الوقت فجر.. والفجر ما عاد يأتينا بالأمل.. هنا، لا صوت يعلو فوق صوتين؛ نذير قصفٍ، وهدير طائرة المساعدات..
فأما الأول فقد امتلأت منه الآذان وخربت على وقعه الأرض، وأما الثاني فقد طال انتظاره.
الحشود هنا بالآلاف، ربما كنا ملايين، لكنني لم أتعلم كيف أحصي مليونًا، مُدرسة الحساب قالت لي ذات يوم، تعالي يا مريم سأعلمك كيف تحصين مليونًا، لكنني لم أفعل، ضحكت في سخرية وقلت: وما حاجتي للمليون؟ يكفيني الألف.
هدير موتور الطائرة هو السبب الوحيد هنا لفرحة بائسة، نتدافع جميعا على إثره لنتحلق في دوائر تتلقف أيدينا ما يلقى من نوافذها من طعام.
دائما ما أكون أنا أول من يسمع صوت الهدير، أخشى ألا يحمل ما يلقى لنا لبن أطفال يسد جوع أخي الدائم، ماذا كانت تصنع له أمي لو أنها لم تستشهد في آخر قصف؟
أهديء أنين أخي وأعده بأن طائرة اليوم ستحمل الكثير من اللبن، تقول جارتي في الخيمة إنني صغيرة جدا، تنظر إلى إخوتي بأسى، وتتمتم إننا في أعمار أبنائها الثلاثة الذين استشهدوا تحت القصف، ثم تقول: لماذا يُحكم على طفلة في الثامنة أن تحيا كل ذلك؟ أحمد الله على استشهاد أبنائي، فالموت أهون ألف مرة مما يحدث.
في البدء كان الصراخ دليل استشهاد البعض جوعا أو بردا أو مرضا، والآن ما صرنا نسمع صراخا، فقط نلمح على البعد جمعا يحفرون في الرمال ليواروا جثثًا ما، فنعلم أن هناك من لقى ربه.
هذا ما أنتظره، أجري باتجاه زاوية اختبرتها كثيرا، أتمتم بالدعاء إلى الله أن يكون من نصيبي علبة لبن وكيس دقيق أو ثمرة فواكه، كم أشتاق للفراولة.. أغمض عيني عن نظرة أخي الرضيع نحو الطائرة بعيدا، تمسك به أختى ذات الخامسة لتبعده عن الأقدام المتزاحمة.
الأعين الكثيرة تحلق كلها نحو الطائرة، يبدأ القذف.. علب دقيق وجبن وخبز وماء.. أين اللبن يا الله، لقد وعدتني في الحلم أن تأتيني به فأين هو؟ تنهال على رأسي علبة كبيرة، أفتحها، فإذا بها بعض ماء وخبز و.. وثمرتا فراولة، أين اللبن يا الله؟ أمسك بالفراولة بين يدي ثم أطوح بها بعيدا، ما عدت أريد الفراولة.. أريد لبنًا لأخي.. أنهار باكية، لا أستطيع العودة إليه دون اللبن، سيموت جوعا الليلة.
فجأة أفيق على الصرخات، وأصوات قصف مدافع.. أفتح عيني فإذا بالناس يهرولون بعيدا، بلا وجهة، وقريبا مني تتناثر جثث شتى، تحتضن أرغفة الخبز وزجاجات المياه، لكنها الآن ما عادت بحاجة إليها.. تماما كانتهاء حاجتي إلى الفراولة.
أقف منتصبة وأعدو نحو خيمتنا، سأحمل أخي وأختي ونهرب بعيدا عن هذا الموت، وسيغفر لي أخي أنني لم أحمل له علبة لبن.
تسمرت قدماي الحافيتان وأنا أنظر إلى ثقوب كثيرة تعلو قماش الخيمة، تقدمت، كان أخي وأختي ممدين هناك، يحتضن أخي علبة لبن إلى صدره، ربما تلقفتها له جارتنا، لكنها لم تفتح، بينما تتشبث أختي بثمرتي فراولة كانت بهما تحلم مثلي، ربما كانت تستبقي لي إحداهما.
أدرت للخيمة ظهري وبقدمين ترتعشان، ودموع متحجرة، سرت نحو تلك الدائرة، التي تمتليء بجثث من قُصفوا، حيث الرصاص مازال ينهال على الموتى ويطارد الناجين.. وقفت بثبات بين علب الطعام والخبز، حانت مني نظرة نحو ثقوب خيمتنا، ثم رفعت رأسي نحو الطائرة، الآن ما عدت أرتعد من صوت القصف الذي يتجه نحوي.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الغامدي يكشف أثر السحاب على الطائرة .. فيديو
خاص
قال الطيار عبدالله بن صالح الغامدي إن السحب لا تشكل خطورة على الطائرات.
وأضاف أن الطائرات تسير في السحب وبعضها يدخل في الطائرة كالضباب وتسبب اهتزازات بسيطة نظرا إلى وجود رياح بداخلها.
وأشار إلى أن هناك سحب مشبعة بالماء تدخلها الطائرة بسرعة محددة ولذلك أثر احتكاك الطائرة بالماء كوميض البرق بالزجاج الأمامي فيما يعرف بالكهرباء الساكنة، ويحدث ذلك خلال الصعود والهبوط التدريجي للطائرة.
وشدد على ضرورة تجنب السحب الركامية خلال الطيران نظرا لكون أن هذه السحب بها برق ورعد ورياح عاتية.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/04/nBajdBtDK29PBv_0.mp4