في كثير من المجالس يحدث التالي: يفتح أحد الجالسين فكرة للمناقشة، فيبدأ عصف ذهني من قبل المجموعة الحاضرة، ولأن أحد الجالسين غير واع لما يُناقش، أو غير مستوعب للفكرة ذاتها، أو أنه شعر أنه «خارج التغطية» لأسباب مختلفة، فيبدأ حينها بممارسة «لعبة» تقويض الفكرة، أو تغييبها، من خلال الزج بمداخلات ليست لها علاقة بالفكرة المطروحة، وقد يتخللها التهريج؛ في بعض الأحيان؛ عندها تعوم الفكرة الجادة المطروحة للمناقشة، حيث تتداخل الأحاديث حول جوانب متعددة، فتموت الفكرة الأساسية، مع جديتها وأهميتها، وينشغل الجمع بمناقشات أخرى، وينفض السامر، كما يحدث أحيانا في مناقشات المجموعات الواتسابية.
هذه الصورة «الحدث المنفلت» من قواعد الجدية، واحترام الذات، وعدم إعطاء الموضوعات أهميتها، هي ممارسات غالبة في كثير من المواقف، ويتعامل الناس معها بكثير من عدم الأهمية، حيث لا يقف من يتعمدها عند حد معين، ولذلك يتمادى الآخرون في السياق ذاته في مناسبات كثيرة، بعضها يحتمل منها هذا التعويم، وبعضها الآخر؛ يفترض؛ أن يكون هناك حد لا يتجاوزه من يحاول أن يُعوِّم الأفكار، والأسس التي تقوم عليها مجموعة الممارسات في الحياة اليومية.
وإذا كانت هذه الصورة شائعة في اللقاءات والتجمعات ، ويمارسها البعض عن قصد، وعن غير قصد، فإن المسألة تتحجم ككرة الثلج، وتذهب إلى كثير من الممارسات اليومية في حياة الناس، حتى أصبحت داء يبحث عن علاج، ولأن المسألة في المناقشات العامة، قد لا تثير إزعاجا كثيرا من الناس، ويتعامل معها على أنها ظرف وقتي لا يحتمل الكثير من العناء المعنوي، لأن إثارة الصدام في تجمع لحظوي مناسباتي قد يثير الكثير من اللغط، والقيل والقال، ولذلك ينزه الناس أنفسهم عن الابتذال في الدخول بمناقشات مضادة من هذا النوع، ويكتفون بالفهم الصامت: «الله يكفّك يا لسان» وتسير القافلة إلى نهاياتها المفتوحة، كما هو الحال دائما.
الأمر المهم هنا، أن تعويم الفكرة أو تغييبها، لا يقتصر على الأحاديث العابرة، سواء في تجمعات معتادة، أو تجمعات رسمية؛ في بعض الأحيان؛ وإنما يذهب بعيدا وكبيرا، وعميقا عندما تشيع هذه الصورة في تغييب أو تعويم أهداف مؤسسة ما عن تحقيقها المنوطة إليها بحكم القانون، أو بحكم العرف بين الناس، وتصبح المؤسسة ذاتها تتلقفها الأيادي فتأخذها مشرقا ومغربا، وفق الأهواء، والنزاعات الذاتية، حيث تجير للمصالح الذاتية؛ عندها تفقد المؤسسة قيمتها المعنوية قبل أن تحقق أهدافها المادية، يحدث هذا عبر ممارسات قد تكون أحيانا فردية، وقد تتجاوز فرديتها، وهنا الخطورة أكبر، وكل المؤسسات «عبر مسمياتها المختلفة» معرضة لأن تقع في هذا المأزق، خاصة إذا تيقن أن من يريد أن يُعوِّم أهداف المؤسسة التي ينتمي إليها، أو يغيب دورها الحقيقي أن لا رقيب عليه، ولا مساءلة «ومن أمن العقاب؛ أساء الأدب».
جُبل الإنسان على التجاوز؛ وفق فطرته الضعيفة؛ ومن هنا تأتي أهمية درجات تغيير المنكر، وفق النص النبوي الكريم، «من رأى منكم منكرا... » وهي درجات محددة، وليست مفتوحة، ومن هنا أيضا تتضاعف الصعوبة في التغيير، لأن أقل الدرجات الواردة في الحديث هي؛ «... فمن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان» وصعوبة هذه الدرجة أن الفئة العريضة لهرم التغيير تقع ضمن هذه القاعدة، ولذلك تتناسل الممارسات في التعويم، والتغييب، وبذلك تفقد الأفكار تألقها، وصفوتها، وجمالها، والمهم في ذلك أهدافها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تشكيل فريق عمل من السياحة والآثار ومؤسسة Ifc لتعزيز التعاون
عقد شريف فتحي وزير السياحة والآثار، اجتماعاً، مع شيخ عمر سيلا المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية IFC لمنطقة شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، وعدد من ممثلي المؤسسة، بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وذلك لمناقشة سبل تعزيز مزيد من مجالات التعاون المشتركة بين الوزارة والمؤسسة وأطر التعاون المستقبلية لزيادة مشاركة القطاع الخاص في قطاع السياحة في مصر ولاسيما لتعزيز أهداف التنمية المستدامة بها.
وقد شارك في حضور هذا الاجتماع من وزارة السياحة والآثار يمنى البحار نائب الوزير، ومحمد فهمي مساعد الوزير للشئون الاقتصادية، بجانب حضور عدد من ممثلي وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
كما شارك من مؤسسة التمويل الدولية كل من سعد صبرة مدير مكتب المؤسسة في مصر، والدكتور أحمد البكري كبير مسئولي الاستثمار الإقليمي بشمال وغرب أفريقيا بالمؤسسة، و مروي محجوب خبير أول تنمية القطاع الخاص بقطاع شمال أفريقيا بالمؤسسة، و إيهاب أبو طالب مسئول الاستثمار بالمؤسسة.
وقد استهل شريف فتحي الاجتماع بالترحيب بالمدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية IFC والوفد المرافق له، معرباً عن تقديره البالغ لعلاقات التعاون الاستراتيجية المثمرة مع المؤسسة في جميع المجالات وما تقوم به من جهود لزيادة الاستثمارات في مصر لدعم جهود التنمية بها.
واستعرض الوزير استراتيجية ورؤية الوزارة الحالية والتي ترتكز على إبراز ما لدى مصر من مقومات سياحية وأثرية متنوعة ومتميزة ليكون المقصد السياحي المصري هو المقصد الأكثر تنوعاً في العالم من حيث الأنماط والمنتجات السياحية التي لا مثيل لها ولا تضاهى في العالم (Unmatched Diversity).
وأكد على أن الاستراتيجية تستهدف أيضاً العمل على تحقيق الاستدامة في مجال السياحة وتحويل قطاع السياحة في مصر وما يضمه من منشآت سياحية وفندقية ومراكز للغوص وغيرها إلى قطاع صديق للبيئة من خلال نشر وتطبيق اشتراطات الممارسات الخضراء.
وقد تم خلال الاجتماع الاتفاق على أن يتم تشكيل فريق عمل من كل من وزارتي السياحة والآثار، ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ومؤسسة التمويل الدولية IFC ليقوم بدراسة ومناقشة الدراسات اللازمة لتنفيذ أوجه التعاون المختلفة بين الجانبين والتي تم مناقشتها خلال الاجتماع على أرض الواقع.
ومن جانبه، استعرض المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية IFC لمنطقة شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، أبرز الجهود والأنشطة التي تقوم بها المؤسسة وأوجه التعاون المختلفة التي تجمع بينها وبين الحكومة المصرية في هذا الإطار وخاصة في تقديم المشورة والاستشارات الفنية للبرامج التي تتبناها الدولة المصرية بما يساهم في زيادة مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، معرباً عن استعداد المؤسسة للتعاون مع الوزارة وخاصة في ظل أهمية السياحة بالنسبة للاقتصاد القومي.
كما حرص على تقديم التهنئة للسيد الوزير بقرب افتتاح المتحف المصري الكبير الذي ينتظره العالم أجمع.