بوابة الوفد:
2025-01-31@03:40:19 GMT

يأيها النمل ادخلوا مساكنكم

تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT

الوقت فجر.. والفجر ما عاد يأتينا بالأمل.. هنا، لا صوت يعلو فوق صوتين؛ نذير قصفٍ، وهدير طائرة المساعدات..
فأما الأول فقد امتلأت منه الآذان وخربت على وقعه الأرض، وأما الثاني فقد طال انتظاره.
الحشود هنا بالآلاف، ربما كنا ملايين، لكنني لم أتعلم كيف أحصي مليونًا، مُدرسة الحساب قالت لي ذات يوم، تعالي يا مريم سأعلمك كيف تحصين مليونًا، لكنني لم أفعل، ضحكت في سخرية وقلت: وما حاجتي للمليون؟ يكفيني الألف.

. فما كنت أدري أنني سأقف عاجزة ذات فجر، بعد أن انتهى من بين شفتي الألف. رحت أتابع تلك الأجساد المتهالكة وهي تبحث لعظامها عن مأوى بين الصخور والرمال، أما أنا فقد فزت بخيمة لا بأس بها، ولم تلبث أن شاركتني بها أسرة صغيرة.
هدير موتور الطائرة هو السبب الوحيد هنا لفرحة بائسة، نتدافع جميعا على إثره لنتحلق في دوائر تتلقف أيدينا ما يلقى من نوافذها من طعام.
  دائما ما أكون أنا أول من يسمع صوت الهدير، أخشى ألا يحمل ما يلقى لنا لبن أطفال يسد جوع أخي الدائم، ماذا كانت تصنع له أمي لو أنها لم تستشهد في آخر قصف؟ 
أهديء أنين أخي وأعده بأن طائرة اليوم ستحمل الكثير من اللبن، تقول جارتي في الخيمة إنني صغيرة جدا، تنظر إلى إخوتي بأسى، وتتمتم إننا في أعمار أبنائها الثلاثة الذين استشهدوا تحت القصف، ثم تقول: لماذا يُحكم على طفلة في الثامنة أن تحيا كل ذلك؟ أحمد الله على استشهاد أبنائي، فالموت أهون ألف مرة مما يحدث.
في البدء كان الصراخ دليل استشهاد البعض جوعا أو بردا أو مرضا، والآن ما صرنا نسمع صراخا، فقط نلمح على البعد جمعا يحفرون في الرمال ليواروا جثثًا ما، فنعلم أن هناك من لقى ربه.
هذا ما أنتظره، أجري باتجاه زاوية اختبرتها كثيرا، أتمتم بالدعاء إلى الله أن يكون من نصيبي علبة لبن وكيس دقيق أو ثمرة فواكه، كم أشتاق للفراولة.. أغمض عيني عن نظرة أخي الرضيع نحو الطائرة بعيدا، تمسك به أختى ذات الخامسة لتبعده عن الأقدام المتزاحمة.
الأعين الكثيرة تحلق كلها نحو الطائرة، يبدأ القذف.. علب دقيق وجبن وخبز وماء.. أين اللبن يا الله، لقد وعدتني في الحلم أن تأتيني به فأين هو؟ تنهال على رأسي علبة كبيرة، أفتحها، فإذا بها بعض ماء وخبز و.. وثمرتا فراولة، أين اللبن يا الله؟ أمسك بالفراولة بين يدي ثم أطوح بها بعيدا، ما عدت أريد الفراولة.. أريد لبنًا لأخي.. أنهار باكية، لا أستطيع العودة إليه دون اللبن، سيموت جوعا الليلة.
فجأة أفيق على الصرخات، وأصوات قصف مدافع.. أفتح عيني فإذا بالناس يهرولون بعيدا، بلا وجهة، وقريبا مني تتناثر جثث شتى، تحتضن أرغفة الخبز وزجاجات المياه، لكنها الآن ما عادت بحاجة إليها.. تماما كانتهاء حاجتي إلى الفراولة.
أقف منتصبة وأعدو نحو خيمتنا، سأحمل أخي وأختي ونهرب بعيدا عن هذا الموت، وسيغفر لي أخي أنني لم أحمل له علبة لبن.
تسمرت قدماي الحافيتان وأنا أنظر إلى ثقوب كثيرة تعلو قماش الخيمة، تقدمت، كان أخي وأختي ممدين هناك، يحتضن أخي علبة لبن إلى صدره، ربما تلقفتها له جارتنا، لكنها لم تفتح، بينما تتشبث أختي بثمرتي فراولة كانت بهما تحلم مثلي، ربما كانت تستبقي لي إحداهما.
أدرت للخيمة ظهري وبقدمين ترتعشان، ودموع متحجرة، سرت نحو تلك الدائرة، التي تمتليء بجثث من قُصفوا، حيث الرصاص مازال ينهال على الموتى ويطارد الناجين.. وقفت بثبات بين علب الطعام والخبز، حانت مني نظرة نحو ثقوب خيمتنا، ثم رفعت رأسي نحو الطائرة، الآن ما عدت أرتعد من صوت القصف الذي يتجه نحوي.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نبضات صوت القصف

إقرأ أيضاً:

ترامب: لا ناجين في حادث اصطدام الطائرة بالمروحية فوق نهر بوتوماك

(CNN) -- قال الرئيس دونالد ترامب الخميس إنه لم يكن هناك ناجين في التصادم الذي حدث في الجو في اليوم السابق بين طائرة هليكوبتر عسكرية وطائرة ركاب فوق نهر بوتوماك.

وصرّح ترامب في إيجاز صحفي من البيت الأبيض، الخميس، قائلا: "للأسف، لا يوجد ناجون". 

مقالات مشابهة

  • ترامب: لا ناجين في حادث اصطدام الطائرة بالمروحية فوق نهر بوتوماك
  • زراعة شمال سيناء تطلق حملة رش وقائي لحشرة النمل الأبيض
  • «زراعة شمال سيناء» تطلق حملة لمكافحة النمل الأبيض في العريش
  • أسعار كرتونة رمضان 2025 في الأسواق المصرية: أفضل العروض والتخفيضات
  • انتشال 18 جثة من نهر بوتوماك بعد تحطم الطائرة في واشنطن
  • التوفيق بين قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وحديث لن يدخل أحدكم عملُه الجنة
  • مثل الشهيد مازن كمثل الصحابي الجليل عمرو بن ثابت الذي حفظ الله جسده من الأعداء
  • الشهيد الكابتن مازن الحولي : لن ننساها لك أبدا
  • الصحة تعلن تسليم أكثر من 3 ملايين علبة دواء للنازحين خلال الحرب
  • أفضل سيارات بيك أب 2025 في السعودية