«إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».. هل يتضمن النهي عن قضاء أيام من رمضان؟
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
«إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».. هل يتضمن النهي عن قضاء أيام من رمضان؟، سؤال بينه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، حيث يقول سيدنا النبي ﷺ: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا).
إذا انتصف شعبان فلا تصومواوقال علي جمعة إن الحديث يعني إلا من كانت له العادة في الصيام من قبل نصف شعبان كمن كان يصوم يوم الاثنين والخميس أو كمن كان يصوم بعض الأسبوع أو من أراد أن يصوم شعبان كله أو من كان يقضى عن نفسه شيئًا مما هو في ذمته، فإنه يصوم في النصف الثاني من شعبان.
وتابع: يقول سيدنا رسول الله ﷺ ذلك لأنه يلفتنا إلى التهيؤ لرمضان ذلك الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، شعبان وفي النصف منه استجاب الله لنبيه ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أمره وأمر الأمة من بعده أن يُولي وجهه ﷺ وأن تولي الأمة وجوهها شطر المسجد الحرام .. البيت العتيق .. قبلة المسلمين التي تدل فيما تدل على وحدتهم ، والتي تدل فيما تدل على طاعتهم لربهم ، والتي تدل فيما تدل على صلتهم به سبحانه وتعالى ، وهم يسجدون له في صلواتهم .. فما دلالة ذلك على مستوى الإنسان؟ وما دلالة ذلك على مستوى الأمة؟
وأضاف علي جمعة: فلنبدأ بالإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى من فضله ونعمته في أحسن تقويم ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ إذًا فبداخلك أيها المؤمن كنز من الكنوز، بداخلك عبد رباني طاهر أسجد الله له الملائكة، بداخلك إنسان كرّمه الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾، بداخلك إنسان يستطيع أن يكون عبدًا ربانيًا يمد يده إلى السماء يقول : يا رب .. فيستجيب الله سبحانه وتعالى له ، فإذ به يحرك الجبال ويحقق المعجزات ويخرق العادات.
صفة يوم النبي .. كيف كان يقضيه من الصباح حتى المساء؟ عالم أزهري: النبي حذرنا من ترك أبنائنا فقراءجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس كافةً من الظلمات إلى النور، جاء إلى أقوامٍ في غاية الجاهلية فإذ بهم يكونون خير جيلٍ أُخرج للبشرية ؛ حتى إنه لو أنفق أحدهم صاعًا وأنفق أحد من البشر مثل أُحدٍ ذهبًا لكان ذلك الصاع أرجح عند الله سبحانه وتعالى من ذلك الجبل .. فما الذي حدث ؟!
وشدد عضو هيئة كبار العلماء، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ وهو النور المبين _ نظر إليهم فغيّر قلوبهم وجعلهم يرون ذلك الكنز الذي خلقه الله في الإنسان ، فكانوا خير جيلٍ أخرجه الله للناس عبر التاريخ ، صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالنجوم في السماء لأنه هو صلى الله عليه وآله وسلم كالشمس للدنيا وكالعافية للأبدان.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: قضاء أيام من رمضان شهر رمضان إحياء شهر رمضان الدكتور علي جمعة النصف الثاني من شعبان الله سبحانه وتعالى صلى الله علیه رسول الله من کان
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر مدين يكتب: في الصوم
قال سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليه السلام حين سأله عن الإسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا». سبقت الإشارة إلى أن قَصْر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فى هذه الخمس ليس معناه أنّ الإسلام عبادات فقط، فقد سبق أن أشرنا إلى أثر الشهادة والصلاة والزكاة في حياة المسلم، وما تستلزمه منه.
وسوف نشير -إن شاء الله تعالى- إلى أثر الصيام والحج، فالحديث إذن لا يدل على انحصار الإسلام في العبادات فقط، وإنما هو ذِكرٌ للأركان الكبرى التي تُؤصّل لحياة مستقيمة في العبادات والمعاملات. وبدَيهيٌّ أن يبدأ الحديث بشهادة «أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم» لأنها إعلان الإسلام والالتزام به عقيدة وسلوكا.
وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الواو العاطفة بين الصلاة والزكاة والصيام والحج تقتضي الجمع بدون ترتيب؛ أي: صار المرء بمجرد إسلامه مطالبا بهذه العبادات كلها، إلا إذا سقطت عنه لعدم القدرة. فالواو إذن لا تقتضي ترتيبا، لكن هذا لا ينفي أن يكون لترتيب هذه الأركان حِكمةٌ، وذلك ليس من حيثُ اقتضاء الواو ترتيبا معينا، ولكن من حيث إن المتكلم بها قدَّم بعضها على بعض وأخّر بعضها عن بعض.
وإذا نظرنا سنجد أنّ الزكاة والصيام لا يفرضان كل عام، بخلاف الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة، فتقديم الصلاة تقديم لما يكثر تكراره، والزكاة والصيام يسقطان عن غير القادر، فالذي لا يملك النِصاب يسقط عنه أداء الزكاة، وغير القادر على الصيام لا يصوم، هذا بخلاف الصلاة التي يؤديها المسلم ولو بالإشارة إن لم يقدر على الركوع والسجود، وهذا داعٍ ثانٍ لتقديمها عليهما.
ثم تأتي الزكاة بعد الصلاة، وهي كذلك في كتاب الله جاءت تالية للصلاة في ستة وعشرين موضعا، ومن الجهة الاجتماعية نجد أن الصلاة شأنها أن تجمع المسلمين خمس مرات فى اليوم والليلة فيقترب بعضُهم من بعض، ويعرف بعضهم بعضا، وهذا يُوقفهم على أصناف مستحقي الزكاة بينَهم، وهنا يأتي دور الزكاة لمساعدة أولئك المحتاجين، وهذا يقتضي أن تأتي الزكاة بعد الصلاة.
ثم إن الزكاة رِفْدٌ بالمال [أي عطاء وصِلة]، وهذا العطاء هو الذي يعين المحتاج على ضروريات حياته، فيقدرُ على شراء الطعام الذي يتسحر به ويُفطر عليه إذا صام، وبعض مصارفه قد يُجعل لحج بعض المحتاجين، فسبق الزكاة للصيام والحج أمر منطقى.
وإذا كانت الزكاة قد عوّدت المسلم الواجد أن يُخرج قدرا من ماله للمحتاجين، فإنّ ما يذوقه في الصيام من سَغَبٍ [أي: جوعٍ] يحمله على مزيد من الجود والإطعام، وكما طهّرته الزكاة من البخل وحب المال والاستئثار به، يأتي الصيام ليرقى به مرتبة أعلى فيجعله يستغني في يومه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن الطعام والشراب والشهوة، وهذه الأمور هي أسباب استمرار الحياة، وطغيان شهوتي البطن والفرج سبب لارتكاب الموبقات والاعتداء على الحرمات، فالصيام يجعل الإنسان يستعلى عن أن تسوقه الشهوات، فهو قادر على قمعها وتوجيهها وفق ما أمر الله تعالى به، وباستقامة هذا الشأن يستقيم أمر الإنسان في سائر حياته في العبادات والتعاملات.
والصيام إذن عبادة تؤصّل لاستقامة شأن الحياة في جميع مناحيها، حيثه إنه يرجى من وراءه تحقيق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى هى أن يقي الإنسان نفسه من الوقوع فيما حظره الشرع الشريف، فبها يستقيم شأن الحياة وفق مراد الله تعالى.
ثم بعد ذلك يأتي الحج، فهو عبادة مالية بدنية، يحتاج فيها المرءُ إلى مالٍ كافٍ للذهاب والعودة وترك ما يكفي لأهله حتى عودته، كما يحتاج إلى قوة بدنية يستطيع بها أداء مناسك الحج المختلفة، وهو بهذا لا يتهيأ لكل مسلم، ولذا قيده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستطاعة فقال: «وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا»، وهذا يقتضي تأخره عما قبله.
ثم إنه عبادة تجب مرةً في العمر، وهذا الوجه أيضا يقتضي تأخره عما قبله.