من خارج سياق الأحداث والتطورات التي يشهدها لبنان على حدوده الجنوبية مع إسرائيل، برزت قضية ملحّة من خلف حدوده الشمالية والشرقية مع سوريا، أثارت استفهامات حول توقيتها وسياقها، تمثلت في مذكرة احتجاج سورية رسمية، نادرة في نوعها، تلقتها الخارجية اللبنانية الأسبوع الماضي، تصنف أبراج مراقبة حدودية للجيش اللبناني بأنها "تهديد للأمن القومي السوري"، وتتهمها بالتجسس لصالح إسرائيل.

"لماذا الآن؟" كان السؤال الأبرز الذي طرح في لبنان في الأيام الماضية، خاصة وأن إنشاء تلك الأبراج وانطلاق العمل بها، يعود إلى أكثر من 10 سنوات مضت لم تشهد أي اعتراض، وهو ما فتح الباب أمام الكثير من التحليلات للخطوة السورية وأبعادها، والهدف المرجو من إثارة الملف في العلن، وعلى مستوى دبلوماسي رسمي، في هذا التوقيت بالذات.

وبحسب فحوى الاحتجاج الذي تناقلته وسائل إعلام لبنانية، فإن المتهم الرئيسي في هذا الملف، إلى جانب لبنان، هو الحكومة البريطانية، التي تعتبر عرّاب مشروع الأبراج الحدودية وراعية تجهيزها والتدريب على استخدامها، حيث جاء إنشاؤها بالتزامن مع الهجمات الإرهابية التي تعرض لها لبنان عبر حدوده مع سوريا منذ عام 2013، لمساعدة الجيش اللبناني في عملية ضبط الحدود ومواجهة عمليات التسلل والتهريب.

وتزعم المذكرة السورية أن الناتج المعلوماتي عن معدات المراقبة في هذه الأبراج، "يصل إلى أيدي البريطانيين، الذين يزودون الجانب الإسرائيلي بها للاستفادة منها في توجيه ضربات في العمق السوري".

وتحدثت المذكرة عن "تهديدات على مستويات عدة" تشكلها منظومة الأبراج، لاسيما لناحية المعدات الاستعلامية والتجسسية الحساسة التي تتضمنها، والتي تجمع المعلومات من مسافات عميقة في الداخل السوري. كما ذكرت بالقانون الدولي المتعلق بالحدود المشتركة بين الدول، والذي يفرض مشاركة المعلومات الناتجة عن رصد الأبراج الحدودية بين الدول في حالة السلم، ويسمح للدولتين بإقامة أبراج متقابلة على جانبي الحدود، في حالة الحرب.

وفيما طالبت المذكرة الحكومة اللبنانية بالتوضيح واتخاذ الإجراءات اللازمة "لحماية الأمن المشترك"، لم يعلن الجانب اللبناني بعد عن أي رد رسمي في هذا السياق، باستثناء تعليق صحفي مقتضب لوزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، أكد فيه أن لبنان "لا يقبل بأن تشكل هذه الأبراج أي أمر عدائي تجاه سوريا"، مذكراً أن الهدف منها يقتصر على مراقبة الحدود ومنع التسلل والتهريب.

وأوضح بوحبيب أن الخارجية اللبنانية تنتظر الرد التقني من الجيش اللبناني على المذكرة السورية لصياغة جوابها، منوّها بأن التشاور حول هذه المسائل الكبرى "يتم على أعلى المستويات داخلياً"، من أجل الخروج بالحلول الأنسب لضمان استقرار لبنان.

"توقيت مريب"

وأثار الاحتجاج السوري، عاصفة ردود أفعال في الداخل اللبناني، بين من انساق خلف التحذيرات السورية من "تجسس دولي" قد تتيحه تلك الأبراج، وبين معترضين على ما وصفوه "إهانة" للجيش اللبناني تتضمن تخويناً وتشكيكاً بأدائه بكونه المشغل لتلك الأبراج والمشرف على عملها والمعلومات الناتجة عنها.

في هذا السياق يرى النائب في البرلمان اللبناني، أنطوان حبشي، أن توقيت إثارة الملف من الجانب السوري، "ملفت للنظر"، واصفاً "الاستفاقة السورية بعد 12 عاماً على إقامة الأبراج" بأنها "مريبة جداً"، خاصة أنها أنشئت في سياق معروف للجميع، وبتعاون معلن بين لبنان وبريطانيا.

يستغرب النائب عن منطقة بعلبك الهرمل، التي تضم الامتداد الشرقي الأوسع للحدود اللبنانية مع سوريا، طرح هذا الملف الآن من الباب الأمني، وتصوير الأبراج على أنها عامل مساعد يسهل استهداف العمق السوري من جانب إسرائيل، فيما تتعرض سوريا للقصف الإسرائيلي منذ سنوات، تسبق حتى إقامة الأبراج، معتبراً أن الربط القائم بين الأمرين "مخالف للمنطق".

ويبدي حبشي عدم استغرابه من الجانب السوري "منطق تخوين الجيش اللبناني وتصويره وكأنه يعمل لصالح جهات خارجية ويأتمر منها، هذا المنطق أيضاً يعززه حلفاؤهم في الداخل عند كل خلاف سياسي، عبر التخوين واتهام الآخر بولائه وبالعمالة"، معتبراً ذلك منطق من يريد الاستمرار في استباحة لبنان وسيادته على أراضيه.

ويلفت حبشي في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أن تزامن الاعتراض السوري مع طرح بريطاني جديد لإقامة مثل هذه الأبراج على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، كجزء من الحلول المطروحة للتوتر الحدودي القائم، "ليس من باب الصدفة"، مضيفاً "وكأن المذكرة ليست سورية، بل صادرة عن فريق لبناني فاعل في سوريا، يعبر عن عدم ارتياحه للمسار الذي تسير به الأمور"، في إشارة إلى حزب الله.

وكان وزير الخارجية البريطانية، ديفيد كاميرون، قدم اقتراحات حول كيفية إرساء التهدئة جنوب لبنان، في سياق زيارة له إلى لبنان مطلع فبراير الماضي، من بينها تعميم نموذج أبراج المراقبة على الحدود الجنوبية، لضمان تنفيذ واحترام القرار 1701 ومراقبة أي مظاهر مسلحة على الجانبين في عمق معين، على أن تكون تحت إشراف القوات الدولية (اليونيفيل) المنتشرة جنوب لبنان، بحسب ما نقلت تقارير محلية.

في حينها هاجمت وسائل إعلام مقربة من حزب الله المقترح البريطاني، معتبرة أنه "خدمة لأمن إسرائيل على حساب لبنان"، ومحاولات "ترهيب وترغيب" لحزب الله من أجل وقف عملياته العسكرية. وهو ما أوحى بارتباط الاحتجاج السوري المستجد على الأبراج، بالمقترح البريطاني المقدم.

"تجهيزات جديدة؟"

إلا أن الرواية المنقولة عن الجانب السوري لأسباب الاحتجاج تتحدث عن إدراج معدات جديدة ضمن تجهيزات أبراج المراقبة، "تتضمن أجهزة تشويش وتنصت، تغطي مساحات واسعة من العمق السوري تصل إلى نحو 80 كلم"، وفق ما ينقل المحلل العسكري، عمر معربوني.

ويلفت إلى أن توفر تلك المعلومات لدى الجانب السوري هو ما بدل مقاربته لقضية الأبراج، "التي كانت قبل ذلك مزودة فقط بكاميرات حرارية يبلغ مداها الفعال نحو 6 كلم، وكان الأمر متفق عليه بين الجانبين اللبناني والسوري، عبر مكتب التنسيق العسكري بين الجيشين السوري واللبناني"، وهو عبارة عن قنوات استخباراتية وعسكرية لتبادل المعلومات بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب والتهريب وأمن حدود البلدين.

وبحسب معربوني فإن "موقع الأبراج على تلال مرتفعة ومشرفة على مساحات واسعة في الداخل السوري، مع معدات متقدمة تشرف على تشغيلها وصيانتها جهات خارجية، بإمكانها أن تؤمن للمستفيدين منها، إمكانية مراقبة مباشرة ودائمة، تؤمن تشويش أو تنصت مستدام على الجانب السوري، بشكل أفضل من الطائرات أو الأقمار الاصطناعية، وأوفر وأكثر دقة، وهو ما يفسر الحساسية والخشية السورية".

إلا أن اللافت بالنسبة إلى معربوني كان آلية إرسال الاحتجاج، بصيغة الاحتجاج الدبلوماسي الموجه رسميا للخارجية اللبنانية، "وهذا أمر غير مسبوق"، حيث كانت هذه الرسائل تصل عبر قنوات الاتصال التي يوفرها مكتب التنسيق العسكري مع الجانب السوري. وهو ما يشير إلى أن التواصل عبر المكتب لم يصل إلى نتيجة، ما دفع إلى رفع مستوى الاحتجاج.

وإذ يرى معربوني أن المذكرة لم تتضمن أي تخوين للجانب اللبناني، "وانما طلب توضيح لبعض المسائل"، يستبعد ارتباطها بالعرض البريطاني المتعلق بجنوب لبنان، "خاصة وأن هناك رفض حاسم من الجانب اللبناني لهذا المقترح لاسيما من قبل حزب الله"، معتبراً أن هذا الربط يأتي في سياق التجاذب السياسي.

وفي السياق نفسه برز كلام عن انزعاج لدى حزب الله من الأبراج على الحدود السورية، يعود لأعوام ماضية، بكونها تقع على معابر حدودية يستخدمها في نقل أسلحته وإمداداته العسكرية من الجانب السوري. إلا أن معربوني يذكّر أنه وعلى مدى أكثر من 10 أعوام، لم يسجل أي اعتراض من تلك الأبراج لتحركات حزب الله أو إمداداته، كما لم يسجل أي كلام أو تسريبات في هذا الشأن، معتبراً أن "حزب الله لديه ثقة بالجيش اللبناني في هذا الجانب".

قصة نشأة الأبراج

وتمتد تلك الأبراج على مدى الحدود اللبنانية السورية من منطقة العريضة شمال لبنان إلى ما بعد قرية راشيا في الجنوب الشرقي، ويقدر عددها بـ 39 برجاً، بينها أبراج محمولة ومتنقلة، يوفر كل منها رؤية بنصف قطر 360 درجة لمسافة 10 كيلومترات.

وجاء الإعلان الرسمي عن هذه الأبراج من جانب الحكومة اللبنانية في ديسمبر عام 2014، حيث قال رئيس الحكومة اللبنانية في حينها، تمام سلام، إن "ضباطا بريطانيين استخدموا وسائل حديثة وأقاموا بشكل سريع نحو 12 برج مراقبة للجيش اللبناني في الجبال على الحدود الشرقية، تسمح له بمراقبة التحركات في هذا القطاع بشكل أفضل وإقامة موقع دفاعي متقدم"، عقب مواجهات مع تنظيمات إرهابية متسللة من تنظيمي داعش والنصرة.

جاء ذلك عقب كشف حصري عن تلك الجهود البريطانية في تقرير لصحيفة "ديلي تلغراف"، نشر أواخر نوفمبر 2014، بعنوان "الدور البريطاني السري في وقف مذبحة داعش في لبنان"، تحدث عن فرقة بريطانية سرية عملت في يوليو 2014 بسرعة وجهود ضخمة لبناء الأبراج على الحدود السورية، لمنع سقوط بلدة مسيحية حدودية في أيدي داعش ووقوع مذبحة فيها.

وبحسب الصحيفة كان ذلك ناجم عن اهتمام وثيق من جانب رئيس الوزراء البريطاني في حينها، ديفيد كاميرون، بإنقاذ القرية.

في حينها وبعد نشر التقرير الصحفي، أصدرت السفارة البريطانية في لبنان، توضيحاً كشفت فيه أن الحكومة البريطانية أسهمت بـ273 مليون دولار من المساعدات للجيش اللبناني جاءت على شكل آليات وعتاد عسكري وشبكة اتصالات لاسلكية.

ويحظى الجيش اللبناني بدعم دول غربية عدة، في طليعتها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية. وتعبر بريطانيا باستمرار عن التزامها بدعم الجيش اللبناني لحفظ الاستقرار والسلام في لبنان، وقدمت في هذا السبيل مساعدات وعتاد بمئات ملايين الدولارات، فضلا عن تدريبات واسعة لآلاف الجنود على القتال واستخدام معدات المراقبة والاتصال.

ورغم أن تلك الأبراج تخضع لسلطة الجيش اللبناني وإشرافه، يصطلح في لبنان على تسميتها "الأبراج البريطانية" نسبة لقصة نشأتها برعاية وتمويل بريطاني، فضلاً عن كونها مستوحاة من اختبار بريطانيا لفعالية تلك الأبراج في أيرلندا الشمالية.

وأجرت فرق بريطانية متخصصة العديد من الدورات التدريبية لعناصر وضباط بالجيش اللبناني، وفق ما يعلن موقعه على الإنترنت، وذلك في مجال مراقبة الحدود البرية والمهارات الأساسية لضبطها، ودروس على نظام ARGUS المستخدم في الأبراج، والمراقبة المتحركة  Mobile Observation، ومراقبة الحدود وضبطها عبر أبراج مراقبة، واستخدام مناطيد مجهّزة بكاميرات ونظام CLIO وأجهزة الإشارة Datron وBarette، فضلاً عن تدريبات حول نظام DTRA المعتمد في أبراج المراقبة، والذي يؤمّن المراقبة والاتصال بين الوحدات والقيادة.

إلا أن الفكرة بأصلها تعود إلى ما قبل ذلك بأعوام، وتحديداً إلى عام 2006، بعد انتهاء "حرب تموز" وصدور القرار 1701، بحسب ما يؤكد العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، خليل الحلو، في حديثه لموقع "الحرة"، إذ ينص البند رقم 14 في القرار الأممي على "مطالبة حكومة لبنان بتأمين حدوده وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتاد إلى لبنان دون موافقتها، ويطلب إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان مساعدة الحكومة بناء على طلبها".

منذ ذلك الحين، بحسب الحلو، بدأت الدول الداعمة للجيش اللبناني، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول بالاتحاد الأوروبي، البحث في آليات لضبط الحدود، وهو ما نتج عنه إنشاء أفواج حرس الحدود البرية تباعاً، ولتفعيل عمل هذه الأفواج بدأ الحديث عن أبراج المراقبة التي رعتها بريطانيا لاحقاً.

ويشرح العميد المتقاعد أن تلك الأبراج موصولة مع قيادات أفواج الحدود البرية، بحيث أن كل برج بحسب نطاقه يرسل المعلومات والمشاهد المباشرة إلى غرف عمليات خاصة بالأفواج، كذلك في قيادة الجيش، ويمكن أن يغطي (البرج) مدى 20 كلم.

وبحسب المعلومات الواردة في الموقع الرسمي للجيش اللبناني، يحتوي كل برج كاميرا تتحرّك 360 درجة ومنظار، بالإضافة إلى شاشة في غرفة عمليات البرج وأخرى في إمرة السرية. ويتم معالجة الثغرات في تغطية كاميرات المراقبة الناجمة عن طبيعة الأرض، بالاستعانة بحسّاساتٍ (Sensors) تطلق إنذارًا عند مرور أشخاص، حيث يتم التعامل معها عبر دورية أو طائرة من دون طيّار.

وحول الإشراف التقني الخارجي على تجهيزات تلك الأبراج يلفت الحلو إلى أن استخدام تلك الأبراج على مدى سنوات يتطلب أعمال صيانة وتأهيل، جرى تمويلها بمبادرات دولية غربية، وتم توكيل شركات خاصة بهذه المهمات، يهتمون بصيانة هذه الأبراج بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني وتحت إشرافها، وشملت الصيانة الكاميرات وأجهزة الاستشعار، والمولدات الكهربائية، والطاقة الشمسية، وغيرها.

ويتابع أن بعض الكاميرات المستخدمة في هذه الأبراج جرى إرسالها إلى السويد سابقاً لإصلاح بعض الأعطال، "حيث لا يجري إصلاحها إلا هناك".

يذكر أن الجيش اللبناني سبق أن أعلن عبر موقعه عن إيفاد ضباط وعناصر إلى السويد لتدريبهم على استخدام أجهزة المراقبة FLIR الخاصة بالتصوير الحراري، وبرنامج Cameleon.

"إثارة بلبلة للفت الانتباه"

إلا أن ذلك لا يعني صحة الاتهامات السورية بحسب الحلو، الذي يضيف أن "النظام السوري يريد أن يقنعنا أن تلك الأبراج هي التي تهدد أمنه القومي، في وقت يعمل على الأراضي السورية 10 جيوش وتنظيمات على الأقل، من بينها الجيش الأميركي والجيش الروسي، والتركي والإسرائيلي، والحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والميليشيات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية والجيش الحر، فضلاً عن داعش والنصرة".

ويضيف أن اعتبار النظام السوري الأبراج أداة تجسس بريطانية لصالح إسرائيل، يأتي في وقت يحاول فيه النظام نفسه استعادة التواصل مع بريطانيا تحديداً، ومع غيرها من الدول الغربية المقاطعة له.

وإذ يستبعد الحلو بدوره أي ارتباط حقيقي بين إثارة الجانب السوري للقضية وموقف حزب الله من الأبراج، أو مقترح نشرها جنوباً، يرى أن "النظام السوري يرفع السقف ويثير بلبلة حول العديد من الملفات من أجل الضغط لتحقيق مكتسبات".

ويضيف "صحيح أن المدخل لبنان، لكن الضغط فعلياً في هذه المسألة هو على بريطانيا، المهتمة بمسار مشروع الأبراج الذي أسسته واستثمرت فيه لينجح، فيما تعمل على تعميمه. ويسعى من خلال هذه المسألة للفت الانتباه البريطاني إليه أملاً باستعادة التواصل معه".

أما عن المطالبة بمشاركة الناتج المعلوماتي لتلك الأبراج، يؤكد العميد المتقاعد في الجيش اللبناني أن التنسيق بشأن تلك المعلومات قائم عبر المخابرات من الجانبين، في المقابل لا يقوم الجانب السوري بواجبه في هذا الاطار لضبط التهريب بمختلف أشكاله واتجاهاته، بل يتورط فيه أيضاً، "وبالتالي التنسيق ومشاركة المعلومات لن يقدم أو يؤخر".

ويختم "أما إن كان لديه رغبة ببناء أبراج مماثلة من ناحيته، فهذا حقه ويستطيع فعلها بموجب القانون الدولي، ولا أحد يمنعه من ذلك".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: أبراج المراقبة الجیش اللبنانی للجیش اللبنانی الجانب السوری تلک الأبراج هذه الأبراج الأبراج على على الحدود من الجانب فی الداخل حزب الله فی حینها فی لبنان إلا أن فی هذا إلى أن أن تلک وهو ما

إقرأ أيضاً:

سليم الصايغ يقرأ في محاضرة فياض: الهواجس الوجودية تصيب الطوائف كلها وهذا هو المطلوب


في 1-6-2024، عُقد مؤتمر "حركة التجدد للوطن" تحت عنوان من "لبنان الساحة... إلى لبنان الوطن" وقد كانت للنائب علي فياض مداخلة أثارت تفاعلاً على المستوى السياسي والاكاديمي وفتحت باباً للنقاش لكونها ركزت على ثلاثية الواقعية والمسؤولية والتوافقية، والأهمية الحاسمة لإعادة بناء دولة حقيقية فاعلة وقادرة، والأهمية الحاسمة للمقاومة لحماية الكيان ومواجهة التحديات السيادية، والأهمية الحاسمة لمنهجية تبادل الهواجس والضمانات كإطار عملي وواقعي لإنتاج التفاهمات بين اللبنانيين.

الحلقة الثانية مساهمة عضو كتلة" الكتائب اللبنانية" النائب الدكتور سليم الصايغ في مناقشة مداخلة فياض.

يقول النائب سليم الصايغ: مسألة كبيرة طرحها النائب الصديق الدكتور علي فياض ولن أجيب عليها إلا بصفتي الشخصية لسببين:

السبب الأول: إن عرض الموضوع بطريقة منهجية ومناقشته بموضوعية هو مطلب دائم فلا حدود للحوار إلا ما تفرضه الأخلاق الاجتماعية. يبقى أن على الاجابة أن تكون متناسبة مع حجم المسألة المطروحة لأن التبسيط في أمور كيانية يشكل خطراً تماماً كما التعقيد الذي يروي غليل غطرسة السفسطائيين من دون أن يشفي سقم الساعين بجدٍ إلى حل دائم ومستدام لإشكالية الوطن في دينامية الداخل وعلاقته مع الخارج. ومن حقي أن أتمهل لبرهة إنما من دون تردد لأني على يقين من أن الحرب، أي حرب، هي وسيلة لغاية سياسية، حتى ولو إرتقت السياسة إلى عملية إدارة الوجود بمعناه الواقعي الملموس كما بمعناه كصيرورة لكينونة لم تكتمل.

إن الحرب، في غزة أو على حدود الجليل الأعلى، لن تغيِّر أي شيء في المعادلة الداخلية. فقد يقول قائل إن الخطر هذه المرة وجودي على طرفي النزاع أي إسرائيل ومحور الممانعة. لا شك أن الخلاصة هذه صحيحة بالنسبة لغزة ومشروع الدولتين إنما لا أعتقد أنها تصح في ما يتعلق بحزب الله ولبنان، إذ أن حرب المشاغلة هي بالمبدأ مقيدة بقواعد إشتباك وبالتالي هي ليست حرب شاملة ومطلقة فكيف لها إذن أن تكون حرب وجود التي هي بالمبدأ حرب "أن تكون أو لا تكون" تماماً كما يحصل اليوم في الأراضي المقدسة؟ قد يكون حزب الله قد نجح في تثبيت الترابط بين الداخل والخارج في محاولته ربط الساحات لتثبيت وحدة المسار، وقد يكون المصير بين المشروع الافتراضي للدولتين في فلسطين والمشروع المعلَّق للدولة في لبنان. من هنا يؤكد الصايغ أن تأثير الخارج سيكون محدوداً على الداخل اللبناني لا سيما في ما يتعلق بالمكونات التي تحدث عنها النائب فياض، إذ أن تلاؤم الهواجس والمخاوف كما تناغم التطمينات قامت قبل نشوء لبنان الكبير وتجذرت في القانون وفي الروح، وبالتالي شكلت جوهر الميثاق الوطني قبل أن تعطي لها إطاراً سميناها في لبنان "الصيغة اللبنانية" بأشكالها الفريدة وتسمياتها المتعددة وصولا إلى بدعة "التوافقية" التي أصبحت حجة لتعطيل الحركة والتقدم على كل المستويات السياسية. وعلى ضوء ذلك لا بد من الانخراط في النقاش لتفكيك قراءة النائب فياض بتأنّ فلا يشكل رد اليوم إلا مدخلا لتعميق النقاش.

السبب الثاني: لأن موضوع مستقبل لبنان لا يزال قيد النقاش داخل "حزب الكتائب اللبنانية" ولو أن الاتجاه العام أصبح معروفاً وبالتالي لا يحق لي، كما يقول الصايغ، أن الزم الجماعة واكتفي بممارسة حرية التعبير وهو حقٌ لا يُناقش.

ويثمن الصايغ صراحة الدكتور فياض وجرأته الأدبية في محاولة تفكيك الحالة اللبنانية واختصار عناصرها بإشكالية الهواجس الوجودية للشيعة والمسيحيين التي لا يمكن معالجتها حسب قوله إلا من خارج الدولة. فيما الدروز والسنة حسب رأيه لديهم هواجس مرتبطة أكثر بطبيعة السلطة، فيمكن بالتالي التعاطي معها من ضمن النظام وآلياته. انطلاقاً من هذا التشخيص يدعو المحاضر إلى اعتماد حل يتبادل الفريقان الشيعي و المسيحي الهواجس ومن ثم يتم تبادل التطمينات.

بمعنى آخر يكون هاجس حزب الله الأول وجود العدو الاسرائيلي صاحب الأطماع الدائمة في لبنان وهاجس المسيحيين الأول التقهقر الديمغرافي وضعف حضورهم في الدولة المركزية. بعد ذلك ودائماً بحسب النائب فياض يتم الاعتراف من قبل "الفريقين" بالهواجس ليأتي كل واحد بالتطمينات التي يطلبها، فيأخذ الشيعي شرعية السلاح ويأخذ المسيحي اللامركزية الإدارية الموسعة.

وبناء على ماتقدم يلخص الصايغ رده كمدخل للنقاش بالأمور التالية:

أولا": إن افترضت جدلاً أن العملية التبادلية منطقية ومقبولة من قبل "الفريقين"فما هي عناصر الصفقة؟ أن يأخذ الشيعي السلاح الذي يمس جوهر مفهوم الدولة التي لها حصرية السلاح والسلطة عليه وهي التي تحدد وجهة استعماله ووظيفته حسب القوانين والدستور ويعطي في المقابل للمسيحي "سلطة" لا مركزية مرتبطة بطبيعة النظام أو شكله الذي هو أساساً مدعو للتطور كما كل أنظمة الدول؟ بمعنى آخر يأخذ حزب الله موقعاً في أساس مفهوم الدولة الذي لا يتغير ويأخذ المسيحي مكسباً في جزء من السلطات التي تتغير. هذه الضمانات هي من طبيعة مختلفة، تنطلق من الهاجس الوجودي للمسيحيين لتعالجه بمكاسب في السلطة. هل يقبل المسيحيون بهذه "التبادلية"التي تؤجل فحسب إعلان هزيمتهم التاريخية؟

ثانيا- أخشى أن تصبح "التبادلية" مفردة رديفةً "للتوافقية" والتي هي أصلا مفردة أسيء استعملها بحيث تم الخلط بينها وبين "الميثاقية". ويذكر بأن "الميثاقية"مرتبطة بطبيعة انبثاق السلطة فقرة (ي) من مقدمة الدستور، بينما "التوافقية"مرتبطة بطبيعة اتخاذ القرارت في السلطة التنفيذية وهي مرحلية وليست نهائية فلا تكون شرطاً أو مقدمة لأي قرار. فيصبح كل قرار لا يخضع للمبدأ الجديد أي التبادلية (المسيحية-الشيعية) غير الشرعي لأنه "يناقض ميثاق العيش المشترك".

ثالثا- إن القول أن مكاسب اتفاق الطائف بالسنة والدروز وهواجس أبناء هاتين الطائفتين بحصص في السلطة فيه اختصار وتبسيط لمسار الأداء السياسي في لبنان لا سيما بعد خروج الجيش السوري من لبنان. إن المواقف الوطنية الكبرى التي أخذتها قيادات تاريخية سنية ودرزية حتى عام 2011 في عز معركة استعادة الدولة لم ترتكز على حسابات تحاصصية ضيقة إنما على قيم الشراكة الوطنية (وليس الشركة الوطنية).

رابعا- إن الهواجس الوجودية تصيب كل الطوائف اللبنانية. إن هجرة الأدمغة واللجوء الفلسطيني والنزوح السوري وسرقة ودائع الناس وعقم العدالة في قضية انفجار المرفأ والفقر المستشري والانحراف الأخلاقي والفساد المستطير والأمن السائب وتفلت السلاح وتقهقر الدولة والتلوث البيئي وانعدام التوازن فضلاً عن وجود دولة حزب الله إلى جانب دولة الجمهورية اللبنانية كلها أمور جوهرية ووجودية تتعلق بطبيعة الاجتماع والسياسة في لبنان. ان تجزئة التبادلية إن سلمنا بها جدلا" لتكون ثنائية لا تخدم ميثاق العيش معا إذ أن المطلوب هو تبادلية متعددة الأطراف تأخدنا جميعا كلبنانيين إلى التفكير بهدوء حول مستقبل مطمئن للجميع.

خامسا- إن تحديد طبيعة المخاطر يتم في عملية ديالكتيكية مع تحديد طبيعة المصلحة الوطنية. وتاريخ الأوطان السياسي وتشكلها يبين أن المخاطر تسبق تحديد المصلحة وهي هواجس حب البقاء وهي عملية عاطفية مرتبطة بالوجدان الدفين والوعي المشترك. والشعور عند كثر اليوم أن الخطر الكياني لا يأتي من الخارج بقدر ما هو من سوء استعمال السلطة أو الخروج عن الدستور ومنطق الدولة. حتى أن الخطر هو من أبناء لبنان على دولتهم أكثر مما هو من الخارج. بالتالي من الفشل أن يؤسس على الثنائية (الشيعية-المسيحية) نموذج حكم صالح بعد اتفاق مار مخايل، كيف له أن ينادي اليوم بالعودة إلى منطق التبادلية اليوم؟

سادسا- إن الفرق بين العقد الاجتماعي والميثاق الاجتماعي كبير. في العقد تبادل للحقوق والواجبات في الدستور على اساس المساواة بين المواطنين. في الميثاق تخطي للعلاقات الندية لبناء المساحة المشتركة التي تتسع للجميع على اساس القيم المشتركة.

سابعا- أخشى ان يؤدي منطق التسليم بقيام دولة إلى جانب الدولة بسبب امتلاك السلاح إلى الاقتداء بنموذج حرب الله.

ثامنا- إن كلام الشيخ نعيم قاسم الذي جاء بعد كلام النائب فياض حول التمسك باتفاق الطائف وأن لا خروج عنه فيه طمأنة للجميع وتخفيف من وقع إشكالية الهواجس. يبقى أن على الشيخ قاسم ان يعطي البينة بأنه ملتزم فعلا بتطبيق الاتفاق بدءاً بإنتخاب رئيس لا يكون مشروطاً بطمأنة المقاومة. إذا تم ذلك يكون كلام الزميل فياض تنظيراً فحسب، وإذا بقيت الأمور على حالها من التعطيل يكون كلامه صائبا" وجديراً بالتبحر فيه أكثر.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • حول ما يتم تناقله بخصوص لقاء الأسد وأردوغان في بغداد وتصريح الكرملين.. اللقاء لن يتم
  • حمية: لبنان ليس عاجزاً ولا فقيراً
  • وسط تصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.. نصر الله يجتمع بوفد من حماس
  • وسط تصعيد على الحدود اللبنانية.. نصر الله يجتمع بوفد من حماس
  • حزب الله اللبناني يرد على اغتيال احد قادته بقصف قواعد اسرائيلية
  • مفتي راشيا من كندا: اللبناني كالغيث أينما حل نفع
  • غالانت: مستعدون لقتال حزب الله إذا اضطررنا لذلك
  • ما مصير الوجود المضطرب للاجئين السوريين في تركيا؟
  • رُفض نقلها إلى بيروت.. ما جديد الحالة الصحيّة للونا الشبل بعد تعرضها لحادث سير؟
  • سليم الصايغ يقرأ في محاضرة فياض: الهواجس الوجودية تصيب الطوائف كلها وهذا هو المطلوب