خطبتا الجمعة بالحرمين: الوقف صورة حضارية مشرقة لبذل المسلم وعطائه.. وها نحن على أعتاب شهر عظيم مبارك
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
ألقى الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله -عز وجل- فالأعمار قصيرة، والأعمال قليلة، والأماني عريضة، والانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء حاصل بلا ريبة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّه وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
وقال فضيلته: المال قوام الحياة، وهو إما أن يكون نعمة على صاحبه، يستعين به على طاعة ربه، وتصريف أمور حياته، والتمتع به في حدود ما أباح الله له، وإما أن يكون وبالاً ونقمة عليه، وليس أجلب للنقم من كفران النعم، وجحود المنعم، والاغترار بفتنة المال، وإنفاقه فيما يغضب الكبير المتعال. وليس مال المرء ما جمعه ليقتسمه ورثته من بعده، بل حقيقة مال المرء هو ما قدمه لنفسه، ذخراً له بين يدي خالقه، ففي صحيح البخاري قَالَ النَّبِي -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ-: “أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِه أَحَبُّ إِلَيْه مِنْ مَالِهِ؟”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أحد إِلَّا مَالُه أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: “فَإِنَّ مَالَه مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِه مَا أَخَّرَ”، فما أحسنَ أن يكونَ للمؤمنِ أثرٌ يَبقى له بعدَ موتِه، وذخرٌ له عندَ ربِّه، فأهل القبور في قبورهم مرتهنون، وعن الأعمال منقطعون، وعلى ما قدَّموا في حياتهم محاسبون، فالموفَّق من يموت ويبقى عملُه، ويرحلُ ويدومُ أثرُه، فالنفقة الدائمة خير من المقطوعة، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاه فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾.
وأضاف: فلنستبق يا عباد الله إلى الخيرات، وجنة عرضها الأرض والسماوات. وإن من الأعمال التي يدوم أثرها، ويتوالى أجرها وثوابها: الوقف؛ فالوقف من أفضل أبواب الخير وأنفعها، وذلك لتحبيس أصله، وتسبيل منفعته، فهو أصل قائم، وأجر دائم، إذا انقطع بالموْقِفِ العمر فلا ينقطع عنه -بإذن الله- الأجر، وهو من خصائص أهل الإسلام، كما أشار إلى ذلك الأئمة الأعلام. ففي صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِذَا مَاتَ الْإنسان انْقَطَعَ عَنْه عَمَلُه إِلَّا مِنْ ثَلَاث: إِلَّا مِنْ صَدَقَة جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”.
وأوضح أن الأوقاف كانت من أول اهتمامات النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي أول أيام هجرته إلى المدينة المنورة أمر ببناء مسجده في الموضع الذي بركت فيه ناقته، فكان بناء مسجد قباء والمسجد النبوي أول وقف عملي، بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، وكان يحث أصحابه على الصدقة الجارية، فلما قَدِم للْمَدِينَةِ لم يكنْ بها مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غير بِئْرِ رُومَةَ، فقال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَجْعَلَ دَلْوَه مَعَ دِلَاءِ المُسْلِمِينَ، بِخَيْرٍ لَه مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟”، فاشْتراها عثمان -رضِي الله عنه- من صُلْب ماله، فجعل دَلْوَه فيها مع دلَاء الْمسلِمين، فكانوا رضي الله عنهم يحرصون على أن يوقفوا أَنفس أموالهم، وأحبها إليهم، فلما نزلت: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ قَامَ أَبُو طَلْحَة إلى رَسُولِ اللَّه -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَي بَيْرُحَاءَ (وبيرحاء: حَدِيقَة كَانَتْ أمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا، وَيَسْتَظِلُّ بِهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا). قال أبو طلحة رضي الله عنه: فَهِي إلى اللَّه وَإِلَى رَسُولِهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّه حيث أَرَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ-: “بَخْ يَا أَبَا طَلْحَةَ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَبِلْنَاه مِنْكَ، وَرَدَدْنَاه عَلَيْكَ، فَاجْعَلْه فِي الأَقْرَبِينَ”. فالآية حثت على الإنفاق من المحبوب، ولكن أبا طلحة رضي الله عنه ترقى إلى إنفاق أحب المحبوب، فشكر له النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله، وأمره أن يخص بها أهله.
وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه أصاب أرضاً بخيبر، فَأَتَى النَّبِي -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: “إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا”. فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّه لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ فِي الفُقَرَاءِ وَالقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّه وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
وأكد أن هذا الحديث نبراس للوقف؛ إذ تقررت فيه أحكامه، وحددت فيه مصارفه، وتأصل فيه نظامه.
ومن سعة فضل الله ورحمته صحة إيقاف المرء لميته، فيصل الأجر للميت وهو في قبره، ففي صحيح البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنهُمَا، أنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَة رَضِي الله عَنه تُوُفِّيَتْ أمُّه وَهُو غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أمِّي تُوُفِّيَتْ وَأنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِه عَنْهَا؟ قَالَ: “نَعَمْ”. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِي المِخْرَافَ صَدَقَة عَلَيْهَا. وفي سنن أبي داود قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، فَأَي الصَّدَقَة أَفْضَلُ؟ قَالَ: “الْمَاءُ”، قَالَ: فَحَفَرَ بِئْرًا، وَقَالَ: هَذِه لِأُمِّ سَعْدٍ. فما من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا أوقف في سبيل الله. قَالَ جَابِرٌ رَضِي اللَّه عَنْه: “مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ لَه مَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ إِلا حَبَسَ مَالاً مِنْ صَدَقَة مُؤَبَّدَةٍ، لا تُشْتَرَى أَبَدًا، وَلا تُوهَبُ، وَلا تُورثُ”.
وأردف إمام وخطيب المسجد الحرام: ومع ما في الوقف من رجاء ما عند الله، وطلب جنته ورضاه، فإن فيه نشر روح التعاون والمحبة، وتحقيق أواصر القربى والأخوة، وهذا التعاطف والتراحم والتواد يجعل الأفراد كالجسد الواحد، كما يضمن الوقف الاستدامة وبقاء المال وحمايته، ودوام الانتفاع به، والمحافظة عليه من أن يعبث به من لا يحسن التصرف فيه، فالوقف من أعظم الطاعات، ومن أجلِّ القربات، ونفعه يشمل الأحياء والأموات، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: “لم نر خيراً للميت ولا للحي من هذه الحُبُس الموقوفة. أما الميت فيجري أجرها عليه، وأما الحي فتحتبس عليه ولا توهب ولا تورث ولا يقدر على استهلاكه”.
وبيّن الدكتور المعيقلي أن الوقف صورة حضارية مشرقة لبذل المسلم وعطائه، وسعْيه واهتمامه، في أبواب متفرقة، ينفع بها مجتمعه، ويُسهم بها في رفعته. وفي الوقف تربية المسلم على التكافل الاجتماعي، وتأكيد دوره في التنمية والرقي، كالإسهام في بناء المساجد والمستشفيات، والمراكز البحثية في الجامعات، وأوقاف للأرامل والأيتام، وغيرها من المرافق التي ينتفع بها الأنام. فالوقف يشمل جهات خيرية عدة، ومنافع للمجتمع متعددة.
وقال فضيلته: لقد كان ولاة أمر هذه البلاد المباركة (المملكة العربية السعودية) مضرباً للأمثال الحسنة في تشييد الأوقاف ورعايتها، وتيسير سبلها لأصحاب البذل والعطاء، فنسأل الله أن يجعل ذلك في موازين الحسنات، ويضاعف لهم الأجر والمثوبات.
وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: وها نحن يا عباد الله على مشارف شهر رمضان المبارك، الذي تضاعف فيه الأعمال الصالحة، فقدموا لأنفسكم خيراً، ولا تخشوا من ذي العرش إقلالاً، وكل بحسب استطاعته وقدرته، وتحرّوا أن يكون ذلك عن طريق الجهات الموثوقة والمعتمدة، سواء مشاركة في وقف أو استقلالاً، فمن شارك في وقف يعد واقفاً لا ينقص ذلك من أجره شيئاً، ولو أسهم بالقليل، فالقليل عند الكريم كثير، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ: “مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ، مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلاَ يَصْعَدُ إلى اللَّه إِلَّا الطَّيِّبُ- فَإِنَّ اللَّه يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ”. وكل ذلك يدخل في مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ، مِنْ عَمَلِه وَحَسَنَاتِه بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَه وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أو مَسْجِدًا بَنَاهُ، أو بَيْتًا لِاْبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أو نَهْرًا أَجْرَاهُ، أو صَدَقَة أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ، فِي صِحَّتِه وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُه مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ” رواه ابن ماجه.
* وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي بتقوى الله تعالى
بالمسارعة إلى ما يرضيه، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْه مِنْ حيث لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُو حَسْبُه إِنَّ اللَّه بَالِغُ أَمْرِه قَدْ جَعَلَ اللَّه لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}. وقال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّه مِنْ أَمْرِه يُسْرًا}.
وبيّن أن الله تعالى أظلكم بشهر مبارك كريم، يبسط فيه الله الرحمة الواسعة، ويجمع فيه من العبادات ما لم يجتمع في غيره؛ ليستكثر المسلمون فيه من الفضائل والحسنات، وليبتعدوا عن المنكرات.
وتابع فضيلته بأن حقيقة العبادات فعل ما أمر الله به وجوباً أو استحباباً، وترك ما نهى الله عنه خوفاً من عقابه؛ قال تعالى {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أو أنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَأولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}.
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن رمضان اجتمعت فيه الصلوات فروضاً ونوافل، والزكاة على من وجبت عليه، والحج الأصغر –وهو العمرة-، فعن النبي صلى الله عليه وسلم “عمرة في رمضان تعدل حجة معي”. كما اجتمع فيه أنواع البر والإحسان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنواع الذكر، وأعظمها تلاوة القرآن.
وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي بأن جميع المسلمين يفرحون ببشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِي قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّه -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّه قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فِيه لَيْلَة خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فَرَضَ اللَّه صِيَامَه، وَجَعَلَ قِيَامَ لَيْلِه تَطَوُّعًا، فَمَنْ تَطَوَّعَ فِيه بِخِصْلَة مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَة فِيمَا سِوَاه، وَمَنْ أَدَّى فِيه فَرِيضَة كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَة، وَهُو شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُه الْجَنَّة، وَهُو شَهْرُ الْمُوَاسَاة، وَهُو شَهْرٌ يُزَادُ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ فِيه. مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَه عِتْقُ رَقَبَة وَمَغْفِرَة لِذُنُوبِهِ”. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه، لَيْسَ كُلُّنَا يَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، قَالَ: “يُعْطِي اللَّه هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مَذْقَة لَبَنٍ، أو تَمْرَة، أو شَرْبَة مَاءٍ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِمًا كَانَ لَه مَغْفِرَة لِذُنُوبِه، وَسَقَاه اللَّه مِنْ حَوْضِي شَرْبَة لَا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّة، وَكَانَ لَه مِثْلُ أَجْرِه مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِه شَيْئًا. وَهُو شَهْرٌ أوله رَحْمَة، وَأوسطه مَغْفِرَة، وَآخِرُه عِتْقٌ مِنَ النَّارِ. وَمَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِه فِيه أَعْتَقَه اللَّه مِنَ النَّارِ”.
وبيّن فضيلته أن السماء والأرض تتهيآن لاستقبال رمضان كما تستعد القلوب المستقيمة لتلقي القرآن، فللقرآن في شهر رمضان سطوة وتأثير على القلوب لضعف نوازع الشر ودواعي الشهوات بالصوم.
وأوضح أنه إذا كانت أول ليلة من رمضان فُتحت أبواب الجنان، وغلقت أبواب النار؛ فعن أبي هريرة “إذا كان أول ليلة من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدة الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنة فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخيرِ أقبلْ، ويا باغي الشرِّ أقْصرْ، ولله عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلة”.
وحث فضيلته المسلمين على استقبال شهر رمضان بالتوبة من كل ذنب، وأداء زكاة المال لمن وجبت عليه الزكاة.
وفي الخطبة الثانية أوضح فضيلته أن مما يفرح به الإنسان متاع الحياة الدنيا، وبين تعالى بعضًا منها، فقال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَة مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّة وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَة وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَاللَّه عِندَه حُسْنُ الْمَآبِ}.
وختم بالقول: إن نعيم الدنيا زائل، وإن ما يستحق أن يفرح به ما بسطه الله من الرحمة في هذا الشهر.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم ى الله ع ل ی ه و س ل إمام وخطیب المسجد المسجد النبوی رضی الله عنه ی الله عنه ی ا ر س ول ی الله ع أن یکون ض ی الل
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. لماذا يبتلينا الله؟.. الشيخ رمضان عبدالمعز يجيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، أن المؤمن في كل صغيرة وكبيرة من حياته، يعرض أموره على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويستنير بنورهما في كافة شؤون حياته، مشيرا إلى أن المؤمن دائمًا يقف مع نفسه ليعرض كل ما يمر به من شدة أو رخاء على القرآن والسنة، ويلجأ إلى الله في كل أمر، يعلم أن كل شيء بيد الله عز وجل.
وأضاف الشيخ رمضان عبد المعز، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على فضائية "dmc"، اليوم الأحد، أن القرآن الكريم يوضح كيف أن الله سبحانه وتعالى قد ابتلى الأمم السابقة بالفقر والمرض ليجعلهم يتضرعون إليه ويخضعون له، كما في سورة الأنعام، الله سبحانه وتعالى يخبر عن الأمم السابقة قائلاً: 'ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون'، فالله ابتلى بعض الأمم ليجعلهم يلجأون إليه ويتضرعون، لكن الكثير منهم لم يستجيبوا، بل قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.
وتابع أن هذا المشهد يُظهر الفرق بين المؤمن وغير المؤمن في التعامل مع البلاء، بينما المؤمن في شدائده يتوجه إلى الله بالدعاء والرجاء، يزداد غير المؤمن قسوة وابتعادًا عن الله، كما قال الله عن غير المؤمنين: 'ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر لجوا في طغيانهم يعمهون'، بينما المؤمن حين يبتلى يعلم أن الله هو القادر على أن يفرج همّه، فيلجأ إليه ويكثر من الدعاء والتضرع.
واستشهد الشيخ رمضان عبد المعز بقصة الصحابي الجليل عوف بن مالك الأشجعي، الذي عانى من ابتلاء شديد عندما أسر أعداؤه ابنه مالك، في الحرب، "عوف بن مالك ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي من أجل ابنه الذي كان أسيرًا لدى الأعداء، وطلب منه المساعدة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه قائلاً: 'أوصيك أنت وزوجك بتقوى الله، وأكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله'".
وأضاف: "النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه الكلمات تعني أن لا قدرة لنا على تغيير أوضاعنا إلا بتوفيق الله ورحمته، فإذا أردنا التحول من الشدة إلى اليسر، ومن المرض إلى الصحة، ومن الفقر إلى الغنى، فذلك لا يكون إلا بقدرة الله سبحانه وتعالى".
واستعرض كيف استجاب الله لدعاء عوف وزوجته، إذ قضوا الليل كله في التضرع والصلاة والدعاء، وفي صباح اليوم التالي فوجئوا بعودة ابنهم مالك إليهم وهو يحمل رؤوس الأغنام من غنائم العدو.