ما مصير انتفاضة السويداء بعد شهيدها الأول؟
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
السويداء- لم يزد الاحتقان والترقب في السويداء جنوب العاصمة السورية دمشق عن ليلة واحدة أعقبت سقوط أول شهيد في انتفاضتها الحالية هو جواد الباروكي (52 عاما)، الأربعاء الماضي، بعد مظاهرة تطالب بتسوية أوضاع الملاحقين أمنيا وعسكريا.
وطالب المحتجون في المظاهرة التي نظمت أمام قاعة "السابع من نيسان" التي تتخذها "لجنة التسويات" مقرّا لها منذ عام 2022، بوقف عمل اللجنة مرددين شعارات تدعو إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد ورحيل النظام.
وحملت الأيام الأخيرة من فبراير/شباط الماضي نبرة تصعيدية عالية من حراك السويداء، حيث دعا المشرفون عليه، الثلاثاء الماضي، إلى إضراب عام استجابت له فعاليات سياسية وشعبية واسعة، ترافق مع اقتحام مقرّ "الشعبة الشرقية لحزب البعث" وتفريغه من محتوياته الورقية، وتمزيق صور رئيس النظام السوري ووالده حافظ الأسد.
وتكرر الأمر ذاته صباح اليوم الجمعة التالي مع مقرّ "شعبة المدينة لحزب البعث" غير البعيد عن "مركز التسويات" لكن عناصر حماية المركز واجهوا المتظاهرين بالرصاص، مما أدى إلى وقوع قتيل واحد وجريح.
تشييع شعبي
وحظيت جنازة "الشهيد" جواد الباروكي بتشييع شعبي وسياسي وديني واسع بحضور شيخي العقل حمود الحناوي الداعم لحراك السويداء، ويوسف جربوع المقرّب من نظام دمشق.
وكان شيخ عقل الموحدين الدروز حكمت الهجري قد وصف في وقت سابق أول شهداء انتفاضة السويداء بـ"شهيد الواجب"، دون أن يحضر مراسم التشييع والجنازة.
ورغم مظاهر الحذر والترقّب في الشارع الدرزي المنتفض ضد نظام بشار الأسد، فإن المحتجين وصلوا بأعداد كبيرة إلى ساحة الكرامة وسط السويداء، عقب انتهاء مراسم الدفن، ورددوا شعارات تدين رأس النظام السوري، وتصفه بالقاتل بعد انقضاء ليلة طويلة رافقها استهداف مسلحين مجهولين لبعض المقرات الأمنية والعسكرية بالقذائف دون وقوع إصابات.
من جهته، قال عضو الهيئة السياسية للعمل الوطني جمال درويش، للجزيرة نت، إنّ النظام السوري، وخلال الأشهر السبعة الماضية، حاول اختراق حراك السويداء مستخدما "القوة الناعمة" نظرا لعدم تمكّنه -ولأسباب معروفة- من قمع الحراك عسكريا.
وأضاف أن النظام اكتفى ببث الخلافات بين مكونات الحراك السياسية من جهة، ودفع أشخاص إلى طرح مشاريع انفصالية من جهة أخرى، دون أن تثمر تلك المحاولات شيئا بعدما تصدّت لها إدارة الحراك الناجحة.
بدوره، يقول مهند شهاب الدين، الناشط السياسي والمعتقل السابق ورئيس تجمّع "هدف"، إن النظام، ومن خلال بثّ الفتنة، حاول شق صف حراك السويداء مستعينا بأشخاص مندسين وعملاء تصرفوا بما يخدم مصلحة النظام، على حد تعبيره.
وأوضح شهاب الدين، للجزيرة نت، أن النظام سعى إلى "ترويج التخوين كسلعة أضرّت بحراك السويداء، وما اتصل بها من خلافات وتجاذبات جانبية حملت كثيرا من "الشخصنة"، ونجح بها إلى حدّ ما، دون أن ينتصر".
وسائل مفضوحةأما الفنان التشكيلي فادي الحلبي، وهو عضو الحركة الشبابية السياسية، فيرى أن النظام السوري لم يفقد بطشه كما يتراءى للبعض، وإنما الظروف الدولية والإقليمية لا تساعده اليوم على التعامل مع انتفاضة السويداء بالصورة القمعية التي تعامل بها مع باقي المحافظات السورية التي ثارت عليه عام 2011.
ويقول للجزيرة نت إن النظام يهدف إلى تفتيت حراك السويداء من داخله بغرض استنزافه، وهذا ما صرّحت به مصادر غير رسمية تتبع النظام أكثر من مرّة.
أما رئيس تجمّع "بنا الوطن" خالد جمول، فيعتقد أن إعادة طرح مطالب الشارع السوري، وتنفيذها بشكل متسلسل يكون أقرب إلى الواقعية السياسية وهو الأكثر جدوى، وحينها قد لا يجد النظام ذرائع كافية لمجابهة حراك السويداء.
ويضيف للجزيرة نت "لن ينجح النظام باستدراج انتفاضة السويداء إلى ممارسة العنف المضاد بعد وقوع شهيد وإصابة متظاهر آخر أمام مركز التسويات الأمنية المشبوه، إذ إن وسائله تلك باتت مفضوحة أمام الدول صاحبة القرار في الملف السوري".
ويبدو أن استبعاد فرضية انتقال حراك السويداء إلى ممارسة حالة عنف ضد النظام السوري، بعد سقوط أول شهيد له، يلاقي مزيدا من الإجماع حوله، فبحسب فادي الحلبي عضو الحركة الشبابية السياسية، لا إمكانية لاستدراج حراك السويداء إلى ممارسة العنف، "لكن التشكيك بأساليب النظام المريبة أمر وارد".
ويوضح أن النظام السوري يمتلك دائما من الأدوات والأساليب ما يجبر الناس على الانجرار إلى العنف كرد فعل، خاصة بما يمتلكه من مجموعات غير رسمية تحمل مسميات مختلفة بعضها عسكري، وبعضها الآخر اجتماعي وديني.
وهذا ما يراه أيضا درويش، ويقول للجزيرة نت إن النظام يسعى دائما إلى استفزاز المتظاهرين لجرّهم إلى ملعبه كما حدث في الأمس القريب عندما سقط الشهيد الباروكي أمام مركز التسويات الأمنية، غير أن حراك السويداء بات اليوم يمتلك هوية حققت له كلّ هذا التماسك والصمود والاستمرارية.
ويضيف مهند شهاب الدين، الناشط السياسي والمعتقل السابق، تسمية بعض مواطن القوّة لحراك السويداء التي سببت ديمومته الطويلة، ويقول للجزيرة نت "استطاع الحراك إرساء ثقافة الرفض التي كانت غائبة عن الفضاء السياسي، وخلق ثقافة العمل الجماعي، وإن كانت خجولة، لكنها باتت موجودة".
ويتابع "دون أن ننسى ظهور التجمع المهني الذي ضم فعاليات سابقة له مثل فعالية المهندسين الزراعيين والمدنيين وفعالية الأطباء والمحامين، وهو إطار مدني جاء كحالة غير مسبوقة في تجميع تلك المكونات المدنية ووضعها في إطار عمل سياسي متجانس".
ويوم الأحد الثالث من مارس/آذار الحالي سيكون حراك السويداء قد أتمّ يومه الـ200، دون أن يفقد زخمه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: انتفاضة السویداء حراک السویداء النظام السوری للجزیرة نت شهاب الدین أن النظام دون أن
إقرأ أيضاً:
لويزا الألمانية.. تروي للجزيرة نت كيف أسلمت ورابطت في المسجد الأقصى
عندما بدأت التسجيل مع لويزا لورانزن وجدت فيها حماسة للتعبير عن رحلتها إلى الإسلام والرباط بالمسجد الأقصى، وانطلاقا نحو سرد تفاصيل دقيقة شكّلت انعطافات كبيرة في مسيرات حياتها المهنية والأكاديمية والدينية، وتدفقت العبارات لتروي للجزيرة نت تفاصيل هذه الرحلة.
فتقول لويزا عن نفسها: "عندما بلغت 20 عاما من عمري لم أكن أعرف عن الإسلام شيئا، ولم ألتق مسلما من قبل، حتى المنطقة التي أسكنها والأسرة الكبيرة التي أنتمي إليها لم يكن فيها مسلم واحد، واستمر ذلك حتى انتقلت لمتابعة دراستي في مدريد بإسبانيا".
ولويزا نشأت في فرانكفورت بألمانيا لأب أسترالي وأم ألمانية، وهي باحثة في السلام والصراعات الدولية، وكان موضوع أطروحتها لنيل درجة الماجستير عن المرابطات في المسجد الأقصى، وأنشأت مع زوجها براء أبو الخير مؤسسة في ألمانيا معنية بالدفاع عن القضية الفلسطينية.
وبراء أيضا وُلد في ألمانيا أيضا، ولأبوين فلسطينيين، ويعمل في مجال الهندسة الصناعية والطاقة المتجددة وحماية المناخ.
إسلام لويزا
شكّل وصول لويزا إلى إسبانيا نقطة تحول عظيمة في حياتها كلها، إذ للمرة الأولى تلتقي مسلمين عن قرب وتتعامل معهم، وكان تطوعها في منظمة إنسانية المدخل الأول الذي جعلها تعيد حساباتها، ولم يستغرق الأمر طويلا لاتخاذ قرار بأن الإسلام هو الطريق الصحيح الذي ينبغي السير فيه.
إعلاناستمرت لويزا في إسبانيا عامين، بدأت فيها دراسة العلوم السياسية، وركزت دراستها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المفارقة أن فلسطين لم تكن موضوعا رئيسيا في دراستها آنذاك، ولم تكن تعرف الكثير عنها، حتى عندما يرد ذكرها في الدراسات الجامعية لديها تكون وجهة النظر أحادية.
ويشاء الله تعالى أن تصبح فلسطين محور دراستها في الماجستير والأبحاث الأخرى التي توالت بعد إسلامها، فتروي لويزا أنه رغم عدم معرفتها بأي فلسطيني عن قرب قبل إسلامها، فإنها شعرت برابطة الإسلام التي تجمعها مع المسجد الأقصى، وتحديدا عندما بدأت التعرف على الفلسطينيين.
بين إسطنبول والمدينةوتجسد هذا التعارف في زوجها براء وعائلته الفلسطينية، فأجداده من الذين عاشوا ويلات نكبة عام 1948، ووالداه ولدا مباشرة بعد النكبة في مخيم للاجئين الفلسطينيين، وهذا التعارف شكّل الباب الواسع الذي قدم مادة علمية أمام لويزا لكتابة أوراق بحثية عن القضية الفلسطينية على نحو يغاير انحياز الدراسات الألمانية تجاه الرواية الإسرائيلية.
وربما لعبت الصدفة دورا في تعرف لويزا على هذه الأسرة الفلسطينية، ففي مطار إسطنبول قابلت لويزا فتاة ألمانية من أصل فلسطيني أثناء توجهها إلى أداء مناسك العمرة، ولم يدم اللقاء كثيرا وذهبت كل واحدة في طريقها.
وفي اليوم الأخير من العمرة في المسجد النبوي بالمدينة المنورة قابلت لويزا الفتاة الفلسطينية نفسها، ولكن اللقاء هذه المرة امتد لوقت أطول، وتعمقت المعرفة وأخذت أبعادا أخرى للدرجة التي رشحتها الفتاة إلى أخيها، وسرعان ما تمت الخطبة.
زواج لويزا من براء لم يكن لقاء بين شخصين مجردين أو أسرتين مختلفتين، لكنه انفتاح على قضية ستشكل محور دراساتها واهتماماتها، وستضع في طريق معرفتها كتبا أخرى وسردية جديدة للصراع غير تلك السائدة في المدارس والجامعات الألمانية، والتي بالطبع تكون منحازة للمنظور الإسرائيلي.
إعلان
المرابطات بالقدس
تقول لويزا "المرة الأولى التي حظينا فيها بفرصة زيارة فلسطين والمسجد الأقصى كانت في رمضان (2023)، أي قبل نحو نصف عام من بدء الحرب والإبادة الجماعية على قطاع غزة، وكانت هذه لحظة تحول في رأيي، سواء في حياتي الشخصية أو في حياتي المهنية أو الأكاديمية، حيث تعرفت على أحد أكثر الشعوب صمودًا، وهم المرابطات في القدس".
وتروي الباحثة الألمانية ما وقفت عليه بنفسها: "هؤلاء النساء ممنوعات من دخول المسجد الأقصى منذ أكثر من عقد، وتصدر ضدهن أحكام من المحاكم العسكرية تمنعهن من دخول المسجد الأقصى. والآن بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أصبح ذلك صعبًا للغاية عليهن ويكاد يكون مستحيلًا، ولكنهن ما زلن يمارسن مطالبهن بالتجمع عند أقرب نقطة يستطعن الوصول إليها قرب المسجد الأقصى".
ومن المفارقات التي وقفت عليها لويزا أن أغلب هؤلاء المرابطات يعشن في البلدة القديمة بالقدس، ومع ذلك يُمنعن من دخول المسجد الأقصى، "فكن يجتمعن عند البوابات الأقرب للمسجد ويصلين هناك ويفطرن ويتحدثن مع الناس".
كان التحدي الكبير أمام لويزا يتمثل في نقل القصص الإنسانية التي سمعتها في فلسطين إلى المشهد الأكاديمي الألماني، خاصة أن الأوساط الجامعية في ألمانيا لم تكن ترحب بدارسة يكون موضوعها "المرابطات في المسجد الأقصى"، ليس فقط بين الأساتذة، بل بين الطلاب أنفسهم.
نظرة لويزا للمرابطات تغيرت إلى حد ما بعد مشاركتها في الأنشطة التي يقمن بها، ونظرت إلى الرباط في رحاب المسجد الأقصى بوصفه "فعلا مقاوما" للاحتلال تقوم به ناشطات فلسطينيات، وكنوع من الإلهام الذي يغير مجرى دراساتها.
وهذا تحديدا ما دفعها إلى اختيار موضوع أطروحتها للماجستير ليكون حول ممارسات المرابطات اليومية، وكيف يقمن بأنشطتهن، وكيف يتكيفن مع القمع الذي يتعرضن له تحت الاحتلال الإسرائيلي، فهن يتعرضن للضرب والسجن باستمرار.
إعلانوتروي لويزا على لسان إحدى المرابطات أنها تخرج كل يوم من منزلها وهي تتوقع 3 سيناريوهات: إما أن تتعرض للضرب من قبل الجنود الإسرائيليين، أو يتم سجنها، أو تصبح شهيدة.
شهادة ألمانية
بعد عودة لويزا وزوجها براء من فلسطين، مارس الاحتلال الإسرائيلي "إبادة جماعية" على الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفجّر ذلك تعاطفا كبيرا من الأصوات الناقدة للسياسة الألمانية، لكن هذه الأصوات تم قمعها وبعنف من قبل الشرطة، خاصة المظاهرات التي جابت شوارع برلين.
وتقول لويزا وزوجها براء إن الأمر امتد إلى أن كثيرا من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية فقدوا وظائفهم وأعمالهم لمحاولتهم التعبير عن الإحباط والغضب من سلوك الحكومة الداعم للعدوان الإسرائيلي مما ولّد إحباطا عاما، لكنهم لم يتوقفوا عن الأنشطة التي تشرح قضيتهم حتى تغير المشهد الشعبي العام في ألمانيا.
ويقول براء أبو الخير إن ما بعد معركة السابع من أكتوبر غيّر الكثير من المسلمات التي كانت سائدة في ألمانيا، وعلى رأسها احترام القانون الدولي، بوصفه قوة لا يمكن تحديها أو تجاوزها، لكن ما تعلموه لاحقا أن هذه القدسية لها شروط ولا يتم تطبيقها على الجميع.
ويضرب أبو الخير مثلا بالأبرياء من أطفال غزة الذين يستمر قتلهم، والمزيد من المستشفيات والمدارس التي تدمر، لأن ألمانيا تحديدا تطبق القانون الدولي فقط "إذا لم تكن الضحية دولة أوروبية، أو لم تكن الضحية شخصًا أبيض، فإننا نتحدث عن قواعد مختلفة لا تنطبق على الفلسطينيين على الإطلاق أو على شعوب الجنوب العالمي".
وأشار أبو الخير ولويزا إلى أنهما أسسا معا مؤسسة في ألمانيا معنية بالدفاع عن السردية الفلسطينية، وعرض حقائق القضية باللغة الألمانية، وأنها تجد تجاوبا كبيرا من المجتمع الألماني الذي يحدث فيه تغيير إيجابي حاليا حتى في الساحة الأكاديمية، واستمرار المظاهرات في الشوارع الألمانية تعكس هذه المتغيرات، رغم التضييق الحكومي حتى الآن.
إعلان