادية الحديدية.
أمريكا التي تشكلت بين عالمين من المهاجرين والمُهجَّرين، مجموعة من الشراذم والجماعات المستوطنين الأوروبيين مختلطي الأعراق تحدوهم الآمال، وتتراوح بين الطمع في الذهب أو حب المغامرة، وحب العظمة أو شرف خدمة الحاكم أو الهرب من ظلمه وجوره، أو البحث عن حرية الدين والعبادة، أو الإفلات من الفقر والمجاعات والسجون، أو إقامة مزارع الأحلام، وهناك من جاؤوا أو جيء بهم بدون أحلام، واستخدموا أقنانًا في مزارع التبغ والقطن وقصب السكر أو عبيدًا في المناجم والمطاحن ومشروعات مد السكك الحديدية من المحيط إلى المحيط، وعلى مدى قرنين تقريبًا، صهرتهم الحياة بالقارة الجديدة في بوتقة واحدة، لكي يتكوّن منهم الشعب الأمريكي.
يرى الكاتب الأمريكي صموئيل هنتنجتون في كتابة "WHO ARE WE" أن مصادر الهوية الوطنية الأمريكية تنحدر من مجموعة متجانسة من البريطانية البروستانتية، ويرفض فكرة تشكُّل الولايات المتحدة من مجتمع من المهاجرين متعددي الأعراق والإثنيات والثقافات. فالهوية الأمريكية تنحدر وحسب رأي الكاتب من الأنجلو-بروتستانتينية، لذا يرى هنتنجتون أن لأمريكا هوية مُحددة تقوم على ركائز أربعة أساسية، هي العرق الأبيض، والإثنية الإنجليزية، والدين المسيحي البروتسانتي، والثقافة الإنجليزية البروتستانتينية. لذا فهو استحقاق ديني عرقي إثني أن تنصِّب الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ورثية لعرش الإمبريالية البريطانية، فتتبع الخطوات ذاتها وإن تغير ترتيبها ومنهجيتها حسب الأبعاد والأطر الزمنية والتنافسية الاقتصادية. لذا تجنح عقلية رعاة البقر الأمريكية إلى استنطاق التاريخ الحديث بخلق أعداء وهميين خارج حدودها وإنعاش الإمبريالية الصلبية البروستانتية الصهيونية، حتى تمكنها من السيطرة والهيمنة والوقوف بندية أمام الوريثة القيصرية الشيوعية الكاثوليكية الروسية.
ولم أجدُ ما يمكن أن أصف به الأنظمة الوظيفية غير كونها هجينة؛ فهي تقوم بعمل وظيفي استخباراتي قذر، يُعزِّز تسلُّط نفوذ ويُمهِّد لبسط السيطرة لقوة الاستعمار الإمبريالي الأمريكي الحديث.
ولا ريب أن تفخيخ العقول يسبق تفجير الواقع، وحاضرنا لم يكن صنع أيدينا؛ بل متوارثا، وحين نجد أنفسنا في سياق تكوين اجتماعي يتفق بالإجماع على أن الصهيوني عدو غاصب والقدس عربية إسلامية فينتهي النقاش ولن يقبل العقل الجمعي أو المنطقية الإنسانية القبول أو التشكيك بأزلية العداوة وعدالة القضية، حتى وإن أطّرها البعض أو قزمها بوضعها في دائرة الطائفية والمذهبية أو شرعية المقاومة مقابل حصار وموت الشعب الفلسطيني، كما يروج البعض من التسلقيين والهابطين الإعلاميين والمدعين للثقافة، متناسين أن لكل حرب ضحايا ودماء تُدفع وشرف يُسترد.
بدأت المذابح الإسرائيلية بحق الفلسطينيين قبل الإعلان عن قيام دولة الكيان اللقيط بنحو 11 عامًا منذ كانت فلسطين تحت وصاية الانتداب البريطاني الذي كان يتحمل مسؤولية حماية حياة المواطنين الفلسطينيين، وخلال هذه الفترة ارتكبت العصابات الصهيونية "الاتسل" و"ليحى" و"الهاجاناه" وفرقة "البالماخ" وعصابة "شتيرن" أكثر من 57 مذبحة.
المثير للشفقة في هذا الكيانات الوظيفية التي تحاول استمالة شعوبها الساخطة أن تشارك قواتها في عمليات عدوانية في الإقليم، وذات القوات تقوم بإنزال إغاثة.
لقد أشعل آرون بوشنل نفسه أمام السفارة الإسرائيلية ورفع حارس السفارة مسدسه خوفًا من رجل أبيض تلتهمه ألسنة النار لتصحو مع مشهد الموت صحوة حرق البذلات العسكرية الأمريكية؛ وكأنه مشهد يؤذن بسقوط مشعل الحرية الأمريكية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزارة الدفاع البريطانية: نأخذ التهديدات فوق القواعد العسكرية بجدية وتدابير قوية
أكدت وزارة الدفاع البريطانية، اليوم، أنها تتعامل بجدية مع أي تهديدات محتملة تحيط بالقواعد العسكرية في البلاد، مشددة على أنها تحافظ على تدابير أمنية قوية لحماية المنشآت الحيوية.
وفي السياق نفسه، أعلن سلاح الجو الأمريكي رصد عدد من المسيّرات المجهولة فوق ثلاث قواعد جوية في بريطانيا خلال الفترة من 20 إلى 22 نوفمبر الجاري ، ووفقًا لتقرير نشرته وكالة "بي إيه ميديا" البريطانية، شملت الحوادث قواعد "لاكينهيث" و"ميلدنهول" في مقاطعة سافولك، وقاعدة "فيلتويل" في مقاطعة نورفولك، والتي تتبع سلاح الجو الملكي البريطاني.
أفاد المتحدث باسم القوات الجوية الأمريكية في أوروبا بأن المسيّرات التي تم رصدها كانت صغيرة الحجم، وتنوعت في عددها وأشكالها وأحجامها ، وأضاف أن التحقيقات لا تزال جارية لتحديد ما إذا كانت هذه المسيّرات تمثل تهديدًا معاديًا.
وقال: "نحن نحتفظ بحق حماية المنشآت العسكرية، ونواصل التنسيق مع شركائنا لضمان سلامة الأفراد والبنية التحتية."
ورفض سلاح الجو الأمريكي الإفصاح عن طبيعة الإجراءات التي اتُّخذت للتعامل مع هذه الحوادث، مؤكدًا أن التدابير الدفاعية المناسبة تُطبَّق عند الضرورة.
تأتي هذه الحوادث في وقت حساس يتزايد فيه استخدام الطائرات المسيّرة لأغراض متعددة، بما في ذلك جمع المعلومات أو تنفيذ هجمات، وتشدد السلطات البريطانية والأمريكية على أهمية التصدي لأي تهديد محتمل يطال الأمن القومي أو سلامة المنشآت العسكرية.
وتعتبر القواعد الجوية الثلاث التي شهدت الحوادث مواقع استراتيجية، حيث تُستخدم قاعدة "لاكينهيث" بشكل أساسي من قِبل القوات الجوية الأمريكية، فيما تُعد "ميلدنهول" مركزًا لعمليات النقل والإمداد.
تواصل الجهات الأمنية في بريطانيا والولايات المتحدة التحقيق في الحوادث، وسط تأكيدات بأن التنسيق بين البلدين يشكل ركيزة أساسية في حماية المنشآت العسكرية المشتركة ومواجهة أي تهديدات محتملة.
جنود احتياط إسرائيليون يعبرون عن الإرهاق ونفاد الصبر مع طول أمد الحرب وزيادة الخسائر
نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا تناولت فيه حالة الإحباط والإرهاق التي يشعر بها جنود الاحتياط الإسرائيليون الذين يشاركون في الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023، مؤكدين أنهم لم يتوقعوا أن تستمر هذه الحرب كل هذه الفترة.
ذكر التقرير أن العديد من جنود الاحتياط الإسرائيليين عبّروا عن دهشتهم من طول أمد الحرب، حيث قال أحدهم: "لم نتخيل أبدًا أن تستمر هذه الحرب لهذه المدة، كنا نعتقد أنها ستكون حملة سريعة، لكنها أصبحت حربًا شاملة وطويلة الأمد".
وأضاف جندي آخر أن استمرار القتال دون رؤية واضحة للنهاية يزيد من شعورهم بالإرهاق النفسي والجسدي، لا سيما مع تكبد الجيش خسائر بشرية متزايدة يومًا بعد يوم.
أشارت الصحيفة إلى أن تزايد أعداد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي كان له تأثير نفسي كبير على جنود الاحتياط، الذين أُعيد استدعاؤهم للخدمة منذ بداية الحرب، وقال أحد الجنود: "في كل مرة نفقد زميلًا، نشعر بثقل أكبر، عدد الجرحى والقتلى غير مسبوق، ولا نرى أي نهاية قريبة".
وأوضحت واشنطن بوست أن الحرب التي بدأت في غزة توسعت بشكل كبير لتشمل جبهات أخرى، بما في ذلك الشمال مع لبنان والجولان، وهو ما يضيف ضغطًا هائلًا على جنود الاحتياط والقوات النظامية.
نقل التقرير عن بعض الجنود تعبيرهم عن إحساسهم بالمسؤولية تجاه حماية بلادهم، لكنهم أشاروا إلى أن طول فترة الحرب والضغوط المتزايدة تدفعهم للتساؤل عن مدى جدوى العمليات العسكرية الجارية.
على الجانب السياسي، يتعرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضغوط متزايدة بسبب طول أمد الحرب والآثار المترتبة عليها، وأشارت الصحيفة إلى أن هناك تساؤلات بين الجنود والمجتمع الإسرائيلي عن استراتيجية الحكومة ومدى قدرتها على تحقيق أهدافها دون خسائر أكبر.
اختتمت واشنطن بوست بالإشارة إلى أن جنود الاحتياط، رغم إحباطهم وإرهاقهم، يستمرون في أداء مهامهم وسط ظروف صعبة، معربين عن أملهم في إنهاء الحرب قريبًا، ومع ذلك، يظل المستقبل غامضًا في ظل استمرار التصعيد على مختلف الجبهات.