بعد مرور 100 عام على نشأتها.. ما قيمة السريالية في الكوارث والحروب؟
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
يمر هذا العام، 2024، قرن كامل على نشأة المذهب السريالي الذي ظهر عام 1924. قرن كامل مضى ولا تزال الظروف والعوامل التي أدت لظهور واحد من أكثر مذاهب الفن التشكيلي غرابة وجنونا هي عينها، ولا يزال العالم يقف على الحافة نفسها.
الفرق الوحيد، أن العالم إبان نشأة وظهور الفن السريالي كان يعاني الويلات والنتائج الكارثية للحرب العالمية الأولى، وعلى شفا حرب عالمية ثانية، بينما الآن يترقب العالم بخوف من نشوب حرب عالمية ثالثة.
الغريب أنه عندما نشر أندريه بريتون، بيان السريالية، 1924، بوصفها حركة مضادة للعقل والواقع، كان آنذاك يظن أن ما وصل له العالم من ملايين القتلى وملايين الجرحى بفعل الحرب العالمية الكُبرى، هو أسوأ ما قد يصل إليه الحال. ثم تأتي الذكرى المئوية للمذهب السريالي وغزة تعيش فوق بحر من الدماء. والشرق الأوسط بأسره أشبه بقنبلة موقوتة، والحديث عن حرب عالمية ثالثة بات أمرا مطروحا.
من لوحات رينيه ماغريت (مواقع التواصل الاجتماعي) ما الفن السريالي؟إذا كنَّا بصدد تعريف السريالية، فقد نشأت في باريس في أوائل القرن العشرين، حوالي عام 1924، بقيادة مجموعة من الكتاب والفنانين الذين استكشفوا العقل الباطن كمصدر إلهام رئيسي لفنهم وأدبهم. باعتبارها إحدى أكثر الحركات الفنية تأثيرا في القرن العشرين، كانت السريالية في بعض النواحي استمرارا لحركة دادا.
ظهرت الدادائية خلال الحرب العالمية الأولى، معبرة عن ازدرائها للحرب والمجتمع الأوروبي، الذي اعتبرته بلا معنى. اشتهر فنانو الدادائية بأن شعارهم هو "ضد الفن أو لا للفن"، وسلّطوا الضوء على العبثية والجنون الذي غرقت فيه أوروبا إبان ذاك. وكرد فعل على الحروب المستمرة، تبنت الحركات اللاحقة للدادئية وأعمالها الفنية مواقف أكثر تصادمية ضد الحرب وتصاعد أزمة المعنى.
وتضاءل نفوذ الدادائية مع الوقت، ربما لأنها كانت تعكس بشكل دقيق للغاية قبح وجنون العالم، وهو الأمر الذي لم يكن كثيرون على استعداد لتقبله. ومع ذلك، زرعت الدادائية بذور حركة أكثر خيالية وأقل قسوة، وهي السريالية/الفوق-واقعية، الحركة التي اعتبرت أن استكشاف العقل الباطن وأحابيل اللاوعي وقدرته على تخليق الوهم وقيادة البشرية نحو الجنون هو المصدر الحقيقي للإلهام.
السريالية بمثابة مرآة تعكس الجنون السائد الذي اجتاح العالم بعد حرب عالمية مدمرة أودت بحياة الملايين (مواقع التواصل) لماذا اللاوعي مصدر للإلهام؟يعبر رائد السريالية، الشاعر الفرنسي أندريه بريتون (1896-1966)، في بيانه الأولي عن الحركة عن أن الهدف من السريالية هو مزج الوعي مع اللاوعي، فانصهارهما هو ما سيقود الناس إلى عالم "الحقيقة المطلقة". كما عرَّف السريالية بأنها "عفوية الروح في أنقى صورها" حيث يعبر الفرد، وفقا لبريتون، من خلال الكتابة أو أي شكل آخر من أشكال التعبير، عما يختمر في ذهنه.
قدم بريتون مصطلح "فوق الواقعي" لوصف عمل فني يدمج صورا خيالية مع عناصر واقعية، ويكشف في النهاية عن "الحقيقة المطلقة." وبالتالي، حث بريتون الكتاب والفنانين على الاستفادة من اللاوعي باعتباره مصدرا حقيقيا للإلهام. فهل كان بريتون ومن اتبعه من السرياليين على حق؟
تجيب الباحثة جاريت لبلين عن هذا السؤال بأن السريالية كانت بمثابة مرآة تعكس الجنون السائد الذي اجتاح العالم بعد حرب عالمية مدمرة أودت بحياة الملايين. وفي إطار البحث عن المعنى في أعقاب ذلك، استحوذت حالة من عدم اليقين المثير للقلق على العالم الحديث. ظلت الأسئلة حول جوهر الوجود والأسباب الكامنة وراء الانحطاط الأخلاقي للإنسانية قائمة دون الإجابات الميتافيزيقية التي كانت توجه الأفعال والغايات ذات يوم.
يتفق مع لبلين الباحث جيمس كليفورد، والذي يرى أن المعتقدات التقليدية، حين سقطت في الغرب، انكمش الناس وتحولوا إلى دواخل أنفسهم، مستكشفين أعماق وعيهم ليفهموا العالم من خارجهم. يتجلى هذا التحول في تعامل السرياليين مع اللاوعي باعتباره قوة متعالية، أقرب إلى إله ميتافيزيقي، قادر على إضفاء معنى على العالم والكشف عن "الحقيقة المطلقة"، كما وصفها بريتون.
عمل فني مستوحى من لوحة الفنان السريالي رينيه ماغريت الشهيرة "غشّ الصورة | هذا ليس غليونًا" (أسوشيتد برس) ما قيمة السريالية في عام 2024؟المتبحر في بحر تاريخ الفن يجد أن الإشكاليات والظروف المحيطة بنشأة الفن السريالي هي نفس الظروف الراهنة بعالم اليوم. هذا ما يؤكده مارك بوليزوتي، الذي نُشر كتابه "لماذا السريالية مهمة" (Why Surrealism Matter) في يناير/كانون الثاني 2024، والذي يرى أننا في عالم لا يختلف عن العالم الذي ظهرت فيه السريالية. لقد خرجنا لتونا من جائحة كورونا، وهناك أسئلة عن الإصلاحات في عالم العمل ومكافحة الاستعمار وإستراتيجيات المعارض في عالم الفن. وكانت هذه الأمور هي عينها التي كانوا يتصارعون معها أيضا.
وتتفق معه في هذا الرأي، باتريشيا ألمر، أستاذة تاريخ الفن بجامعة إدنبره، إذ تقول إن "الطبيعة التحويلية للسريالية هي التي تجعلها ذات صلة. السريالية سياسية بطبيعتها. لقد بدأت كحركة احتجاجية وطريقة لمواجهة الفاشية والاستبداد، ولهذا السبب لا يزال من الممكن أن تكون سلاحا سياسيا قويا للغاية حتى يومنا هذا. وسوف تكون ذات صلة دائما. أود أن أقول إنها حركة مستقبلية".
ربما تشرح وجه نظر ألمر تلك لوحة لرائد السريالية الرسّام البلجيكي رينيه ماغريت، في لوحته الشهيرة "غشّ الصورة|هذا ليس غليونا" قدم ماغريت صورة لغليون وكتب أسفل منها هذا ليس غليونا. فقوض بذلك العلاقة بين الصورة والمعنى المكتوب أسفل منها. وربما لهذا السبب بالذات قد يكون كلام ألمر عن أن السريالية ذات صلة بالواقع المعاصر، بل ومستقبلية، كلاما صحيحا.
فالعلاقة بين لوحة ماغريت المرسومة عام 1929، والعالم المعاصر بكل ما فيه من وسائل إعلامية محايدة أو غير محايدة ووسائل تواصل وبحور الصور التي يغرقنا فيها الإنستغرام، أوثق وأدق من علاقة الصورة بإشكاليات العالم حين رسمت فيه، أي في العقد الثالث من القرن العشرين.
ويصف ماغريت لوحته قائلا "هذا ليس غليونا". ويضيف أنه إذا كان قد أطلق عليه اسم الغليون، فسيكون ذلك كذبة. بدلا من ذلك، اللوحة هي "صورة" لغليون، مجرد صورة لغليون. الصورة ليست كالغليون الحقيقي، بل مجرد رمز. وجهة نظر ماجريت هي أن الرمز أو الصورة لا يمكن أن يكونا نفس الشيء الفعلي. لا يمكن التعبير بشكل كامل عن الشيء الحقيقي، كما هو موجود في العالم، من مجرد صورة له. فالصور التي تظهر في الأخبار، نبحر فيها على إنستغرام، نشتهيها على تويتر، ليست سوى صور لا تعني البتة حقيقة الأشياء كما هي على أرض الواقع.
عمل فني بعنوان "تكوين" لفرناند ليجيه (رويترز)هذا العام 2024، يمر 100 عام على ظهور وصعود المذهب السريالي، ظهر عام 1924، ومع ذلك، لا يمكن اعتبار أن السريالية قد انقضى عليها 100 عام فانطفأت شعلتها. بل بالأحرى، لا تزال تتغذى السريالية حتى اليوم على نفس الإشكاليات والتحديات والوجودية التي أدت لظهورها، وربما لهذا السبب بالذات لا تزال السريالية معاصرة، بالرغم من مرور 100 عام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حرب عالمیة هذا لیس
إقرأ أيضاً:
من الدوحة.. منظمة المجتمع العلمي العربي تحتفي بدور العلم لمواجهة الكوارث
تحت عنوان "دور العلم في إدارة الكوارث والحد من آثارها" نظمت منظمة المجتمع العلمي العربي (أرسكو) الأحد 15 ديسمبر/كانون الأول في الدوحة حفلها السنوي الذي حضره عدد من الخبراء والمسؤولين والمتخصصين من عدة دول عربية ومنظمات دولية، وأعلنت عن الفائز بجائزتها السنوية التي خصصتها لتكريم أفضل البحوث العربية في هذا المجال، إلى جانب تنظيم ورشة علمية.
وفي حوار خاص مع الجزيرة نت، أوضح البروفيسور عصام شحرور، نائب رئيس المنظمة، أن موضوع جائزة أرسكو لهذا العام والورشة "ركزا على دور العلم في إدارة الكوارث والتخفيف من آثارها، متناولا الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات، بالإضافة إلى الكوارث الناتجة عن تدخل الإنسان كالنزاعات وتغير المناخ".
وأكد شحرور أن "تأثير هذه الكوارث يتفاقم مع الوقت"، مشيرا إلى أن "الأساليب التقليدية لم تعد فعّالة في مواجهتها. لذلك، تبرز أهمية البحث العلمي في تحسين الاستعداد لمجابهة الكوارث والتعافي من آثارها، مع الاعتماد على الثورة الرقمية لتحليل البيانات وتعزيز الحوكمة".
جانب من الحضور في اليوم السنوي للمنظمة (أرسكو) دعم المجتمع العلمي في الوطن العربيفي كلمتها الافتتاحية، قالت الدكتورة موزة بنت محمد الربان، رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي ومؤسسة الربان للدراسات والبحوث، إن المهمة الأساسية للمنظمة هي المساهمة في تطوير مجتمع علمي عربي رائد قادر على تعزيز الإنتاج العلمي وتوطين العلوم وامتلاكها وتعزيز تراكم المعرفة في المجتمع العربي.
وأضافت أن "المنظمة بنيت أسسها على دراسة الواقع واستشراف المستقبل، وعلى فلسفة وفكر قامات علمية معروفة من داخل المجتمع العلمي العربي، يجمعها حرصها على بناء مستقبل أكثر إشراقا لهذه الأمة مبنيا على العلم والمعرفة".
وأشارت الربان إلى أن "الوطن العربي يعاني جملة من التحديات مثل تأثيرات تغير المناخ وتزايد الكوارث والأزمات، ولا يمكن مجابهتها إلا بالعلم والمعرفة ودعم المجتمع العلمي العربي، بمؤسساته وأفراده، الذي يمثل الثروة الوطنية الحقيقية لبلداننا، وهو ما تسعى إليه المنظمة من خلال مختلف الأنشطة التي تقوم بها".
إعلانوأعلنت رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي عن إطلاق مشروع علمي، يهدف إلى تسليط الضوء على دور الحضارة العربية الإسلامية في تطور العلم والفكر الإنساني، بعنوان "إسهامات الحضارة الإسلامية في المعارف الإنسانية".
وسينطلق المشروع في مسارين رئيسيين، الأول يركز على إنتاج وترجمة الموسوعات والكتب العلمية، إذ حصلت المنظمة على حقوق ترجمة ونشر أعمال بارزة مثل المجلد الخاص بالحضارة العربية الإسلامية من الموسوعة الإيطالية لتاريخ العلوم. أما المسار الثاني، فيشمل تنظيم مؤتمرات وندوات دولية لمناقشة إسهامات الحضارة الإسلامية في حفظ وتطوير العلوم.
وأكدت الدكتورة الربان أن المشروع يحتاج إلى جهود جماعية وتعاون من المؤسسات والأفراد لتحقيق أهدافه، مشيرة إلى أنه قد يتطور مستقبلا ليأخذ شكل مركز علمي عالمي.
العالم العربي في مواجهة الكوارثمن ناحيته، قال الدكتور صلاح خالد، المدير الإقليمي لليونسكو في دول الخليج واليمن، في كلمته إن العالم قد شهد في السنوات الماضية ارتفاعا غير مسبوق في درجة الحرارة وعددا من الكوارث الطبيعية مثل الزلزال الذي ضرب المغرب والفيضانات التي ضربت مدينة درنة في ليبيا وأدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات.
كما تظهر الإحصائيات، وفق المتحدث، أن العالم شهد خلال 2022 أكثر من 380 كارثة طبيعية، وتشير التوقعات إلى زيادة هذه الأحداث بنسبة 40% بحلول عام 2030، مما يجعل جهود تعزيز الاستجابة والتكيف أكثر أهمية من أي وقت مضى. وفي وطننا العربي، تضاعف التغيرات المناخية من حجم التحديات، إذ تشير الدراسات إلى أن أكثر من 60 مليون شخص قد يتعرضون لخط الفقر المائي بحلول 2030.
أما في اليمن، فقد تسببت الكوارث الطبيعية، كالفيضانات وانجراف الأراضي والزلازل إلى جانب الأزمات الإنسانية، في تأثيرات كارثية شملت تهديدا مباشرا لحياة السكان وتدمير البنى التحتية وتعطيل الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء والتعليم، مما أدى إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية وزيادة الضغط على التدخلات الإغاثية.
إعلانوتشير الإحصائيات، وفق خالد، إلى أن الوفيات الناتجة عن الفيضانات والانهيارات الصخرية تجاوزت 400 شخصا خلال هذا العام. ولم تسلم المدن التراثية مثل صنعاء القديمة ومدينة شبام حضر موت وسوق عدن التاريخي من هذه الآثار، مما يتطلب استجابات فورية وشاملة تجمع بين تدخلات فورية والتخطيط طويل المدى.
الدكتور عادل الصالحي الفائز بجائزة أرسكو هذا العام (الجزيرة) جائزة المنظمةوخلال اليوم العلمي، أعلنت لجنة جائزة أرسكو لهذا العام عن فوز الباحث المغربي الدكتور عادل الصالحي، الأستاذ بجامعة عبد المالك السعدي في المغرب، بجائزة المنظمة لهذا العام وذلك "لتقديمه عملا بحثيا متميزا حول أحد أكبر الكوارث التي تضرب أكثر من منطقة في الوطن العربي وهي الفيضانات"، وكذلك "لطريقته المميزة في معالجة الموضوع من خلال تسليط الضوء على دور انجراف التربة في دول المغرب العربي في زيادة حدة الفيضانات باستخدام تقنيات جديدة وحديثة"، كما يقول الدكتور عصام شحرور الذي رأس لجنة التحكيم في حديثه مع الجزيرة.
وشملت شروط الجائزة، وفق شحرور، أن يكون الباحث منتميا لإحدى مؤسسات البحث العلمي في العالم العربي، وأن يمتلك أوراقا بحثية منشورة في دوريات علمية مرموقة.
وقد تقدم للمسابقة 46 باحثا من 15 دولة عربية، ووجدت اللجنة المؤلفة من 15 خبيرا أن 32 منهم استوفوا الشروط. وبعد تقييم الأبحاث بناء على التميز العلمي، وأهمية البحث، وتأثيره على العالم العربي، اختارت اللجنة بحث الدكتور عادل الصالحي، وهو أستاذ جامعي مغربي وخبير لدى مؤسسات علمية ومنظمات دولية كبرى.
وركز البحث الذي قدمه الصالحي على تأثير تعرية التربة على تفاقم الفيضانات في شمال أفريقيا، مشيرا إلى أن المنطقة العربية تواجه تحديات بيئية غير مسبوقة، من بينها الفيضانات المفاجئة والجفاف المتكرر، مما يؤدي إلى ضعف التربة وزيادة حدة الفيضانات، مع نقص كبير في البيانات والمعطيات.
إعلانوتناول خطر الفيضانات في العالم العربي نتيجة تغير المناخ، مستخدما تقنيات حديثة مثل صور الأقمار الصناعية من ناسا لتحليل انجراف التربة في المناطق الجبلية. وشمل البحث دول المغرب العربي، مما جعله مستحقا للجائزة بفضل أهميته العلمية وتأثيره المباشر على المنطقة.
وقد حصل الصالحي على 16 تتويجا علميا ومنح تميز من جهات دولية مرموقة، أبرزها تتويجه أفضل باحث من طرف الوكالة الجامعية الفرنكوفونية، ونشر أكثر من 50 مقالا علميا محكما ومفهرسا في كبريات المجلات العلمية.
ويتميز إنتاجه العلمي بدمج تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة للأقمار الصناعية لدراسة النظم البيئية والمناخية المعقدة، جنبا إلى جنب مع التحليل الإحصائي الميداني المتقدم للمجتمعات المختلفة في المنطقة العربية، مما يجعل أبحاثه مرجعا علميا موثوقا للباحثين والهيئات الدولية على حد سواء.
وفي حديث خاص مع الجزيرة نت، قال الدكتور الصالحي إن العمل الذي قدمه "كان في إطار مجهود تعاوني وشراكة بين جامعة عبد المالك السعدي بالمغرب وجامعتي برشلونة وجنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة ووكالة الفضاء الأميركية ناسا".
وأضاف الصالحي أن هذا المجهود امتد على سنوات طويلة "بهدف إنجاز قاعدة بيانات ضخمة باستعمال الذكاء الصناعي ومصادر متعددة شملت تحليل أكثر من 35 ألف صورة فضائية من ناسا"، مما مكن من "إنجاز خرائط واضحة تحدد بدقة مناطق الخطر والسكان المعرضين للخطر في المنطقة العربية الموجودة في شمال أفريقيا التي تتضمن 5 دول هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر".
وبشأن استفادة صانعي القرار والباحثين من هذه النتائج للحد من مخاطر الكوارث في هذه البلدان مستقبلا، قال الصالحي "نعتقد أننا قمنا بواجبنا بوضع قاعدة بيانات مفتوحة متاحة سهلة وميسرة للباحثين والعلماء والاستشاريين بالحكومات المحلية والوطنية"، مؤكدا أن الخطوة المقبلة الآن هي "اعتماد صانعي القرار على قواعد البيانات التي أنجزناها كأساس التخطيط الحضاري ولاستباق المخاطر محتملة الوقوع بشدة خاصة في ظل تردد الأحداث المتطرفة للمناخ فيما يعرف عالميا بالتغيرات المناخية التي أصبحت تتفاقم وتتزايد كل سنة منذ 20 سنة تقريبا".
مكونات نظام الإنذار المبكر للفيضانات المفاجئة في مدينتي صنعاء وشبام باليمن (الجزيرة) الذكاء الاصطناعي وأدوات إدارة الكوارث في المستقبلمن ناحيته، ناقش الدكتور محمد صلاح عبد الظاهر، الأستاذ المشارك في الجامعة الأميركية في الشارقة، في مداخلته دور التكنولوجيا الحديثة في تحسين الاستجابة للكوارث الزلزالية.
إعلانوأشار إلى أن الأنظمة المستخدمة في مجابهة الكوارث الطبيعية، مثل علم الزلازل، استفادت بشكل كبير من أدوات متطورة مثل شبكات الاتصالات بالبيانات وإنترنت الأشياء والطائرات بدون طيار، إلى جانب الذكاء الصناعي في تحليل البيانات وتطوير أنظمة الإنذار المبكر.
وقال صلاح، في حديث خاص مع الجزيرة نت، إن "هذه الأنظمة الذكية مطبقة حاليا في دول مثل اليابان التي تعتمد على الذكاء الصناعي في رصد الموجة الابتدائية للزلزال، وهي موجة غير مؤثرة تسبق الموجة المؤثرة بقليل، بالإضافة إلى استخدام أنظمة المحمول للإنذار المبكر"، مضيفا أن "سباقا عالميا يجري حاليا لرصد هذه الموجات في أسرع وقت بعد حدوثها مما يمكن من إنقاذ أكبر قدر ممكن من الأرواح والخسائر المادية"، ومؤكدا أن "أن معظم الدول العربية لها القدرة على إنشاء مثل هذه الأنظمة".
كما أشار أيضا إلى أن العديد من الدراسات تجري حاليا حول المؤشرات التي تسبق الزلازل، مثل تشوه المجال المغناطيسي في طبقة اليونوسفير. وأكد أن الجمع بين هذه التقنيات والوقاية المدروسة يسهم في تقليل الخسائر وحماية الأرواح.
وفي محاضرة أخرى، استعرض الدكتور محمد عمران، من جامعة حمد بن خليفة في قطر، الإمكانات التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي في مواجهة الكوارث. وأوضح كيف يمكن لتقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات والاستشعار عن بُعد تحسين الاستعداد للكوارث وإدارة الأزمات.
وبيّن الدكتور عمران، من خلال تقديم أمثلة واقعية، كيف ساهم الذكاء الاصطناعي وجمع البيانات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في إنقاذ الأرواح وبناء مجتمعات أكثر مرونة. وأكد أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على التنبؤ بالكوارث بل يمتد أيضا إلى تحسين استجابات الطوارئ وتقييم الأضرار بشكل سريع وفعال.
وقدم شحرور، في مداخلته رؤية متكاملة حول الإدارة الذكية للكوارث، وأكد للجزيرة نت أن الأنظمة الذكية يمكنها تحسين إدارة الكوارث عبر جمع البيانات من أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية والشبكات الاجتماعية، ومن ثم يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحول هذه البيانات إلى إجراءات فعالة للتنبؤ بالكوارث والاستجابة لها.
آليات مبتكرة للتصدي للكوارث في اليمنوحظي اليمن باهتمام خاص ضمن الورشة التي نظمتها أرسكو، حيث تم تسليط الضوء على التحديات البيئية والإنسانية التي تواجه البلاد نتيجة الكوارث الطبيعية والنزاعات.
إعلانوبحسب المهندس ياسر عبدو الغبير، مدير عام السياسات والبرامج البيئية بوزارة المياه والبيئة اليمنية، فإن اليمن تأثر بشدة من تغير المناخ، حيث يعاني من الفيضانات والجفاف والزلازل والعواصف الرملية، مما يشكل تهديدا كبيرا للموارد المائية والزراعة والأمن الغذائي. وتسببت التأثيرات المدمرة للكوارث في نزوح أكثر من 4.5 ملايين شخص، وأثرت على حياة مليون شخص آخرين.
كما أوضح أن شح المياه جعل اليمن سابع أكثر الدول ندرة للمياه عالميا، مع تراجع المياه الجوفية بمعدل يتراوح بين 3 و8 أمتار سنويا في المناطق الحرجة. وقد أدى هذا التدهور إلى تراجع الأراضي الزراعية وزيادة التصحر، مما يهدد سبل العيش لحوالي 75% من السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
ولتخفيف آثار هذه التحديات، أطلقت الحكومة اليمنية "الإستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث"، التي تهدف إلى الحد من مخاطر الكوارث وتعزيز قدرة البلاد على الصمود وتمكينها من تعزيز ثقافة الوعي بالمخاطر والإدارة الاحترازية للكوارث.
من جهة أخرى، قدم الدكتور ناظم العبسي، منسق مشروع اليونسكو للحد من مخاطر الكوارث في اليمن، نبذة عن مشروع نظام الإنذار المبكر في مدينتي صنعاء القديمة وشبام القديمة.
ويهدف المشروع إلى حماية المجتمعات الضعيفة في هاتين المدينتين التاريخيتين من الفيضانات المفاجئة، ويشمل إنشاء منظومة متكاملة للإنذار المبكر في مدينة شبام، وتعزيز النظام القائم في صنعاء، مع التركيز على رفع الوعي المجتمعي وبناء القدرات لدى السلطات المحلية.
ويقول الدكتور العبسي، في حديث خاص للجزيرة نت، إن أهمية المشروع -الذي مولته الحكومة اليابانية عبر مكتب اليونسكو في دول الخليج واليمن- جاءت من كون أن الكوارث -التي تضرب مدينتي صنعاء وشبام وخاصة كوارث السيول والفيضانات- كانت تؤدي بشكل عام إلى حدوث كثير من الأضرار والخسائر والوفيات"، مضيفا أن "التطور الحضري والتغيرات المناخية أدت إلى مضاعفة تدفق السيول المفاجئة بشكل كبير خصوصا في المواسم المطرية".
إعلانوحول مكونات هذا النظام، أوضح العبسي أنه يتركب من 4 مكونات أساسية تتمثل في منظومة لإرسال التحذيرات عبر صافرات الإنذار ومحطات للرصد المطري وقياس كمية التساقطات ومناسيب تدفق السيول والوديان الرئيسية، بالإضافة إلى خدمات الرسائل النصية وكذلك محطات رقابة مرئية باستخدام كاميرا المراقبة، إلى جانب غرفة عمليات وتحكم متكاملة لإدارة مكونات نظام الإنذار.
وأكد العبسي، في حديثه للجزيرة نت، أن النظام "حقق جميع الأهداف المرجوة التي تم اعتمادها في دراسة الجدوى حيث أنجز المشروع كثيرا من المهام، وتمت تجربة هذا النظام واستخدامه بشكل مباشر مما مكن من إنقاذ العديد من الخسائر في الأرواح والممتلكات"، وأوضح أنه "لم تعد تحدث أي كوارث في الوادي الرئيسي في مدينة صنعاء الذي تم تنفيذ فيه هذه المنظومة، إذ استطاع النظام إرسال التحذيرات للمواطنين في الوقت المناسب، كذلك مكّن القائمين على إدارة النظام من اتخاذ قرارات مستنيرة بناء على بيانات يتم رفعها من الواقع بشكل فوري ودقيق".
وأشار الخبير اليمني إلى أنه يأمل في توسيع نظام الإنذار المبكر في المستقبل إذا توفر الدعم من المانحين للجمهورية اليمنية، وأن لديه الآن خطة متكاملة مستقبلية أيضا لتوسيع هذه الأفكار لتشمل أكثر من مدينة يمنية.