خطة أعمار السودان تحتاج إلى خارطة كنتورية حديثة
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
بقلم الصادق عبدالله أبوعيّاشة
خطة إعمار السودان
تحتاج إلى خارطة كنتورية حديثة
بقلم الصادق عبدالله أبوعيّاشة
أيها القارئ رأيك يهمني لتحسين الكتابة.
كنت يوماً أراجع في كتاب المرحوم السفير عطا الله حمد البشير (ذكريات وتجارب دبلوماسية)،
إذ يذكر أنه كان كان مديراً تنفيذيا بوزارة الخارجية، ذلك عندما أعلنت حكومة السودان حالة طواري الفيضان في عام 1988.
لكن المعونة الأمريكية جاءات بخريطة كنتورية للخرطوم للمساعدة في الخروج من تلكم الحالة الفيضانية.. ولسان حالها يقول حلّوا مشكلة الفيضان بايديكم.. فالمعرفة قوة..
كلمة كنتور، يقال أن أصلها طلياني. خط الكنتور يعني المناطق ذات الارتفاع المشترك. وأرجو أن يكون كل الناس على فهم واحد لما تعنيه كلمة كنتور.
في العقود الأخيرة ربما اختفت المفردة من أذهان الطلاب. إذ لم تعد الجغرافيا وعلم الخرائط تدرس في المدارس، وبالطبع لا تدرس في الجامعات، إلا المتخصص منها، وذلك قليل.
قطر مثل السودان بفترض أن تكون مادة الجغرافية مادة إجبارية وبكل أفرعها، الخرائط، الجيولوجيا والمعادن، الفلك، المناخ والبيئة، السكان والنشاط الاقتصادي. فمن لم يدرس الجغرافيا سيفقد أول ما يفقد الإتجاه. وثقل السودان جغرافية.
وأن تكون الجغرافية مادة أساسية في مطلوبات البكلاريوس حتى لدى طلاب الصحافة والقضاء والعلوم الشرعية.
والحاجة للجغرافية في العلوم الشرعية كثيرة، بدءا من مسافة القصر، إلى هطول المطر وجمع الصلاة، والمسح على الخفين وقت الشتاء، ورؤية الأهلة، وتقدير زكاة الزروع والركاز (التعدين)، وسقيا الماء ومشهورة قصة الإمامين ابوحنيفة النعمان ومالك في جمع الصلاة في المطر.. وكثير من القضاء.
بحمد الله قد تيسر لجيلنا دراسة الجغرافية، بدءا من خريطة الفصل، والبلدة والمنطقة عبر خرائط السودان إلى خرائط العالم. وعرفنا في دروس الجغرافيا الرياح والسحب وأحواض الأنهار وجريانها..
وتعلمنا الخرط الكنتورية، وعرفنا في حصص الأدب أن السيل حرب للمكان العالي. نعم عرفنا أن السودان هو حوض النيل الاوسط الذي يرتفع من الاطراف وينخفض في الوسط ويميل قليلا نحو الشمال ليمثل مجرى النهر. يمناه على اليسرى .. ويسراه على اليمنى..تبار ذلك المجرى..
ومدننا الرئيسة حوله لها قامات وارتفاعات في سطح الارض. فبورتسودان تجلس على حافة البحر بارتفاع ، بين (0-5) أمتار فقط عن مستواه.
وادي حلفا في اقصى الشمال بارتفاع 190مترا عن سطح البحر تليها (دنقلا 228م) ثم ترتفع عنها قليلا (كريمة 250م) ثم (أبو حمد 315م) و(عطبرة 345م) إلى (شندي 360 م) . الى (الخرطوم 380م) عند مقرن النيلين .. اهاهيها.. اهاهيها.. لتكون مفترق سطح الارض.
فالنيل الابيض على طول أكثر من اربعمائة كيلوتر جنوبا تكاد تكون كل مدنه في اتفاع واحد . كوستي ترتفع 386 متر (ستة امتار اعلى من الخرطوم) فوق سطح البحر.
بينما ود مدني القريبة من الخرطوم ترتفع عنها بتسعة عشر متر (ودمدني 405 م).
وسنار على النيل الأزرق والتي تقابل مدينة كوستي ترتفع عن الخرطوم يما يصل إلى اربعين مترا (سنار 420م) والدمازين بعدها ترتفع عن الخرطوم بخمسين مترا (الدمازين 470م).
وأعلى من الدمازين كل من كادقلي (500م) تماثلها كسلا في اقصى الشرق (كسلا 500م).
العجيب أن القضارف ترتفع عن كسلا المجارورة بمائة متر بالتمام والكمال (القضارف600).
أما الاعجب فالغرب كله عال . عروس الرمال على سهلها المنبسط قامتها أرفع من كل من ذكرنا من مدننا الحبيبة. الأبيض (570م) هي أعلى من كادقلي وأعلى من الدمازين وأعلى من النهود خلفها (النهود 565م).
نعم اكتشفت ذلك مبكرا عندما كنت افكر في سينارو خط أنابيب المياه من خزان الرصيرص إلى مدن مثل القضارف والابيض.
وأما العجب العجاب فنيالا أعلى (نيالا 675م) والفاشر رفعت حاجب الدهشة (الفاشر730م ) وتقف الجنينة في قمة المدن( الجنينة 805م).
وبهذا الكنتور تجلس الخرطوم في صرة أرض السودان .. تجري إليها الأنهار من حيث تدري ولا تدري.. لكن هناك متغيرات أخرى كثيرة غيرة معلومة.. ومنها الرياح ما الرياح.. راجع مقالي عن مناخ الخرطوم صورة تقريبية ..
ثم داخل الخرطوم كل أسطح المباني في ولاية الخرطوم أصبحت مرتفعات وكل الطرقات أصبحت منخفضات.. من يحسب لنا مساحة المرتفعات والمنخفضات داخل الخرطوم..
أكثر من ذلك اندثرت نهيرات الخرطوم الداخلية.. فحلة الغرقان هل تعلمون حلة الغرقان!!.. . حلة الرميلة.. أحد أشهر أحياء الخرطوم اندثر نهرها الذي خلفها. اليوم تقوم بناية حديثة تغلق مساره إلى النيل الأبيض..
وكذلك اختفى نهر خندق الخرطوم الشهير الذي جعله غردون بينه وبين ود النجومي.
وهناك ثمة نهر اختزل الأن إلى مجري لا يكاد يحرك ساكنا.. منخفض طريق الهوا الأتي من سوبا وحتى ابو أدم.. وكذلك الذي يحاذيه المار بجبرة إلى ود عجيب.
أما النهيرات الاخرى التي اندثرت منها الخور الذي شرق المطار الأتي من جنوب اركويت الذي يجري إلى بري المحس إلى جوار نادي الشرطة ويصب جوار محطة كهرباء بري..
وخندق غردون جوار جامعة الخرطوم.. حيث النفق الذي يغرق في كل عام .
ونهيرات أخرى كان يسلكها السقايين إلى النيل.. (راجع تاريخ الخرطوم .. ابوسليم،) والتي أصبحت طرقاً ممردة هي: شارع المك نمر.. شارع القضائية (شارع عبدالمنعم).. وشارع علي عبداللطيف إلى إدارة المرور..
أكثر من ذلك. فقدت الخرطوم فرصة إقامة بحيرة صناعية في منطقة الحزام الاخضر، كل منطقة الأزهري حتى أبو آدام والعزوزاب. يمكن أن تسحب لها مياه الامطار كل موسم، ثم تجفف قبل موسم المطر وتغلق حتى إذا فاض الماء.
فتح ويضخ إليها ماء الفيضان. ثم يتم تصريفه تحت السيطرة. ويمكن للبحيرة أن تكون فوائد أخرى إذا إديرت بعناية.
أما شرق النيل فلا تزال أنهاره المندثرة والمعترضة بواسطة الإنشاءات .. الترع والطرق والسكة الحديد.. لا تزال الكثير منها يثور، إن كان ذلك في مرابيع الشريف أو منخفض الدروشاب والكدرو، حيث أقيم محجر الكدرو. وشمالا حتى الجيلي..
الغريب في بحري أن خط تصريف مياه الصرف أنشأ تماما عكس الإنحدار.. من الوابورات وإلى ود دفيعة..
وأم درمان ما أم درمان.. خور (نهر) أبو عنجة، وفي منطقة شارع كرري المار بالمسالمةـ لي في المسالمة غزال، ببكي وبغني عليه.
وخور شمبات، ونهر جنوب بوابة الكلية الحربية. ونهيرات كثيرة تحتاج للبحث والتنقيب.. وإنشاءات أكثر تحتاج أن يعاد النظر فيها..
الآن تمددت مدينة الصالحة فوق مجرى يصب جنوب الجامعة. ومجاري مائية في المنطقة الشمالية الحتانة وسيرو وكرري لا تكاد تحمل أي قطرة ماء.
أكثر من ذلك هناك مرتفعات وجبال حول الخرطوم وبحري إن كانت في السليت أو جبل سركاب وغيره ومحاجر الرمل والحصى ردمت منتجاتها بعض بقاع الخرطوم بما في ذلك خنقت المجاري المذكورة وحتى النيل الازرق الآن مختنق تماماً...
سالت يوما.. مساعد شرطة من كبار السن... وقد توقفت الحركة تماما في مدخل كبري بري من ناحية بحري. .. اردت ان اجعل بيني وبينه صلة طيبة.. قلت له اليوم الحركة واقفة.. رد علي على الفور.. المسالة هندسة.. يا باشمهندس..
وفي مشاويري الكثيرة تلك (الليها وداني الزمن.. يا جنا.. من فراقنا لأرض الحنان الليلودة مرت كم سنة). كنت ابحث عن خريطة تنفيس النهر التي تركها لي الإنجليز قبل مغادرتها. وقد راحت بعد خروجهم ولم أجدها.
أما أنباء الفيضان في كردفان وانهيارات في طريق بارة وأخدود ظهر في الناحية الغربية من كردفان، وفيضان خور ابو حبل وغيره، واضح تماما أن كردفان هي هضبة عالية غير منظورة.
الأبيض أعلى من كادقلي وأعلى من القضارف وأعلى من كسلا، بل أعلى من الدمازين (غريبة دنيا) ... وبالطبع من ام درمان امامها..
ودارفور هي الاخرى أعلى من كردفان، حتى إن الجنينية ونيالا والفاشر أعلى من كل مدن السودان الرئيسية الأخري. ولا بد من التفكير بأن جبل مرة هو نافورة تنبع منه عدة أنهار تحتاج للاستثمار.
وجبال النوبة نافورة تنبع منها أنهار عديدة وأظهرها خور أبو حبل ووادي شلنقو وبطحا دميك وأم سردبة . ..
وبالطبع جنوب النيل الازرق نافورة الدنيا وخور دنيا..
ونافورة الهضبة الاثيوبية ترفد السودان بأنهار الدندر والرهد والاتبراوي والقاش وخور بركة.
وأنهار أخرى. تحتاج أن تدرس أحواضها وتصنع منها بحيرات ومستودعات تستوعب مياه الفيضان.
أما الجزيرة وما أدراك ما الحزيرة . فهي هضبة بين النيلين. للمتابع سيعرف أن اي موسم تزيد أمطاره عن المعدلات تفقد الجزيرة نحو ثلاثين ألف فدان في الأراضي المنخفضة غرقا وتستقطع من المساحات المخصصة.. راجع بحثي في النت عن المناقل 2068.
في الجزيرة ستبرز أسماء العقدة الحاج عبدالله في ريفي جنوب الجزيرة.. والعقدة الاخرى في منطقة الكريمت ومناطق الجاموسي وود الماطوري. ولم تشهد المصارف الكبرى في ود الحداد والبرياب والشكابات وود الشافعي وابوعشر وغيرها سحب للمياه يذكر. لانها لم يعد من يهتم بها.
أما العابر على طول طريق النيل الأبيض إلى ربك سيرى إبان كل فيضان بحيرات تمتد لمد البصر في نعيمة والكنوز ورقيق. وحتي خور كليكيز وكلها وديان تنحدر من جبل سقدي ومن الجبال البيض (سمتها لغة الخواجة الاعجمية جبل بيوت) ومن غيرها .. تلك كانت مراع خصبة الآن تعرف فقط وقت الفيضان.
كل المعلومات والتأملات وأكثر منها سيرفع سقف الآمال والطموحات إلى أن للسودان موارد مائية إهمالها يتسبب في كوارث بقدرتها التدميرية من ناحية وخسارتها كموارد متاحة سهلة.
استثمارها سيغير وجه الأرض. ولعمري ذلك لا يتم إلا إذا حشدت الموارد بدءا من الموارد البشرية من مخططين ومهندسين وتنفيذيين.
فالملاحظ أن السودان يخلو من كليات متخصصة في هندسة المياه ومعاهد للمياه.. ولا احد يتخصص في التصريف.. ولا في السباكة..
وبالطبع لدينا أحواض مائية جوفية ترقد في مناطق الحاجة إليها تماما. والسودان على إتساعه تم تخريطه جغرافيا وكنتوريا.
ومع التقنيات الحديثة بما فيها التلفون المحمول يمكن التعرف عل كل سمات الارض الكنتورية وهي حاسمة في تخطيط المياه.
أفاض علينا من نعمه. فكم يا ترى عدد مهندسينا المختصين وخريطة انتشارهم.
وكم خرط الكنتور المتاحة. الكبيرة والدقيقة، ربما حتى ٥٠ الى ١٠٠ متر.. وكم الاليات المتاحة. وكم.. كم كم وكم؟.
علوه وطن الجمال..
وكل عام وانتم بخير.
الصادق عبدالله أبوعياشة ، مارس 2024 الرياض
الصادق ابو عياشة مؤلف، باحث، صحفي مستشار مختص في الإدارة واستراتيجيات التنمية المستدامة، البيئة والتغيرالمناخي
فلله الحمد
Author, Researcher, Specialist and Advisor, Journalist
On Management and Sustainable Development,
Environment And Climate Change Strategies
sadigabdala@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حكايات المؤسسين (4): حكاية جيش التأسيس – الحلم الذي اقترب من أن يصبح حقيقة
د. احمد التيجاني سيد احمد
لماذا جيش التأسيس؟
السودان اليوم أمام مفترق طرق حاسم؛ فإما أن يتوحد السودانيون تحت مظلة جيش قومي حقيقي يدافع عن البلاد، وإما أن يظل السودان رهينة للمليشيات، والتدخلات الأجنبية، والمؤسسة العسكرية الفاسدة التي لطالما استخدمت ٨٠٪ من ميزانية الدولة في تعزيز سلطتها بدلاً من حماية الوطن والمواطن.
لطالما كانت المؤسسة العسكرية السودانية أداةً في يد الأنظمة الاستبدادية، منذ قمع تمرد توريت إلى قصف القرى الجنوبية بقيادة حسن بشير، وصولاً إلى الانقلابات العسكرية المتكررة، وأخيرًا الحرب التي أشعلتها مليشيات الإسلاميين في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ لإعادة عقارب الساعة إلى حكمهم الشمولي. لكن الأوضاع اليوم مختلفة، إذ تشكلت قوى مقاومة واسعة تسيطر على أكثر من ٧٠٪ من السودان، وهي فرصة ذهبية لتأسيس جيش قومي جديد هدفه حماية السودان، وليس حماية نظام بعينه أو عقيدة شمولية.
١. توحيد الفصائل المقاومة: ضرورة وجودية
السودان يعيش حالة تشرذم عسكري خطير، حيث تتوزع السيطرة بين الجيش الرسمي المودلج الشمولي والمليشيات والقوات المتحالفة مع النظام السابق. هذا الوضع لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج ٣٥ عامًا من الحكم الإسلاموي الذي قوّض الجيش القومي لصالح كتائب الظل والمليشيات الموالية، والتي أُعيد إنتاجها في عدة أشكال بعد سقوط البشير.
لكن على الضفة الأخرى، هناك واقع جديد:
- الفصائل المناهضة للانقلاب العسكري تسيطر على الغالبية العظمى من السودان، وتملك القدرة على تأسيس جيش جديد على أسس قومية.
- القوى المدنية والمسلحة المتضررة من حكم العسكر بدأت تفهم ضرورة التنسيق العسكري والسياسي لخلق كيان قادر على فرض معادلة جديدة في البلاد.
وهنا يبرز السؤال إلى خالد عمر والقوى المدنية فيما اسموه تحالف الصمود :
لماذا لا يكون هناك تحالف شامل يوحد الفصائل المقاومة ضد الانقلابيين الذين تحصنوا في بورتسودان؟ لماذا لا تنضمون إلى تحالف التأسيس، الذي يسعى إلى تشكيل جيش قومي يحمي السودان من التفكك والخضوع للنفوذ الأجنبي؟
٢. الأدلة الإحصائية والمنطقية على الحاجة لجيش قومي جديد
أ. انهيار الجيش الرسمي وسيطرة المليشيات
- فقد الجيش السوداني الرسمي أكثر من ٦٠٪ من قوته القتالية بسبب الانشقاقات والصراعات الداخلية.
- أصبحت المؤسسة العسكرية مخترقة بالكامل من الإسلامويين، وتحولت إلى أداة لحماية مصالحهم وليس حماية الوطن.
- المليشيات المنتشرة الآن تتجاوز ٨٠ مجموعة مسلحة، ما يجعل السودان أقرب إلى الفوضى إذا لم يتم بناء جيش قومي موحد.
ب. التجارب السابقة لفشل الدمج العسكري
- كل محاولات دمج المليشيات في الجيش الرسمي فشلت لأنها لم تكن قائمة على أساس قومي حقيقي.
- تجربة اتفاق جوبا للسلام أثبتت ، بالرغم من اهمية الاتفاقية و الامال العريضة التي بنيت عليها، هشاشة الحلول الجزئية، إذ لم تسهم في توحيد القوات بل زادت من تشرذمها.
ج. البوادر المشجعة نحو جيش التأسيس
- على المستوى السياسي، هناك توافق على ميثاق ودستور لدولة التأسيس، ما يمهد لإطار قانوني لجيش قومي جديد.
- على المستوى العسكري، بدأت بوادر تنسيق بين الفصائل المسلحة، وهي خطوة يجب تعزيزها بإعلان توحيد الجيش بدون تأخير.
٣. المخاطر الإقليمية: مصر، روسيا، وتركيا تتربص بالسودان
في ظل انهيار الجيش الرسمي، بدأت قوى إقليمية ودولية في فرض أجنداتها على السودان:
- مصر تدعم بقايا النظام القديم، وتسعى لإبقاء السودان ضعيفًا لضمان عدم تهديدها في ملف النيل. كما أنها فرضت عقودًا تمتد ٩٩ عامًا للاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي السودانية.
- روسيا تستغل الوضع لتمرير مشاريع التعدين ونهب الذهب، وتسعى لإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.
- تركيا تدخل على خط الأزمة بعلاقات مشبوهة مع فلول النظام البائد لضمان مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
لذلك، فإن بناء جيش وطني مستقل ليس خيارًا، بل ضرورة وجودية لحماية السودان من التبعية والانهيار.
٤. جيش التأسيس: كيف يبدو الحل؟
إنشاء جيش قومي جديد لا يعني فقط استبدال الأشخاص، بل بناء مؤسسة قومية عسكرية جديدة بالكامل، تستند إلى المبادئ التالية:
✅ محايد سياسيًا: يعمل وفقًا لدستور وقوانين الدولة، وليس وفقًا لأيديولوجيا حزبية أو دينية.
✅ متنوع قوميًّا وجغرافيًا: يمثل كافة أقاليم السودان بعدالة، لمنع احتكار السلطة العسكرية.
✅ تدريب احترافي: يعتمد على معايير عسكرية حديثة، بدلاً من التعبئة العشوائية الحالية.
✅ خاضع للحكم المدني: لا يتدخل في السياسة، بل يكون تحت إشراف حكومة ديمقراطية منتخبة.
٥. الخطوات المطلوبة الآن
1. الإعلان عن هياكل دولة التأسيس، بما يشمل قيادة الجيش الجديد وآلياته التنظيمية.
2. دمج الفصائل المقاومة في كيان عسكري قومي يضمن عدم تكرار تجارب الفشل السابقة.
3. عزل بقايا النظام السابق عن أي ترتيبات عسكرية جديدة لمنعهم من التسلل وإفساد المشروع.
4. رفض أي تدخل خارجي في تشكيل الجيش الجديد، خاصة من القوى التي تسعى لاستغلال السودان لمصالحها.
٦. الخاتمة: البناء أو الانهيار
السودان يواجه خيارًا واضحًا:
- إما بناء جيش قومي جديد يحمي وحدة البلاد ويمنع التدخلات الأجنبية.
- أو الاستمرار في دوامة الفوضى، مما سيؤدي إلى تقسيم البلاد وتحويلها إلى ساحة صراع دولي.
تحالف السودان التأسيسي (تاسيس Tasees) هو الفرصة الأخيرة لإنقاذ السودان من التفكك والخضوع للنفوذ المصري والروسي والتركي. إن لم يتم استغلال هذه الفرصة الآن، فإن الأجيال القادمة لن تتذكرنا سوى كجيل فرّط في السودان.
نواصل
د. احمد التيجاني سيد احمد
٩ مارس ٢٠٢٥ نيروبي كينيا
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com