الحضور الأميركي بالصومال.. عين على محاربة الإرهاب وأخرى على باب المندب
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
في تتويج للتعاون العسكري بين البلدين، وقّع كل من الصومال والولايات المتحدة اتفاقا عسكريا منتصف فبراير/شباط الماضي تقوم بموجبه واشنطن بتعزيز قدرات الجيش الصومالي في مواجهة حركة الشباب المجاهدين.
تعد هذه الخطوة امتدادا للانخراط العسكري الأميركي في الساحة الصومالية، الذي شهد تناميا مستمرا منذ مايو/أيار 2022 حين قرر الرئيس جو بايدن إرسال المئات من الجنود الأميركيين إلى الصومال في تراجع لافت عن سياسة الانسحاب من "الحروب الأبدية" التي أطلقها سلفه دونالد ترامب.
وعكس قرار بايدن الأهمية الجيوستراتيجية والأمنية للصومال المشرف على كل من المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، حيث يمثل بوابة مفتاحية إلى شرق وعمق القارة الأفريقية، ونقطة محورية في القرن الأفريقي الذي يشكل إحدى ساحات الحرب الباردة الحالية بين واشنطن ومنافسيها.
وتبرز التطورات الأخيرة في جنوب البحر الأحمر في كواليس الاتفاق العسكري الذي عقدته واشنطن مع مقديشو، إذ تربط عديد من التحليلات بين الهجمات التي يقوم بها الحوثيون على المصالح الغربية قرب باب المندب ورغبة الإدارة الأميركية في دعم وجودها العسكري والاستخباري في الصومال القريب من مسرح العمليات هذا.
الرئيس حسن الشيخ محمود يحظى بدعم أميركي في مواجهة حركة الشباب (الجزيرة) بداية جديدةتذهب ورقة صادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات إلى أن قرار بايدن بإعادة جنوده إلى الصومال جسد رغبته في تعزيز حضور واشنطن في ذلك البلد، بعد أن شهدت العلاقات بين الطرفين توترا كبيرا في عهد الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو (2017-2022).
وفي هذا السياق، كان لافتا توقيت إعلان القرار الذي تلا بيوم واحد انتخاب حسن شيخ محمود رئيسا للصومال في 15 مايو/أيار 2022، مما اعتبرت حينها رسالة دعم مباشرة لشيخ محمود الذي وضع مواجهة التحديات الأمنية على رأس أجندته، مع تزايد نشاط حركة الشباب عقب سحب ترامب قوات بلاده من الصومال في ديسمبر/كانون الأول 2020.
بجانب هذا، حملت الخطوة الأميركية مؤشرا إلى محاولة استباقية من واشنطن لتقليص التداعيات الأمنية المتوقعة لانسحاب القوات الأفريقية من الصومال بنهاية 2024، والتي تشكل ظهيرا حيويا للجيش الصومالي في معركته مع حركة الشباب، ما سيلقي بتبعة تولي المهام الأمنية في البلاد على كاهل القوات الصومالية.
حماية الحلفاء الإقليميينشهدت الأعوام الأخيرة تعاظما مستمرا في قوة حركة الشباب في الصومال، وهو ما اضطر ستيفن تاونسند القائد السابق للقوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) إلى وصفها مطلع عام 2022 بأنها "قادرة على التكيف، ومرنة، ولديها القدرة على مهاجمة مصالح الغرب وشركائه في الصومال وشرق أفريقيا".
في مواجهة هذا التطور، ترمي واشنطن من خلال تنشيط حضورها العسكري والأمني في الصومال إلى تقويض الحركة ومحاصرتها، وحماية حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين من استهدافاتها.
وأورد تقييم "التهديد الإرهابي العالمي" لعام 2024 -الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن- حركة الشباب ضمن أهم المهددات الأمنية في شرق أفريقيا، إذ قامت الحركة بهجمات دامية على أهداف عسكرية ومدنية في كل من أوغندا وكينيا.
وتضمن ذلك أيضا هجومها على قوات كينية وأميركية في قاعدة بخليج ماندا في كينيا عام 2020، كما هددت باستهداف جيبوتي التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في أفريقيا.
سياق إقليمي مضطربمن جانب آخر، تبدو واشنطن معنية بالحيلولة دون تمدد نشاطات حركة الشباب إلى الجوار الملتهب في كل من إثيوبيا والسودان.
ففي هذين البلدين، تتيح السيولة الأمنية الناتجة عن الحرب في السودان والصراعات الداخلية في إثيوبيا الفرصة للحركة للتغلغل داخلهما وفتح جبهات جديدة لنشاطاتها الإرهابية، إذ تمثل هذه البيئات الهشة أجواء مثالية لنشاطات التنظيمات المسلحة.
وقد أحبطت سلطات الأمن الإثيوبية مرارا هجمات لحركة الشباب استهدفت إحداها العاصمة أديس أبابا صيف عام 2022، في حين أن نفاذ الحركة إلى السودان يعني صنع حزام من الفوضى الأمنية يمتد من غرب القارة في منطقة الساحل إلى شرقها.
حركة الشباب تشكل تهديدا مستمرا في الصومال حسب التقديرات الأميركية (الفرنسية) هجمة أميركية مضادةتصف ورقة صادرة عن مركز بروكينغز القارة الأفريقية بأنها إحدى المناطق التي تشهد "فجر الحرب الباردة الثانية"، حيث تحوّل القرن الأفريقي خلال العقد الأخير إلى ساحة اختبار قوة حاد بين الولايات المتحدة ومنافسيها الدوليين وعلى رأسهم الصين وروسيا.
وفي هذا السياق، يذهب مقال -شاركت في كتابته البروفيسورة المساعدة في جامعة كاليفورنيا سمر البلوشي- إلى أن خطة الحكومة الأميركية لتدريب قوات الأمن الصومالية تمثل إستراتيجية غير مباشرة، ليس فقط لتوسيع الوجود العسكري الأميركي في الصومال، بل لمواجهة أكثر حزما مع القوى الأخرى المنافسة في المنطقة.
في هذه المقاربة، تستند البلوشي إلى أن المادة 1202 من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2018 توسِّع قدرة الولايات المتحدة على شن الحرب عبر قوات بديلة في الأماكن التي لم يتم إعلان الحرب رسميا فيها، بهدف مواجهة نفوذ الخصوم مثل الصين وروسيا.
وفي هذا الصدد، تشير ورقة صادرة عن جامعة براون الأميركية إلى أن مجموع ما أنفقته واشنطن على محاربة الإرهاب في الصومال بين عامي 2007 و2020 زاد على 2.5 مليار دولار، توزعت على مجالات مختلفة كالتدريب والتسليح والدعم اللوجستي والاستخباري.
ومنذ مايو/أيار 2022، يقدم 450 جنديا أميركيا المشورة للجيش الصومالي، وينخرطون في برامج تدريب متنوعة تتضمن أيضا القوات الأفريقية العاملة في البلاد.
ووفقا للتفاهم الأميركي الصومالي الأخير، سيعمل البنتاغون على بناء 5 قواعد عسكرية لتدريب قوات داناب في جنوب البلاد الذي تنشط فيه حركة الشباب، ما سيسهم في زيادة القدرات الاستخبارية الميدانية من خلال الاتصال المباشر مع العشائر القاطنة في المنطقة.
الضربات الجوية
تعتبر الغارات الجوية إحدى الركائز الأساسية للعمليات الأميركية التي تستهدف حركة الشباب في الصومال.
واعترفت واشنطن بتنفيذها 19 ضربة جوية خلال عام 2023 في انخفاض لافت عن الذروة التي بلغتها عام 2019 بما مجموعه 63 غارة جوية.
وتنطلق المسيرات الأميركية من القواعد العسكرية في المنطقة، ولا سيما قاعدة ليمونييه في جيبوتي، وتستهدف قادة حركة الشباب، وترد على هجمات الحركة، بجانب تقديم الغطاء الجوي للعمليات الهجومية للقوات الصومالية.
لواء دانابيمثل داناب (أي البرق باللغة الصومالية) أحد أهم الاستثمارات الأميركية في القطاع العسكري الأمني في الصومال، وهو لواء لقوات التدخل السريع تم إنشاؤه عام 2014، يبلغ قوامه قرابة 1500 جندي، ويستهدف البنتاغون زيادته إلى 3 آلاف، ويمثل رأس الحربة في المعركة مع حركة الشباب.
وتتولى واشنطن الإشراف على داناب، إذ تقوم شركة بانكروفت الأمنية الأميركية الخاصة بتقديم التدريب الأساسي لجنودها، في حين تقدم القوات الأميركية الخاصة التدريب المتقدم.
توصف هذه الوحدة بالاحترافية وببعدها عن المناورات السياسية العشائرية في الصومال، نتيجة السيطرة الوثيقة للولايات المتحدة عليها، فهي لا تكتفي بتدريبها فقط، بل توفر لها الدعم اللوجستي والتسليحي والرواتب الثابتة، بجانب التغطية الجوية لهجماتها.
سؤال الجدوى
قدم الانخراط العسكري الأميركي في الصومال دعما حيويا لبلد يعاني من تبعات انهيار الدولة منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث وفر على سبيل المثال الغطاء الجوي الذي تفتقر إليه القوات الصومالية.
غير أن العديد من الانتقادات توجه إلى النهج العسكري الذي اتبعته السياسة الأميركية في الصومال، إذ إن اعتمادها على الضربات الجوية على أهميته يكشف محدودية القدرة على السيطرة على الأرض دون توفر قوات برية مصاحبة، كما أن خطر إلحاق هذه الضربات الضرر بالمواطنين وممتلكاتهم يهدد بتقويض الدعم الشعبي لجهود واشنطن.
هذه التحديات وغيرها دفعت دانيال لاريسون -المحرر الكبير في مجلة أميركان كونسرفاتيف- إلى التساؤل عن جدوى الإستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة بالنظر إلى التنامي المستمر للتهديدات الإرهابية في الصومال رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها واشنطن خلال قرابة عقدين من الزمان.
إلى جانب ما سبق، يلقي الغموض المرتبط بنتائج الانتخابات الأميركية القادمة بظلال كثيفة على مستقبل النشاط العسكري الأميركي في الصومال، حيث تؤشر احتمالات عودة الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض إلى إمكانية سحبه قوات بلاده كما فعل سابقا.
ولذلك، تقترح ورقة نشرتها مجموعة الأزمات الدولية المرموقة عددا من الخطوات لجعل التحركات الأميركية أكثر فاعلية واستدامة.
وتتعلق الإجراءات المقترحة بشكل رئيسي بدعم الجهود غير العسكرية لتحقيق الاستقرار في الصومال، من خلال تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة على كل مستويات الدولة والمجتمع الصوماليين، ودعم حوارات السلام المحلية، والتوسع في المشاريع التي تشتد حاجة المجتمع إليها كإصلاح الآبار وتسهيل تقديم الخدمات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العسکری الأمیرکی فی الولایات المتحدة الأمیرکیة فی حرکة الشباب فی الصومال من الصومال إلى أن
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست: العفو الذي أصدره بايدن وترامب تقويض لسيادة القانون
فالت صحيفة واشنطن بوست إن الرئيسين، السابق جو بايدن والحالي دونالد ترامب وضعا في يوم واحد سوابق خطيرة، وأساءا استخدام سلطات العفو بما يؤدي إلى تقويض سيادة القانون واستمرار الانقسام في أميركا، ففتح الأول الباب أمام الرؤساء مستقبلا لتحصين أسرهم وموظفيهم من الملاحقة النظرية، وشجع الأخير المليشيات وغيرها على ارتكاب أعمال وحشية مستقبلية لدعم الأهداف السياسية.
وناقشت الصحيفة -في تقريرين منفصلين- موضوع العفو الرئاسي، واعتبرت أن ما قام به بايدن ليس عفوا بمعنى الكلمة لأنه لا يبرئ أصحابه من جرائم محددة، ولكنه منح للحصانة، كما أن عفو ترامب عن أكثر أعضاء الغوغاء عنفا لا يمكن الدفاع عنه على أسس أخرى غير الحقد السياسي والانتقام.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غارديان: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة معلق بخيط رفيعlist 2 of 2يديعوت أحرونوت: 3 قضايا غير قابلة للتفاوض بالنسبة لإسرائيلend of list إهانة للعدالةغير أن الصحيفة رأت في عفو بايدن خصوصا نوعا مختلفا من إهانة العدالة ومؤلما، لأن صاحبه خاض حملته الانتخابية كمدافع عن المعايير الديمقراطية، لينهى فترة وجوده في البيت الأبيض بتحطيم معيار مهم من معاييرها، مخلفا وعده بعدم العفو عن ابنه هانتر الذي أدين بارتكاب جرائم ضريبية وجرائم أسلحة خطيرة.
وأصدر بايدن أيضا عفوا استباقيا عن شقيقه جيمس بايدن وزوجته سارة وشقيقه فرانك بايدن وشقيقته فاليري بايدن أوينز وزوجها جون أوينز عن أي جرائم فدرالية غير عنيفة قد يكونون ارتكبوها منذ عام 2014، وقال إنه شعر بأنه ملزم بالتصرف لأنه يخشى استمرار الهجمات على عائلته، ولكنه بهذا العفو أعطى مصداقية لاتهامات الجمهوريين لعائلته بأنها استفادت من خدمته الحكومية منذ فترة عمله كنائب للرئيس.
إعلانكما أصدر بايدن عفوا استباقيا عن الجنرال المتقاعد مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، وأنتوني فاوتشي، مستشاره الطبي الرئيسي السابق، وأعضاء لجنة مجلس النواب التي حققت في أحداث 6 يناير/كانون الأول وكذلك ضباط الشرطة الذين شهدوا في جلسات الاستماع الخاصة بهم، وكتب "أنا أؤمن بسيادة القانون. لكن هذه ظروف استثنائية".
وأشارت الصحيفة إلى أن السبب وراء هذه العفو الشامل هو الخوف من أن تسعى إدارة ترامب إلى الانتقام من الخصوم السياسيين، وهو احتمال وارد بالطبع، لأن "استقلالية" أجهزة إنفاذ القانون عن السياسة كانت دائما أسطورة باعتبار أن تلك الأجهزة جزء من السلطة التنفيذية التي يسيطر عليها الرئيس، ولأن ترامب هو أقل الرؤساء اهتماما بالحفاظ على هذه الأسطورة.
البصق في وجه المعارضينوقد منح ترامب العفو لكل من حاول إبقاءه في السلطة في الكابيتول يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، بما في ذلك من أدينوا بالتآمر على الفتنة، دون تمييز بين المجرمين الذين اعتدوا على ضباط الشرطة وأولئك الذين دخلوا ممرات الكابيتول، وقال إن الأحكام على مثيري الشغب كانت غير عادلة، وحتى المجرمون المدانون من قبل قضاة هو من عينهم، تلقوا تخفيفا للعقوبات أطلق بموجبه سراحهم على الفور.
ونبهت الصحيفة إلى أن بايدن، الذي قاد لجنة القضاء في مجلس الشيوخ لمدة 8 سنوات، قوض إرثه، ومهد للعفو الذي أصدره ترامب، وذكرت بأن المحكمة العليا قضت عام 1915 بحق الناس في رفض العفو، لأنه يحمل "إدانة بالذنب وقبول اعتراف به"، واستحسنت أن يرفض شخص ما عفو بايدن أو ترامب، ليؤكد الثقة في أن نظام العدالة لا يزال يعمل، وأن سيادة القانون ملتزمة.
وختمت الصحيفة بأن العفو الجماعي عن العنف السياسي ليس أمرا جديدا بالنسبة لأميركا، وأوضحت أن المثال الجوهري على ذلك هو عفو جورج واشنطن عام 1795 عن متمردي الويسكي الذين ثاروا ضد إدارته في انتفاضة قمعها بالقوة، مؤكدة أن العفو في ذلك الوقت كان أداة للمصالحة السياسية، خلافا لنية ترامب اليوم لأنها من البصق في وجه المعارضين.
إعلان