ناطحات سحاب يافع… متحف يمني مفتوح للعمارة
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
يمن مونيتور/اندبندنت عربية
كثيراً ما اشتهر اليمن بالفن المعماري منذ القدم حتى صارت مدنه متاحف مفتوحة تختزل ثالوث المعمار الذي يضم إلى جانبي العمارة الحجرية والطينية عمارة الياجور، وفي صورة هندسية بديعة لا تزال تتحدث عن مرحلة زاهية من التمدن والرقي والحضارة عاشها اليمنيون قديماً.
وإذ تطاول أبناء “بلاد العرب السعيدة” في البنيان وشيدوا أقدم ناطحات سحاب مدهشة في التاريخ “شبام حضرموت” فإن الحاضر لا يعدو عن كونه إلا امتداداً للماضي في التخطيط للمدن والقرى وتحصيناتها، بناءً وهندسة وتخطيطاً وفناً في بعض مناطق البلاد.
ناطحات سحاب
كما هو الحال مع ناطحات السحاب الحجرية في منطقة يافع اليمنية، التي تشتهر بالمعمار الحجري منذ القدم، وما زال أبناؤها يتباهون به على طريقة الأجداد فيتطاولون في البنيان باعتباره تراثاً عمرانياً وجزءاً من ذاكرتهم الحسية المشتركة.
تبدو مباني “يافع” السامقة كقلوب مرصوصة موحدة الطابع ومتشابهة الروح، كما لو كانت ثريات معلقة على رؤوس الجبال، إلا أن اللافت في المعمار اليافعي أنه يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويتميز بطراز خاص وتصميم فريد في البناء والتشكيل والتصميم لبنايات عالية من الأحجار مع سقوف حجرية. مما يبعث التساؤل عن أصل هذا الطراز المعماري والزخرفي المتميز؟
محصلة تراكمية لحضارة حمير
المتخصص في البناء المعماري اليمني الدكتور علي الخلاقي قال في حديث لـ”اندبندنت عربية”، إن “العمارة اليافعية الفريدة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ وإنها من دون شك محصلة تراكمية لحضارة حمير القديمة”.
وأضاف “لا يزال اليافعيون حتى اليوم يبنون بيوتهم الحجرية المرتفعة السامقة كما كان يفعل أسلافهم من أبناء حمير منذ غابر الزمن”.
وتابع “شيد اليافعيون بفضل مهاراتهم كثيراً من القصور والدور والسدود وغيرها من المباني العامة، وما زالت آثارها باقية حتى يومنا هذا كشاهد على حضارة عريقة، وما كانوا بوسعهم ذلك لولا وجود المواد الصالحة للبناء التي تستطيع البقاء ومقاومة الطبيعة أمداً طويلاً”.
وتقع يافع في الجهة الشرقية من عدن إلى الجنوب من البلاد وهي إحدى مناطق لحج، وساعدها في التفرد بهذا المعمار وقوعها في منطقة غنية بالأحجار الصلبة ذات الألوان المختلفة، تسمى (سرو حمير).
بدوره، أشار المتخصص في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، إلى أنها “كانت قديماً تشكل المسكن القديم للحميريين قبل نزوحهم إلى مواطنهم الجديدة في القرن الأول قبل الميلاد”.
نقوش وأكاليل وزخارف
تأخذ ناطحات السحاب الحجرية أشكالاً متعددة منها ما هي مربعة المسقط ومستطيلة، ويصل ارتفاعها إلى خمسة وستة وسبعة طوابق.
أما الحزام الناصع البياض الذي يلتف حول خاصرة البيت اليافعي ويفصل بين الطابق والآخر فيضيف طابعاً جمالياً على البيت اليافعي.
وتتوج البيوت الحجرية بأكاليل تزدان بها أعلى السطح تسمى “تشاريف”، وهي علامة على اكتمال بنيان طوابق البيت. ومن الداخل تزين النقوش والزخارف الحميرية القديمة جدران المنازل في مظهر جميل ومتفرد.
والعمارة الحجرية اليافعية ليس مجرد مكان لإيواء أفراد الأسرة، بل تتمتع بنظام دفاعي شديد الدقة، لمراعاة الأمان، إذ إنها أشبه بحصون وقلاع عسكرية منيعة فيها جميع الاستحكامات الدفاعية بما في ذلك فتحات أو مزاغل خاصة لرمي الرماح أو لتوجيه البنادق.
عمارة دخيلة
وأشار المهتم بالعمارة اليافعية نجيب صبري إلى أن العمارة الأسمنتية الدخيلة باتت تتهدد المعمار اليافعي الأصيل، قائلاً “هذه الظاهرة بدأت تغزو مدننا وقرانا اليافعية، وإذا ما استمرت دون أن نتنبه لأخطارها فقد تقضي تدريجاً على خصوصيتنا المعمارية الأصيلة”.
ولفتت العمارة الحجرية في يافع، هندسة وارتفاعاً، اهتمام المتخصصين، إذ يضعونها إلى جانب عمارتي الياجور في صنعاء القديمة والطينية في حضرموت كأنماط معمارية متميزة تزين لوحة الفن المعماري وشواهد أثرية على حضارة الأجداد العظيمة.
خلفية تاريخية
وتعد العمارة من أهم سمات الثقافة المادية للإنسان وتحتل مكانة مهمة في تطور المجتمع البشري وفي حضارات الشعوب والأمم المزدهرة، التي نجد التعبير الصادق عنها فيما خلفته من آثار عمرانية بالغة تدل على ذلك المستوى من الرقي الحضاري الذي بلغته.
ويشكل اليمن متحفاً حياً يجمع بين ثالوث المعمار الطيني والياجوري والحجري، في صورة تعكس حالة من التمدن والرقي والحضارة العمرانية، عاشها هذا البلد في التاريخ القديم ولا تزال آثارها باقية حتى اليوم.
وإلى ذلك، وبحسب إفادة المتخصص في العمارة اليافعية الدكتور على الخلاقي “فإن يافع اليمنية عرفت النشاط الإنساني والحضاري في وقت مبكر من تاريخ اليمن القديم” وعرفت قديماً باسم “دهسم” كما جاء في نقش النصر.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: التاريخ الثقافة اليمن
إقرأ أيضاً:
مخبأ حربي بفندق في فيتنام استضاف المشاهير خلال الغارات الأمريكية
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يقف فندق "متروبول" في العاصمة الفيتنامية هانوي شامخًا أمام الضيوف الذين يصلون إلى المبنى المصمم على الطراز الاستعماري الفرنسي، حيث يستقبلهم موظفون يرتدون سترات حريرية أنيقة.
تُظهر الصور المعلّقة في جميع أنحاء الردهة بعضًا من أشهر نزلاء الفندق، ومن بينهم الرئيسين الفرنسيين، فرانسوا ميتران، وجاك شيراك، والكاتب غراهام غرين، والممثلة جين فوندا، ونجم السينما الصامتة، تشارلي شابلن. كما استضاف فندق "متروبول" قمّة جمعت بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونع أون في عام 2019.
ولكن تحت أرضيات البلاط الأنيقة، تختبئ طبقة أخرى لتاريخٍ قاتم.
مع احتفال فيتنام بالذكرى الخمسين لإعادة توحيدها هذا الأسبوع، يُسلّط الفندق، و يُطلق عليه الآن اسم "سوفيتيل ليجند متروبول هانوي" (Sofitel Legend Metropole Hanoi)، الضوء على تراثه الحربي.
يصادف تاريخ الـ30 من أبريل/نيسان 2025 مرور نصف قرن على سقوط سايغون (الاسم السابق لمدينة هو تشي منه) وإجلاء السفير الأمريكي غراهام مارتن، بطائرة مروحية، منهيًا بذلك ما يُطلق عليه الأمريكيون اسم "حرب فيتنام" وما يُطلق عليه الفيتناميون "الحرب الأمريكية".
افتُتح فندق "متروبول" في عام 1901 عندما كانت فيتنام تحت السيطرة الفرنسية، ومرّ عبر عدّة مالكين حتّى استولت عليه الحكومة الشيوعية في خمسينيات القرن الماضي، وأعادت تسميته إلى "Reunification Hotel" (أي فندق إعادة التوحيد).
كان المبنى من بين الفنادق القليلة التي سُمح لها باستضافة الزوار الأجانب خلال الحرب، لذا ارتاده العديد من السياسيين، والصحفيين، والفنانين المشهورين.
في عام 1965، بنى الفندق مخبأً تحت الأرض ليحتمي فيه الضيوف أثناء الغارات الجوية الأمريكية.
وذكر مدير الفندق، أنتوني سلوكا، أن المكان كان يتسع لحوالي 100 شخص، ويعادل ذلك عدد الضيوف تقريبًا، وكان مُقسّمًا إلى أربع غرف مع مدخلين.
أصبح الملجأ في طي النسيان بعد الحرب حتى عام 2011، عندما اكتشفته شركة مقاولات كانت تجدد حانة "بامبو" في الفندق.
ينظم الفندق الآن لنزلائه جولتين يوميًا في المخبأ.
السياق التاريخي لهانوييمكن للمسافرين الراغبين في معرفة المزيد عن حقبة الحرب في هانوي زيارة سجن "Hoa Lo"، حيث احتُجز السيناتور الراحل، جون ماكين وأسرى حرب من أمريكا.
يُلقب هذا السجن بـ"هيلتون هانوي"، وتم تحويله إلى متحف تاريخي متعدد الوسائط.
في الوقت ذاته، يُعد متحف التاريخ العسكري الفيتنامي في هانوي أكبر متحف في البلاد بعد تجديده في خريف عام 2024. ويعرض القسم الخارجي له طائرات، ودبابات، وصواريخ استخدمها الجيش الأمريكي خلال الحرب.
التطلع إلى المستقبلأفاد سلوكا أن الأمريكيين يُشكلون اليوم أكبر فئة من زوار فندق "متروبول"، حيث شمل بعضهم قدامى المحاربين الراغبين في العودة لرؤية البلاد مرة أخرى، بالإضافةً إلى شباب ولدوا بعد فترة الحرب ويهتمون ببساطة بتجربة الطعام الفيتنامي، والتعرف إلى ثقافة البلاد، واستكشاف مناظرها الطبيعية.