هل تكرر روسيا سيناريو القرم مع ترانسنيستريا بعد طلبه المساعدة؟
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
موسكو– عاد ملف إقليم ترانسنيستريا غير المعترف به إلى الأضواء مجددا وبشكل مفاجئ بعد توجّه السلطات فيه إلى موسكو ومناشدتها التدخل لمساعدتها في التصدي لما سمتها الضغوط التي تمارس عليها من قبل مولدوفا.
ولم تمر ساعات قليلة على طلب سلطات الإقليم الانفصالي الحماية من موسكو، وإذا بوزارة الخارجية الروسية تصدر بيانا اعتبرت فيه "حماية سكان ترانسنيستريا، أبناء وطننا، هي إحدى أولوياتنا".
ولا تعترف موسكو رسميا باستقلال الإقليم، لكنها تحتفظ معه بعلاقات خاصة في المجالات السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية. أما مولدوفا، فهي إلى جانب الاتحاد الأوروبي تعتبر الإقليم جزءا من أراضيها، ويقع تحت "احتلال روسيا".
وترانسنيستريا عبارة عن شريط ضيق من الأراضي يقع في شرق مولدوفا على طول نهر دنيستر (الضفة اليسرى) ويبلغ طوله 225 كيلومترا وعرضه من 12 إلى 30 كيلومترا.
وحتى عام 1940، كانت حدود الإقليم تمتد على طول النهر. فقد كانت الأراضي الواقعة إلى الغرب تسمى بيسارابيا، التي كانت جزءا من رومانيا، وإلى الشرق ترانسنيستريا، التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي.
وفي الثاني من أغسطس/آب 1940، بعد إعادة توحيد بيسارابيا مع الاتحاد السوفياتي، تم تشكيل جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية، والتي ضمت إقليم ترانسنيستريا.
يتموضع إقليم ترانسنيستريا على شكل شريط على الحدود بين روسيا ومولدوفا (الجزيرة) جذور الصراعيعود تاريخ النزاع المسلح بين مولدوفا وترانسنيستريا إلى أحداث أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، عندما اعتمد المجلس الأعلى لجمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية عام 1989 قوانين بشأن اللغات تعلن المولدوفية اللغة الرسمية والوحيدة في البلاد.
وردا على ذلك، تم إنشاء مجالس التعاونيات العمالية في المؤسسات الصناعية في الإقليم، والتي نظمت مظاهرات تطالب بإجراء استفتاء حول هذه القضية، وهو ما رفضته السلطات المركزية.
ومن الجدير بالذكر أن ترانسنيستريا كانت مأهولة بأغلبية ساحقة من قبل الروس والأوكرانيين. وبسبب ذلك، عارض نواب الإقليم بشدة هذا القرار معتبرين أن السلطات المولدوفية تمارس التمييز ضدهم على أساس اللغة.
إلى جانب كل ذلك، كانت البيريسترويكا (برنامج إصلاحات اقتصادية) في الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات مصحوبة بموجة من النشاط السياسي ونمو المشاعر القومية في العديد من الجمهوريات، ولم تكن مولدوفا استثناء، فقد ظهرت فيها حركات تطالب بالحكم الذاتي والاستقلال وترجمة اللغة المولدوفية إلى اللاتينية والاتحاد مع رومانيا كعودة إلى الجذور التاريخية.
وبعد اعتماد قانون اللغة المثير للجدل بدأ "التوطين" القسري الصارم للمجموعات العرقية غير المولدوفية. ولم يكن سكان إقليم ترانسنيستريا الناطقون بالروسية بشكل أساسي سعداء بهذه التغيرات، لا سيما مع تصاعد الحديث عن الوحدة مع رومانيا.
نظم سكان ترانسنيستريا احتجاجات مع دعوات لإعطاء اللغة الروسية وضع لغة الدولة، وكذلك لإلغاء الأبجدية اللاتينية في الكتابة. كما تم اقتراح إجراء استفتاء عام على أراضي الإقليم من جانب واحد ودون انتظار موافقة السلطات في مولدوفا.
وفي الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/ تشرين الأول 1990، عُقدت عدة جولات للتصويت سُميت فيما بعد بالاستفتاء، وشارك فيها ما يقارب من 80% من المواطنين الذين لديهم حق التصويت. أيد 96% منهم إنشاء جمهورية ترانسنيستريا، وفي المقابل أعلنت مولدوفا عدم شرعية الاستفتاء.
وكان من اللافت أن الذين أرادوا بشدة البقاء في الاتحاد السوفياتي لم يتلقوا أي دعم من موسكو في ذلك الوقت.
الصدام
وفي خريف عام 1990، وقعت أول اشتباكات مسلحة بين القوات الحكومية المولدوفية ومقاتلي الإقليم المعلن من جانب واحد. وكان من اللافت أن كلا الجانبين كانا لا يزالان يُعتبران جزءا من الاتحاد السوفياتي، الذي انهار في وقت لاحق، في نهاية عام 1991.
وتصاعد الصراع بين مولدوفا وترانسنيستريا في عام 1991، على خلفية محاولة الانقلاب الذي قامت به لجنة الطوارئ الحكومية في 19-21 أغسطس/آب 1991. وفي العاصمة المولدوفية، فشل "انقلاب محلي" مؤيد للانقلاب المركزي في موسكو، وكرد فعل على ذلك بدأت المطالب بانفصال مولدوفا عن الاتحاد السوفياتي.
من جانبها، أيّدت حكومة ترانسنيستريا المجموعة الانقلابية في موسكو، وقالت إنها تعترف حصريا بقيادة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.
ودخلت الأحداث والمعارك الدموية والضارية التي وقعت بمدينة بندير في الإقليم بالفترة من 19 يونيو/حزيران إلى 22 يوليو/تموز 1992 التاريخ على أنها أكبر مأساة تتحقق منذ بداية النزاع.
وبحسب مصادر مختلفة، قُتل خلال الصراع ما بين 200 إلى 750 شخصا من الجانبين، وأصيب أكثر من ألف، واضطر حوالي 100 ألف إلى مغادرة المنطقة.
وتدخلت روسيا في الصراع ووقف إراقة الدماء، وكانت هناك نداءات متكررة من سكان الإقليم حيث يتمركز الجيش الـ14 الروسي. وتتباين وجهات النظر حول ما إذا كانت مولدوفا نفسها وافقت على ضرورة حل النزاع من خلال تدخل خارجي.
ونتيجة لذلك، وقع الطرفان في 21 يوليو/تموز 1992 في موسكو، بمشاركة الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين، اتفاقية "حول مبادئ حل النزاع المسلح في منطقة ترانسنيستريا بجمهورية مولدوفا".
وفي بداية عام 1997، وبوساطة روسية، بدأت المفاوضات بين الطرفين بشأن التسوية النهائية للوضع في ترانسنيستريا، وانتهت في الثامن من مايو/أيار من العام نفسه بالتوقيع في الكرملين على مذكرة بتطبيع العلاقات في إطار دولة مشتركة، داخل حدود جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية للعام 1990، ومع ذلك، لم يتم إحراز تقدم كبير.
رياح البحر الأسود
منذ ذلك الحين، تم تنفيذ عملية حفظ للسلام على ضفاف نهر دنيستر، والتي وصفت بالعملية الأكثر نجاحا في أوروبا، نظرا لفرادة هيكليتها، فهي عملية مشتركة لحفظ السلام تضم أطراف النزاع المتمثلة بمولدوفا وترانسنيستريا، فضلا عن عسكريين روس ومراقبين عسكريين من أوكرانيا، قبل أن تعلق كييف في وقت لاحق عمل جنودها، بسبب الحرب مع روسيا.
ومع ذلك بدأت التجاذبات تعود مرة أخرى إلى الإقليم في عام 2022، بسبب الوضع الجيوسياسي في منطقة شمال البحر الأسود ككل، بما في ذلك الصراع في أوكرانيا.
وتعتبر القوات التابعة للإقليم الانفصالي بمثابة العمق الخلفي للقوات المسلحة الأوكرانية، ومن ناحية أخرى "الجبهة الثانية" في المواجهة بين أوكرانيا وروسيا.
وقبل النداء الذي وجهته سلطات الإقليم إلى موسكو بالحماية وتقديم المساعدة كان ينظر إلى هذا الصراع بأنه عصي على الحل. فإذا حصلت ترانسنيستريا على الاستقلال لن تقبل مولدوفا بذلك. وإذا تم ضم الإقليم إلى مولدوفا، فإنه إلى جانب روسيا كذلك لن يقبلا هذا الخيار. فهل سيكون تكرار سيناريو "القرم" هو الخيار المتبقي لدى موسكو، التي وصفت سكان ترانسنيستريا بمواطنيها؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاتحاد السوفیاتی جزءا من
إقرأ أيضاً:
"بيئة أبوظبي" و"نبات" تتعاونان لصون أشجار القرم باستخدام الذكاء الاصطناعي
وقّعت هيئة البيئة – أبوظبي اتفاقيةً مع شركة "نبات"، الناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ والتابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، عبر برنامج "فنتشر ون"، بهدف إحداث تحوُّل نوعي في إعادة تأهيل غابات القرم في أبوظبي، من خلال استخدام تقنيات متقدِّمة تعتمد على الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما يعزِّز كفاءة عمليات إعادة التأهيل، انسجاماً مع عام الاستدامة وفي إطار مبادرة القرم - أبوظبي.
وقَّع الاتفاقية، خلال النسخة الأولى من المؤتمر الدولي لصون وتنمية أشجار القرم في أبوظبي، فيصل البناي، الأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدمة، مستشار رئيس الدولة لشؤون الأبحاث الاستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة، والدكتورة شيخة سالم الظاهري، الأمين العام لهيئة البيئة – أبوظبي.
وبموجب الاتفاقية، توفر هيئة البيئة – أبوظبي الخبرة البيئية لضمان توافق مشاريع إعادة التأهيل مع الخصائص البيئية الفريدة لإمارة أبوظبي، بتقديم المشورة بشأن المتطلبات البيئية، ودعم اختيار المواقع لتحقيق أقصى فاعلية ممكنة. وفي المقابل، تتولّى "نبات" تطوير ونشر التقنيات المتقدِّمة، ومنها الروبوتات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لتحسين جهود استعادة غابات القرم وتسريعها.
وتركز الاتفاقية على استخدام الروبوتات المتقدمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءةً جهود إعادة تأهيل غابات القرم اعتماداً على البيانات. وتضع هذه التقنيات معايير جديدة لاستعادة النظم البيئية، ما يُسهم في الحد من التدهور البيئي، ومواجهة تحديات التغيُّر المناخي على المستوى العالمي. وتؤكِّد الاتفاقية دور أبوظبي كمركزٍ إقليميٍّ ودوليٍّ للابتكار التكنولوجي، وتجسِّد التزام الإمارة بدمج الذكاء الاصطناعي والروبوتات في مختلف القطاعات، ومنها الحفاظ على البيئة.
هيئة البيئة – أبوظبي وشركة "نبات"، التابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، تتعاونان، في إطار مبادرة القرم – أبوظبي، لصون وتأهيل أشجار القرم من خلال استخدام تقنيات متقدمة تعتمد على الروبوتات وأدوات الذكاء الاصطناعي، ما يسلط الضوء على ريادة أبوظبي في مجال الابتكار والاستدامة. pic.twitter.com/AY2yO4BJKR
— مكتب أبوظبي الإعلامي (@ADMediaOffice) December 27, 2024سيحقق المشروع فوائد كبيرة على المستويين المحلي والدولي، حيث يعزز مكانة أبوظبي كإمارة متقدِّمة تستفيد من الذكاء الاصطناعي والروبوتات لمعالجة التحديات البيئية الحيوية، ويُبرز أهمية التكامل بين القطاعات المختلفة لتحقيق تغيير إيجابي. وتُمثِّل الاتفاقية، على الصعيد العالمي، نموذجاً لكيفية توظيف التكنولوجيا لمواجهة التحديات البيئية، وتشجيع مزيدٍ من الاستثمارات في الابتكارات المستدامة.
وتهدف الهيئة من خلال تعزيز الشراكات مع المنظمات التقنية، إلى دفع قطاع التكنولوجيا قُدُماً، والتصدي للتحديات البيئية المُلحَّة.