جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-02@04:16:10 GMT

قراءة في مرافعة التاريخ

تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT

قراءة في مرافعة التاريخ

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

لأن المواقف التاريخية الثابتة لا تصنع إلا من المتمسكين بالمبادئ والأسس والقيم والأعراف، فقد كان موقف سلطنة عُمان الثابت من القضية الفلسطينية هو أساس المنطلق لتقديم مرافعة تاريخية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ حيث يسجل التاريخ هذه المرافعة كإحدى صرخات العدل التي ترفع في وجه الاحتلال الغاشم واغتصاب أرض فلسطين منذ عقود طويلة، وأمام صمت العالم على المذابح التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني ضد أبناء شعب فلسطين الأعزل، وقتل الأبرياء دون تفريق بين طفل وشيخ وامرأة، في مشهد يعود بالإنسانية إلى العصور الوسطى، عندما كانت تسود شريعة الغاب وعدم وجود قوانين تحكم العلاقة بين البشر، وعندما كان منطق القوة هو من يفرض نفسه.

جاءت مرافعة سلطنة عُمان لتُعيد العرب والمسلمين إلى حتمية تحملهم مسؤوليتهم تجاه الشعب الفلسطيني وعدم التخلي عن هذه القضية، وما هذه المرافعة إلا حلقة في سلسلة متواصلة من مواقف الدعم التي قدمتها سلطنة عُمان لهذه القضية العادلة، وهذا أمر واجب على كل مسلم وعربي يؤمن أن فلسطين مُحتلة، وأنَّ هذا العدوان غاشم وأن هذا الكيان مغتصب لأرض ليست بأرضه ولا يملك فيها أي حق، وأن هذا الواجب يحتم التحرك بكل اتجاه وبكل قوة لخلق التأثير الذي يُمكن أن يغير من واقع الصراع غير المتكافئ بين شعب أعزل مغلوب على أمره وقوة غاشمة تملك كل الأسلحة والدعم من القوى الغربية التي نسفت كل الأعراف والمواثيق ومرغت الإنسانية في وحل المصالح، وضربت بعرض الحائط كل القيم والمبادئ التي يتغنون بها أمام العالم وشاشات التلفاز.

لقد ركزت مرافعة سلطنة عُمان أمام محكمة العدل الدولية على بُعديْن مُهميْن؛ وهما أولًا: الوضع في فلسطين سواء الحالي الناتج عن العمليات العسكرية والممارسات التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني منذ السابع من أكتوبر، وجرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني والتجويع والتهجير القسري من قطاع غزة، وقتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، أو الوضع السابق الممتد لما يقارب ثمانية عقود منذ الاحتلال الغاشم وقيام هذا الكيان المنبوذ، والاستيطان الممنهج بالأراضي الفلسطينية ونقل المستوطنين بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للسكان، حيث إنَّ هذا الاحتلال المطول ما هو إلا شكل واضح من أشكال الإبادة الجماعية والسعي البين للقضاء على شعب فلسطين ومسحها من على الخارطة الدولية وفرض هذا الكيان بالقوة على العالم تمهيدًا للمشروع الكبير الذي قام من أجله وهو إسرائيل الكبرى من النهر إلى النهر بمساعدة الدول الداعمة لقيام هذه الدولة.

الأمر الثاني الذي ركزت عليه هذه المرافعة، هو حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير كما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة، وحل الدولتين ضمن حدود ما قررته الأمم المتحدة فيما أُقِرَّ في قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967، واتفاقية أوسلو، وهذا الأمر الذي يحاول الكيان الغاشم الالتفاف حوله وعدم تطبيقه والتعذر بأن السلام لا يمكن تحقيقه في ظل وجود حركة حماس، وما هذه إلا أعذار اعتادها العالم من قوم لم يسجل لهم التاريخ موقف واحد التزموا فيه بالعهود منذ الأزل، شعب لم يعرف إلا بالخداع والمكر والخبث والدسائس والمؤامرات والفتن.

لقد قدمت سلطنة عُمان في مرافعتها طلبًا واضحًا للمحكمة الدولية في المقام الأول وهو أن تتحمل المحكمة مسؤوليتها كمرجعية قانونية للعالم أجمع، وأن تعتبر ما يحدث في فلسطين المحتلة من احتلال مطول وتهجير قسري واستيطان وقتل وتدمير هو شكل من أشكال الإبادة الجماعية الممنهجة، وأن ما يحدث هو عمل مخطط ومقصود، وبالتالي اعتبار الكيان الصهيوني مذنباً بنص القانون الدولي ومواد ميثاق الأمم المتحدة، وأن هذه العمليات موثقة ويشاهدها العالم أجمع وبالتالي لا مجال لإنكار ذلك حتى لو حاول حلفاء محور الشر ذلك من خلال تصريحات قادتهم وممثليهم في عديد المحافل.

الجانب الثاني الذي طالبت به سلطنة عُمان أمام المحكمة الدولية، هو ضرورة تحمل العالم مسؤولياته اتجاه هذه القضية، وأن تتوقف الدول الداعمة للاحتلال الصهيوني عن تقديم هذا الدعم الذي بسببه يُعاني شعب كامل من الممارسات الغاشمة والتعسفية ويتعرض للإبادة الجماعية المنظمة، وعلى هذه الدول أن تحترم القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية وجميع القرارات الأممية الصادرة في شأن القضية الفلسطينية منذ بدايتها إلى هذا اليوم، كما يجب عليها الوقوف مع الشعب الفلسطيني في حقه المنصوص في ميثاق الأمم المتحدة والقاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها.

لقد قدمت سلطنة عُمان مُرافعة للتاريخ، وسجلت موقفًا مُشرِّفًا- كعادتها- تجاه القضية الفلسطينية التي آمنت بأنها قضية عادلة وقضية تخص الشرفاء من هذه الأمة، وأن هذه المواقف إنما تصدر من الدول التي تملك تاريخًا ناصعًا في القضايا الإنسانية، تلك الدول التي تؤمن بأنَّ السلام هو السبيل لحياة كريمة على هذا الكوكب، وأن التعايش يقتضي بالأساس الإيمان بالحقوق والواجبات والثبات على المبادئ واحترام الأنظمة والقوانين، وأن الخير يسود العالم عندما يتخلص العالم من مصادر الشر ودعاة الظلم والمفسدين في الأرض.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سفير سلطنة عمان بالقاهرة: تعزيز التعاون العربي الأفريقي خطوة محورية لمواجهة التحديات الراهنة

أكد السفير عبد الله الرحبي سفير سلطنة عمان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية أن تعزيز التعاون بين العالمين العربي والأفريقي يمكن أن يكون خطوة محورية لمواجهة التحديات التي تواجه الطرفين.
وقال الرحبي - في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط على هامش أعمال مؤتمر "السلام والتنمية في الإطار العربي الأفريقي" الذي استضافته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية اليوم الأحد - إن تنظيم مثل هذا المؤتمر يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة العربية أزمات عميقة تهدد هويتها واستقرارها، نتيجة لانهيار القيم الأخلاقية واستبدال قوة السلاح بمنظومة العدالة والقوانين الدولية، وهو ما يتنافى مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة.
وأضاف سفير سلطنة عمان بالقاهرة أن ما نشهده من دمار في مناطق مثل غزة ولبنان يدعو إلى القلق العميق، متابعا: "واليوم، ونحن نتحدث عن العلاقات التاريخية بين العالم العربي وأفريقيا، لا يمكننا تجاهل تحديين أساسيين يؤثران بشكل مباشر على الأمن القومي العربي وهما، الأزمة السودانية وسد النهضة الإثيوبي، الذي يشكل تهديدًا للأمن المائي". 


ونوه إلى أن هذه التحديات تستدعي تعزيز التضامن الحقيقي والصادق لمواجهتها، إذ أصبحت تلك التحديات حجر عثرة أمام مسيرتنا نحو اللحاق بركب التقدم الذي يشهده العالم. 
وأكد أن العلاقات العربية الأفريقية ليست وليدة اليوم، بل هي علاقات ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، فهناك دول عربية تقع في قلب هذا الفضاء الجغرافي، وظلت تلك العلاقات قوية ومتينة لفترات طويلة.
وأوضح السفير الرحبي أن انكفاء العالم العربي في فترات سابقة بسبب التحديات المتزايدة أدى إلى دخول أطراف أخرى إلى الساحة، مما فاقم الأوضاع وتسبب في خلق سرديات جديدة للصراعات لم تكن موجودة تاريخيًا، مستطردا: "لقد كانت شعوب المنطقة، على اختلاف أعراقها ومذاهبها، تعيش في سلام ووئام، وكان هذا التعايش هو مفتاح تقدم مجتمعاتنا في تلك الفترات".

مقالات مشابهة

  • رئيس الوفد الوطني يبارك العملية الإيرانية التي ضربت أهدافا عسكرية للعدو داخل فلسطين المحتلة
  • ينطلق غدا.. مهرجان ظفار الدولي للمسرح يستقطب كبار نجوم العالم
  • مهرجان ظفار الدولي للمسرح يستقطب كبار النجوم من مختلف أنحاء العالم
  • في اليوم العالمي للقهوة.. تاريخ اكتشاف المشروب الأكثر إثارة للجدل في التاريخ
  • على ضوء التاريخ: نصر الله بين الجدل والإرث المقاوم
  • سلطنة عمان تؤكد للعالم ضرورة وضع حد للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل
  • عُمان.. نموذج للحوار والتسامح في السياسة الخارجية
  • سفير سلطنة عمان بالقاهرة: تعزيز التعاون العربي الأفريقي خطوة محورية لمواجهة التحديات الراهنة
  • الأمم المتحدة تشيد بجهود سلطنة عمان لدعم السلم والأمن في العالم
  • لشكر: خطاب القضية الفلسطينية يجب أن يكون عقلانيا وكفى من مخاطبة النخاع الشوكي بالحماس وباللاءات التي تسقط!