خطيب الجامع الأزهر: التذكير بتحويل القبلة إشارة إلى امتثال العباد لأمر رب العباد
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور حسن الصغير، رئيس أكاديمية الأزهر العالمية للتدريب، والتى دار موضوعها حول "الإيمان والعمل والرجاء والأمل في التذكير بالله".
وقال د. الصغير، إن المولى عزَّ وجلَّ شرع صلاة الجمعة تذكيرًا به سبحانه وتعالي، وتحقيقًا لمعني الإيمان به، والثقة فيما عنده، قال تعالي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
موضحا أن السعي إلى ذكر الله سعي إلى التذكير به سبحانه وتعالى، وتعلم شريعته، وتحقيق لمعنى الإيمان به والثقة فيه.
وذكر خطيب الجامع الأزهر، أن الله حث عباده بالسعي إلى ذكر الله من خلال الذهاب إلى صلاة الجمعة والتذكير هنا أيضا يكون بالإيمان بالله، والثقة فيما عند الله، مؤكدا أن المتدبر في حقيقة ما نخرج به من صلاة الجمعة بعد سماع الذكر فيها، يجد إيمانا وعملا، ورجاء وأملا وإيمانا به سبحانه بأنه الواحد الخالق، المدبر القادر على كل شيء، وتذكيرا بالعمل والأخذ بالأسباب التي وضعها ليتغير الحال من سيء إلى حسن.
وتابع د.الصغير، بأن التذكير بالله أمل لا ينقطع مهما كان التفريط والإسراف، واليأس والقنوت، به يرجع العبد إلى ربه ويتوب ويعمل، ويتوكل عليه سبحانه وتعالى موقنًا بإجابته لسؤاله وحلمه وعفوه، قال تعالي: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم"، فإذا ما نظر الإنسان إلي ما كان من أهل الذكر، والتذكير في هذا الشهر الفضيل، شهر شعبان، الذي نعيش ثلثه الأخير، يجد أن المولى جل وعلا ساق لأهل الذكر فيه من مناطات التذكير ما يكون به الإيمان والعمل والرجاء، ما يكون به تغير الحال إلى أفضله.
وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أنه كان من هدي النبي ﷺ في استقبال الهلال أن يقول: (اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله)، والمتدبر في دعاء النبي ﷺ يجده مشتملًا علي الإيمان به سبحانه، ودعوة الله عزّ وجلَّ أن يهدينا سبيل الرشاد، والدعوة بأن يهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق لمراده سبحانه وتعالي.
وتابع: فكثير من الناس من أهل الإيمان من هم في ضلال، ومن هم في خوف وافتقاد للأمل، فيسأل الله تبارك وتعالي اليمن والإيمان، وكم من مبتلى في نفسه وجسده يسأل الله السلامة والثبات على العقيدة والثقة في الله عزّ وجلَّ إذا ما دُعي. قال تعالي: ﴿إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. سؤال بالتوفيق لما يحبه ويرضاه، كم من مبتلى سأل الله العافية والسلامة، كم من مضيق عليه في الحياة، في الرزق، أو في السعي، يسأل الله السلامة والتيسير.
وأوضح د. الصغير، أنه في خضم هذا الشهر الكريم تم تذكير الناس بهدي النبي ﷺ فيه ولا سيما الصيام، فكان النبي ﷺ يصوم في شعبان أكثر ما يصوم في غيره. (فقد روى أبو داود والنسائي وابن خزيمة من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).
وشدد أن الصيام فيه تهذيب للنفس وتوقيرها، والتعرض للنفحات فيه. حيث يكون المرء مفرطا وغافلا عما ذكر به، فيرجع إلي ربه بالصيام والصلاة والذكر والقرآن، راجيًا وآملًا أن يطلع عليه رب العباد فيه، ويرفع عمله فيه وهو على هذه الحال، ثم كان التذكير بليلة النصف من شعبان التي يطلع الله عزّ وجلَّ فيها على عباده فيغفر للمستغفرين، ويتوب على التائبين، فتعطي أملا ورجاء في أن المولى جل وعلا سوف يستجيب، فيتبدل الحال، ويتغير الأمر.
وأشار فضيلته إلى التذكير بتحويل القبلة إشارة إلي امتثال العباد لأمر رب العباد، والثبات على عقيدتهم لبيان الإيمان والطاعة رغم ما قاله السفهاء وغيرهم، وبعد ما شرع الأمر، وقدر المقادير، ووجه النبي ﷺ، أمر بالذكر وحث على العمل والأخذ بالأسباب المادية والمعنوية التي بها ينفرج الحال، وتزول الكروب. قال تعالي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
واسترسل قائلا: ثم أمر كل محتاج ومفتقر في هذه الحياة بالصبر حتى لا يفقد الثقة فينا عند الله، لأن الصابر المحتسب، المداوم على العمل والطاعة، والعبادة لله عزّ وجلَّ، له الأجر والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة. قال تعالي: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. حتي يعودوا إلى قضية الإيمان والعمل، والرجاء والأمل وعدم انقطاعه.
وبيّن أن هدي القرآن الكريم والشارع الحكيم وذكره طمأنينة للقلوب، فكل من النسك، العبادة، الصلاة، الزكاة، والتوجه إلي القبلة، والتعرض لأيام الله كلها عبادات شرعت لمقاصد بها يكون صلاح الحال والتدبر والتغير. فالمقصد هو التدريب على طاعته سبحانه وتعالى، وبالتالي يكون الصلاح في الحال وفي الأعمال، وهو أثر عظيم يغير الله به الحال إلى أحسنه. فكل فرد منا يحتاج إلى التذكير بالله والثبات على طاعته، والعمل النافع، والرجاء فيما عنده جل في علاه، وحسن الظن والثقة به سبحانه وتعالى، والأمل في أن يتحول الحال إلى أفضل حال، لأن هذا هو الهدي الحكيم الذي يهدي به الله من يشاء من عباده لا بالكلام ولا بغيره. قال تعالي: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: خطيب الجامع الأزهر الجامع الأزهر سبحانه وتعالى قال تعالی والثقة فی النبی ﷺ
إقرأ أيضاً:
تغلق كل شر.. علي جمعة: 3 أعمال تفتح لك أبواب الغفران والخير
قال الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك لنا وصايا جامعة تصلح أن تكون برنامجًا لعمل المسلم اليومي في كل يوم، وفي كل حين، وفي كل مكان، منوهًا بأنها تصلح أن تكون مفتاحًا لكل خير، مغلاقًا لكل شر.
وأضاف «جمعة» ، أنه قال -صلى الله عليه وسلم- : «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن» ، مشيرًا إلى أنها وصيةٌ جامعة عجيبةٌ غريبة نجعلها شعارًا لنا فنفوز بالجنة بعد أن نفوز برضا الله، ونبعد عن النار بعد أن نبعد عن سخط الله سبحانه وتعالى «اتق الله حيثما كنت».
وأوضح أن التقوى كما فسرها الإمام علي: [الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل] تذكَّر ربك في كل ساعةٍ، وفي كل لحظة {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}، والعلاقة بيننا وبينه سبحانه وتعالى مبنيةٌ على الرحمة، والرحمة في قلبها الحب، ولذلك واجهنا أول شيءٍ في القرآن الكريم فقال: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وأسماء الله سبحانه وتعالى قد تكون أسماء جلال كـ "المنتقم الجبار"، أو تكون أسماء جمال كـ "الرحمن الرحيم"، أو تكون أسماء كمال كـ "الأول الآخر الظاهر الباطن".
التشريف والتكليفوأشار إلى أنه اختار الله سبحانه وتعالى لنا أن يبدأ كتابه وخطابه وتكليفه وتشريفه بالرحمن الرحيم، جمالٌ في جمال، حبٌّ في حب، حتى يدعوك هذا الحب إلى إنزاله في قلبك المنزلة التي هو أهلٌ لها سبحانه وتعالى، "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل" فالله سبحانه وتعالى ما شرفك إلا لمَّا كلفك، كلفك فشرفك، وشرفك فكلفك؛ فالتشريف والتكليف وجهان لعملةٍ واحدة، إذا رأيت تكليفًا من ربك فاعلم أنه يشتمل على تشريف، وإذا شرَّفك في القرآن أو في السنة فاعلم أنه قد أمرك بتكليف، ولذلك فإن التشريف والتكليف وجهان لعملةٍ واحدة.
ونبه إلى أنه عليك أيضًا أن "ترضى بالقليل"؛ والرضا بالقليل يجعلك راضٍ عن رب العالمين {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ، وإذا نظر الله إلى قلبك فرآك راضٍ عنه فإنه يُنزِّل عليك الرحمات، ويؤيدك بمددٍ من عنده، وينوِّر قلبك، ويغفر ذنبك، ويستر عيبك، أما "الاستعداد ليوم الرحيل" فهو التذكرة {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} التذكرة التي تُذكِّر بها نفسك فتمنعها من المعاصي، أو ترجع مرةً أخرى إلى طريق الاستقامة، وتخرج من الطريق الأعوج، تساعدك على التوبة، وعلى الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى «اتق الله حيثما كنت».
وتابع: واعلم أنه معك في ظاهرك، وفي علانيتك، وفي خفائك، وفي سرك، ولذلك فحيثما كنت اتق الله سبحانه وتعالى، والتقوى خيرٌ كلها؛ فالحمد لله الذي أرشدنا إلى هذا، وعلمنا كيف نتعامل معه في هذه الدنيا التي هي دار اختبار وامتحان، حتى نعود إليه سبحانه وتعالى وهو عنا راضٍ، وقد حققنا عبادته، وعمارة الدنيا، وتزكية النفس.
فتح باب الغفرانوواصل: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» ولذلك فتح لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العمل الصالح على مصرعيه؛ فجعل التبسم في وجه أخيك صدقة، وجعل الوضوء تنزل المعاصي من أعضاء الوضوء فتخرج بعده طاهرًا تبدأ حياةً جديدة مع ربك، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم- : «جددوا إيمانك» كيف يا رسول الله؟ «قولوا لا إله إلا الله» فلا إله إلا الله عندما تذكرها من قلبك وفي وعيك فهذا هو الوعي الذي يبدأ قبل السعي، تبدأ حياةً جديدةً مع الله.
ولفت إلى أنه جعل الاستغفار من موجبات المغفرة، جعل وضع يدك على رأس يتيم من موجبات المغفرة، جعل كفالتك لليتيم أمرًا عظيما، تعطيك مكانةً هائلة فيقول: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» أي أن كفالة اليتيم تساوي مكانتك في الجنة في مقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المصطفى المختار كلامٌ عجيب، لكنه يفتح لك باب الأمل، باب الغفران، باب الحب.
وأكمل فكما أحببت هذا اليتيم، وكفلته في الدنيا لوجه الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى يعطيك مكانًا في جوار سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، كلامٌ عجيب، لكنك لو تأملته لوجدته يفتح لك باب الأمل لأن «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» فبادروا بالأعمال حتى تغفر لكم هذه الأعمال عند غفورٍ رحيم سبحانه وتعالى.
نحن في أشد الحاجة إليهوأفاد بأن الله سبحانه وتعالى واسع، مالك السماوات والأرض، يقول للشيء كن فيكون ، كريم، ونحن نرجو منه سبحانه وتعالى المغفرة، والتوفيق، واللطف، والنصر على أنفسنا، وعلى شهوات الدنيا حتى نعبده، وحتى نُعمِّر هذه الأرض، حتى ندخل في نظر الله ورحمته سبحانه وتعالى؛ فنحن في أشد الحاجة إليه «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» .
وأشار إلى أنه جاء أحدهم يشكو إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ارتكب ذنبًا ورآه كبيرًا؛ فقال له: «اذهب فتوضأ وصلِّ ركعتين» بنية أن يغتسل من هذا الذنب، وأن يفق في نفسه، وفي علاقته مع ربه، وأن يسير بعد ذلك في الطريق المستقيم.
واستطرد : «وخالق الناس بخلقٍ حسن» والخلق الحسن يتأتى مع الجار، ومع الأهل، الزوجة، مع الأبناء، والزوجة مع زوجها «خياركم خياركم لأهله، وأنا خيركم لأهله» سيد الأكوان -صلى الله عليه وسلم- تصفه السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها فتقول: «كان في مَهنة أهله» يعني لو كان يراها تغسل يغسل معها، أو تطبخ يطبخ معها.
المثال الأسوةوأردف: نحن نتكلم عن سيد الخلق أجمعين، عن المصطفى المختار -صلى الله عليه وسلم- ، عمن كان له عند الله سبحانه وتعالى ولا يزال إلى يوم القيامة الأولية؛ فهو أول الخلق -صلى الله عليه وسلم- في مكانته، وفي رحمته «إنما أنا رحمةٌ مهداة» ،{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
ونوه بأن هذا المصطفى المختار المثال الأسوة كان في مَهنة أهله وأنا خيركم لأهلي صلى الله عليك وسلم يا سيدي يا رسول الله، وعن الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن -صلى الله عليه وسلم- : «أحسن الحسن الخلق الحسن» اللهم حَسِّن أخلاقنا.