مصر والخليج.. مسار الصدام المستقبلي
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
نقلت تقارير إعلامية وصحفية الأسبوع الماضي خبراً يفيد بموافقة الإمارات على استثمار عشرات المليارات من الدولارات في تطوير بنية تحتيّة في منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي، وذلك بعد فترة من التكهّنات حول الموضوع. وأكّد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي التقارير في مؤتمر صحفي أشار فيه إلى أنّ مصر وافقت على صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع أبو ظبي لتطوير المنطقة المذكورة.
وقد اتّهم العديد من المراقبين ومنتقدي النظام المصري السيسي ببيع الأراضي المصرية نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي أدخل البلاد فيها بالرغم من مئات المبالغ غير المسبوقة التي حصل عليها النظام المصري من الدول الخليجية والممولين الأجانب لاسيما بعد الانقلاب العسكري الذي تم عام 2013. وفي سياق ردّها على هذه الاتهامات، أشارت الحكومة المصربة الى انّ الاتفاق المشار إليه ينحصر بجهود تطوير المنطقة المذكورة لافتاً الى انّ مصر ستحصل على مبلغ مُقدّم قدره 15 مليار دولار خلال أسبوع و20 مليار دولار خلال شهرين لاحقين، واصفة المشروع بأنّه أكبر استثمار أجنبي مباشر في مشروع تنمية حضرية في تاريخ البلاد.
وتثير الصيغة التي طرحها رئيس الحكومة تساؤلات حول الهدف الحقيقي للمشروع، إذ أنّ تحويل مبالغ طائلة بشكل مسبق وخلال مدّة قصيرة لا يتناسب مع طبيعة تطوير مشاريع بنية تحتية، وإنما هو أقرب إلى صفقات البيع والشراء. ووفقاً لما تمّ الإعلان عنه، فسيتم نقل المواطنين المصريين الموجودين في المنطقة إلى أماكن أخرى وتعويضهم، لكنّ الأكثر غرابة أنّ التعليقات السابقة واللاحقة للحكومة تتضارب فيما بينها، إذ قالت تقارير صادرة عن وسائل محسوبة على النظام المصري أنّه لا اتجاه لتحصيص الأراضي في منطقة رأس الحكومة، ثم ما لبث أن حصل العكس، ثمّ قالت إنّ الأمر يتعلق بتطوير، لكن المبالغ ستُنقل بشكل شبه فوري إذ لفت مدبولي أنّ الجانب الإماراتي نقل بالفعل 11 مليار دولار أودعها في البنك المركزي، وأنّ هذا المبلغ سيتحوّل إلى منحة!
بالرغم من أنّ أحد الأسباب البيّنة للجميع في صفقات بيع أصول ومؤسسات وممتلكات وأراضي مصرية إلى الخارج هو رغبة النظام المصري في الحصول على المال بأي طريقة أو ثمن ممكن، إلاّ أنّ هذا المسار لن ينجح في تسديد ديون مصر إذا لم يقم النظام نفسه بإصلاح جذريوكانت الإمارات والسعودية، وهما من أبرز من دعم نظام السيسي مالياً بعد انقلاب عام 2013، حيث يقدّر البعض حجم المبالغ التي تم تحويلها له بأكثر من 100 مليار دولار بالإضافة إلى الاستثمارات وشراء أصول الشركات والأراضي المصرية. وقد أعلنت السعودية والإمارات العامي الماضي عن تململها من أنّ دعمها لم يعد بالنفع على هذه الدول وأنّها ستتوقف عن الدعم غير المشروط وستطالب بشكل مسبق بالحصول على المنافع والمكاسب قبل أن تقرر وضع أموالها في مصر. الجانب السعودي على وجه التحديد كان أكثر مجاهرة في هذا الخصوص في وقت كان يتوقع فيه نظام السيسي الحصول على المساعدات مجدداً بعد أن اقترب الدين العام الإجمالي لمصر حنيها داخليا وخارجيا من حدود الـ 400 مليار دولار.
وقد تعرّض النظام المصري لانتقادات شديدة خلال العقد الماضي نتيجة طبيعة تعامله مع أصول مصر والمصريين كممتلكات خاصة، إذ يتمّ اتهامه ببيع جزيرتين إلى المملكة العربية السعودية والتنازل عن حقوق مصرية في شرق المتوسط لليونان وإسرائيل، وبعدم القدرة على الدفاع عن مياه النيل، وبيع أصول المؤسسات المصرية إلى الخارج، قبل أن يتم الحديث عن هذه الصفقة المثيرة للجدل الآن. وتأتي هذه الصفقة في سياق صعوبات مالية وإقتصادية غير مسبوقة في تاريخ تترافق مع تحديثات إقليمية لا تقل خطورة من بينها مشروع سد النهضة الأثيوبي، وحصول أثيوبيا على منفذ على البحر الأحمر، وقبلها إتفاق التطبيع الإماراتي ـ الإسرائيلي الذي أضر مصر اقتصادياً، ومثله الخط التجاري من الهند عبر الخليج إلى أوروبا وهو خط يتجاهل مصر، وأخيراً التهديدات الحوثية للملاحة وخطوط التجارة في البحر الأحمر.
وبالرغم من أنّ أحد الأسباب البيّنة للجميع في صفقات بيع أصول ومؤسسات وممتلكات وأراضي مصرية إلى الخارج هو رغبة النظام المصري في الحصول على المال بأي طريقة أو ثمن ممكن، إلاّ أنّ هذا المسار لن ينجح في تسديد ديون مصر إذا لم يقم النظام نفسه بإصلاح جذري، وهو الأمر الذي يبدو أنّه عاجز عن القيام به لأنه جزء من المشكلة وليس جزءً من الحل. هذه الديون ستكبّل مصر إلى الأبد، ففي حال انهيار الاقتصاد المحلي، لن يكون هناك قيمة للأصول التي يتم شراؤها ولذلك يركّز الدائنون على الحصول على شيء مادي في المقابل وأرباح مسبقة أو أكيدة. وفي حال سقوط النظام، ستطالب الجهات الدائنة السلطات الجديدة بالالتزام بتسديد ديونها، في الوقت الذي سيطالب فيه النظام الجهات الدائنة بإعادة ممتلكات المصريين التي يُفترض أنّ النظام القديم باعها. هذا الوضع يضع مصر على مسار الصدام مع هذه الجهات مستقبلاً.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإمارات المصري صفقة مصر صفقة الإمارات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام المصری ملیار دولار الحصول على
إقرأ أيضاً:
ثروة ''آل الأسد'' كيف حصلوا عليها ومن يديرها؟
يقود محامو حقوق الإنسان الجهود للعثور على أصول ثروات قامت عائلة الأسد بتخزينها على مدى نصف قرن من الحكم الاستبدادي، بغرض استردادها لصالح الشعب السوري، بحسب ما أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال».
وبنت عائلة الأسد شبكة واسعة من الاستثمارات والمصالح التجارية على مدى عقود، منذ استولى الأب حافظ الأسد على السلطة في عام 1970. ووفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين ومحامين ومنظمات بحثية حققت في ثروات العائلة الحاكمة السابقة، فقد تم رصد مشتريات دولية قام بها أقارب الرئيس المخلوع بشار الأسد، مثل عقارات رئيسة في روسيا وفنادق بوتيك في فيينا وطائرة خاصة في دبي.
وقال أندرو تابلر، المسؤول السابق في البيت الأبيض الذي حدد أصول أفراد عائلة الأسد من خلال العمل على العقوبات الأميركية: «ستكون هناك عملية مطاردة دولية لأصول النظام. لقد كان لديهم الكثير من الوقت قبل الثورة لغسل أموالهم. وكان لديهم دائماً خطة بديلة، وهم الآن مجهزون جيداً للمنفى».
وقال تقرير الصحيفة الأميركية، إنه لا أحد يعرف الحجم الدقيق لثروة عائلة الأسد، ومن هو تماماً العضو في العائلة الذي يسيطر على هذه الأصول. غير أن تقريراً صادراً عن وزارة الخارجية في عام 2022، ذكر أنه من الصعب تحديد رقم حجم الثروات، لكن التقديرات تقول إن ثروة عائلة الأسد تصل قيمتها العليا إلى 12 مليار دولار، وأقل تقدير لها قد يصل إلى مليار دولار.
وقال التقييم إن الأموال تم الحصول عليها غالباً من خلال احتكارات الدولة والاتجار بالمخدرات، وخاصة الأمفيتامين والكبتاغون، وإعادة استثمارها جزئياً في خارج نطاق القانون الدولي. واستمرت ثروة عائلة الأسد في النمو، في حين عانى السوريون العاديون من تأثير الحرب الأهلية في البلاد التي بدأت في عام 2011. وحسب البنك الدولي، فإن نحو 70 في المائة من السكان يعيشون في فقر، وذلك في عام 2022.
وكان العديد من أقوى الشخصيات في النظام الأمني من ذوي العقلية التجارية، ولا سيما زوجة بشار الأسد المولودة في بريطانيا، أسماء (الأخرس)، وهي مصرفية سابقة في «جي بي مورغان». وقال توبي كادمان، وهو محامٍ متخصص في حقوق الإنسان ويعمل في لندن، كما يعمل مع منظمة «غيرنيكا 37» للعدالة الدولية، والذي حقق في أصول الأسد: «كانت الأسرة الحاكمة خبيرة في العنف الإجرامي مثلما كانت خبيرة في الجرائم المالية».
ومن المرجح أن يكون العثور على هذه الأصول وتجميدها أمراً صعباً. فقد شنت الولايات المتحدة حملة عقوبات مطولة ضد نظام الأسد، الأمر الذي أجبر رجاله على إخفاء ثرواتهم خارج الغرب ومن خلال الملاذات الضريبية.
وقد أمضى المحققون الذين قادوا عملية البحث عن المليارات التي خبأها الرئيس العراقي صدام حسين، والرئيس الليبي معمر القذافي، سنوات في ملاحقة الأشخاص المرتبطين بالديكتاتوريين، والتنقل بين الشركات الوهمية، ورفع الدعاوى القضائية الدولية لاستعادة الأموال، ولكن نجاحهم كان محدوداً، بحسب «وول ستريت جورنال» التي نوهت بأن من بين ما يقدر بنحو 54 مليار دولار من الأصول التي تراكمت لدى النظام الليبي السابق، على سبيل المثال، لم يتم استرداد سوى القليل جداً، بما في ذلك عقار في لندن بقيمة 12 مليون دولار، و100 مليون دولار نقداً في مالطا.
غير أن الفرق القانونية نجحت في تأمين تجميد بعض الأصول المتعلقة بثروة عائلة الأسد. ففي عام 2019، جمدت محكمة في باريس ممتلكات بقيمة 90 مليون يورو - أي ما يعادل 95 مليون دولار - في فرنسا يملكها رفعت الأسد، عم بشار الأسد الذي أشرف على حملة قمع وحشية للمعارضة في عام 1982. وقضت المحكمة بأن الأصول تم الحصول عليها من خلال غسل منظم للأموال العامة المختلسة.
وكان حافظ الأسد قد وضع صهره محمد مخلوف، الموظف المتواضع في شركة طيران آنذاك، ليكون مسؤولاً عن احتكار استيراد التبغ المربح في البلاد.
وأصبح ابنه رامي مخلوف فيما بعد الممول الرئيس للنظام بأصول في البنوك والإعلام والمتاجر المعفاة من الرسوم الجمركية وشركات الطيران والاتصالات، وبلغت ثروته ما يصل إلى 10 مليارات دولار، وفقاً لوزارة الخارجية. وقد فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على مخلوف في عام 2008 بسبب استفادته من الفساد العام لمسؤولي النظام السوري ومساعدته.
وقال بوردون، المحامي الباريسي الذي حقق في أصول الأسد، إنه من المتوقع أن آل مخلوف يجنون الأموال نيابة عن الرئيس، ويمولون النظام وعائلته الحاكمة عند الحاجة. وأضاف بوردون: «آل مخلوف هم أمناء سر آل الأسد».
وذكر رامي مخلوف في طلب للحصول على الجنسية النمساوية، حصل عليه «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد»، وهو منظمة غير ربحية لمكافحة الفساد، أن عائلة مخلوف اشترت أيضاً فنادق بوتيك بقيمة 20 مليون يورو في فيينا، وامتيازاً مرتبطاً ببار «بوذا»؛ الصالة الراقية في باريس.
وبحسب تحقيق أجرته مجموعة مكافحة الفساد «جلوبال ويتنس» في عام 2019، فإن أفراد عائلة مخلوف يمتلكون أيضاً عقارات بقيمة 40 مليون دولار تقريباً في ناطحات سحاب فاخرة في موسكو. وفي عام 2020 توترت العلاقة الاقتصادية في قلب النظام السوري؛ فقد همّش بشارُ الأسد رامي مخلوف علناً. ولا تزال ظروف خلافهما غامضة.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية، إن أسماء الأسد وعائلتها جمعوا «ثروات غير مشروعة على حساب الشعب السوري من خلال سيطرتهم على شبكة واسعة النطاق غير مشروعة، لها روابط في أوروبا والخليج وأماكن أخرى». وقال بوردون، محامي حقوق الإنسان في باريس: «لدينا واجب استعادة الأموال للشعب السوري».