البرهان في القاهرة.. استجابة لشكاوى اللاجئين السودانيين وقطع الطريق أمام التشكيك في موقف مصر
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
لاقت زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للقاهرة أمس اهتماماً كبيراً على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وذلك لخصوصية العلاقات بين البلدين، ولما له من أهمية كبيرة لموقف مصر تجاه مجريات الأوضاع في السودان.
جاءت الزيارة في توقيت مهم، وتعكس دلالات أكثر أهمية على مجمل الأوضاع في السودان والمنطقة، كما تؤشر الزيارة على موقف مصر الثابت تجاه الأزمة في السودان، تجلى ذلك في مخرجات اللقاء بين البرهان والسيسي والتي أكد فيها الرئيس المصري دعم مصر الثابت والكامل للإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي بالسودان.
خصوصية العلاقة
المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية المستشار أحمد فهمي صرح عقب اللقاء أن الرئيس السيسي أكد خصوصية العلاقات الأخوية التاريخية بين مصر والسودان، مشدداً على حرص مصر على تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، بما يساهم في تحقيق مصالح الشعبين الشقيقين، كما شهد اللقاء استعراض تطورات الأوضاع في السودان، والجهود الرامية لتسوية الأزمة الجارية بما يضمن استعادة الاستقرار، ويحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية ومؤسساتها، ويلبي تطلعات الشعب السوداني الشقيق نحو تحقيق الأمن والاستقرار.
وأضاف المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية أن الفريق البرهان أكد من جانبه تقدير السودان الكبير للدعم المصري في ظل الظروف الحالية التي يمر بها البلاد، مشيراً إلى أن هذا الدعم يعكس الروابط التاريخية الممتدة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، والتي انعكست في الدور المصري في استقبال المواطنين السودانيين وتخفيف آثار الأزمة، كما تناول اللقاء آخر مستجدات القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك الأوضاع في قطاع غزة، حيث تم تأكيد ضرورة وقف إطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية بشكل فوري، كما تم التوافق على استمرار التشاور المكثف والتنسيق المتبادل في هذا السياق خلال الفترة المقبلة لما فيه المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين.
تسهيل الإجراءات
في الوقت نفسه أكد الرئيس السيسي، إلتزام السلطات المصرية، بمعاملة الشعب السوداني المقيم، كمعاملة أشقائهم المصريين في التعليم والعلاج وتسهيل إجراءات الإقامة، ووجه السيسي الجهات المختصة في مصر بتسهيل وسرعة كافة الإجراءات بما يتعلق بالاشقاء السودانيين.
موقف ثابت
تأتي زيارة البرهان إلى القاهرة في توقيت مهم، ورغم قصر مدة الزيارة والتي لم تستغرق سوى بضع ساعات، إلا أنها جاءت رداً قاطعاً على كل من يشكك في مواقف القاهرة الثابتة تجاه الخرطوم، كما ردت على كل المشككين في تنازل مصر عن موقفها الثابت تجاه الأزمة السودانية، بالتأكيد على الوقوف بجانب الشعب السوداني واستقراره وسلامة أراضيه، بجانب التوجيه العاجل للرئيس السيسي بمعاملة السودانيين المقيمين بمصر كمعاملة المصريين، وحتى لو ساعد هذا التوجيه على أقل تقدير على تسهيل دخول السودانيين لمصر وتسهيل إجراءات الإقامة بها، ستكون بذلك قد حققت الزيارة نجاحاً كبيراً على صعيد تخفيف الأعباء على كاهل الشعب السوداني الذي شردته الحرب.
ولمزيد من القراءة في مخرجات الزيارة نناقش في هذا التقرير الأهمية والتوقيت والمآلات والرد على الشكوك.
فصل الملفات
يرى الكاتب الصحفي خالد محمد علي نائب رئيس تحرير صحيفة الأسبوع المصرية والخبير بالشأن السوداني من جانبه أن زيارة البرهان للقاهرة جاءت بعد زيارتين مهمتين، وهما زيارة البرهان لطرابلس وزيارة أفورقي للقاهرة. وقال علي لـ ” المحقق” إن الزيارة بالتأكيد تطرقت إلى تحويل المنطقة الواقعة بين مصر والسودان وليبيا إلى منطقة إعمار واستثمار، بدلاً من تهريب البشر والسلاح، وقطع الطريق أمام تسلل العناصر المحاربة إلى دارفور والسودان، مضيفاً أنه لابد من توحيد الرؤى في تحويل هذه المنطقة الخطيرة إلى منطقة اقتصادية، خصوصاً وأنها غنية بالمعادن والموارد الكثيرة والتي يمكن أن تنعكس بالنفع الإقتصادي على دول المنطقة، لافتاً إلى أن مصر في الفترة الأخيرة بدأت في مناقشة أوضاع السودان بعد الحرب، والتمهيد لحوار وطني شامل يشمل الجميع، وقال إن مؤشرات إنتصار الجيش السوداني على الأرض وتوليه زمام المبادرة أصبحت واضحة بشكل كبير، وأن هذا يؤيد فكرة التفكير في سودان ما بعد الحرب والحوار الوطني الشامل، وتابع أن هناك تصوراً مشتركاً الآن بين البلدين لما بعد انتصار الجيش وتشترك كل من ليبيا وإريتريا في هذا التصور أيضا، موضحاً أن توجيه الرئيس السيسي بمعاملة السودانيين المقيمين في مصر معاملة المصريين سوف ينفذ بدقة كبيرة، ولم يستبعد الأستاذ خالد تطبيق نوع من التسهيلات على إقامة السودانيين بمصر ومنح مدة أطول في الإقامات، وأرجع السبب في تعقيد الإجراءات المصرية على السودانيين بعد الحرب، إلى تسلل عناصر منفلتة إلى مصر بعد الحرب، وأن السلطات المصرية كانت تحاول التدقيق في عملية العبور ما أدى إلى تعقيد الأمور، مؤكداً أن مصر تتبع نظام الفصل في الملفات، وقال إن الدبلوماسية المصرية تفصل تماماً في هذه الملفات، وضرب مثالاً بالخلاف التركي المصري في ليبيا، في وقت تشهد فيه ملفات أخرى بين البلدين تطابقاً في الرؤى، مضيفاً أن هذا الموقف المصري الثابت ينسحب على العلاقات المصرية الإماراتية، فقد يكون هناك مصالح بين القاهرة وأبوظبي ولكن لا يمكن أن يؤثر ذلك على موقف مصر الثابت تجاه السودان والشرعية فيه والحفاظ على مؤسساته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
الداعم الأقوى
من جهته أكد عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية أن زيارة البرهان للقاهرة جاءت في توقيت مهم للسودان، وأنها تطرقت لزوايا ثلاث عسكرية ودبلوماسية وإقتصادية. وقال ميرغني لـ”المحقق” إن الأهم في الزيارة هو مفاوضات السلام، وإن مصر هي الداعم الأقوى والأساسي على المستويين الإقليمي والدولي، مضيفاً أن مصر سبق وأن أطلقت مبادرة دول جوار السودان، بعد محاولات التدخل العسكري في السودان من قبل مبادرة الإيقاد، مؤكداً أن موقف مصر ثابت على ماتم الإتفاق عليه في منبر جدة وهو “خروج قوات الدعم السريع من ولايتي الخرطوم والجزيرة ودمج الدعم السريع في الجيش السوداني”، ولفت ميرغني إلى أن معاملة السودانيين في مصر “إلى حد ما” هي معاملة استثنائية قبل الحرب وحتى بعد الحرب مع التدفقات الكبيرة للسودانيين إلى أراضيها، مشيراً لوجود شكاوى من إجراءات الإقامة، متوقعاً أن تكون توجيهات الرئيس السيسي في هذا الموضوع لها إنعكاس على إجراءات الإقامة وتمديد فترتها، مؤكداً أن الأزمة السودانية ليست قضية عابرة في مصر، وقال إن السودان في مصر هو أمن قومي، وأن القاهرة موقفها ثابت منذ بداية الحرب بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، وأن التأكيد على هذا الموقف ليس محل للخلاف.
وتابع ميرغني أن الشرعية للقوات المسلحة السودانية هي قضية ارتكاز أساسية بالنسبة للقاهرة، ولا يمكن التشكيك فيها على الإطلاق، ولايمكن بأي صورة المناورة بالجيش السوداني، منوها أن الموقف الإماراتي في السودان به بعض المبالغة، وقال يمكن أن يكون هناك تفاهم بين السودان والإمارات ويمكن أن تساهم مصر كثيراً في هذا الموضوع، لافتاً إلى أن التحرك السوداني في الملف الإماراتي لم يكن كافياً، وقال إنه يمكن استثمار الدور المصري في هذا الإطار.
تذليل العقبات
كما اتفق السفير صلاح حليمة نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، في أن الزيارة تكتسب أهمية بالغة في ظل الظروف التي يشهدها السودان. وقال حليمة لـ ” المحقق” إن الزيارة جاءت بعد انتصارات للجيش في عدد من المناطق، وقد ينتقل هذا الإنتصار إلى مناطق أخرى بالبلاد، وأيضا جاءت بعد زيارة للبرهان إلى ليبيا والتي تسعى لإحداث تفاهمات في السودان، مستبعداً في الوقت نفسه أن تنجح ليبيا في ذلك.
وأضاف السفير حليمة إن تطورات الأوضاع في البحر الأحمر والعدوان على غزة فرضت نفسها على مباحثات الرئيسين، وكذلك التأكيد على الدفاع على أمن البحر الأحمر، مؤكداً موقف مصر الثابت على عدم التدخل في الشأن السوداني الداخلي، وأن هذا الموقف ليس محل مساومة، مضيفاُ أن هناك تأييداً واضحاً من الجيش والشعب في السودان بضرورة تجاوز الأزمة من خلال حوار وطني شامل، لافتاً إلى أن توجيه الرئيس السيسي بخصوص معاملة السودانيين في مصر قائم وموجود منذ بداية الأزمة، وقال أعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك تذليل لبعض العقبات وخصوصاً اجراءات الإقامة.
وعلى صعيد تسوية الأزمة أشار حليمة إلى أن الموقف الآن يتجه نحو تفعيل مبادرة جدة، وقال إن مبادرة دول جوار السودان قوية أيضاً ويمكنها إحداث اختراق في الأزمة السودانية، ولكنها ربما تأثرت بمواقف بعض دول الجوار، مؤكداً أن مصر هي الأكثر حرصاً على أمن واستقرار السودان وسلامة أراضيه، وقال إن أي آثار سلبية في السودان ستنعكس على الأمن القومي المصري.
القاهرة – المحقق: صباح موسى
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: إجراءات الإقامة الشعب السودانی زیارة البرهان الرئیس السیسی بین البلدین فی السودان الأوضاع فی مصر الثابت بعد الحرب المصری فی موقف مصر وقال إن یمکن أن أن مصر فی هذا فی مصر أن هذا إلى أن
إقرأ أيضاً:
دروشة بعض السياسيين السودانيين في التعامل مع مصر!
رشا عوض
من اهم مواصفات السياسي السوداني الوطني التعمق في معرفة وفهم السياسة المصرية تجاه السودان جيدا ، وتصميم سياسته تجاه مصر على علم وبصيرة وليس على انطباعات ساذجة!
عقل الدولة المصرية ( اقوى شيء في مصر هو مؤسسة الدولة) يستبطن مشروع استتباع السودان سياسيا كطريق لاستغلاله اقتصاديا، هذا المشروع هو القاسم المشترك بين جميع حكام مصر منذ محمد على باشا حتى الملك فاروق، وحتى من جاؤوا للحكم بعد ثورة يوليو ورثوا هذا المشروع الاستتباعي وجعلوه عصب سياستهم تجاه السودان!
ما هي اداة مصر لاستتباع السودان؟
الاداة الرئيسية هي الجيش السوداني!
ولذلك لا مجال مطلقا لتراجع مصر عن التمسك بخيار هيمنة الجيش على السياسة السودانية لان هذا هو مفتاح مصالحها غير المشروعة في السودان ، وبالتالي فان معارضة مصر لقيام اي حكم مدني ديمقراطي، او حتى حكم عسكري وطني مستقل( كلامه من دماغه) ، ستظل معارضة منهجية وشرسة ، وموقف مصر المعادي للتيار المدني الديمقراطي في السودان هو موقف استراتيجي صلب، غير قابل للتراجع او المساومة عبر التحانيس والمجاملات والدبلوماسية ، ولذلك عندما يتحدث بعض السياسيين السودانيين عن ان موقف مصر من الجيش السوداني تغير وانها ساعية للحل السلمي في السودان ، فهذا دليل غفلة كارثية!
الجيش السوداني بالنسبة لمصر هو اكبر دائرة نفوذ ! هو المفتاح المضمون والفعال لسيطرتها على السودان! وبالتالي لن تتنازل ابدا عن القتال في سبيل تمكينه من رقاب السودانيين الذي يعني تمكينها هي!
السياسي المدني السوداني مهما تفانى في تقديم فروض الولاء والطاعة ومهما اجتهد في ان يتحول الى " فلنقاي مصري" يزجر الصحفيين عن مجرد انتقاد السياسة المصرية التافهة تجاه السودان، ستذهب مجهوداته ادراج الرياح ولن ينجح في تغيير وجهة السياسة المصرية تجاه السودان وهي باختصار حكومة عسكرية قوامها جنرالات عملاء جبناء اسود عل الشعب السوداني ونعام اخرق امام الحكومة المصرية ينفذون اوامرها دون نقاش.
لن ترض مصر عن اي سياسي مدني سوداني الا اذا قبل بوصاية جنرالات مصر في الجيش السوداني على النظام السياسي وصاية مطلقة.
اما بخصوص هذه الحرب فمصر داعمة للتيار العسكركيزاني الذي يسعى لتقسيم السودان لو فشل في سحق الد.عم السريع، اما حكاية سعيها لانجاح المفاوضات فهو اكذوبة كبيرة! مصر مع التصعيد العسكري ، تعمل بالتنسيق التام مع الجيش ومع فصيل علي كرتي وصلاح قوش، وتهندس حلفا اقليميا داعما للكيزان!
من مصلحة مصر سيطرة الكيزان على السودان لانهم سيجعلونه دولة معزولة محاصرة بالعقوبات وتكون مصر هي نافذته الوحيدة على العالم مثلما حدث خلال العشرين عاما من العقوبات الامريكية التي جرها الكيزان على السودان! ربحت مصر مليارات الدولارات من هذه الوضعية! ومن مصلحتها سيطرة جنرالات يدينون لها بالولاء المطلق!
هل معنى ذلك تبني سياسة عدائية تجاه مصر؟
مؤكد هذا ليس هو المطلوب، بل المطلوب هو تبني سياسة واقعية قائمة على ادراك الواقع كما هو ، والسعي للدفاع عن المصالح الوطنية السودانية عبر امتلاك كروت ضغط سياسي حقيقية في ايدي القوى المدنية الساعية للسلام والتحول الديمقراطي، والضغط يبدأ من مكاشفة الرأي العام السوداني بما تفعله مصر تجاه بلادنا، وامتناع القوى المدنية عن حضور اي مؤتمرات تخص الشأن السوداني في مصر باعتبارها ليست وسيطا بل دولة منحازة لاحد طرفي النزاع، وصولا الى هندسة حلف دولي واقليمي لمساندة قوى السلام والتحول الديمقراطي في السودان مقابل الحلف المساند للكيزان الذي تقوده مصر من الباطن.