أيديولوجيات النهوض بالبحث العلمى فى مصر ووطننا العربى
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
بداية لابد أن نتعرف على الأسباب التى دفعتنى إلى الكتابة عن هذا الموضوع.
السبب الرئيس هو واقع البحث العلمى الذى نعيشه، وتدنى مستويات البحوث العلمية والرسائل العلمية التى تعج بها أرفف المكتبات دون فائدة ولا طائل من ورائها اللهم إلا إهدار الجهد والوقت.
لا أعمم ولا أصدر أحكاماً على عواهنها ولكن من واقع ملموس معيش يحياه أستاذ أكاديمى متخصص يعتلى منصات المناقشات العلمية منذ سنوات طويلة، كذلك من شكاية كثير من الأساتذة من تدنى مستويات البحوث التى يشرفون عليها، ليست هذه الشكاية من أساتذة الكليات النظرية وحدهم ولكن لنا زملاء فى كليات عملية مثل الطب والصيدلية والهندسة يشكون عدم قدرة بعض الدارسين على الإبداع فى هذه المجالات وأن رسائلهم العلمية تحصيل حاصل لا تأتى بجديد.
والنتيجة الحتمية ليس ثمة تقدم وليس ثمة ابتكارات ولا استفادة من هذه البحوث فى واقعنا المعيش ودليلى على ذلك لو أخذنا مثالاً على إنتاج العقاقير الجديدة لعلاج بعض الأمراض المستعصية، لا نجد جديداً اللهم إلا استيراد هذه العقاقير الطبية من الخارج، هذا بالنسبة للكليات العملية.
أما بالنسبة للكليات النظرية فما الجديد الذى ستضيفه وستثرى به حياتنا، ما الذى ستضيفه البحوث التى تقدم فى الأقسام النظرية، صحيح هذه البحوث إثراء للعقل وتنمية لملكات التفكير وقد تفيد فى مجالات علم النفس، والآثار وأقسام اللغات، لكن متى، وإذا تم التخديم عليها جيداً بحيث لا تكون تحصيل حاصل، أى لا نأخذ من هناك ونضع هنا، أى لا نأخذ من مجلدات ونضع فى مجلدات، والنتيجة صفر لا شىء.
خطابى هذا ليس موجهاً للجامعات فقط، وإنما موجه لكل مراكز البحوث العلمية، من مراكز بحوث زراعية، وجيوفيزيقية ومعاهد ومراكز التحليلات النفسية وغيرها، أيضاً خطابى هذا موجه لكل من هو مهتم بالبحث العلمى فى الوطن العربى، ويريد رفعته والنهوض به.
حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها ومن يفعل ذلك سيكون إما وإما،إما مكابراً وإما معانداً، لا ينبغى علينا أن ندفن رؤوسنا فى الرمال كالنعام أو نتلون كالحرباء إرضاء لفلان أو علان، الكل إلى زوال والذى يبقى هو الإنسان المكون الأصيل للوطن وهدفنا النهوض بهذا الوطن النهوض به من كبوته وإقالة عثرته.
ومن ثم لا بد أن تتضافر كل الجهود والوقوف صفاً واحداً فى خندق واحد نضع أيدينا فى أيدى بعضنا ونلتف بكل ما أوتينا من قوة خلف قيادتنا التى لا تألو جهداً فى مواصلة العمل ليلاً ونهاراً من أجل رفعة هذا الوطن.
لا نثبط ولا نهبط الهمم وإنما نتحد قدر استطاعتنا من أجل أن نبنى وطناً قادراً على المواكبة ومسايرة ركب التقدم العلمى والتقنى على كل الأصعدة والمستويات، فلا يجوز بحال من الأحوال أن دولة بحجم بلدنا مصر الغالية تتوقف عن الإبداع والابتكار والمواكبة، فمن لا يكون لديه غيرة على بلده وحمية وحماس لنهضة هذا البلد فلا يحق له أن يحيا به ويستظل بسمائه ولا يشرب من نيله.
تحدياتنا كبيرة والمتربصون بنا كثر، فلابد أن نشمر سواعد الجد ونضع أعيننا وسط رؤوسنا لا بالكلام ولكن بالعلم والعمل الجاد.
لا يمكن لأمة أن تنهض وأن تقوم وأن تستمر إلا بالعلم، ما علمنا أن أمة قامت على الجهل والجهلاء، وأعى ما أقول ليس عيباً أن نكون جهلاء ونعترف بذلك لكن العيب أن نظل هكذا ولا نتعلم وننتظر من يفكر لنا ويبدع لنا، نحن لسنا إمعة تابعين لأحد وإنما نحن مصر، نحن حاضرة العلم والثقافة، نحن أهل الإبداع ولنا فى علمائنا الذين سبقونا إلى الله الأسوة والقدوة فى كل المجالات فى الطب فى الصيدلية فى الكيمياء النووية والذرية والطاقة، فى الزراعة والصناعة والتجارة، فى الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والتاريخ فى الفن التشكيلى وما يحتويه هذا الفن من إبداعات، فى الموسيقى، فى فنون الزخارف، لماذا لا نسير على درب هؤلاء يا سادة، هذا هو الداء الذى من الممكن أن نجد له دواء، فنتحول به من داء عضال إلى داء له دواء، فليس ثم داء دون دواء إلا الهرم، ونحن دولة فتية لم ولن تهرم دولة بها ثروة بشرية خطيرة إذا قدمنا لها دواء ناجعاً أعتقد أننا سنتعافى بسرعة كبيرة.
أما الدواء فيمكن وضع ورقة علاجية أعتقد لو طبقت تطبيقاً دقيقاً فسنشفى فى وقت قصير.
الاهتمام بالبحث العلمى فى الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية على كل مستوياتها وتخصصاتها. ويحمل سبعة أبعاد الأول تخريج باحث متميز دون مجاملة لأحد بمعنى أنه على الأستاذ دور فاعل فى هذا الأمر من حيث توجيه الدارس إلى اختيار موضوعات حيوية تخدم الواقع المعيش دون مجاملة لأحد إذا وجدنا بحثاً معتبراً نجيزه والعكس، وهذا دور منوط به الأستاذ المشرف على الرسالة أو البحوث.
البعد الثانى معالجة مشكلة إحجام كثير من الدارسين عن الالتحاق ببرامج الدراسات العليا، نتيجة المغالاة فى المصروفات الدراسية، والتعقيدات الإدارية الروتينية ما يصيب بعض الدارسين بالإحباط.
البعد الثالث، إعطاء فرصة للدارسين فى اختيار مشرفيهم، بمعنى لماذا يفرض بعض الأساتذة سيطرتهم وهيمنتهم على الدارسين وإجبارهم جبراً على التسجيل معهم، دعوهم يختاروا ولا تجبروهم جبراً، دعوهم يقبلوا على البحث العلمى بحب دون قيد، دون تهديد، دون تعقيد.
البعد الرابع، على الدارس أن يفكر جيداً فيما هو مقدم عليه، هل هو على قدر المسئولية، هل حقاً يريد أن يقدم جديداً أم يأتى للتسلية لا نمتلك رفاهية الوقت وفراغه، إن كنتم حقاً تريدون، فمرحباً بكم وسنقف خلفكم حتى تحققوا مرادكم، كفانا تسلية كفانا لعباً.
البعدالخامس، على الدولة توفير الإمكانيات اللازمة وإمداد الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية بكل ما تحتاج له من توفير معامل وأدوات معينة لإنجاح هذه المسألة.
البعد السادس على الدولة توفير حياة كريمة للأساتذة، حياة يستطيعون معها الإبداع والابتكار، حياة مادية بالإضافة إلى المعنوية من تكريم ربنا تعالى فى علاه للعلم والعلماء، فالأساتذة لديهم أعباء معيشية، فلابد من النظر إلى هؤلاء حتى لا يغادروا بلادنا سعياً وراء المال الذى يحقق طموحات أسرهم المعيشية.
البعد السابع احتواء الدولة للدارسين من الشباب الذين يقدمون على البحث العلمى فهم عصب الأمة وثرواتها الحقيقية ويكون ذلك عن طريق تخفيض المصروفات الدراسية للالتحاق ببرامج الدراسات العليا، ونعلم طلاب بحث جادين أوقفتهم الظروف المادية عن إكمال دراساتهم على الرغم من أنهم مشاريع لدارسين وباحثين جادين سيستفيد منهم البلد ويرقى ويتقدم إلى الأمام.
أعتقد أننا لو أخذنا هذا الكلام بعين الاعتبار فستتحقق المعادلة التى ليست صعبة، معادلة رموزها واضحة وشفراتها معلومة وأعتقد أنها بأيدٍ أمينة تهمها مصلحة هذا البلد، وفق الله الجميع لما فيه خير البلاد والعباد.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: آداب حلوان
إقرأ أيضاً:
وزير الزراعة ينعى أستاذ القمح بمركز البحوث تُوفي بحادث سير بالوادي الجديد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نعى علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، الدكتور عبدالسلام المنشاوى أستاذ القمح بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية في مركز البحوث الزراعية، والذي توفي في حادث سير خلال تأدية عمله في منطقة شرق العوينات بمحافظة الوادى الجديد والذي كان يعمل مخلصًا وفي صمت من أجل خدمة بلده.
وتوجه وزير الزراعة بخالص العزاء لأسرة الفقيد وزملاؤه وتلاميذه في مركز البحوث الزراعية، داعيا المولى تبارك وتعالى أن يشمله بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.