اهتم علماء النفس بتأثير الآباء والأمهات على تصرفات الأبناء وسلوكهم، ووجد الباحثون أنه يمكن لبعض الأطفال الذين نشؤوا في بيئات مختلفة أن يكبروا وتصبح لديهم شخصيات متشابهة إلى حد كبير. وعلى العكس من ذلك، قد تكون لأشقاء نشؤوا في منزل واحد شخصيات مختلفة.

تختلف أنماط الأبوة حسب سلوك الوالدين ومواقفهم والبيئة العاطفية والشعورية التي يربون فيها أطفالهم، وقسَّم علماء النفس تلك السلوك إلى 4 أنماط، تشمل الإستراتيجيات التأديبية وطرق الرعاية، وأساليب التواصل وحدود التحكّم.

الأبوة الاستبدادية

تتسم الأبوة الاستبدادية بفرض قواعد صارمة على الأبناء مع عدم مراعاة مشاعرهم وحاجاتهم الاجتماعية والعاطفية والسلوكية. ولا يوضح هؤلاء الآباء أسباب رفضهم أي شيء، ويستخدمون نظاما صارما يُعرف بـ"الحب القاسي". ويرى هؤلاء أن وظيفتهم هي كسر إرادة الطفل أمام سلطة الآباء وترسيخ مبدأ الطاعة والخضوع.

تفتقر التربية الاستبدادية إلى المرونة والدفء. وقد يصبح الأبناء الذين نشؤوا في هذه البيئة الصارمة أكثر استعدادا للتمرّد في سن المراهقة. لكن على جانب آخر، قد يصبحون خاضعين تماما للقواعد الاجتماعية والقوانين جراء الطاعة العمياء للسلطة، ولا يمكنهم بناء أسس التفكير الأخلاقي، بالإضافة إلى فرط النشاط بسبب الكبت الشعوري. وأظهرت الدراسات، أيضا، انخفاض مستويات التعاطف لدى الأطفال نتيجة الافتقار إلى التعبير العاطفي في الأسر الاستبدادية.

الأبوة الاستبدادية تتسم بفرض قواعد صارمة على الأبناء مع عدم مراعاة مشاعرهم (بيكسلز) الأبوة المستقلة

على الرغم من أن الآباء الذين ينتهجون نهج الأبوة المستقلة لديهم توقعات كبيرة من الأبناء تتعلق بالنضج والقدرة على الإنجاز، فإنهم في الوقت ذاته محبون متجاوبون مع رغبات الأبناء ومقدرين لأفكارهم. يضع هؤلاء الآباء القواعد ويفرضون الحدود من خلال المراقبة والمناقشات المفتوحة وتوجيه الأبناء بالمنطق من خلال تفسير أفعالهم، وهو ما يمنح الأبناء إحساسا بالوعي والقيم والأهداف. وأهم ما يميز هؤلاء الآباء أنهم يحترمون استقلالية أطفالهم و يقدّرونها.

ينتج عن الأبوة المستقلة أطفال واثقون ومسؤولون وقادرون على التنظيم الذاتي، ويمكنهم إدارة مشاعرهم السلبية بطريقة فعالة، مما يؤدي إلى تواصل اجتماعي ونضج عاطفي أفضل. ولأن هؤلاء الأطفال مستقلون، فهم يدركون قدرتهم على تحقيق أهدافهم بأنفسهم، بالإضافة إلى تمتعهم بتحصيل دراسي عال وأداء مدرسي جيد.

الأبوة المستقلة ينتج عنها أطفال واثقون ومسؤولون وقادرون على التنظيم الذاتي (بيكسابي) الأبوة المتساهلة

أما الآباء المتساهلون، فهم يضعون القواعد، لكن نادرا ما يطبقونها ولا يتبعون النهج العقابي في معظم الأوقات، ويتوقعون أن الطفل سيتعلم بطريقة أفضل من دون تدخّلهم. لذا، فإنهم لا يتدخلون إلا عندما تكون هناك مشكلة خطيرة.

الآباء المتساهلون متسامحون ويتبنون موقف الأطفال ولا يتشبثون بالعقاب، ويعيدون للطفل امتيازاته بسهولة. عادة ما يقوم هؤلاء الآباء بدور الصديق أكثر من دور الوالدين، ويشجعون أطفالهم على التحدث معهم حول مشكلاتهم، لكنهم لا يبذلون كثيرا من الجهد لتثبيط الخيارات السيئة أو السلوك السيئ. وقد يتعرض أبناؤهم لمشكلات سلوكية كثيرة بسبب عدم تقديرهم للسلطة أو القواعد.

يمكن أن تؤدي القواعد المحدودة غير الصارمة إلى عادات غير صحية على صعيد الوجبات السريعة والحلويات، مما يؤدي إلى السمنة وغيرها من المشكلات الصحية في وقت لاحق من حياة الطفل. يتمتع الطفل أيضا بحرية كبيرة في تقرير موعد نومه وأداء واجبه المنزلي من عدمه، بالإضافة إلى حرية في وقت الشاشات، مثل الهاتف المحمول أو الكمبيوتر، وهو ما يمنع الطفل من تفهم معنى الاعتدال. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأطفال يتمتعون بكثير من الثقة في النفس، فإنهم أحيانا يكونون مندفعين وأنانيين متطلبين ويفتقرون إلى التنظيم الذاتي.

القواعد المحدودة غير الصارمة تؤدي إلى عادات غير صحية (بيكسلز) الأبوة المُهمِلة

هذا النمط هو نقيض النمط السلطوي، وهؤلاء الآباء لا يضعون أي حدود، ومن ثم لا يدرك الأطفال مفهوم الحدود ولا يعرفون أن هناك عواقب لأفعالهم. كما تجبر الأبوة المهملة الأطفال على الاختيار من بين عديد من الخيارات قبل أن يكونوا مستعدين لذلك، لأن المجال مفتوح أمامهم تماما بسبب تساهل الآباء. يتلقى هؤلاء الأطفال القليل من التوجيه ويتركهم الآباء لأنفسهم في القرارات الكبيرة والصغيرة، ولا يستجيب هؤلاء الآباء لرغبات الأبناء بما يتجاوز أساسيات الطعام والملبس والمأوى.

لا يطوّر هؤلاء الآباء اتصالا عاطفيا مع أولادهم نتيجة انشغالهم بأمورهم الشخصية، مما يؤدي إلى نقص المودة بينهم، بالإضافة إلى صنع طفل متلهّف للاهتمام في كل العلاقات جراء نقص اهتمام الآباء. كما لاحظ الباحثون أن بعض الأطفال لآباء غير مهتمين قد واجهوا صعوبات في التفاعل الاجتماعي خارج المنزل، لأن الآباء غير المعنيين بأولادهم نادرا ما يتواصلون مع أطفالهم و يشاركونهم.

على الرغم من أن علماء النفس والباحثين قسّموا أنماط الأبوة إلى الأنماط الأربعة السابقة، فإنه لا يمكن الفصل تماما بين هذه الأنماط بحدة. فقد يراوح الآباء بين الأنماط المختلفة نتيجة الظروف الاجتماعية أو الصحية أو الاقتصادية. وقد يأخذ الآباء سمات من كل نمط ليصبح لديهم النمط الخاص بهم. لكن تبقى أهم وظائف الوالدين الرئيسة هي تزويد الأطفال بالمهارات والمعرفة التي يحتاجونها للنمو ورعاية السلوك التي تساعدهم على الازدهار وتصحيح السلوك التي قد تعوقهم حياتيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بالإضافة إلى

إقرأ أيضاً:

السعودية .. فحص عشوائي لسائقي النقل العام للكشف عن المخدرات

كشفت الهيئة العامة للنقل عن حملةٍ مشتركةٍ مع وزارتي الداخلية والصحة لإجراء فحصٍ عشوائيٍّ للمخدرات والمؤثرات العقلية على سائقي وسائل النقل العام، بما في ذلك الشاحنات والحافلات وسيارات الأجرة.
وأوضحت الهيئة في تعميمٍ لاتحاد الغرف السعودية أنَّ تطبيق الفحص العشوائي سيبدأ قريبًا، مؤكدةً أهمية توعية القطاع الخاص بآليات وإجراءات الفحص العشوائي لسائقي وسائل النقل العام وأهميته.

وفي هذا السياق، ستُطلق حملةٌ توعويةٌ في ديسمبر الجاري تتضمن ورشة عملٍ ”عن بُعد“ يوم الأحد الموافق 15 ديسمبر الساعة 10 صباحًا، وذلك وفق الخطة التوعوية للفحص العشوائي على المخدرات والمؤثرات العقلية على سائقي وسائل النقل العام.

تأتي هذه الخطوة في إطار جهودٍ وطنيةٍ حثيثةٍ لمكافحة المخدرات، حيث سبق للأمانة العامة للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات إطلاق حملة ”خلك قريب“ في أكتوبر 2022 لتعزيز الترابط الأسري وحماية الأبناء من الوقوع في فخ الإدمان.وهدفت حملة ”خلك قريب“ إلى تفعيل الأدوار المجتمعية كافة للقضاء على المخدرات وإدمانها؛ وذلك من خلال المواد الإعلامية التي تبرز أثر التفكك الأسري وغياب متابعة العائلة على سلوك الأبناء وانحرافهم إلى الطرق الملتوية التي تجرفهم نحو التعاطي والإدمان، كما تشدد على أهمية الترابط الأسري والاحتواء كسبب أساسي لوقاية الأبناء وحمايتهم من المخدرات.

يُذكر أنَّ اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات تواصل جهودها بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية لتنفيذ حملاتٍ توعويةٍ تستهدف مختلف فئات المجتمع بهدف التحصين ضد هذه الآفة الخطيرة.

صحيفة اليوم السعودية

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المسابقات التراثية.. رياضات الآباء والأجداد تتألق على الرمال
  • شروط التقديم في مسابقة الأم المثالية 2025
  • سقوط آخر سجون القومية الاستبدادية
  • أحمد بكير: الصحافة الحرة ضرورة ملحة لبناء مجتمع ديمقراطي قوي
  • مجدي حلمي: نطالب بقانون ديمقراطي يتيح حرية تداول المعلومات
  • الأم الصالحة.. هذه هي صفاتها
  • السعودية .. فحص عشوائي لسائقي النقل العام للكشف عن المخدرات
  • دراسة حديثة.. اكتشاف موروث يحمله الآباء يزيد احتمالية إنجاب الإناث
  • التوعية بأهمية ترشيد استهلاك المياه لمجمع كهنة بنها
  • الأيتام وظروف الحياة الصعبة