في تتويج للتعاون العسكري بين البلدين، وقّع كل من الصومال والولايات المتحدة اتفاقا عسكريا منتصف فبراير/شباط الماضي تقوم بموجبه واشنطن بتعزيز قدرات الجيش الصومالي في مواجهة حركة الشباب المجاهدين.

تعد هذه الخطوة امتدادا للانخراط العسكري الأميركي في الساحة الصومالية، الذي شهد تناميا مستمرا منذ مايو/أيار 2022 حين قرر الرئيس جو بايدن إرسال المئات من الجنود الأميركيين إلى الصومال في تراجع لافت عن سياسة الانسحاب من "الحروب الأبدية" التي أطلقها سلفه دونالد ترامب.

وعكس قرار بايدن الأهمية الجيوستراتيجية والأمنية للصومال المشرف على كل من المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، حيث يمثل بوابة مفتاحية إلى شرق وعمق القارة الأفريقية، ونقطة محورية في القرن الأفريقي الذي يشكل إحدى ساحات الحرب الباردة الحالية بين واشنطن ومنافسيها.

وتبرز التطورات الأخيرة في جنوب البحر الأحمر في كواليس الاتفاق العسكري الذي عقدته واشنطن مع مقديشو، إذ تربط عديد من التحليلات بين الهجمات التي يقوم بها الحوثيون على المصالح الغربية قرب باب المندب ورغبة الإدارة الأميركية في دعم وجودها العسكري والاستخباري في الصومال القريب من مسرح العمليات هذا.

الرئيس حسن الشيخ محمود يحظى بدعم أميركي في مواجهة حركة الشباب (الجزيرة) بداية جديدة

تذهب ورقة صادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات إلى أن قرار بايدن بإعادة جنوده إلى الصومال جسد رغبته في تعزيز حضور واشنطن في ذلك البلد، بعد أن شهدت العلاقات بين الطرفين توترا كبيرا في عهد الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو (2017-2022).

وفي هذا السياق، كان لافتا توقيت إعلان القرار الذي تلا بيوم واحد انتخاب حسن شيخ محمود رئيسا للصومال في 15 مايو/أيار 2022، مما اعتبرت حينها رسالة دعم مباشرة لشيخ محمود الذي وضع مواجهة التحديات الأمنية على رأس أجندته، مع تزايد نشاط حركة الشباب عقب سحب ترامب قوات بلاده من الصومال في ديسمبر/كانون الأول 2020.

بجانب هذا، حملت الخطوة الأميركية مؤشرا إلى محاولة استباقية من واشنطن لتقليص التداعيات الأمنية المتوقعة لانسحاب القوات الأفريقية من الصومال بنهاية 2024، والتي تشكل ظهيرا حيويا للجيش الصومالي في معركته مع حركة الشباب، ما سيلقي بتبعة تولي المهام الأمنية في البلاد على كاهل القوات الصومالية.

حماية الحلفاء الإقليميين

شهدت الأعوام الأخيرة تعاظما مستمرا في قوة حركة الشباب في الصومال، وهو ما اضطر ستيفن تاونسند القائد السابق للقوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) إلى وصفها مطلع عام 2022 بأنها "قادرة على التكيف، ومرنة، ولديها القدرة على مهاجمة مصالح الغرب وشركائه في الصومال وشرق أفريقيا".

في مواجهة هذا التطور، ترمي واشنطن من خلال تنشيط حضورها العسكري والأمني في الصومال إلى تقويض الحركة ومحاصرتها، وحماية حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين من استهدافاتها.

وأورد تقييم "التهديد الإرهابي العالمي" لعام 2024 -الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن- حركة الشباب ضمن أهم المهددات الأمنية في شرق أفريقيا، إذ قامت الحركة بهجمات دامية على أهداف عسكرية ومدنية في كل من أوغندا وكينيا.

وتضمن ذلك أيضا هجومها على قوات كينية وأميركية في قاعدة بخليج ماندا في كينيا عام 2020، كما هددت باستهداف جيبوتي التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في أفريقيا.

سياق إقليمي مضطرب

من جانب آخر، تبدو واشنطن معنية بالحيلولة دون تمدد نشاطات حركة الشباب إلى الجوار الملتهب في كل من إثيوبيا والسودان.

ففي هذين البلدين، تتيح السيولة الأمنية الناتجة عن الحرب في السودان والصراعات الداخلية في إثيوبيا الفرصة للحركة للتغلغل داخلهما وفتح جبهات جديدة لنشاطاتها الإرهابية، إذ تمثل هذه البيئات الهشة أجواء مثالية لنشاطات التنظيمات المسلحة.

وقد أحبطت سلطات الأمن الإثيوبية مرارا هجمات لحركة الشباب استهدفت إحداها العاصمة أديس أبابا صيف عام 2022، في حين أن نفاذ الحركة إلى السودان يعني صنع حزام من الفوضى الأمنية يمتد من غرب القارة في منطقة الساحل إلى شرقها.

حركة الشباب تشكل تهديدا مستمرا في الصومال حسب التقديرات الأميركية (الفرنسية) هجمة أميركية مضادة

تصف ورقة صادرة عن مركز بروكينغز القارة الأفريقية بأنها إحدى المناطق التي تشهد "فجر الحرب الباردة الثانية"، حيث تحوّل القرن الأفريقي خلال العقد الأخير إلى ساحة اختبار قوة حاد بين الولايات المتحدة ومنافسيها الدوليين وعلى رأسهم الصين وروسيا.

وفي هذا السياق، يذهب مقال -شاركت في كتابته البروفيسورة المساعدة في جامعة كاليفورنيا سمر البلوشي- إلى أن خطة الحكومة الأميركية لتدريب قوات الأمن الصومالية تمثل إستراتيجية غير مباشرة، ليس فقط لتوسيع الوجود العسكري الأميركي في الصومال، بل لمواجهة أكثر حزما مع القوى الأخرى المنافسة في المنطقة.

في هذه المقاربة، تستند البلوشي إلى أن المادة 1202 من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2018 توسِّع قدرة الولايات المتحدة على شن الحرب عبر قوات بديلة في الأماكن التي لم يتم إعلان الحرب رسميا فيها، بهدف مواجهة نفوذ الخصوم مثل الصين وروسيا.

وفي هذا الصدد، تشير ورقة صادرة عن جامعة براون الأميركية إلى أن مجموع ما أنفقته واشنطن على محاربة الإرهاب في الصومال بين عامي 2007 و2020 زاد على 2.5 مليار دولار، توزعت على مجالات مختلفة كالتدريب والتسليح والدعم اللوجستي والاستخباري.

ومنذ مايو/أيار 2022، يقدم 450 جنديا أميركيا المشورة للجيش الصومالي، وينخرطون في برامج تدريب متنوعة تتضمن أيضا القوات الأفريقية العاملة في البلاد.

ووفقا للتفاهم الأميركي الصومالي الأخير، سيعمل البنتاغون على بناء 5 قواعد عسكرية لتدريب قوات داناب في جنوب البلاد الذي تنشط فيه حركة الشباب، ما سيسهم في زيادة القدرات الاستخبارية الميدانية من خلال الاتصال المباشر مع العشائر القاطنة في المنطقة.

الضربات الجوية

تعتبر الغارات الجوية إحدى الركائز الأساسية للعمليات الأميركية التي تستهدف حركة الشباب في الصومال.

واعترفت واشنطن بتنفيذها 19 ضربة جوية خلال عام 2023 في انخفاض لافت عن الذروة التي بلغتها عام 2019 بما مجموعه 63 غارة جوية.

وتنطلق المسيرات الأميركية من القواعد العسكرية في المنطقة، ولا سيما قاعدة ليمونييه في جيبوتي، وتستهدف قادة حركة الشباب، وترد على هجمات الحركة، بجانب تقديم الغطاء الجوي للعمليات الهجومية للقوات الصومالية.

لواء داناب

يمثل داناب (أي البرق باللغة الصومالية) أحد أهم الاستثمارات الأميركية في القطاع العسكري الأمني في الصومال، وهو لواء لقوات التدخل السريع تم إنشاؤه عام 2014، يبلغ قوامه قرابة 1500 جندي، ويستهدف البنتاغون زيادته إلى 3 آلاف، ويمثل رأس الحربة في المعركة مع حركة الشباب.

وتتولى واشنطن الإشراف على داناب، إذ تقوم شركة بانكروفت الأمنية الأميركية الخاصة بتقديم التدريب الأساسي لجنودها، في حين تقدم القوات الأميركية الخاصة التدريب المتقدم.

توصف هذه الوحدة بالاحترافية وببعدها عن المناورات السياسية العشائرية في الصومال، نتيجة السيطرة الوثيقة للولايات المتحدة عليها، فهي لا تكتفي بتدريبها فقط، بل توفر لها الدعم اللوجستي والتسليحي والرواتب الثابتة، بجانب التغطية الجوية لهجماتها.

سؤال الجدوى

قدم الانخراط العسكري الأميركي في الصومال دعما حيويا لبلد يعاني من تبعات انهيار الدولة منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث وفر على سبيل المثال الغطاء الجوي الذي تفتقر إليه القوات الصومالية.

غير أن العديد من الانتقادات توجه إلى النهج العسكري الذي اتبعته السياسة الأميركية في الصومال، إذ إن اعتمادها على الضربات الجوية على أهميته يكشف محدودية القدرة على السيطرة على الأرض دون توفر قوات برية مصاحبة، كما أن خطر إلحاق هذه الضربات الضرر بالمواطنين وممتلكاتهم يهدد بتقويض الدعم الشعبي لجهود واشنطن.

هذه التحديات وغيرها دفعت دانيال لاريسون -المحرر الكبير في مجلة أميركان كونسرفاتيف- إلى التساؤل عن جدوى الإستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة بالنظر إلى التنامي المستمر للتهديدات الإرهابية في الصومال رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها واشنطن خلال قرابة عقدين من الزمان.

إلى جانب ما سبق، يلقي الغموض المرتبط بنتائج الانتخابات الأميركية القادمة بظلال كثيفة على مستقبل النشاط العسكري الأميركي في الصومال، حيث تؤشر احتمالات عودة الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض إلى إمكانية سحبه قوات بلاده كما فعل سابقا.

ولذلك، تقترح ورقة نشرتها مجموعة الأزمات الدولية المرموقة عددا من الخطوات لجعل التحركات الأميركية أكثر فاعلية واستدامة.

وتتعلق الإجراءات المقترحة بشكل رئيسي بدعم الجهود غير العسكرية لتحقيق الاستقرار في الصومال، من خلال تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة على كل مستويات الدولة والمجتمع الصوماليين، ودعم حوارات السلام المحلية، والتوسع في المشاريع التي تشتد حاجة المجتمع إليها كإصلاح الآبار وتسهيل تقديم الخدمات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العسکری الأمیرکی فی الولایات المتحدة الأمیرکیة فی حرکة الشباب فی الصومال من الصومال إلى أن

إقرأ أيضاً:

اللواء القادري: عمليات اسناد المقاومة الفلسطينية مستمرة ولن تتوقف

الثورة نت/..

أكد قائد لواء الدفاع الساحلي اللواء الركن محمد علي القادري، أن العمليات اليمنية في اسناد المقاومة الفلسطينية لن تتوقف مهما كانت التهديدات من العدو الصهيوني والامريكي باعتباره واجباً دينياً وقومياً لا تراجع عنه إلا بوقف العدوان على غزة المحاصرة منذ 14 شهرا.

وقال القادري، حسب “26 سبتمبر” إن العمليات اليمنية في العمق الصهيوني وفي البحرين الأحمر والعربي حققت أهدافها كاملة في فرض الحصار البحري على السفن الواصلة الى جنوب فلسطين المحتلة وفرضت القوات المسلحة اليمنية، بما تمتلكه من قوات ردع صاروخية وبحرية وسلاح الجو المسير، السيطرة العسكرية على البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن.

وأضاف أن “القوات المسلحة تمكنت من منع مرور السفن الصهيونية والأمريكية والبريطانية وكذا المتجهة إلى كيان العدو، فضلاً عن قصف العدو في الأراضي المحتلة، في رسالة واضحة لقوى الاستكبار بالحضور اليماني الذي سيعمل على إعادة التوازن وتغيير المعادلة في المنطقة شاء من شاء وأبى من أبى”.

وتابع: “لقد وضعت البحرية اليمنية حداً للعربدة الأمريكية الصهيونية البريطانية في مياه البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب وهو أمر لم يحدث في التاريخ الحديث والمعاصر أن وقفت دولة في وجه هذه الدول الاستعمارية التي تعودت أن تفعل ما تريد وتأمر فتُطاع”.

وأكد أن “المياه الإقليمية اليمنية أصبحت اليوم تحت السيطرة وتحت حماية القوات البحرية اليمنية التي شهدت النهوض والبناء النوعي خلال السنوات العشر الماضية من عمر ثورتنا الفتية 21 سبتمبر واصبح مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي اليوم خالي من السفن المعادية”.

كما أكد أن “البحرية اليمنية اليوم قادرة على تأمين وحماية واستقرار المسارات الملاحية الدولية على كل امتداد المياه اليمنية الإقليمية السيادية وجاهزون لكل الاحتمالات انطلاقا من مبدأ مقابلة التحدي بالتحدي، والتصعيد بالتصعيد، والقصف بالقصف، والسلام بالسلام واذا ما فكر تحالف العدوان باستهداف الموانئ اليمنية فان موانئهم ستكون تحت ضربات قواتنا الصاروخية التي لم تخطئ أهدافها”.

ونوه بأن “الحديدة والسواحل اليمنية خط أحمر”، مبيناً أن “القوات المسلحة قادرة على فرض معادلات قادمة على صعيد الدفاع عن اليمن من كل التهديدات المعادية في البحر ضمن دفاعنا المشروع عن بلدنا وشعبنا وسيواصل شعب الإيمان والحكمة والمدد تسطير المواقف الاستثنائية العظيمة والمشرفة مجسدا بذلك صدق وعمق انتمائه الإيماني وثباته على مبادئ الحق التي لا يمكن أن يتزحزح عنها مهما واجه من تحديات وعقبات خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بقضايا ومقدسات الأمة الإسلامية”.

وشدد القادري على “أن التحالف الأمريكي – البريطاني الذي قدم ببوارجه وأساطيله ذات القدرات الفائقة في التسليح العسكري إلى المنطقة والبحرين الأحمر والعربي لفرض الهيمنة على الشعوب والأنظمة غير قادر اليوم على كسر المعادلة التي فرضتها القوات اليمنية بحنكة رجل القول والفعل السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الذي يقود معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، ضد قوى الشر والطغيان العالمي، للانتصار لمظلومية الشعبين اليمني والفلسطيني”.

وأكد انه “في خطوة هي الأولى من نوعها، أصبح البحر الأحمر من خليج العقبة حتى باب المندب محرم على الكيان الصهيوني العبور فيه سواء بسفن تابعة له أو شركات متعاملة معه أو أي سفن وبواخر تمتلكها شخصيات إسرائيلية”.

وحذر قائد لواء الدفاع الساحلي، دول العدوان ومرتزقتهم من “مجرد التفكير بارتكاب أي حماقات في الساحل فالرد سيكون مزلزلا وسيتم دفنهم في رمال الحديدة”.

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: مسؤول عراقي يتوقع تمديد بقاء القوات الأميركية
  • مرشح ترامب للأمن القومي يتحدث عن الوجود الأميركي العسكري بسوريا
  • محاربة حب الشباب والشيخوخة.. 7 فوائد هامة لعصير القصب
  • وفد أميركي يلتقي «الشرع» في دمشق.. واشنطن تلغي المكافأة وتدرس رفع اسم هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب
  • رفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب بشرط”..  تفاصيل لقاء الشرع بوفد أمريكي
  • اللواء القادري: عمليات اسناد المقاومة الفلسطينية مستمرة ولن تتوقف
  • مسؤولون أميركيون: واشنطن تدرس رفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. واشنطن تلغى المكافأة وتدرس رفع اسم هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب
  • السيسي يثمن التضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء الشرطة وعائلاتهم في مواجهة الإرهاب
  • القصة الكاملة لمكافأة «الـ10 ملايين دولار» للقبض على «أبو محمدالجولاني»