اليوم التالي لقمة الويب بقطر.. كيف خانني الذكاء الاصطناعي؟
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
انتهت قمة الويب التي انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة، مخلفة وراءها العديد من النجاحات سواء للشركات أو الجهات الحكومية أو حتى القطاع الخاص والأفراد. فالجميع كان رابحا في هذه القمة إلا الذكاء الاصطناعي.
كنت قبل القمة متفائلا كثيرا بأن التكنولوجيا الخاصة بالذكاء الاصطناعي قادرة في الوقت الحالي على مساعدتي كمحرر شؤون تقنية في موقع مثل الجزيرة في تغطية القمة بشكل جيد، وأنه يمكنني اختصار الوقت والجهد وحتى الموارد باستخدام هذه التكنولوجيا في إعداد وتنظيم وحتى المساعدة في إنتاج المحتوى.
وقد تجهزت بشكل كامل قبل القمة، ولا أعني بالتجهيز أنني قمت بالاشتراك في شات جي بي تي المدفوع، بل أعني أنني وضعت خطة كاملة للاعتماد بشكل كبير على مساعدة الذكاء الاصطناعي في العديد من المهام التي تتطلب جهدا ووقتا للقيام بها؛ خطة شملت أدوات ذكاء اصطناعي وربطٍ بين أدوات مختلفة ومنهجية خاصة في التحرير والبحث.
ومن تفاؤلي بدأت بوضع حتى اسم تقريري لليوم التالي بعد قمة الويب، والذي كان مختلفا تماما عن عنوان هذا التقرير. ولكن للأسف عند الامتحان الحقيقي سقطت كل الأوهام، وظهرت الحقيقة المرة التي رأيت أنه يجب توثيقها في تقرير حتى لا يقع أحد في وهم أن هذه الأدوات يمكنها أن تساعد المحرر في العمل في بيئة ضغط كالمؤتمرات والتغطية الميدانية.
التحضير لخطة التغطيةلم يكن التخطيط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تغطية مؤتمر الويب عشوائيا، فقد كنت حريصا على التخطيط بشكل مفصل لهذه التجربة التي كنت أعلم أنها مجرد تجربة قد تنجح أو تفشل، ولكن النتائج كانت سيئة بدرجة كبيرة.
فقد وضعت ثلاثة أهداف رئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مساعدتي لتغطية هذه القمة وهي:
تغطية أكبر عدد من الجلسات في القمة. المساعدة في التحضير للمقابلات المجدولة مع الضيوف في القمة. المساعدة في فلترة المواد وتصنيفها بحسب المنصات التي سوف تنشر عليها (الموقع ومنصات التواصل).لم يكن أبدا من ضمن الأهداف الطلب من الذكاء الاصطناعي عمل مواد كاملة عن الجلسات، وأنصح الجميع بعدم إنتاج محتوى كامل بواسطة الذكاء الاصطناعي.
ومع أنه مهم جدا فإن الرادع لعدم القيام بذلك ليس الجانب الأخلاقي فحسب، بل الجانب التقني والنتائج المترتبة عليه. فبحسب الإحصاءات وُجد أن أفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية لا تستطيع كتابة مقال جيد يشجع الجمهور على التفاعل.
يقول خبير التسويق الرقمي نيل باتيل إن أكثر من 70% من المقالات التي تُنتجها هذه الأنظمة حصلت على أقل نسبة تفاعل مقابل أكبر عدد من المشاهدات.
لذلك لم أضيع الوقت بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى كامل.
في الخطة التي وضعتها كان عدد الجلسات التي قررت تغطيتها بمساعدة الذكاء الاصطناعي في اليوم هو خمس جلسات، ليكون مجموعها 15 جلسة في الأيام الثلاثة التي للمؤتمر.
ومع أن المعدل الطبيعي للمراسل هو من جلستين إلى ثلاث، فقد كان الرقم الذي وضعته تحديا كبيرا، فلا يمكن للمراسل العادي أن يدخل هذه الجلسات ويخرج ليكتب عن خمس مواضيع مختلفة وينشرها في اليوم نفسه.
وللقيام بذلك اعتمدت على منهجية معينة وأدوات سبق أن استخدمتها في عمليات مشابهة، وتمثلت المنهجية بالخطوات التالية:
قمت بداية بربط برنامج شات جي بي تي بملف إكسل مقسم إلى ثلاث بوابات هي: المادة الكاملة، جدول تصنيف داخل المادة، مواد لمنصات التواصل الاجتماعي. "المادة الكاملة" كانت مادة الجلسة المسموعة محولة لنص عن طريق تطبيق تسجيل الصوت على الهاتف الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحويل المادة المسموعة لنص مكتوب. وضعت أمرا في شات جي بي تي أن المواد التي تفرغ كنصوص تُترجم بشكل فوري للعربية إذا كان النص باللغة الإنجليزية، وبهذه الطريقة أضمن أن كل نصوص المواد باللغة العربية. بعد ذلك يقوم أمر آخر بتمرير هذه المواد للمرحلة الثانية من العمل وهو تصنيف محتوى المادة، فقد وضعت أمرا في شات جي بي تي لينشئ جدولا يعمل على قراءة المادة المفرغة وفلترتها لعدة أقسام هي:الحقائق: حيث يضع الجمل التي تعتبر حقائق في المادة أو أرقاما في عمود خاص.
المعلومات: ويضع الجمل التي تحتوى على معلومات في عامود آخر في الجدول.
الأسلوب: ويضع الجمل التي فيها أسلوب للمتحدث أو تشبيه أو تعليم في عامود ثالث في الجدول.
متفرقات: بقية الجمل التي ليس لها علاقة بالموضوع كأن يكون كلاما غير مفهوم أو تعليقا أو أسئلة لمتحدثين.
أما المرحلة الثالثة فقد كتبت أمرا يقوم بأخذ عمودَي المعلومات والحقائق في المرحلة الثانية ويحولهما إلى مواد تصلح للنشر على منصات التواصل.
كان الهدف من هذه المنهجية أن تساعدني في تسجيل الجلسة وتفريغ محتواها لعدة أقسام وبعد ذلك إنشاء قوالب معينة يمكن تصنيف المحتوى على أساسها.
وكانت آلية العمل على النحو التالي:
تسجل الجلسة الأولى من تطبيق التسجيل الصوتي وتحويله إلى نص، وتفريغ النص في الجدول بواسطة أوامر شات جي بي تي، وبعد ذلك ملء الأعمدة بالمحتوى الملائم بحسب التصنيف بواسطة الذكاء الاصطناعي، ومن ثم أخد ما يصلح من عامودي الحقائق والمعلومات وإنتاج منشورات متناسبة مع منصات التواصل لإرسالها لفريق منصات التواصل. في الجلسة الثانية وبينما يقوم تطبيق التسجيل الصوتي بتسجيل الجلسة الثانية، أعمل على كتابة تقرير بمادة الجلسة الأولى ورفعه على النظام، وذلك بعد قراءة المحتوى المفرغ والمصنف، وهكذا في كل جلسة.طبعا كنت أعرف أن هناك مشاكل في تقدير الوقت المناسب والقدرة على العمل في وقت الجلسة، أو حتى القدرة على الدخول للجلسة المقررة في الوقت المناسب. كل هذه الأمور اللوجستية وضعتها بعين الاعتبار ولم أكن أحاول تحطيم رقم قياسي بقدر ما كنت أريد إثبات أن النظام يعمل بشكل جيد حتى ولو كانت النتيجة هي عمل ثلاث مواد فقط أو أقل.
يوم المؤتمر تُكرم التكنولوجيا أو تهاننعم وضعت كل شيء في الاعتبار، وجربت النظام قبل المؤتمر في مادة قصيرة، وقد نجح لحد كبير في عمل 80% من المطلوب. قمت بتعديلات على المادة ولكن المفاجأة كانت عند بداية المؤتمر.
في البداية قام التطبيق الذي استخدمته مرات عدة لتحويل الصوت إلى نص؛ بتسجيل الجلسة كاملة وكانت أقل من 45 دقيقة، ولكن عند محاولة تحويل الجلسة إلى نص لم يحول التطبيق سوى أول 20 دقيقة، مع أن التسجيل الصوتي كان كاملا.
هذا أدى إلى أن اقوم بتجربة عدة تطبيقات تقوم بتحويل الصوت إلى نص (سأذكرها لاحقا)، وفي النهاية استطاع موقع ككاتو تفريغ المحتوى الصوتي وتحويله إلى نص.
والآن جاءت الخطوة الثانية وهي تفريغ المحتوى النصي في الجدول، وهنا ظهرت بعض المشاكل الخاصة بالتصنيف، فالمادة طويلة، وكان التصنيف دقيقا، لهذا كان هناك عدد من المعلومات لم تصنف من المادة الأصلية واضطررتُ لقراءة المادة الأصلية لمعرفة ما هي، وفي بعض الأحيان كان هناك معلومة ناقصة لم تُرحّل لعامود المعلومات.
الخطوة التي تمكن الذكاء الاصطناعي من تنفيذها بشكل جيد هو تحويل المعلومات والحقائق التي استطاع ترحيلها من النص الأصلي إلى مواد يمكن نشرها على منصات التواصل.
كما استطاع الذكاء الاصطناعي مساعدتي في الإعداد للقاءات بشكل جيد جدا، فقد كنت أطلب ملخصا عن الشخص وخبراته، وأطلب تحضير أسئلة من عدة محاور. وتمكن شات جي بي تي من إنجاز هذه المهمة بشكل جيد جدا وبسهولة، ولا أعتقد أن المعدين للقاءات يحتاجون لأكثر من هذا التطبيق.
الأدوات والتطبيقات التي استخدمتها تسجيل الصوت وتحويله لنص (قمت بتجربة عدة تطبيقات ومواقع منها)تطبيق ريكوردر برو
تطبيق فييد. آي أو
موقع ككاتو شات جي بي تي ربط ملفات إكسل بتطبيق شات جي بي تي
تجربة ممتعة رغم النتائج
بعد انتهاء المؤتمر ومعرفتي بأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لحد الآن قاصرة عن التعامل مع الضغط والمساعدة عندما يكون لديك مواد طويلة، وأن تحليلها وتصنيفها بشكل دقيق ليس أمرا سهلا، إلا أن التجربة كانت مفيدة في معرفة حدود الذكاء الاصطناعي.
ربما في هذه النسخة من قمة الويب 2024 لم يحالف الحظ الذكاء الاصطناعي كي يهزم الإنسان في تغطية فعاليات القمة بشكل جيد، ولكن المأمول أن نسخة 2028 التي ستكون في الدوحة أيضا؛ سيساهم الذكاء الاصطناعي بدور كبير ومهم في تغطية الفعاليات بشكل متميز.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی التسجیل الصوتی منصات التواصل شات جی بی تی المساعدة فی الجمل التی فی الجدول بشکل جید فی تغطیة إلى نص التی ت
إقرأ أيضاً:
الشراكات الدولية وتعزيز الريادة الإماراتية في الذكاء الاصطناعي
تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أبرز الدول الرائدة في تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، حيث تسعى بخطى ثابتة إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار والتكنولوجيا. وتؤدي الشراكات الاستراتيجية الدولية دوراً محورياً في تحقيق أهدافها الطموحة في هذا المجال، حيث أدركت الدولة أهمية التعاون مع الجهات الدولية الفاعلة، بما في ذلك الشركات التكنولوجية العملاقة، والجامعات المرموقة، والمراكز البحثية المتخصصة، لدفع عجلة التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، جاء الإعلان عن توقيع “إطار العمل الإماراتي الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي” والذي تم توقيعه خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، لفرنسا يوم 6 فبراير 2025، قبل قمة الذكاء الاصطناعي التي عُقدت في باريس يومي 10 و11 من الشهر نفسه بمشاركة نحو 100 دولة، للتركيز على إمكانات الذكاء الاصطناعي. ويناقش هذا المقال الجهود الإماراتية لتعزيز شراكاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وتأثيرها في رؤية الدولة للريادة في هذا المجال.
شراكة مع فرنسا:
يرسم “إطار العمل الإماراتي الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي” مساراً واعداً لتعزيز التعاون بين دولة الإمارات وفرنسا في هذا المجال الحيوي الذي سيُعيد تشكيل العالم في السنوات المقبلة. وينص هذا الاتفاق الإطاري على التعاون بين البلدين في العديد من مجالات العمل المشترك في الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك التخطيط لاستثمار ما بين 30 إلى 50 مليار يورو في إنشاء مجمع للذكاء الاصطناعي بسعة 1 غيغاوات في فرنسا، ومن المُقرر أن يتكون هذا المجمع من 35 مركزاً لتجميع معلومات وتأمين قدرات حوسبة هائلة يتطلبها الذكاء الاصطناعي. كما ينص على بناء شراكة استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي واستكشاف فرص جديدة للتعاون في المشروعات والاستثمارات التي تدعم استخدام الرقائق المتطورة والبنية التحتية لمراكز البيانات وتنمية الكوادر، إضافة إلى إنشاء “سفارات بيانات افتراضية” لتمكين البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في كلا البلدين.
ويأتي هذا التعاون في إطار توسع دولة الإمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي، وبصفة خاصة في إنشاء وتطوير مراكز البيانات، حيث تستثمر بالفعل في مشروعات ضخمة مثل مشروع “ستار غيت” لإنشاء مراكز بيانات في الولايات المتحدة، ويحظى هذا المجال تحديداً باهتمام خاص بالنظر إلى أن مراكز البيانات تمثل الوقود الذي تحتاجه عملية تطوير الذكاء الاصطناعي.
وستخدم هذه الشراكة المصالح الإماراتية الفرنسية، حيث إن بناء مجمع للذكاء الاصطناعي في فرنسا سيساعد على جمع بيانات أكثر ومعالجتها بشكل دقيق؛ ومن ثم تسخيرها في تطوير وتعليم برامج الذكاء الاصطناعي، وهو أمر يعزز مكانة ودور البلدين في هذا المجال ويسهم في جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي متاحة لمزيد من الدول، فضلاً عن خلق برامج ذكاء صناعي تحترم المواثيق الدولية والأوروبية.
كما توفر الشراكة الإماراتية الفرنسية في مجال الذكاء الاصطناعي دفعة قوية لتطوير البنية التحتية الرقمية في البلدين، حيث يستفيد كل منهما من الاستثمارات الضخمة لإنشاء مجمعات متطورة للذكاء الاصطناعي؛ مما يعزز قدرتها على معالجة البيانات الضخمة وتطوير تقنيات الحوسبة السحابية. ويتيح الاتفاق أيضاً تبادل الخبرات مع باريس، خصوصاً في مجالات الرقائق المتقدمة ومراكز البيانات؛ مما يسهم في تسريع تبني حلول الذكاء الاصطناعي وتحقيق تقدم استراتيجي في القطاعات الحيوية. إضافة إلى ذلك، يعزز الاتفاق تنمية الكوادر الإماراتية؛ مما يدعم تنشئة جيل جديد من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، ويعزز مكانة الإمارات كمركز عالمي رائد في هذا المجال.
وتعكس هذه الخطوة التزام دولة الإمارات بتنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي. فيما تسعى فرنسا إلى ترسيخ مكانتها في هذا المجال بالرغم من التحديات التي تواجهها في منافسة الشركات الأمريكية والصينية. وقد أكدت الرئاسة الفرنسية أن نطاق الأنشطة وحجم تطوير البنية التحتية المقررة في إطار اتفاقية الإطار للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بين فرنسا ودولة الإمارات، يوضح ثراء وديناميكية العلاقة بين البلدين، ويضع فرنسا في موقع رائد في مجال الذكاء الاصطناعي في أوروبا، مشيرة إلى أن الزعيمين اتفقا على مراقبة تطور مشروعات التعاون المختلفة في مجال الذكاء الاصطناعي عن كثب في الأشهر المقبلة.
شراكة مع الولايات المتحدة:
تُعد الشراكة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي الأهم في هذا المجال، حيث شهد التعاون بين البلدين تنامياً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، في ضوء التفوق الأمريكي في هذا المجال. وشكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، إلى الولايات المتحدة في سبتمبر 2024، تتويجاً لهذا التطور المتنامي بين البلدين في مجال الذكاء الاصطناعي.
وخلال العامين الأخيرين، تم توقيع العديد من اتفاقيات الشراكة والاستثمار بين البلدين في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي. ففي ديسمبر 2024، أعلنت حكومة الإمارات عن شراكة استراتيجية مع شركة “يو آي باث” (UiPath)، التي يقع مقرها الرئيسي في نيويورك والمتخصصة في مجال الأتمتة المؤسسية والذكاء الاصطناعي، لتعزيز حلول “الأتمتة الوكيلة” – النهج المبتكر للأتمتة القائمة على الذكاء الاصطناعي. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير الأتمتة الذكية، وتدريب الكوادر الإماراتية بمهارات متقدمة. كما تشمل تنفيذ مشروعات تجريبية وورش عمل لتعزيز وعي الجهات الحكومية بفوائد الذكاء الاصطناعي، وبما يتماشى مع رؤية الحكومة لأن تصبح دولة الإمارات رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031.
وفي سبتمبر الماضي، وقّعت دولة الإمارات ثلاث اتفاقيات ضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي، شملت “اتفاقية الشراكة العالمية للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي” باستثمارات ستصل إلى 100 مليار دولار، وقّعتها شركة “إم جي إكس” (MGX) الإماراتية وشركات “بلاك روك” و”غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” و”مايكروسوفت”، إلى جانب اتفاقية بين شركة “جي 42” (G42) وشركة “مايكروسوفت” لتأسيس مركزين للأبحاث في أبوظبي لدعم قطاع الذكاء الاصطناعي المسؤول، واتفاقية أخرى بين “جي 42″ و”إنفيديا” لتأسيس مركز عمليات جديد ومختبر للمناخ التقني في أبوظبي؛ لتطوير التكنولوجيا المناخية وتحسين توقعات الطقس والمناخ لمساعدة ملايين البشر على الاستعداد للظواهر المناخية والكوارث الطبيعية قبل حدوثها.
وفي يونيو 2024، وقعت شركة “وورلد وايد تكنولوجي” (World Wide Technology)، وهي شركة تكامل تكنولوجي رائدة مقرها الولايات المتحدة، اتفاقية استراتيجية مع (NXT Global)، لإنشاء وتطوير أول مركز تكامل للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر بدولة الإمارات، الذي سيكون أحد أكثر التطورات الحضرية استدامة في العالم.
كما أعلنت “مايكروسوفت” و”جي 42″، في مايو الماضي، عن مجموعة واسعة من الاستثمارات في مجال التكنولوجيا الرقمية في كينيا، وجاءت هذه الخطوة كجزء من مبادرة بالتعاون مع وزارة المعلومات والاتصالات والاقتصاد الرقمي في جمهورية كينيا، حيث تقود “جي 42″، في إطار شراكة مع “مايكروسوفت” وشركاء رئيسيين عدة، مبادرة طموحة لضخ استثمارات تصل إلى مليار دولار، وتهدف هذه الاستثمارات إلى تنفيذ مشروعات رئيسية ضمن حزمة شاملة من الاستثمارات تشمل إنشاء مركز بيانات بيئي متطور في كينيا، والذي ستشرف على بنائه شركة “جي 42” وشركاؤها من أجل تشغيل خدمات “مايكروسوفت أزور” ضمن منطقة سحابية جديدة تخدم شرق إفريقيا. وفي إبريل الماضي، أعلنت “مايكروسوفت” عن استثمار استراتيجي بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة “جي 42″؛ مما يعزز التعاون المتزايد في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
وبالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، تصدر ملف الذكاء الاصطناعي أجندة التعاون والشراكات الإماراتية مع مختلف دول العالم مثل الصين والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها.
تعزيز ريادة الإمارات:
يُشكل بناء الشراكات الدولية جزءاً رئيسياً في استراتيجية دولة الإمارات لتعزيز ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى الدولة من خلال هذه الشراكات إلى تطوير حلول مبتكرة تعالج التحديات المحلية والعالمية، وتعزز كفاءة القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والطاقة، والنقل، فضلاً عن تعزيز اقتصادها القائم على المعرفة والابتكار، والاستفادة منها في جذب الخبرات الدولية، وتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية في هذا المجال المهم.
وتخدم الشراكات الدولية بصورة خاصة تحقيق مختلف أهداف استراتيجية دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي، والتي تستهدف أن تصبح الدولة رائدة عالمياً في توظيف الذكاء الاصطناعي بنسبة 100% بحلول عام 2031 في مختلف الخدمات وتحليل البيانات؛ مما يعزز الإنتاجية ويخفض التكاليف التشغيلية. وتشمل هذه الأهداف أن تكون حكومة الإمارات الأولى عالمياً في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية وخلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية، ودعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، إضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، بجانب استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى واستثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوفرة بطريقة خلاقة.
وكان لهذه الشراكات، ضمن الرؤية الشاملة لدولة الإمارات، دورها في تعزيز ريادة الدولة في هذا الملف، حيث أصبحت الإمارات من أكثر الدول جذباً للمهارات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، مع زيادة عدد المتخصصين في هذا المجال بنحو 40% منذ عام 2022. كما أحرزت الدولة مركزاً ريادياً ضمن قائمة أفضل 10 دول عالمياً، من حيث عدد شركات الذكاء الاصطناعي لكل مليون نسمة، وذلك وفقاً لمؤشر تنافسية الذكاء الاصطناعي العالمي الصادر عن المنتدى المالي الدولي “آي إف إف” (IFF) ومجموعة المعرفة العميقة.
خلاصة الأمر، تواصل دولة الإمارات ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، مستندة إلى رؤية طموحة تدعم الابتكار والتطوير المُستدام. ومن خلال استراتيجيتها الوطنية وشراكاتها الدولية الكبيرة، تفتح الدولة آفاقاً جديدة للاستثمار والتنافسية، مع التركيز على تنمية المواهب والبنية التحتية المتقدمة. وبالرغم من التحديات، يبقى التزام دولة الإمارات بتطوير التشريعات وتعزيز الاستدامة عاملاً رئيسياً في ريادتها؛ مما يجعلها نموذجاً يُحتذى به في مستقبل الذكاء الاصطناعي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”