بين السياسي والاقتصادي في الأزمة الاقتصادية الليبية
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
وجَّه محافظ مصرف ليبيا المركزي كتابا إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية يرد فيه على حديث للأخير في ذكرى ثورة فبراير تناول مسائل اقتصادية ومالية وتضمن ما يفهم أنها رغبة لتحسين ظروف الليبيين المعيشية من خلال زيادة في الإنفاق الحكومي ورفع قيمة الدينار الليبي.
كتاب المحافظ ناقش ما قال إنها رغبة رئيس الحكومة في إرجاع سعر صرف الدينار إلى 1.
لغة الأرقام هي المضمون الرئيسي لرسالة المحافظ لرئيس حكومة الوحدة، واتسمت الرسالة بالموضوعية وخلت من الاتهامات، لكن لا يمكن قراءة مضمونها بعيدا عن الخلاف الدائر بين المصرف والحكومة، والذي كان من بين أسباب الإجراءات التي اتخذها المركزي وأسمهت في ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية في السوق الموازي، فلقد أثار حجم الإنفاق الحكومي منذ مجيئ الدبيبة للحكم، والذي كشفت عنه رسالة المحافظ، جدلا واسعا وقلقا كبيرا، والفاقد أو الهدر ليس بالقليل بالنظر إلى إجمالي الإنفاق حسب كتاب المصرف المركزي(420 مليار دينار) والبنود الرئيسية للنفقات الحكومية للأعوام 2021، 2022، 2023م.
صحيح أن الرسالة تأتي في سياق دور ومسؤولية المصرف كمستشار للحكومة، لكن توقيتها ومضمونها كان ردا صريحا على خطاب سياسي لدبيبة فبدت محرجة للأخير، خاصة بعد فشل جهود الصلح بين الدبيبة والكبير، فالرسالة التي تم تداولها بشكل واسع أكدت أن مساعي التوفيق بين المصرف والحكومة لم تنجح.
حكومة ادبيبة، التي عرف عنها الإنفاق بسخاء من غير تخطيط ودراسة، معنية بالرد على ما ورد في رسالة المحافظ من أرقام مخيفة تنذر بمزيد من التردي الاقتصادي والمالي، خاصة بند الدعم الذي تجاوز 100 مليار دينار بحسب المصرف المركزي، وإلا فستكون المسؤول الأول عن تفاقم الوضع في نظر الرأي العامبالمقابل، لم تتضمن رسالة المحافظ ردا على تصريحات حول تعامله مع الحكومة الليبية في الشرق وتسييله أموالا لها، ولم يرد في الرسالة حجم التمويل الذي ذهب للحكومة الليبية، ووردت عبارة الإنفاق الموازي مجهول المصدر والذي اعتبرته الرسالة سببا في تراجع قيمة الدينار في السوق السوداء، وقد يفهم من تكرار عبارة الإنفاق مجهول المصدر، رغبة في عدم التصعيد مع حكومة أسامة حماد في الشرق .
مصادر عدة تحدثت عن استمرار طباعة العملة الليبية في الشرق واستخدامها في شراء العملات الأجنبية من السوق الموازية، وكان المصرف المركزي في فترة سابقة قد أكد تداول فئة الخمسين دينار الليبي مصدرها غير معلوم، وإشار إلى عزمه عن سحب هذه الفئة من التداول دون ان يصدر قرارا بذلك.
تضمن كتاب المحافظ مقترحات لمجابهة الأزمة المالية والنقدية، في المدى القصير والمتوسط، في مقدمة هذه المقترحات وقف الإنفاق الموازي مجهول المصدر وترشيد الإنفاق الحكومي، وتنويع مصادر الدخل، وزيادة إنتاج النفط، وإعطاء أولوية للإنفاق الاستثماري وتقليل الانفاق الإستهلاكي.
والحقيقة أن الوضع السياسي وحالة النزاع القائمة والتي عنوانها الأبرز وجود حكومتين تنفق كل منهما أموالا طائلة لا يمكن أن تتحقق معها مقترحات المصرف المركزي للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة، وأن الوضع الاقتصادي والمالي مرشح لمزيد من التأزيم إذا استمر النزاع على ما هو عليه.
رسالة المحافظ صريحة في كشف طبيعة الأزمة وأسبابها، لكنها لم تكن شفافة في الكشف عن مصدر الإنفاق الموازي الذي وصفته بالمجهول، ولم تورد بيانات بخصوص مصدر تمويل حكومة حماد التي لا تقدم أي بيانات عن نفقاتها.
أخيرا حكومة ادبيبة، التي عرف عنها الإنفاق بسخاء من غير تخطيط ودراسة، معنية بالرد على ما ورد في رسالة المحافظ من أرقام مخيفة تنذر بمزيد من التردي الاقتصادي والمالي، خاصة بند الدعم الذي تجاوز 100 مليار دينار بحسب المصرف المركزي، وإلا فستكون المسؤول الأول عن تفاقم الوضع في نظر الرأي العام، ولن يعفيها الحديث عن هدر في ملف المحروقات مسؤولة عنه المؤسسة الوطنية للنفط، فالمؤسسة تتبع الحكومة، وإن كان نفوذ رئيس مجلس إدارتها أكبر من أن تحد منه حكومة الوحدة فليكون رئيسها صريحا في التعبير عن ذلك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ليبيا اقتصادية الرسالة الرأي ليبيا اقتصاد رسالة البنك المركزي رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإنفاق الحکومی المصرف المرکزی حکومة الوحدة ملیار دینار
إقرأ أيضاً:
حل الأزمة الليبية بين المطرقة والسندان
المشهد السياسي والاقتصادي في ليبيا، وما يترتب عليه من تداعيات اجتماعية، هو أحد الألغاز التي عجزت عن إيجاد حلول حقيقية. فقد مرت ليبيا بثلاث مراحل سياسية رئيسية: المملكة، ثم الجماهيرية، واليوم تعيش في ظل فوضى سياسية وأمنية واجتماعية. وهذه المراحل يسهل تقييمها من قبل المواطن، لكن الحل المفقود هو ما يحير الجميع.
السبب في ذلك هو أن البعض يرفض مواجهة الحقيقة بحجة أن الحل يتعارض مع مصالحه الخاصة ورغباته، بدلًا من التفكير في البحث عن حلول. ولذلك، يتطلب الأمر الارتقاء بالفكر والتخلص من العقد التي سببها غياب الوازع الوطني، الذي ما زال غائبًا كأنه في “غرفة التبريد”.
البلاد تعاني من أبسط المبادئ والأسس، مثل الوعي الاجتماعي والبنية التحتية، التي حلت محلها أوهام المقارنة مع دول الجوار، بدلًا من أن تكون نموذجًا لدول النامية. وإذا بحثنا عن الحلول، نجد الكثير منها على الورق، لكن السؤال الحقيقي هو: كيف يمكن تطبيقها في ظل المعطيات الحالية؟ فالمعطيات الموجودة لا توفر بيئة مثالية لتحقيق الحلول.
مكونات الدولة الأساسية
لكي تقوم دولة حقيقية، يجب توافر ثلاث مكونات أساسية مترابطة:
الشعب الإقليم السلطة السياسيةولقيام دولة عصرية، يجب التركيز على بناء شعبها من خلال التنمية الشاملة، التي تخلق وعيًا يبني أسس الدولة العصرية. لكن ليبيا أضاعت سنواتٍ طويلة وفرصًا تاريخية لبناء الإنسان، رغم الإمكانيات الهائلة التي توفرت من عائدات النفط. وقد اعتمدت الدولة على النظام الريعي الذي عطّل قدرة المواطن على التفكير والإبداع، مما جعل المواطن الليبي يعاني، وتوقفت النمو والتنمية تتوقف لمدة عشرين عامًا.
تعرض القطاع العام للفساد وسوء الإدارة والانهيار، وزادت معدلات البطالة، فأصبح الفساد والسلبية جزءًا من سلوك الليبيين.
ما بعد ثورة فبراير 2011
جاءت ثورة فبراير 2011، ومعها أحداث كبيرة، ولكنها كشفت عن فشل الليبيين في التعامل مع الوضع الجديد. انقسموا، وتقاتلوا، وأصبحوا أدوات في يد دول إقليمية ودولية، استغلتهم لتحقيق مصالحها. صدقوا الوعود بتحويل ليبيا إلى “واحة من الديمقراطية والازدهار”، ولكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، لا تزال المكابرة والعناد المسيطرين على الشخصية الليبية هما السمة السائدة.
أصبح الفساد أحد السمات التي تميزت بها المرحلة، لأن الليبيين اعتبروه فرصة لن تتكرر، بينما كانت البلاد تنزلق نحو الهاوية.
ماذا بعد؟
اليوم، توجد إكراهات واضحة، ومنها الفشل في تحقيق الاستقرار، وانعدام الثقة في الأجسام السياسية القائمة، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية والضغوط الدولية، وتأخير الانتخابات التي من المرجح ألا تنجح في ظل الظروف الراهنة. لم تنجح المبادرات أو الاتفاقات، بل كانت سببًا في تعميق الأزمة من خلال فرض شخصيات بعينها وتغييب إرادة الشارع الليبي.
أما الأمم المتحدة، فقد فشلت في تنفيذ أجنداتها بسبب تداخل مصالح دول مجلس الأمن، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا، والتي كانت تختلف حول الملف الليبي.
أما الخيار الأخير فهو الشارع الليبي، الذي انقسم بين مؤيد لطرف ما بدافع الانتماء الجهوي والمصالح الشخصية، وبين غالبية صامتة تشغلها همومها ومعاناتها، وقد تحولت إلى طبقة فقيرة أو شبه فقيرة. وقد أصبح واضحًا أن الليبيين يعانون من الخوف المستمر، ربما خوفًا من انهيار ما تبقى من الدولة، وهم ينتظرون الحل من الخارج، على الرغم من إدراكهم لزيف الوعود التي قطعها حلف الناتو.
الواقع اليوم يؤكد أن الليبيين يريدون التغيير، لكنهم غير مقتنعين بالديمقراطية التي جربوها مرتين. يفضلون الأمن والاستقرار، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها تشكيلات مسلحة تتحرك وفقًا لمصالحها.
الوضع الراهن
اليوم، البلاد تسير نحو الإفلاس، وهو ما أصبح واضحًا، ولا سيما بعد تخفيض سعر صرف الدينار الليبي أمام الدولار، وانتشار الفساد وسوء الإدارة، وانعدام الخدمات الصحية والتعليمية، وارتفاع معدلات البطالة، مما يعطي الليبيين فرصة لضرورة التغيير قبل فوات الأوان.
وتزداد المخاطر الأمنية، وأهمها الهجرة غير النظامية التي تشكل اهم المخاطر نحو التغيير الديمغرافي وفرض على البلاد، رغم المجهودات التي بذلتها القيادة العامة للجيش الليبي، والتي تفرض سيطرتها على مساحات واسعة من البلاد، بما في ذلك الحدود مع دول الجوار. يبدو أن الحل الواقعي اليوم هو توحيد المؤسسة العسكرية، ودعم الليبيين لها، بعد فشل السياسيين في إيجاد حل.
ماذا ينتظر الليبيون؟ هل سيكون لديهم القدرة على النهوض؟ وهل ستتمكن البلاد من الخروج من هذا المأزق الكبير في ظل سلبية الشعب الليبي الذي يميز الواقع السياسي اليوم؟
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.