موقع النيلين:
2024-07-03@18:14:10 GMT

الطبخ ميزة الإنسان الأولى

تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT


قادتني مناسبة ثقافية إلى البحث عن الطبخ في الثقافة والأدب، وهالني ما وقفت عليه من كتابات وتدوينات مهمة عن الطبخ، فعادت بي الذاكرة إلى التجارب الأولى لي في الطبخ، إذ تفرض عليك حياة التنقل والترحال وفضول الطفولة التماهي مع ما يفعله الكبار من حولك، وكان الطبخ تسلية أو ما يشبه اللعبة أو ممارسة تمردية على سلطة الأمهات، وأتذكر أننا كنا في واحدة من تجمعات رعاة الإبل في موسم الخطيل، حيث تجتمع الأسر لعدة أسابيع ثم تفترق من جديد، في إحدى المرات اجتمع مجموعة من الصبية وقررنا أن نطبخ، فبحثنا عما يمكن أن نطبخه فلم نجد إلا الرز ومعجون صلصلة الطماطم، فقررنا استعارة قدر من الأمهات وعدة علب من معجون الطماطم وحفنة رز، وأشعلنا النار وطبخنا الرز ثم أضفنا المعجون، ونجحنا في تسمية الطبخة كبسة طماطم، تلك كانت المرة الأولى التي اكتشفت لاحقا أنها أهم ميزة تميز الإنسان عن الحيوان، مثلما كتب المترجم سعيد الغانمي (66 عاما) في مقدمة كتاب الطبخ في الحضارات القديمة للمؤلفة كاثي ك.

كوفمان (68 عاما) الصادر عن مشروع كلمة “يتفق جميع الأنثربولوجين على أن كل ما هو مطبوخ ينتمي إلى الثقافة بينما ينتمي كل ما هو نيء إلى الطبيعة، ومثلما ينفرد الإنسان باللغة الإبداعية التي تميزه عن جميع الحيوانات فإنه ينفرد عنها أيضا بكونه الكائن الوحيد الذي يطبخ ما يأكله منذ أن اكتشف النار قبل آلاف السنين،

على أن النظرة إلى الأدب المطبخي ظلت تتراوح بين الاحتكار المطلق أو الاحتقار المطلق، فمنذ أن افتض الإنسان لغز الكتابة الأولى كان الكتبة المتعلمون الأوائل في بلاد الرافدين القديمة سدنة الأدب المطبخي الأول في حين كان الطباخون من الأمين في الغالب”، ولكن الاهتمام بالأدب المطبخي لم يستمر كثيرا لعدة أسباب سياسية منها قضاء المماليك على الجيش الانكشاري الذي يهتم بالطبخ ويعتني بالطباخين ويقول الكاتب العراقي علي الوردي (1913-1995): “إنهم يعطون أهمية كبيرة للطبخ وتقديم الطعام، فهم مثلا يقدسون قدور الطبخ ولا يفارقونها حتى أوقات الحرب ويدافعون عنها دفاعا مستميتا، إذ هم يعتبرون ضياعها أثناء الحرب أكبر إهانة تحلق بهم، وهم إذا أرادوا إبداء عدم الرضا من أوامر رؤسائهم قلبوا القدور أمام بيوتهم، ومن مظاهر اهتمامهم بالطبخ أن قائدهم الأعلى يسمونه جوربجي باشي أي “طباخ الحساء”. وفي مقدمة كتاب الطبيخ لابن نصر الوراق الذي ألفه في القرن الرابع الهجري يقول: “كانت الوصية للطباخين أن يطبخوا في القدر البرام المكية فإنها أجود ما يجوّد فيه الطعام”.

مؤخرا وقع بين يدي كتاب (الطاهي يقتل الكاتب ينتحر) الصادر عن الدار المصرية اللبنانية للكاتب المصري عزت القمحاوي (62 عاما) الذي يقول: “بالحكاية والطبخ تمكن البشر من استئناس بعضهم بعضا وصارت لدينا مجتمعات بشرية”، ويقول في الكتاب أيضا: “لكي تطبخ، عليك أن تتحمل تبعات أن تكون قاتلا تقبض أرواحا لكي تصنع منها أشباحا”.

ومن الكُتاب المرتبطين بالطبخ الكاتب الكردي السوري سليم بركات (72 عاما) والمقيم في السويد، إذ يقول في حوار مع الكاتب والشاعر العراقي وليد هرمز نشرته صحيفة العربي الجديد: “المطبخ هو المكان الذي لا ينازعك أحد عليه، متفردا بامتلاك خزائنه وأدراجه، قديرا في إدارة التوابل مطمئنا إلى ولاء السكاكين بحاشية من الصحون الجليلة، أكتب في المطبخ ما سيجري التعديل فيه مساء على توزيع المحاربين الفرسان على خيول وعلى أفيال وترتيب المدافعين بالأسلحة الكبار عن أجناب المعاني”.

هكذا يتجاوز الطبخ دوره في إنضاج الأطعمة إلى تنضيد النصوص وتشكيل العبارات متبلة بأصناف عدة من الصور الخيالية والمعاني التي يختلف القارئ في تأويلها أو هضمها أحيانا.

محمد الشحري – صحيفة عمان

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

في ذكرى ميلاده.. "إكسترا نيوز" تعرض تقريرا عن السيناريست وحيد حامد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عرضت قناة إكسترا نيوز، تقريرا تليفزيونيا عن الكاتب الكبير وحيد حامد بمناسبة ذكرى ميلاده.

وقال التقرير: «واحد من أهم كُتاب السينما المصرية الذي أثرى المكتبة السينمائية المصرية والعربية بالعديد من الأفلام التي جسدها على الشاشة كبار الفنانين على مدى عقود مختلفة، واستمر عطاؤه حتى رحيله إنه وحيد حامد، الذي ولد في الأول من يوليو عام 1944 بمحافظة الشرقية، ليبدأ رحلة البحث عن تحقيق حلمه بالكتابة من خلال قصص قصيرة نُشر بعضها للمرة الأولى من خلال مجموعته القصصية الأولى «القمر يقتل عاشقه»، لكن كتابات وحيد حامد تشهد تحولا، إذ عمل بنصيحة الكاتب يوسف إدريس».

وتابع: «ليبدأ رحلته من داخل ماسبيرو مع بداية السبعينيات عبر الدراما الإذاعية والتليفزيونية لينطلق بعدها في الكتابة السينمائية من خلال فيلم «طائر الليل الحزين» مع المخرج يحيى العالمي، قدم وحيد حامد العديد من الأعمال الفنية المميزة بين الدراما والسينما، فبعد بزوغ اسمه مع مسلسل «أحلام الفتى الطائر» خاض تجارب سينمائية مختلفة مع مجموعة كبيرة من أبرز وأهم مخرجي السينما المصرية».

مقالات مشابهة

  • توماس فريدمان: هذا هو السؤال الذي ينبغي لبايدن أن يطرحه على نفسه
  • غارديان: غزة تحولت إلى فشل أخلاقي وسياسي خارجي أكثر إرباكا لبايدن
  • كتاب جديد يستكشف حضور إدوارد سعيد في الخطاب النقدي العربي المعاصر
  • النطاقات المعرفية والإحالات المرجعية في شعر الأوقيانوس أنس الدغيم
  • مصطفى الكيلاني يوضح تفاصيل النسخة الثانية من مهرجان العلمين 2024
  • 2.8 تريليون دولار خسائر العالم خلال 20 عاماً جراء التغير المناخي
  • شرور الديكتاتورية وترياق الأدب.. رحيل كاتب ألبانيا الكبير إسماعيل قدري
  • في ذكرى ميلاده.. "إكسترا نيوز" تعرض تقريرا عن السيناريست وحيد حامد
  • وفاة الكاتب الألباني إسماعيل قاداري عن 88 عاما
  • كتاب House of Beckham يكشف تفاصيل “إنتقام” ديفيد بيكهام من الأمير هاري وميغان ماركل