الإذاعة … لماذا الإستماتة … ولماذا التركيز عليها ؟
إدارة تحركات تاتشرات وإرتكازات الدعم السريع.
أظن ، والله أعلم ، كملكي جربندية ساكت ، أن الإذاعة بها أجهزة التحكم والإدارة والتواصل مع جميع تاتشرات إرتكازات الدعم السريع ربما في أم درمان ، ربما في ولاية الخرطوم ، بل ربما في كل السودان ، والله أعلم.
إرتكازات الدعم السريع كانت ثابتة constant ومتغيرة variable ، قل لي ، كيف يكون الشيئ ثابت ومتغير في نفس الوقت ؟
حسب مشاهداتنا ومعايشاتنا أن الإرتكاز يكون ثابتا كتاتشر قتالي في نفس النقطة ، في نفس الزاوية ، تحت نفس الشجرة ، لأسابيع ، ولكنه ليس بالضرورة نفس التاتشر ونفس المقاتلين.


في الشهر الأول من أبريل حتى منتصف مايو 2023م كل بضعة أيام ، إسبوع ، إسبوعين ، كانت جميع التاشرات في المنطقة تختفي فجأة فيعتقد سكان الحي أنهم غادروا وأن الحرب ستتوقف ، ولا يمضي يومين أو ثلاث إلا ويستيقظ السكان ذات صباح ليجدوا الإرتكازات قد عادت من جديد في نفس النقاط.
في الشهور الأولى أبريل ومايو ويونيو حتى أغسطس 2023م ظل انترنت سوداني يعمل مجانا وقويا.
كان أفراد الإرتكازات يتعاملون مع الأفران والبقالات وبائعي الخضار بالشراء فحدث نوع من المعرفة والتعود.
سألوهم ، وين إختفيتوا ؟ قالوا مشينا إتجمعنا وكان عندنا هجوم كبير ، وكانت تلك الإختفاءات تتزامن مع أخبار هجمات كبيرة ربما في نفس اليوم على ثلاث محاور في جنوب الخرطوم وبحري وشمال أم درمان.
كانت شبكة سوداني مجانية وقوية ، وكنا نستلقي في بيوتنا ونتعايش مع الوضع وكانت الكهرباء والمياه منتظمة ، وحين تدوي الدوشكا بالجوار نسارع باللجوء تحت الأسرة والأركان ، ياللسذاجة والطيبة ، لكننا كنا وقتها مطمئنين أن لا مقاتل سيقتحم علينا دورنا ، ولكن تدريجيا بدأت السلوكيات في التبدل.
رويدا رويدا تعود سكان الأحياء على مسألة الإختفاء المؤقت هذه ولم تعد تثير فيهم أملا أو تفاؤلا من أية نوع.
في مرحلة تالية صار نفس الإرتكاز يعود من جديد ولكن ليس نفس التاتشر وبمقاتلين مختلفين ، ولكن يظل الموقع هو نفس الموقع ، الشجرة نفس الشجرة ، الزاوية نفس الزاوية ! من دلهم عليها ؟ من أخبرهم أن زملاء لكم كانوا هنا فكونوا مكانهم ؟
كملكي جربندي ساكت ، أستنتج أن هناك تحكم مركزي يشاهد ويتابع ويدير أية تاتشر في هذه الحرب من صحاري ليبيا والنيجر إلى جخانين سوق أم درمان إلى زوايا ترع وكنارات الجزيرة ، لا تحركات عشوائية ولا بمزاج قائد المنطقة أو حتى سائق التاشر.
ولكن مشكلة سكان الأحياء جيران التاتشرات كانت مع تبديل المرتكزين لا الإرتكازات ، فقد كان تطاول زمن الإرتكاز يخلق نوعا من التعود والإلفة وصادف بعض السكان معارف لهم بين القيادات والمقاتلين فشكل ذلك مرجعية تساعدهم في التعامل مع الطوارئ والمستجدات ، وذلك تعامل ضروري تفرضه ظروف الحرب وتقاة مفهومة ومقبولة بل مطلوبة لتسيير الأمور وضمان درجة من السلامة حين إختفت بندقية الدولة وسادت بندقية سحبت عنها الدولة شرعيتها.
ليس من يسمع من بعيد أخبار الحرب ويتابعها عبر الفيسبوك أو الفضائيات أو من أحاديث المجالس خارج الحدود أو في مدن النزوح الآمنة ولو مؤقتا كمن عايشها ووقف التاتشر قرب بيته وهو يقصف تجاه المنطقة العسكرية المستهدفة فيرتج كل البيت ، ثم هو نفسه يغادر بيته صباحا لشراء بعض الضروريات فيمر بقرب نفس التاتشر الذي كان يقصف بالأمس ليلا ، يرمق بطرف عينه الواجفة مقاتليه مابين مستلق أو جالس في كرسي أو مابين داخل وخارج من البيت الذي غادره سكانه وهم يدخلون ويخرجون للاستفادة من المنافع.
سكان الأحياء المتعايشين مع هذه المظاهر يتناصحون بينهم ، إذا جيت ماشي جنبهم ألق السلام ، ماتجي ماشي ساكت ، أمس مسكوا فلان وزرزروه … قالوا ما سلم عليهم !
المتشنجين من خارج جغرافيا الحرب بل من خارج الحدود لا أظنهم يحسون بهذه المشاعر ولا مذاقاتها ولا خفقاناتها ولا إرتياباتها وتوجساتها فيحسبون كل تعامل خيانة وكل شاب إقترب وتحدث وتفاهم مجرد طابور.
هنا مدينة تحولت لساحة حرب ، خياراتك محدودة ، إما أن تكون مسلحا لتواجه ، أو تتسلح باللباقة والمداراة وفيهم من يفهمها ويتقبلها ويقابلها بمثلها ، وإما أن تغادر ، هل لديك خيار رابع ؟ نعم ، أن تنضم إليهم !
وصمد من صمد بالتعايش والمداراة حتى تم إجبار آخر الصامدين على المغادرة في أواخر يناير 2024م ووفقا لإفاداتهم فقد كان من أخرجهم دعامة ليبيين ، السودانيين يعرفون الليبي جيدا من لهجته أكثر من لون بشرته.
هنا حرب تطورت وتبدلت وتحورت ، وظلت الإذاعة هي الإذاعة بؤرة للهجوم والاستماتة ، فماذا فيها ياترى ؟!
#كمال_حامد ????

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ربما فی فی نفس

إقرأ أيضاً:

حلفاء الظل

عندما نتحدث عن «البُعد الأخلاقي» لدى البشر، فإننا بالتأكيد نشير إلى معيارٍ متفردٍ، يجعل الإنسان إنسانًا، لكننا ربما نصطدم ـ في كل زمان ومكان ـ بـ«حلفاء الظل»، أو مَن يُسمون بـ«الطابور الخامس»، المتجردين من كل القيم، وكافة معاني الإنسانية والرحمة والوطنية والدين والأخلاق.
هؤلاء «الخونة» و«العملاء» المأجورون، يشتركون «خلف الخطوط» في مؤامرات تُحاك وتُدار من خارج حدود الأوطان، ويُشكلون سَنَدًا ودعمًا وقوة متحفزة، لدعم العدو، الذي يقوم بتكليفهم بمهام خسيسة، لا أقلها الوشاية على بعض المستهدَفين، خصوصًا إن كان المستهدَف «صيدًا ثمينًا»!
بالطبع، قد يوصف «الطابور الخامس» ـ في مفاهيمنا الحالية ـ بالخانعين، المرجفين، المحبِطين، التافهين، الجبناء الذين يقفون في منتصف الطريق، أو المثيرين للرعب والفزع، ويشيعون الفوضى وينشرون الشائعات، ليكونوا معول هدم في تماسك الجبهة الداخلية للأوطان.
على مدار ما يقارب ثمانية عقود، ينتهج «الكيان الصهيوني» سياسة الاغتيالات، التي لم تتوقف، منذ نشأة «الكيان اللقيط»، باعتبارها «استراتيجية ردع»، تستهدف قيادات دينية وسياسية وعسكرية وعلماء.. متجاوزة كل الحدود الأخلاقية والإنسانية.
خلال عام «طوفان الأقصى»، باتت سياسة الاغتيالات «الإسرائيلية» أكثر كثافة وتتابعًا وتمددًا، وباتت خريطة الاستهداف أوسع جغرافيًّا، لتلاحِق قادة المقاومة في كل مكان حول العالم، بدعم استخباراتي أمريكي ـ بريطاني، قذر!
ربما لم يُدرك «الصهاينة» بعد، أن الأمة لا تُهزم باستشهاد قادتها في المعارك، وإنما تُهزم بانكسار إرادتها على الاستمرار، لأن الشهادة مطلب الأحرار، وهي دليل إيمان بالقضية العادلة.. وذلك المنطق بالتأكيد لا يفهمه هؤلاء «اللقطاء».
كما أن خسارة قائد ـ مهما كان حجمه ـ في معركة غير عادلة، يزيد المقاومة طاقة إضافية، حيث لا قيمة لمقاومةٍ إن لم تُرْوَ بالتضحيات ودماء القادة والأبطال، ولذلك فهي دائمًا متجددة وقادرة على إنجاب عشرات القيادات الأكثر شراسة وصلابة.
للأسف، لم تكن المواقف العربية ـ رسميًّا وشعبيًّا ـ تتناسب مع فداحة جرائم اغتيال «حسن نصرالله»، ومن قبله «إسماعيل هنية»، وغيرهم من قوافل الشهداء في فلسطين ولبنان، وما تمثله سياسة الاغتيال القذرة من رسائل لإثبات هيمنة المحتل الغاصب وفرض إرادته.
إنه لشيء مخزٍ، ما تابعناه مؤخرًا، من مواقف متخاذلة لنُخَبٍ فكرية وثقافية وإعلامية «عربية»، وبعض «أدعياء الدين»، بتناولهم جرائم الاغتيال بالتَشَفِّي تارة، وبالشماتة والتشويه تارة أخرى، بل إن بعضهم بالغ في تكفير الشهداء، ونَعْتهم بتعبيراتٍ مُنْحَطَّة، لا تليق بقدسية الاستشهاد، في سبيل الله والوطن والأرض والعرض!
أخيرًا.. إن سياسة النَّفَس الطويل، والصبر الاستراتيجي، والعقلانية، ربما تُفيد مع دُوَلٍ تحترم قواعد الاشتباك وقوانين الحروب، والقيم الأخلاقية والإنسانية، لكنها تُعطي نتائج عكسية مع عدو مُنْحَطٍّ يدوس على جميع هذه القواعد، بأحذيته الملوثة بدماء القادة والأطفال والنساء والمُسِنِّين.
فصل الخطاب:
يقول «تشي جيفارا»: «الأقربون طعناتهم أخطر، لأنها تأتي من مسافات قصيرة»!

[email protected]

مقالات مشابهة

  • حلفاء الظل
  • كوزمين: التركيز مفتاح الشارقة لتجاوز الوحدات في آسيا
  • ما هو روبوت التداول ولماذا هو مفيد جداً؟
  • واشنطن: الحرب الشاملة ليست سبيل إعادة سكان شمال إسرائيل
  • اتهام مؤدي أغنية كأس العالم بـالاعـتـداء الـجـنـسـي
  • “أرحومة” يتفقد أوضاع أهالي وسكان حي الثانوية وحي بردي وحي الإذاعة بسبها
  • لماذا يظهر الناس ابتهاجا باخبار انتصارات الجيش؟
  • لماذا لم تظهر وساطة عربية بين إسرائيل وحزب الله
  • أ مات ( السيد) .. ؟ نعم .. ولكن أية ميتة مات ؟
  • لماذا قرر نتنياهو حرق جنوب لبنان؟ وهل اقتربت الحرب البرية؟