ما بين الماضي والحاضر تبدلت السياسة الهندية تجاه القضية الفلسطينية من النقيض إلى النقيض، وتحوّل دعم نيودلهي لشعب يرزح تحت الاحتلال إلى دعم للاحتلال نفسه؛ دعم لم يكتفِ بأبعادٍ سياسية واقتصادية، بل وعسكرية أيضا. فكيف حدث هذا؟ ولماذا؟

ففي 1947 صوّتت الهند ضد تقسيم فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بـمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا وشرعيا للشعب الفلسطيني في 1974، كما كانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين في 1988، ورغم أن الهند اعترفت بإسرائيل في 1950، فإنها لم تقم علاقات دبلوماسية معها حتى 1992.

بنيامين نتنياهو (يسار) ممسكا بيد نظيره الهندي ناريندرا مودي وهو أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل (رويترز) دعم سياسي

لكن على خلاف كل ما سبق، سارعت الهند إلى تقديم دعم سياسي سريع وكبير لإسرائيل بمجرد تنفيذ عملية طوفان الأقصى، التي شنتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبعد ساعات فقط كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من أوائل زعماء العالم الذين أدانوا هذا الهجوم، وهو موقف تبناه -كذلك- وزير خارجيته سوبرامانيام جايشانكار زاعما أن "الهند قد تواجه المصير ذاته إذا لم تقف في وجه التطرف"، حسب قوله.

وتماشيا مع موقف الدعم غير المشروط لإسرائيل، امتنعت الهند عن التصويت لصالح وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة في الأمم المتحدة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقد انعكس هذا التأييد على موقف القوميين الهندوس المتطرفين الذين شنّوا حملة لنشر معلومات مضللة على مواقع التواصل بشأن ما يحدث في قطاع غزة، لصالح الرواية الإسرائيلية -حسب ما كشف تقرير لموقع "ذا ديبلومات"- وذلك بهدف الترويج لخطابات معادية للإسلام تستهدف الأقلية الهندية المسلمة.

كما سمحت السلطات الهندية بالتظاهرات الداعمة لإسرائيل في مختلف أنحاء البلاد، في مقابل قمع الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين.

مسيرة في أحمد آباد بالهند مؤيدة لإسرائيل يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (أسوشيتد برس) عمالة هندية

ورغم اشتداد الحرب، مع ما يمثله ذلك من خطر على حياتهم، فإن أعداد العمالة الهندية التي تقصد إسرائيل في ازدياد، خاصة في قطاع البناء، بعد أن تسببت الحرب في رحيل آلاف العمال الآسيويين، وتعبئة كثير من جنود الاحتياط الإسرائيليين، وإلغاء تصاريح العمل لأكثر من 130 ألف عامل فلسطيني.

ويشير رئيس مركز لكناو للتدريب الصناعي راج كومار ياداف إلى أن مكاتب التوظيف الإسرائيلية تبحث الآن عن 10 آلاف عامل بناء على الأقل، برواتب شهرية تصل إلى 140 ألف روبية (نحو 1688 دولار)، مشيرا إلى أن هذا البرنامج يحظى بدعم السلطات الهندية.

وفي تحقيق مطول نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية قبل أيام، قالت إن ملايين الهنود يحلمون بالظفر بتأشيرة عمل في إسرائيل بفضل التحالف الوثيق بين رئيس حكومتهم ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن على حساب القوت اليومي لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من سوق العمل.

وتابعت أنه رغم البرد القارس يصطف مئات تتراوح أعمارهم بين 24 و46 عاما في طوابير طويلة يلوحون بسيرهم الذاتية، وكلهم يأملون في الفوز بتأشيرة عمل في إسرائيل.

والمثير في هذه العملية أن خبراء إسرائيليين يشرفون على الاختبارات في الهند ويختارون المرشحين، حسب القائم بأعمال السفارة الهندية في تل أبيب.

عمال هنود ينتظرون دورهم في التقديم لتأشيرة عمل في إسرائيل (الفرنسية)

ومن الهند، كتبت وزيرة النقل الإسرائيلي ميري ريغيف على منصة إكس، الأسبوع الماضي أن إسرائيل تريد تخفيف اعتمادها على العمالة الفلسطينية.

وقبلها بشهر، حث نتنياهو نظيره الهندي على تطبيق اتفاق 2023 الذي يسهل توظيف 40 ألف هندي في قطاعي البناء والتمريض.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت ولايتان هنديتان هما هريانا وأوتار براديش فتح 10 آلاف وظيفة أمام بعض التخصصات، في حملة رُوّج لها على نطاق واسع في قنوات موالية للحكومة، وتحدث كثير منها عن يد العون التي على الهند مَدُّها للحليف الإسرائيلي.

لكن الأهم في هذه الحملة كان التصريح بأن الهنود المسلمين عليهم ألا يكلفوا أنفسهم عناء التقدم إلى المناصب المعلن عنها، ما يعني أنه سيجري استبعادهم.

وفي السياق، قالت صحيفة غلوبز الإسرائيلية المتخصصة في الاقتصاد إن دفعة تُقدّر بألف عامل من الهند وصلت مؤخرا كتجربة في طليعة الموجة الأولى من خطة لجلب ما لا يقل عن 65 ألف عامل.

استعانت "إسرائيل" بمرتزقة هندوس تطوعوا للقتال بجانبها في الحرب الجارية بغزة، لم يجد "نتنياهو" أوفى ولا أصدق من الهندوس في عداوتهم للمسلمين ومن غيرهم تفنن بطرق عذاب المسلمين في الهند؟ الآن جاء دورهم في غزة! pic.twitter.com/4JjKSCfAm9

— نحو الحرية (@hureyaksa) January 26, 2024

مرتزقة على جبهة القتال

ومع تواصل الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة، كان مثيرا للانتباه اتهام أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، خالد أبو الفضل، هنودا هندوسا بالقتال في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وقال أبو الفضل إن الجنود الهندوس يسهمون في المجازر والمذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، مشيرا إلى أن "القوميين الهندوس يحتفون صراحة بما يفعله الاحتلال الإسرائيلي بالفلسطينيين".

وهنا يؤكد رئيس تحرير صحيفة ملي غازيت الهندية، ظفر الإسلام خان، أن هناك نحو 215 هنديا يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي، حسب تقارير نشرتها الصحافة الهندية.

ويوضح خان أن الصور التي تنشرها إسرائيل تظهر أن هؤلاء الهنود من شمالي شرق الهند الذين ادعوا أنهم من قبيلة "بني منشيه" اليهودية البائدة، وقد تهوّد آلاف منهم وهاجروا إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة.

ظفر الإسلام خان: نحو 215 هنديا يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي، حسب تقارير نشرتها الصحافة الهندية (الجزيرة)

وفي حين يشير خان إلى ما يصفها بالمبالغة الكبيرة من جانب إسرائيل حول مشاركة الهنود في صفوف جيشها الذي يحارب في غزة، "في محاولة لإظهار أن العالم يقف مع إسرائيل"، إلا أنه يشير -أيضا- إلى أن أعدادا كبيرة من الهنود أعربوا عن رغبتهم في الذهاب إلى إسرائيل "لقتال حركة حماس"، فضلا عن تأييد هندوسي كبير لدولة الاحتلال على شبكات التواصل.

وتسابقت الصحف الهندية للحديث عن استعداد الهنود للقتال إلى جانب إسرائيل. وتقول صحيفة "الهند اليوم" إن "الأشخاص من الهند ليسوا مسلحين ومستعدين للحرب ضد حماس فحسب؛ بل إنهم جاءوا -كذلك- في خط الهجوم المباشر لمواجهة الإرهابيين".

وتنقل الصحيفة عن دبليو إل هانغسينغ، رئيس الهيئة العليا لبني منشيه بالهند "نحن أقلية ضئيلة عالقة في الاضطرابات في ولاية مانيبور، والأمل الوحيد للمجتمع هو الهجرة إلى إسرائيل".

يهود بني منشيه

ويقدّر عدد أفراد مجتمع "بني منشيه" في الهند بقرابة 10 آلاف و500 شخص، وهم يعدّون أنفسهم من نسل "منشيه"، إحدى القبائل العشر التي طُردت من فلسطين قبل أكثر من 2700 عام على يد الآشوريين.

ويقول آساف -وهو أحد أبناء القبيلة- إن أبناء منشيه في ولايتي ميزورام ومانيبور "يعقدون جلسات صلاة خاصة على ضوء الشموع في معابدهم اليهودية كل ليلة من أجل الحماية الإلهية لأولئك الموجودين في إسرائيل".

ووفقا لهانغسينغ، فإن حوالي 200 من بني منشيه يخدمون بنشاط في الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى 200 جندي احتياطي تم استدعاؤهم للخدمة بعد الهجمات التي شنتها حماس، مع تأكيده أن الأعداد الدقيقة لأبناء منشيه الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي ليست متاحة للجمهور.

وتؤكد صحيفة جيروزاليم بوست، أنه استُدعي هؤلاء إما لأداء واجبات عسكرية نشطة وإما احتياطية، فضلا عن تطوع بعضهم، وذلك نقلا عن منظمة "شافي إسرائيل"، وهي منظمة مقرها القدس تهتم بـ"تعزيز علاقات إسرائيل مع مجتمعات الشتات اليهودي في جميع أنحاء العالم"، كما تُعرّف نفسها.

ومن بين هؤلاء الجنود، 75 جنديا من المهاجرين الجدد من الهند الذين تطوعوا للخدمة العسكرية بعد طوفان الأقصى، بينما استُدعي 140 للخدمة العسكرية من مستوطناتهم في جميع أنحاء إسرائيل.

ووفقا لـ"شافي إسرائيل"، فإن 99% من جميع الرجال في سن الخدمة العسكرية الذين هاجروا من الهند انضموا إلى حرب إسرائيل على غزة، في حين التحقت 90% من النساء بالخدمة الوطنية.

ويؤكد مؤسس منظمة "شافي إسرائيل" مايكل فرويند أنه "منذ اندلاع الحرب، تلقت المنظمة مئات الطلبات من أفراد مجتمع بني منشيه يطلبون الهجرة إلى إسرائيل على الفور". وأضاف "ليس هذا فحسب، إنهم يطلبون الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي على الفور للقتال جنبا إلى جنب مع إخوتهم وأخواتهم".

ويشير تقرير جيروزاليم بوست إلى أن نتانيل توثانغ (26 عاما)، وهو من بني منشيه، أصيب بشظية صاروخ أطلقه حزب الله اللبناني على شمال إسرائيل، حيث كان يخدم في لواء غفعاتي.

لكن صحيفة "نيوز 9" الهندية تحدثت عن مقتل 4 هنود يقاتلون مرتزقة في الجيش الإسرائيلي الذي يحارب في غزة.

ما الذي تغيّر؟

ولمحاولة فهم أسباب التغير الكبير في السياسة الهندية تجاه فلسطين، فإن أغلب التحليلات تشير إلى عاملين أساسيين؛ هما:

صعود القومية الهندوسية

يقول أشوك سوين رئيس قسم أبحاث السلام والصراع في جامعة أوبسالا في السويد، إن القومية الهندوسية آخذة في التنامي منذ وصل مودي إلى سدة الحكم، رغم اعتقاد الباحث أن غالبية الهنود ما زالوا يدعمون النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال.

كما أن وسائل الإعلام الهندية تتأثر إلى حد كبير بالحكومة القومية الهندوسية، ولذلك فإنها تميل إلى تبني خطاب أكثر عدائية تجاه فلسطين.

العداء للإسلام

ويشير أشوك سوين إلى أن حكومة ناريندرا مودي تعتقد أنه طالما استمرت الحرب في غزة، فسيُوجه اهتمام وسائل الإعلام نحو إدانة حماس، "وهي فرصة لزيادة تأجيج الإسلاموفوبيا داخل المجتمع الهندي".

أما الصحفية والباحثة البارزة والمقيمة في دلهي، باميلا فيليبوز، فتوصلت إلى أن الحكومة الهندية تعتقد أنها يمكن أن تستفيد من تصوير حماس "ممثلة للإرهاب الإسلامي" ودعمها لإسرائيل جزء من توجهها السياسي المناهض للإسلام.

صورة نشرتها منظمة"شافي إسرائيل" ليهود من "بني منشيه" في الهند يؤودون طقوسهم دعما لجيش الاحتلال

ويرى سوين قواسم مشتركة كبيرة بين الصهيونية والقومية الهندوسية؛ "فكلا الأيديولوجيتين تشتركان في أن أهدافهما توسعية وإقصائية".

وتصف كل من الحركتين الهند وإسرائيل بأنهما كانتا في الأصل حضارتين هندوسية ويهودية، على التوالي، ولكنهما "لُوثتا" من الغرباء، وعلى وجه التحديد المسلمين، ويتلخص طموحهما الآن في إعادتهما إلى مجدهما السابق كونهما دولتين هندوسية ويهودية على التوالي.

وفي هذا السياق، تشير صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن بعض المتطرفين الهندوس أبدوا استعدادهم لحمل السلاح إلى جانب الإسرائيليين. وأعلن سفير إسرائيل بالهند ناؤور جيلون بفخر أنه قادر على تشكيل جيش من المتطوعين الهنود.

وهكذا كان الدين والقومية و"العدو المشترك"، فضلا عن الاقتصاد والشعبوية، أسبابا في تحويل بوصلة الهند تجاه قضية شاركت طويلا في مناصرتها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی ناریندرا مودی إلى إسرائیل إسرائیل فی فی إسرائیل فی الهند من الهند فی قطاع إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

لكل مسعف قصة.. قافلة رفح التي قتلتها إسرائيل بدم بارد

لم يكن المسعف الفلسطيني رفعت رضوان يعلم، حين ارتدى بزته الطبية وحمل حقيبته الإسعافية فجرًا، أن هذه المهمة ستكون الأخيرة في حياته، برفقة زملائه، لإنقاذ عددٍ من المواطنين الفلسطينيين الذين تعرضوا للقصف الإسرائيلي في حيّ تلّ السلطان، غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة فجر يوم 23 مارس/آذار الماضي.

فعند الساعة 05:20 صباحًا، تحرك فريقٌ مشترك من الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني وإحدى الوكالات الأممية، استجابةً لنداءات استغاثة أطلقها جرحى فلسطينيون كانوا محاصرين.

انطلقوا بنية إنسانية خالصة، لا يحملون سوى الضمادات وقلوبٍ مخلصة، لكنهم -دون أن يعلموا- كانوا الهدفَ القادم لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

ولكن ما بدأ كمهمة إنقاذ انتهى بمجزرة دامية، فبعد وقت قصير من انطلاق الفريق انقطع الاتصال به، وبعد ساعات أعلنت قوات الاحتلال أن المنطقة أصبحت منطقة عسكرية مغلقة.

المسعف رفعت رضوان كان يوثق تفاصيل المهمة بهاتفه النقال دون أن يدرك أنه سيوثق أيضًا الجريمة النكراء التي هزت العالم، تلك كانت اللحظات الأخيرة في حياة مجموعة من المسعفين الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد.

الهاتف الذي كان بحوزة رفعت رضوان عُثر عليه مع جثمانه، موثقًا المشاهد الأخيرة التي تكشف أبعاد المجزرة، وكان رفعت في سيارة الإسعاف الثالثة ضمن قافلة ضمت سيارة إطفاء انطلقت للبحث عن سيارة إسعاف أخرى تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني فقدت الاتصال بقاعدتها، وضُعت علامات واضحة على جميع المركبات في القافلة، مع وميض أضواء الطوارئ.

إعلان

وفي عملية البحث، رصد الطاقم السيارة المفقودة على جانب الطريق. قال أحد المسعفين في الفيديو الذي وثقه رفعت: "إنهم مبعثرون على الأرض! انظروا، انظروا!" نزل رفعت مع مسعفين آخرين من سيارتهم للاطمئنان على زملائهم الذين سقطوا، ولكن حين يتحول المنقذ إلى هدف، انطلق صوت الرصاص من رشاشات وبنادق جنود الاحتلال الذين نفذوا المجزرة بحق المسعفين.

أصيب رفعت، وفي لحظاته الأخيرة صلى ودعا الله مرارًا وتكرارًا ليغفر له وطلب المسامحة من والدته لاختياره طريق الإسعاف الذي وضعه في طريق الأذى. توقفت بعدها صلواته مع توقف نبض حياته، وبعد العثور على جثامين الضحايا، تبين أن قوات الاحتلال قتلت 8 من عمال الهلال الأحمر الفلسطيني في تلك الليلة، إضافة إلى 6 من العاملين في الدفاع المدني الفلسطيني كانوا في المهمة نفسها. وتم القبض على مسعف تاسع يُدعى أسعد النصاصرة.

هؤلاء المسعفون لم يكونوا مجرد أرقام، بل كانوا أشخاصًا لهم حياة وعائلات وأحلام، ولكل منهم صفات مميزة أحبها من حوله، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على الجانب الإنساني لهؤلاء الشهداء من خلال شهادات معارفهم وزملائهم الذين عاشروهم وأحبوهم. المسعف إبراهيم أبو الكاس، الذي رافق الشهداء خلال سنوات خدمتهم، تحدث للجزيرة نت عن حياتهم وعملهم الإنساني ضمن طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، مشيرًا إلى 16 شهرًا من حرب الإبادة المستمرة على غزة.

رفعت رضوان: الحفيد الطيب الذي وثق الجريمة بهاتفه

فرفعت، ابن الـ24، كان روحًا لطيفة. "لقد حرص على مساعدة أي امرأة مسنة يصادفها"، يقول أبو الكاس. "كان يسعى للحصول على دعواتهن الصادقة عندما يقدم لهن المساعدة، ثم يودعهن برقة تجعلك تعتقد أنها جدته".

أشرف أبو لبدة: الهادئ كما كان يطلق عليه رفاقه

بوجهه الجاد ونظارته، كان حضور أشرف، ذو الـ32 عامًا، مطمئنًا لزملائه، بدأ التطوع عام 2021 ومنذ ذلك الحين كان يحرص على تقديم وجبات الإفطار لزملائه في رمضان، سواء بإعدادها بمركز الهلال الأحمر أو بجلب الطعام من منزله.

عز الدين شعت الأب الجميل كما يلقبه زملاؤه

عُرف عز الدين (51 عامًا) بهدوء النفس المطمئنة وروح الدعابة، وكان شعاره: "سنعود إن كُتب لنا، وإن لم نعد فهي أقدارنا".

إعلان

ويقول أبو كاس إن عزالدين كان أبا جميلا.. وأخا عزيزا.. هدوء النفس المطمئنة.. كان يمازح الجميع.. وكان شعاره.. سنعود إن كتب لنا.. وإن لم نعد فهي أقدارنا..

قبل أن ينتقل إلى مركز إسعاف رفح بعد أن كان يعمل في مركز إسعاف خانيونس.. يقوم خلال الليل بعمل ساعة راحة لكل طاقم.. ويطمئن أن جميعها قد تناول العشاء.. حتى كان يكتب أسماء العاملين خوفا من أن ينسى أحدهم.

محمد بهلول: صانع المعجزة

كان محمد (36 عامًا) شغوفًا بمساعدة الناس، ويُعرف بقدرته على إيجاد الحلول للنازحين، رغم التحديات.

مصطفى خفاجة: أبو النور

أب لطفل يبلغ 15 عامًا، مكث في المقر أيامًا متتالية، يتفانى في عمله، ابنه هو النور الذي يضيء له الطريق.

محمد الحيلة شاب في الـ 23 من عمره كان يمتلك حس الدعابة وروح التعاون

ويروي عنه أبو كاس إحدى القصص بالقول ذات يوم ماطر.. كانت هناك سيدة طاعنة في السن تريد قطع الطريق، ولا تستطيع.. حديث الشركاء قد دار بين محمد ومصطفى.. هل نحن شركاء بالطبع.. مهما كانت المهمة؟ بالتأكيد.. قم ننقذ تلك السيدة وننقلها للجانب الآخر من الطريق.. وبالفعل يضعون لها كرسيا ومن ثم يجلسونها.. ويحملونها إلى الجانب الآخر من الطريق.. وسط ابتسامات جميلة وهم يزفون العجوز وكأنها عروس.. وتقوم هي بالزغاريد والدعاء لهم..

رائد الشريف: المصور الحالم

قال أبو كاس أحب رائد الذي كان بلغ من العمر، 25 عاما ، وكان يحب التقاط الصور، سخيفة، جادة، غير رسمية، وكان رائد أعرب عن أمله في أن يرى العالم صوره يوما ما وأن يتمكن من نقل معاناة شعبه من خلال عمله.

بدأ التطوع مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عام 2018، عندما كان عمره 18 عاما، خلال احتجاجات مسيرة العودة الكبرى.

قتلت إسرائيل 214 متظاهرا، بينهم 46 طفلا، خلال هذه المظاهرات، وأصابت 36 ألفا و100، بينهم نحو 8,800 طفل.

إعلان

رائد هو الأصغر من بين 5 أشقاء، ولم يتزوج بعد، على الرغم من أن عائلته كانت تأمل في أن يتزوج بعد الحرب. لكن هذا لم يحدث، ويروي والد رائد انتظارا مروعا لمدة 9 أيام لمعرفة ما حدث لطفله الأصغر، ويكافح من أجل كبح اليقين بأنه قد أعدم مع زملائه.

الجريء صالح معمر

رغم إصابته في مهمة سابقة، أصر صالح (42 عامًا) على العودة للعمل لإنقاذ الأرواح.

وقال شقيقه حسين للجزيرة إن صالح أحب عمله أيضا، وعاد بمجرد تعافيه من الجراحة في عام 2024.

وأوضح حسين أنه في شباط/فبراير الماضي، كان صالح في مهمة لمساعدة الجرحى عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار على المسعفين، على الرغم من إبلاغه بأنهم سيكونون هناك.

أصيب صالح بجروح بالغة في الكتف والصدر، وانتهى به الأمر إلى قضاء بعض الوقت في المستشفى لإجراء عملية جراحية، وبعد ذلك عاد مباشرة إلى العمل.

أبو الكاس تحدث عن شجاعته: "لقد كان مكرسا للمساعدة، وكان يقول إنه أينما كان الناس يصرخون طلبا للمساعدة، فهذا هو المكان الذي يجب أن نكون فيه، للرد عليهم".

أسعد النصاصرة: الطفل الهمس

قال أبو الكاس إن أسعد البالغ من العمر 47 عاما كان أبا لـ6 أولاد كما أنه أبدى دائما صبرا لا نهاية له للتفاوض مع الأطفال. كلما رأى أطفالا يلعبون في الشارع، كان يذهب إلى القيادة والتعامل معهم، ويقدم لهم الحلوى للخروج من الطريق والذهاب للعب في مكان آمن، سرعان ما اكتشفه الأطفال، وسيلعبون في الشارع مرة أخرى في المرة القادمة، يضحكون ويقولون: "لقد خدعناك!"، لكن أسعد لم يمانع قط، واستمر ببساطة في تسليم الحلويات.

لم تكن جثته من بين أولئك الذين تم العثور عليهم عندما ذهبت بعثة دولية للبحث عن عمال الطوارئ المفقودين، تم القبض عليه وتقييده وأخذه بعيدا، وفقا للشاهد الوحيد الناجي، منذر عابد.

تحدث الأب البالغ من العمر 47 عاما إلى عائلته آخر مرة في المساء الذي اختفى فيه، وأخبرهم أنه في طريقه إلى مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لتناول الإفطار مع زملائه، وفقا لابنه محمد.

إعلان

عندما حاولوا الاتصال به في وقت قريب من السحور، لم يستجب واكتشفوا من المقر الرئيسي أنه لا أحد يستطيع الوصول إليه أو إلى عمال الطوارئ الآخرين.

وقال ابنه إنه كان دائما يحذر عائلته من أنه كلما توجه في مهمة قد لا يعود، لكن مع استمرار أسعد في أعمال الإنقاذ لصالح جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حاولوا دائما تجنب التفكير في ذلك.

هذا التقرير، الذي أعده فريق الجزيرة نت، سلط الضوء على الجانب الإنساني لبعض الشهداء الأبطال من فرق الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني، الذين قدموا أرواحهم في سبيل مساعدة أهالي غزة الذين يتعرضون للقصف والقتل الممنهج من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ 18 شهرًا، من خلال كلمات المسعف إبراهيم أبو الكاس، الذي عاشر هؤلاء الأبطال وعايش تفاصيل حياتهم.

مقالات مشابهة

  • الضم بحوافر الأغنام.. كيف تدعم إسرائيل مليشيات المستوطنين لابتلاع الضفة؟
  • حمدان بن محمد يفتتح «مجمع نافا شيفا» في مدينة مومباي الهندية
  • متخصص: أوروبا تدعم الرؤية المصرية تجاه غزة .. وأمريكا متمسكة بدعم إسرائيل
  • وزير الخارجية يثمن الطفرة التي تشهدها العلاقات المصرية الإيرلندية
  • حمدان بن محمد يشهد الإعلان عن افتتاح مكتب غرفة دبي العالمية في مدينة بنغالور الهندية
  • لكل مسعف قصة.. قافلة رفح التي قتلتها إسرائيل بدم بارد
  • أمريكا تتوعد الدول التي تدعم الحوثيين أو تتحدى قرار حظر استيراد الوقود الى موانئ اليمن الخاضعة لسيطرتهم
  • آبل تنعش أسهم شركات التكنولوجيا الهندية.. ما القصة؟
  • ارتفاع أسهم شركات الإلكترونيات الهندية
  • ترامب يجدد رغبته في السيطرة على قطاع غزة: لماذا تخلت إسرائيل عنه؟